زيارة الجولاني لواشنطن..محاولة لرسم هوية وخريطة جديدة لسورية والمنطقة
- تم النشر بواسطة خاص / لا ميديا
دمشق - خاص / لا ميديا -
لم يختلف السوريون يوماً على قضية كما اختلفوا على تقييم زيارة رئيس السلطة المؤقتة أحمد الشرع «أبو محمد الجولاني» إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث انقسموا بين مؤيد بشدة ومعارض بشدة، وكل من الطرفين كان له حججه ومبرراته، فيما وقف غالبية السوريين بعيدين عن هذا الجدل، ويطلبون فقط الأمان ولقمة العيش.
تناقل السوريون وقائع الزيارة لحظة بلحظة، فرأى الجمهور المؤيد أنها فتح عظيم، وأنها الأولى لرئيس سوري لواشنطن، متناسين أن أبوابها كانت مشرعة أمام الرئيس حافظ الأسد، في الوقت الذي كان يتسابق رؤساء العالم للحصول على فرصة لزيارة البيت الأبيض، لكنه فضل عدم زيارتها، وجاء بدلاً عن ذلك ثلاثة رؤساء أمريكيين إلى دمشق، وقطع ثلاثة آخرون نصف الطريق إلى جنيف للقائه هناك، في سابقة فريدة في العلاقات الدبلوماسية الدولية عموما، والأمريكية خصوصا، والتي كانت مائلة بقوة لصالح دمشق، وانفردت فيها عن بقية عواصم العالم.
كما ركزوا على تعطير ترامب للشرع، ووزير خارجيته أسعد الشيباني، ولعبه كرة السلة، مع قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال براد كوبر، والعميد كيفن لامبرت قائد قوة المهام المشتركة.
أما الجمهور المعارض، فقد ركز على طريقة الاستقبال، التي جرت للشرع، حيث تم إدخاله من باب جانبي، وتعرضه لتفتيش دقيق، والتقاه ترامب من وراء طاولته، ورأوا فيها إهانة لمكانة الدولة السورية.
وبغض النظر عن هذه التفاصيل، رغم أهميتها ورمزيتها، فإن زيارة الشرع لواشنطن، سبقها قرار من مجلس الأمن، تمت صياغته تحت الفصل السابع، برفع اسم الشرع ووزير داخليته أنس خطاب، من القائمة الأممية للشخصيات الإرهابية، وهذه الخطوة جاءت بجهود دبلوماسية أمريكية، ومن الرئيس ترامب شخصياً، الذي تدخل مع الرئيس الصيني (شي جين بينغ) لإقناعه بعدم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار، وهذا لم يأت من فراغ، أو كرمى لعيون الشرع، وإنما كان جزءا من مشروع تشكيل سورية الجديدة، التي يتم رسم معالمها وهويتها خطوة خطوة، وبمشاركين رئيسيين هم الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وتركيا، وغير بعيد عن هذه التشكيلة، دول مثل السعودية، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وتبين حتى الآن العديد من الأسس التي ستقوم عليها، وهي:
- إقامة علاقات تحالفية وثيقة مع دولة الاحتلال، تتضمن اتفاق الأمني، والتطبيع، وسط توقعات بعقد لقاء بين الشرع ونتنياهو، تم تأجيله عدة مرات، لاستكمال مشروع الاتفاقيات بين الجانبين.
- تشريع التواجد العسكري الأمريكي في «التنف»، ومطار الضمير، وحديث عن قاعدة في مطار المزة، على الطرف الغربي المباشر لدمشق، وهذا يجعل الأراضي السورية، تضم قوات من أمريكا، و«إسرائيل»، وتركيا، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، ودول عديدة أخرى.
- انضمام دمشق الى منظومة «السلام الإبراهيمي»، وهي الخطوة التي ستليها انضمام عدة دول عربية إلى الاتفاقية، لتصبح دستور المنطقة في المرحلة المقبلة.
كان لافتاً أنه خلال زيارة الجولاني لواشنطن تواجد وزير الخارجية التركي حقان فيدان، الذي لم يكن نشاطه يقل عن نشاط الجولاني، وتم عقد لقاء بينهما، وبحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني، ومع مسؤولين أمريكيين.
