الشاعر الفلسطيني صلاح أبو لاوي في حوار مع «لا» :اليمن أوجع عدو الأمة كما لم يوجعه العرب والمسلمون من قبل وكان لفلسطين قلباً وروحاً وثورة
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا
أقول لأهلنا في اليمن: كنتم نِعْم الرجال في زمن العبيد والأنذال وسيحسب العدو لكم حساباً كلما فكّر أن يعتدي على قُطر عربي
ثمن الاستسلام أعلى من ثمن المقاومة... والأخطر من الهزيمة هو أن تطبِّع مع قاتلك
حوار - عادل عبده بشر / لا ميديا -
في زمنٍ تتقاطع فيه الكلمات مع الرصاص، ويُصبح الشعر مرآةً للموقف قبل أن يكون زخرفاً للقول، يطلّ الشاعر الفلسطيني صلاح أبو لاوي كصوتٍ من أصوات الذاكرة المقاومة. يقاتل بالكلمة، يكتب من وجع الأرض ومن يقين التحرير. يُعيد للقصيدة دورها الأول: «أن تكون جبهةً لا تُقهر».
من عمق الوجع الفلسطيني إلى اتساع الهمّ العربي، يكتب أبو لاوي بمدادٍ من إيمانٍ لا يلين، وبحبرٍ يفيض بالقدس وغزة والجنين والجنوب.
في هذا الحوار الخاص مع «لا»، يفتح لنا الشاعر قلبه وذاكرته، متحدثاً عن فلسطين التي تسكنه كقَدَرٍ أبدي، وعن الشِّعر بوصفه جبهة دفاعٍ عن الكرامة، وعن اليمن الذي يراه «مقدسيّ الروح والبدن»، وعن السيد حسن نصر الله كرمزٍ خالدٍ في ضمير الأمة.
القصيدة بوصفها ملاذاً من الفقد
في بداياتك، لم يكن الشِّعر زينة للغة، بل ملاذاً من الفقد ووسيلة للنجاة؛ فأيُّ وجعٍ أول قادك إلى القصيدة؟
الشِّعر والشاعر الفلسطينيان يولدان من المعاناة، تلك المعاناة الممتدة منذ مائة عام ولا تزال.
وُلدتُ بين نكبة ونكسة، في العام الثالث والستين من القرن المنصرم، وعشتُ ككل المهجّرين الفلسطينيين في ظروف صعبة، زادنا الإيمان بحتمية التحرير والعودة، وخيمتنا مفتوحة إلى الغرب، حيث الجرح الذي لم يندمل حتى الآن. ومنذ بواكير الوعي، وعلى حكايات أمي رحمها الله، رأيت فلسطين بكل تفاصيل الرواية، وعشت التهجير الذي عاشه شعبي، كما روته وكما يرويه أهل المخيم من حولي، فكان الشاعر، الشاب المتحمّس للتحرير، قبل حماسته للكتابة، ولا يزال الحال، كحال فلسطين حتى الآن، هو هو، بل زاد قهراً في القلوب أنّ بعض أبناء جلدتنا صاروا حرّاساً للمحتل.
فلسطين..الجسد من نور والوجع بارود
في كل ما تكتب، تطلّ فلسطين كجسد من نور، لا كمكان. ما الذي يجعلها بهذا الحضور السرمدي في لغتك؟
عشتُ فلسطين حلماً لا واقعاً، وحكاية من نار لا جنةً كما عاشها الأجداد؛ لذا كنت أراها أسطورةً من أساطير الزمان، لا مكاناً من حجارة وتراب، وبعين قلبي كلما أغمضها على وجعه، أرى دمها يسيل مع دمي، برائحة البارود والنعناع، ووصايا الشهداء، الهادر كبحرها. أيها الشاعر، هذه وصيتنا إليك، ابقِ الجرح جرحاً حتى يبرأ بالتحرير، وهكذا كان. هكذا آليت على نفسي أن أكتبها وأكتب الشهداء والأسرى والمقاومين، ضارباً بعرض الحائط كل الأفكار المنحرفة عن الحداثة، وهي ادعاءات يراد منها أن يترك الأديب موقعه المتقدم في صفوف الأمّة، ملتزماً بالجمال الذي يرفع من شأن البلاد والقصيدة.
