تقرير / لا ميديا -
لم يعد المشهد في قطاع غزة مجرد معاناة إنسانية ناتجة عن حرب طويلة. ما يجري هو نموذج مكتمل لسياسة إبادة بطيئة، تُنفّذها المنظومة الصهيونية عبر أدوات متعددة: القصف، الحصار، التجويع، منع الإغاثة، واليوم -كما تؤكد الوقائع الميدانية- تحويل فصل الشتاء نفسه إلى سلاح يكمّل مشروع التدمير.
فالمخيمات التي غرقت خلال ساعات قليلة، ليس بفعل المطر وحده، بل بفعل تدمير الاحتلال للبنية التحتية وإصراره المتعمد على إبقاء غزة منطقة غير قابلة للحياة. كل قطرة مطر تهطل على القطاع تتحول إلى تهديد مباشر للحياة؛ لأن الاحتلال قام بتفجير شبكات الصرف الصحي، وتجريف الشوارع، وقطع المياه والكهرباء، ومنع وصول المعدات التي يمكنها تخفيف الكارثة. إنها طبقة أخرى من الحرب تضاف إلى سجلّ العدوان.
سلاح جديد للإبادة
من جهتها، اتهمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أمس السبت، الكيان الصهيوني باستخدام فصل الشتاء كسلاح إبادة جديد في قطاع غزة، عبر ترك آلاف النازحين يواجهون البرد القارس والفيضانات داخل خيام مهترئة ودون أي دعم إغاثي كافٍ.
وقالت الجبهة، في بيان، إن معاناة الفلسطينيين لم تعد تقتصر على القصف والتطهير العرقي، بل امتدت إلى «معاناة إنسانية ممنهجة»، مشيرة إلى أن الاحتلال يتعمد ترك المدنيين تحت المطر والرياح الشديدة، بما يشكّل أسلوب قتل بطيء عبر الفقر والمناخ.
وأضاف البيان أن تعريض النازحين للبرد والمطر دون مأوى ثابت أو وسائل تدفئة مناسبة يُعد جريمة تستوجب محاسبة دولية، معتبرة أن ما يحدث هو جزء من «استراتيجية شاملة لإضعاف ومحو إرادة الشعب الفلسطيني».
وحمّلت الجبهة كيان الاحتلال مسؤولية منع وصول الإغاثة الشتوية، بما في ذلك البطانيات والملابس الثقيلة ووقود التدفئة، مؤكدة أن القيود المفروضة على إدخال المساعدات تأتي في سياق مخطط ممنهج لتجريد السكان من وسائل الحماية الأساسية.
الدفاع المدني: غرقت غزة خلال ساعتين
الدفاع المدني في غزة، الذي يعمل بما يشبه «العدم»، أعلن أن المدينة غرقت خلال ساعتين، موضحاً أن الأُسر غرقت داخل خيامها، بينما الأطفال يرتجفون على صناديق بلاستيكية، والبلديات عاجزة بالكامل. والأخطر أن الاحتلال يمنع دخول نصف مليون خيمة يحتاجها السكان. هذا ليس إهمالاً، بل قرار سياسي واضح: إبقاء المدنيين مكشوفين للموت البطيء.
بلدية غزة كشفت أن شبكات تصريف الأمطار مدمّرة بالكامل، وأن المياه العادمة تجتاح المنازل. وحتى لو امتلكت خططاً لإدارة المنخفضات، فإن الاحتلال يجعل التنفيذ مهمة مستحيلة بمنع المعدات والمولدات وقطع الغيار. إنّها إدارة كاملة للدمار، وليس مجرد نتيجة حرب. الشتاء هنا ليس حدثاً مناخياً؛ إنه فصلٌ من فصول العقاب الاستراتيجي.
العدو يمنع الإغاثة
في السياق قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»: «لدينا مواد الإيواء؛ لكن الاحتلال يمنع إدخالها إلى غزة».