كما كان يتواجد وزير الشؤون الاستراتيجية «الإسرائيلية» رون ديرمر، المكلف بملف العلاقات والتفاوض مع سورية، وكانت معظم نشاطاته غير علنية.
كما سيزور واشنطن قريباً، ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ورئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وربما مسؤولون عرب وأجانب آخرون، على علاقة مباشرة بالملف السوري وقضايا المنطقة.
صالح الحموي القائد السابق في «جبهة النصرة»، وصديق الشرع قبل أن ينشق عنه، ويبدأ نشاطاً إعلامياً تحت عنوان «أس الصراع في بلاد الشام» وصف الزيارة بالمشؤومة، وتحدث عن ترتيب مختلف للزيارة، تم إلغاؤه لأسباب تخص «إسرائيل».
وأوضح الحموي أن الشرع سمع كلاماً ثقيلاً من ترامب وفريقه، بالقول رأينا إنجازاتك في الساحل والسويداء، والفساد المالي. وأضاف: معك ستة أشهر، وهذه آخر فرصة لك، ولن نتسامح بعدها معك، عليك تنفيذ شروطنا كاملة.
أما الشروط الأمريكية، بحسب ما كشفه الحموي فهي:
1. إنهاء ملف المقاتلين الأجانب كاملاً، حيث تراجعت أمريكا عن منحه استثناء بضمهم للجيش السوري.
2. منح الساحل، والسويداء، و«قسد» حكما لامركزيا كاملا.
3. ممنوع ارتكاب أي انتهاكات جديدة.
4. فتح طريق للمساعدات إلى السويداء.
5. إجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة.
6. إعادة هيكلة وزارة الدفاع والداخلية، بمعايير معينة ترضي أمريكا.
وأشار الحموي، إلى وجود بنود أخرى بقيت مغلقة، وأكد أن الشرع لن يكون قادراً على تنفيذ هذه الشروط، وأمريكا مقتنعة بأنّه لن يستطيع الوفاء بوعوده، وأن الأشهر الستة التي تم منحها له هي حاجة أمريكية لكسب الوقت فقط، لترتيب مشروع معين خاص بهم.
هذه الحركة السياسية والدبلوماسية النشطة تؤكد أن سورية والمنطقة قد تكون مقبلة على تطورات سياسية وميدانية هامة، وأن سيناريوهات يتم إنضاجها على نار هادئة، ولن يطول الوقت حتى تتضح معالمها، وستكون «النسخة الترامبية» لمشروع «الشرق الأوسط الجديد»، والتي سيتم محاولة تطبيقها ابتداء من سورية لتشمل في وقت لاحق كامل المنطقة.
الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب بالتأكيد الانتهاء من عدد من ملفات المنطقة، وتحديداً المتعلقة بفصائل وأطراف المقاومة، حيث سيتم استكمال الاتفاق حول غزة، ومحاولة التوصل إلى اتفاق مشابه حول المقاومة اللبنانية، وإيجاد حل للحشد الشعبي العراقي، ليتبقى اليمن العقدة الصعبة، ومن غير المعروف حتى الآن كيف سيتم حل هذه العقدة أو التعامل معها.
أما إيران، وباعتبارها دولة إقليمية مؤثرة، وتمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها، سيتم التعامل معها وفق أسس مختلفة، ومن شبه المؤكد أن مخططات تعد لاستهدافها من الداخل، وفي حال فشل ذلك، فقد يتم اللجوء إلى جولة ثانية من القتال، قد تكون أصعب وأشد ومن الجولة الأولى.
طبعاً، هذا ما يفكر به هذا التحالف، الذي يحاول تشكيل المنطقة وفق مصالحه فقط، لكن الطرف المقابل بالتأكيد يراقب ويدرس التطورات، ويضع المخططات، وهو يمتلك عوامل قوة كبيرة ومؤثرة لا يستهان بها، خاصة وأن الصين وروسيا معنيتان بشكل مباشر بما يجري، وبالتالي المنطقة تمر بمرحلة دقيقة وحساسة لتشكيل وتحديد هويتها النهائية، وهي تحتاج لبعض الوقت لظهور ملامحها ومعرفة إلى أين تسير؟ وأين ستتوقف؟










المصدر خاص / لا ميديا