الوطن والمنفى.. جدلية الانتماء والكرامة
من يتأمل أعمالك منذ “ليتني بين يديك حجر” وصولاً إلى “خسارات يوشع بن نون”، يلاحظ تصاعد الحسّ القومي والوجداني في تجربتك، وكثيراً ما تتناول قصائدك مواضيع الوطن والمنفى... كيف تتجلى هذه الثنائية في كتاباتك؟ وهل ترى أن الشاعر العربي اليوم ما زال قادراً على إحياء فكرة الانتماء والكرامة عبر القصيدة؟
أنا أؤمن أنّ الصراع هو صراع عربي إسلامي مع العدو الصهيوني، وما كان يجب بأي حال أن يتقزّم حتى يصبح صراعاً محدوداً على قطعة أرض بين الفلسطينيين والعدو؛ فالمقدسات لا تعنينا وحدنا، والأرض عربية، ومخططات الاحتلال أوسع مما يظن الساسة الجهلاء، أو العملاء، وها هي اليوم تتكشف النوايا بلسان العدو، وها هو يحتل أكثر من أرض عربية؛ لذا فقد دافعت عن الأوطان كلها دفاعي عن فلسطين، بل دفاعاً عن فلسطين، دافعت عن الأوطان، فالشاعر هو الرائي، وإن لم يكن كذلك فما هو بشاعر، ويستطيع بالشعر أن يرى ما رأته زرقاء اليمامة أو أبعد، وهذا دوره وواجبه تجاه بلاده.
الشِّعر جبهة والمبدع مقاتل في الميدان
أنت أحد الأصوات الشعرية التي ما زالت تُصرّ على تحويل القصيدة إلى جبهة مقاومة. كيف تفهم العلاقة بين الشِّعر والبندقية؟ وما الدور الذي يمكن للكلمة أن تلعبه في مواجهة العدو الصهيوني؟
للإجابة على هذا السؤال عليّ أن أسأل عن سبب اغتيال غسان كنفاني وناجي العلي وماجد أبو شرار... وسواهم؛ هل كان العدو سيرسل طائراته وعملاءه لاغتيالهم لو لم يكن لهم تأثير كبير في حركة الجماهير؟! إن هذا العدو يعلم وللأسف أكثر مما يعلم أبناء جلدتنا عن الدور الكبير الذي يلعبه المثقف، ولو ظل المثقف ثابتاً في موقعه متقدماً الصفوف لما كان حال أمتنا كهذا الحال.
نعم، أنا أؤمن أن الإبداع له رسالة هامة، وعلى المبدع أن يؤديها على أكمل وجه، تماماً كما يفعل المقاوم في خندقه المتقدم.
المثقف في زمن الانقسام والتطبيع
في زمن الانقسام والتطبيع، أين يقف المثقف؟ على الهامش أم في قلب العاصفة؟ وكيف ترى اليوم دور المثقف العربي في ظلّ هذا التفكك والخذلان السياسي؟
أرى أن الأخطر من الهزيمة هو أن تطبِّع مع قاتلك، فثمن الاستسلام أعلى بكثير من ثمن المقاومة، ولنا تجربة عربية وفلسطينية في هذا المسار، فلماذا لا يتعظ الساسة الآخرون بما وصل إليه حال فلسطين بعد ثلاثين عاماً من معاهدات الذل والهوان؟!
اليمن مقدسيّ الروح والبدن
في مجموعتك الشعرية الجديدة “خسارات يوشع بن نون”، خصصت قصيدة مؤثرة بعنوان “يمن”، وصفت فيها اليمن بأنه “مقدسيّ الروح والبدن”. ما الذي ألهمك كتابة هذا النص؟ وما الرسالة التي تود إيصالها إلى الشعب اليمني من خلال قصيدتك؟
اليمن كان حاضراً دائماً في شعري، ففي مجموعتي السابقة قصيدة لليمن، وفي مجموعتي الأخيرة أيضاً حضر اليمن بالسياق أو بقصيدة منفصلة؛ لأن اليمن شأنه شأن المقاومة الإسلامية في لبنان والعراق والجمهورية الإسلامية، وقف مع فلسطين كما لم يفعل أحد من قبل، وأوجع العدو في الماء والسماء والأرض كما لم يوجعه العرب والمسلمون من قبل، وظل ثابتاً رغم الاعتداءات عليه والإغراءات التي قدمت له، وسيظل ما دامت الحرب التي لم تنتهِ، حتى يرى التحرير.
أمّا عن رسالتي لأهلنا في اليمن، فأقول لهم: كنتم نِعْم الرجال في زمن العبيد والأنذال، وكنتم لفلسطين قلباً وروحاً وثورة، في الوقت الذي تخلى عنها أقرب الأقربين، والشعب الفلسطيني والشعوب الحرة كلها تثمن موقفكم ووقفتكم الشجاعة، وسيحسب العدو لكم حساباً كلما فكّر أن يتوسع أو أن يعتدي على قطر عربي.