وأوضحت الوكالة أن الأمطار الغزيرة تزيد صعوبة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، مشيرة إلى أن العائلات النازحة تلجأ إلى أي مكان متاح، بما في ذلك الخيام المؤقتة.
وأكدت أن الحاجة إلى إمدادات الإيواء في غزة «ما زالت ماسة»، موضحة أن هذه الإمدادات متوفرة لديها، ودعت السلطات «الإسرائيلية» إلى إدخالها والسماح لها بتقديمها للسكان المتضررين فوراً.
الموت المؤجل في غزة
في سياق الجرائم الصهيونية ذاتها، تتقاطع المأساة مع تقارير دولية تؤكد عمق الجريمة. وكشفت مجلة «إيكونوميست» أن غزة اليوم تحتوي أكبر كتلة من الذخائر غير المنفجرة في العالم: 7 آلاف طن موزعة في 40% من الأحياء. إنها عبوة ناسفة ضخمة تحت الأرض، زرعها الاحتلال عبر عشرات آلاف الأطنان من المتفجرات.
ووفق الصحيفة، فإن كثيراً من الذخائر صممها العدو الصهيوني لتنفجر لاحقاً داخل الأبنية، وبعضها ينتظر أي حركة ليقتل من تبقى من سكان.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض المتفجرات يشبه لعب الأطفال، وما حدث للتوأمين يحيى ونبيلة الشرباصي مثال على ذلك، إذ أصيبا حينما كانا يلعبان بقنبلة ظنّاها لعبة. الاحتلال لا يكتفي بقتل من في الهواء، بل يترك موتاً مؤجلاً تحت الركام.
المنظمات الدولية نفسها باتت تعترف: إزالة هذا الكم من الموت المدفون قد يحتاج 30 عاماً. وحتى ذلك غير مضمون؛ لأن الاحتلال يمنع دخول المعدات الهندسية، ومنع الفلسطينيين من التدرب على إزالة المتفجرات. إنها جريمة مركّبة: نشر القنابل، ثم منع إزالة القنابل، ثم اتهام السكان بالفوضى.
طبخة أمريكية جديدة
على المستوى السياسي، يتكشّف الدور الأميركي بوضوح أكبر. مشروع القرار الجديد في مجلس الأمن -تحت عنوان «مجلس سلام» لغزة- ليس سوى إعادة ترتيب «مخرجات الحرب» لصالح المشروع الصهيوني. محاولة جديدة لإنتاج إدارة بديلة تشكل امتداداً وظيفياً للاحتلال وتعيد ضبط القطاع وفق مصالح أمريكا والكيان.
وكما هو معتاد، يُترك الشعب الفلسطيني تحت المطر والبرد والركام، بينما تُدار صفقاته السياسية في غرف مغلقة.
ومن المنتظر أن يصوت مجلس الأمن، غداً الاثنين، على مشروع القرار الأميركي بشأن غزة، والذي جرى تعديله مرات عدة.
وبحسب تقارير يقترح مشروع القرار منح تفويض حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2027 لـ«مجلس سلام» يتم تشكيله، وهو هيئة حكم انتقالي لغزة سيترأسها ترامب نظرياً، والسماح بنشر «قوة استقرار دولية موقتة» في القطاع.
اختطاف 15 فلسطينياً في الضفة
وفي الضفة الغربية المحتلة، يواصل العدو الصهيوني حملة اعتقالات ودهم في البرد القارس والأمطار، في رسالة مفادها أن يد الجريمة لا تتوقف، مهما كانت الظروف المناخية أو السياسية. 15 مختطفاً أمس السبت في نابلس وقلقيلية ورام الله، بما يشمل أسرى محررين وشباناً من المخيمات. العدو يريد توسيع دائرة السيطرة والإخضاع لتشمل كامل الأرض المحتلة، من غزة المحاصرة حتى مدن الضفة.










المصدر لا ميديا