دمشق - خاص / لا ميديا -
شكّل تظهير الهوية البصرية ورموز سورية الجديدة هاجساً عند سلطة الأمر الواقع الجديدة، برئاسة «أحمد الشرع» (أبو محمد الجولاني)، منذ وصولها إلى السلطة في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
من المعروف أن العلم والنشيد الوطني وشعار الدولة والعملة تعتبر الرموز الرئيسية للدولة، وتأكيداً لسيادتها واستقلالها وهويتها البصرية في تعاملاتها ومعاملاتها الرسمية في الداخل والخارج.
كان يمكن للسلطات الجديدة أن تتعامل مع الأمر بهدوء وموضوعية، وبأطر قانونية ودستورية؛ لأن اعتماد رموز الدولة يتم على أسس وطنية مستمدة من تاريخ البلد وهوية شعبه، وليس على أسس سلطوية، وبموجب مراسيم تصدر عن الرئاسة؛ لكن غياب منطق الدولة، وهاجس السلطة الحالية، لإلغاء كل ما يخص النظام المنهار ورموزه، شكّل أزمة لها قبل غيرها، إذ إن الرموز الموجودة حالياً، وبعد اقتراب مناسبة العام على التغيير، إما تم تغيير بعضها، وفق الأمر الواقع، فيما لا تزال رموز أخرى على حالها، لاستحالة تغييرها بسرعة، وإما دخل بعضها في الفراغ، إذ تم توقيف القديم، ولم يتم اعتماد جديد بدلاً عنه.
كان اعتماد العلم بألوانه الأخضر والأبيض والأسود ونجومه الحمراء الثلاث، بدل العلم السابق بنجمتيه الخضراوين وألوانه الأحمر والأبيض والأسود هو الأسهل بين رموز الدولة الجديدة، باعتبار تم رفعه، كهوية للمعارضة، منذ بدء الحراك في سورية عام 2011، وتم اعتماده رسمياً وشعبياً، بدون إطار قانوني، منذ لحظة سقوط نظام الأسد، وكانت هذه الخطوة الأهم في هذه التغيرات، خاصة وأن العلم القديم ارتبط بأدبيات ورمزيات شكلت حساسية، خاصة للمعارضة سابقاً، والتي أصبحت تشكل السلطة اليوم، مثل إطلاق توصيف أي منطقة يسيطر عليها الجيش السابق «عيونها خضراء» تشبيهاً بنجمتي العلم. وزاد الأمر تعقيداً توافق لون الباصات التي كانت تنقل المسلحين من المناطق التي كان يستولي عليها الجيش السوري السابق، إلى ادلب، مع لون النجمتين (الأخضر)، لتصبح الباصات الخضراء أحد رموز الأزمة السورية.
الهوية البصرية للدولة، واعتماد رمزها، الذي يوضع في الاختام والمعاملات الرسمية وجوازات السفر، كان العمل الوحيد الذي تم وفق قرار وفريق عمل، وتم إعلانه في حفل رسمي، وبنقل تلفزيوني، بوجود رئيس السلطة الانتقالية «أحمد الشرع» وأعضاء الحكومة، إذ تم استبدال النسر السوري بالعُقاب، مع رموز خاصة، فتم وضع ثلاث نجوم، مأخوذة من العلم، فوق رأس العُقاب، وتم وضع خمس نجوم في ذيل العُقاب، لتمثل ما اعتبره مصممو الرمز المناطق الجغرافية الكبرى في سورية، وهذا يتم لأول مرة، ورأى فيها البعض إشارة من السلطات إلى الفيدرالية؛ لأن المناطق الخمس تتوافق كثيراً مع الحدود المطروحة للمناطق الفيدرالية التي يتم الحديث عنها.
ورغم هذا الحشد والاهتمام الرسمي، فقد كان هناك توافق عند معظم السوريين على أن الرموز القديمة كانت أكثر جمالاً، وأكثر تعبيراً عن هوية سورية وتاريخها، إضافة إلى ارتباط تلك الرموز بوجدان الشرائح الأكبر من المجتمع السوري، وبمناسباته الوطنية والاجتماعية. كما أن إخراج الحفل فنياً وتلفزيونياً لم يكن بالمستوى الاحترافي الذي عهده السوريون في مثل هذه الاحتفالات والمناسبات، التي كانت تنجزها الكوادر الفنية والإعلامية في سورية.
النشيد الوطني للدولة دخل في حالة تخبط وفراغ، إذ تم توقيف النشيد السابق (حماة الديار) المعتمد كنشيد وطني منذ العام 1938، أي قبل استقلال سورية عن الاستعمار الفرنسي، وهذا يعني أنه ليس رمزاً محسوباً على مرحلة الأسدين، وهو من كلمات الشاعر والسياسي السوري خليل مردم بك، وألحان الأخوين اللبنانيين محمد وأحمد فليفل، وهو من جملة أناشيد وطنية يرددها السوريون وكل الأنظمة التي تعاقبت على سورية، منذ الاحتلال الفرنسي؛ لكن المشكلة أنه لم يتم اعتماد نشيد جديد حتى الآن، مع ما لهذه الرمزية من أهمية كبيرة عند الدول، لأنه يتم عزف النشيد الوطني في الزيارات الرسمية التي يقوم بها رئيس الدولة، وفي المناسبات الرسمية والسياسية والفنية والرياضية، الداخلية والخارجية.
بعد سقوط نظام بشار الأسد، عاد إلى الواجهة نشيد «في سبيل المجد»، وهو -كنشيد «حماة الديار»- من الأناشيد التي يرددها السوريون في احتفالاتهم ومناسباتهم الوطنية، وهو من كلمات السياسي والشاعر السوري عمر أبو ريشة، وأيضاً من تلحين الأخوين فليفل، وأبلغ الاتحاد السوري لكرة القدم الاتحادَ الدولي «فيفا» رسمياً قراره اعتماد هذا النشيد في مباريات كرة القدم، كنشيد مؤقت، حتى يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن النشيد الرسمي للدولة. لكن هذا النشيد لم يتم اعتماده رسمياً حتى الآن.
حل هذا الموضوع استلزم عقد لقاء جمع رئيس المرحلة المؤقتة، «أحمد الشرع»، بوزير الثقافة محمد الصالح، وهو شاعر كان يعمل في قناة «الجزيرة»، وعددٍ من الأدباء والشعراء المحسوبين على الحكم الجديد، ومن بين الحاضرين كان الشاعر والباحث الفلسطيني جهاد الترباني، المعروف باهتمامه بالتاريخ الإسلامي، وبقصائده التي دعمت «الثورة» السورية والمصرية، وأنشدها فنانون، أمثال فضل شاكر، وفريق «غرباء للفن الإسلامي»، إضافة إلى الأخوين الدغيم، الأول هو حسن الدغيم - عضو اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب وكاتب وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، وشقيقه أنس الدغيم - مدير عام مديريات الثقافة والمراكز الثقافية بوزارة الثقافة السورية، وهما محسوبان على التيار الإخواني. ولم يعرف ماذا نتج عن ذلك الاجتماع؛ لكن واضح جداً أن اعتماد نشيد وطني جديد يحظى باهتمام كبير عند السلطة، ويبدو أيضاً، من نوعية الحضور، أنه سيكون بصبغة إسلامية.
بقيت مسألة العملة، وهي التي تشكل «نكرزة» كبيرة للسلطة الحالية، باعتبار أن العملة المتداولة تحمل صورة الرئيس حافظ الأسد على فئة الأف ليرة، وصورة الرئيس بشار الأسد على فئة الألفي ليرة، وهما الأكثر تداولاً بيد المواطنين السوريين، وباعتبار أن تغيير العملة ليس بهذه البساطة، وله تأثير على الاقتصاد وحياة المواطنين، واستلزم الأمر كل هذا الوقت حتى خرج وزير المالية ليعلن قراراً بتغيير العملة، مع تخفيض كمية أوراقها بيد المواطنين، والتي أصبحت تشكل عبئاً عليهم، من خلال حذف صفرين من العملة الجديدة.
بين هوية قديمة ليس من السهولة محوها، وهوية جديدة ليس من السهل تظهيرها، يعيش السوريون على أمل أن يكون المستقبل أفضل، وتستقر أحوالهم كما تستقر رموزهم.










المصدر خاص / لا ميديا