سيد شهداء الأمة
كتبت قصيدتك «كأنك سهمٌ تفلّت من كربلاء» في رثاء سيد شهداء الأمة سماحة السيد حسن نصر الله. كشاعرٍ فلسطيني يرى في المقاومة مرآةً للكرامة الإنسانية، ماذا يمثّل لك السيد نصر الله؟
سيد الشهداء سماحة السيد حسن نصرالله ليس قائداً عادياً، وليس قائداً لبنانياً، بل هو قائد أممي مؤمن برفع الظلم، ومواجهة الاستكبار العالمي، كما هو مؤمن بتحرير القدس، وإن شاء الله تتحرر قريباً ونُهدي هذا التحرير لروحه السامية.
لذا فالشعب الفلسطيني يراه قائده وملهمه وداعمه الأول على طريق النضال، وما حزننا يوم استشهاده إلا دليل على مكانته في نفوسنا. وقصيدتي في رثائه التي قرأتها أثناء مشاركتي في مهرجان الأمناء الشعري الأول في لبنان، هي تعبير قليل عن هذا الوفاء للسيد حسن وللسادة الشهداء في لبنان واليمن والعراق والجمهورية الإسلامية وسورية.
نبوءة الانكسار الصهيوني
«خسارات يوشع بن نون» عنوان يُلمّح إلى انكسار البطل وانبعاث الوعي، فهل هي خسارة الشاعر أم الأمة؟
«خسارات يوشع بن نون»، وهذا عنوان مجموعتي الأخيرة، هي خسارات العدو الصهيوني، كما أراها تتحقق وستتحقق قريباً؛ فأنا أرى يوشع من خلال توراتهم المزيفة، فهو القاتل الذي قاد المجرمين أمثاله من عبدة العجل، فدمر أريحا وقتل رجالها وأطفالها وسبى نساءها، قبل أن يزحف إلى يبوس فيحرق القرى في طريقه ويحتلها لمدة ثلاثة وسبعين عاماً، وعلى خُطاه سيكون مصير قادة الكيان المجرمين. هذا ما تُبشر به المجموعة.
مرآة الزمن ومحرّض الأمل
إن كان الشِّعر مرآةً للزمن، فماذا ترى في انعكاسها اليوم؟ وطناً، أم وجوهاً تبحث عن وطن؟
الشِّعر في بعض جوانبه هو مرآة للزمن والمكان والشخوص؛ ولكن ليست هذه وظيفته الأسمى؛ فهو يجب أن يكون رائياً ومحرّضاً وباثّاً للأمل في نفوس الناس، فإن المقاتل في الميدان يردد قول الشهيد عبد الرحيم محمود:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا
وكذلك الشعوب العربية حين خرجت للشوارع فإنما هتفت مع أبي القاسم الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
وهذا هو الخلود للشاعر والقصيدة، وسيظل كذلك مهما حاول المنحرفون حرف القصيدة العربية عن مسارها.
مشروع الشعر المقاوم.. ما بعد الجوائز
في الأخير، هل يمكن أن تخبرنا عن مشروعك الإبداعي القادم؟
لا مشاريع خاصة لديّ، سوى أن أظل ما عاهدت الناس عليه، وفيّاً لهم وللبلاد وللمعذبين في الأرض، غير آبهٍ لتهديد أو وعيد، وغير طامعٍ بجائزة من هؤلاء العبيد. وكما أبقيت جذوة الشعر المقاوم متوقدة في الزمن الذي هاجر فيه الشعراء إلى أحلامهم الخاصة، سأظل كذلك ومن حولي الكثير ممن أدركوا دورهم وعادوا للمجابهة.
بطاقـــــــة تعريفيــــــة
صلاح أبـــو لاوي
شاعر فلسطيني، مواليد الأردن 1963.
عضو رابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
عضو نادي «أسرة القلم»، كما شغل منصب رئاسة النادي (2014-2016).
من أبرز مؤسسي «النادي العباسي، نادي أكثر من قراءة، مجموعة أسرى يكتبون».
صدرت له الأعمال الشعرية التالية:
- «ليتني بين يديك حجر» (1988).
- «الغيم يرسم سيرتي» (2008).
- «إني أرى شجراً» (2010).
- «يدور الكلام تعالى» (2013).
- «تُبِلو» (بالعربية والإنجليزية 2014، ثم بالفرنسية 2022).
- «نقش فلسطيني على سقف دمشق» (2017).
- «فعله صغيرهم هذا.. عنان» (2022) - فازت بجائزة رابطة الكتاب الأردنيين.
- «خسارات يوشع بن نون» (بيروت، دار البيان العربي، 2025)










المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا