قسم التحقيقات / لا ميديا -
يُعدّ أسبوع الشهيد في صنعاء مناسبة عظيمة تُستحضر فيها معاني التضحية والفداء، وتُستعاد خلالها سير أبطال قدّموا أرواحهم دفاعًا عن الأرض والكرامة، ففي هذه الأيام تتزيّن العاصمة والمحافظات بالفعاليات والبرامج الثقافية والاجتماعية التي تُبرز مكانة الشهداء ودورهم في صناعة حاضر الوطن ومستقبله، وإن في قصصهم عِبرةً تُلهم الأجيال وتُذكِّرهم بأن المجد لا يُصنع إلا بصدق العطاء، وفي مواقفهم عِظةٌ تعلّمنا معنى الصمود والثبات على الطريق الحق، ومن خلال إحياء أسبوع الشهيد أحيت صحيفة (لا) وجمعت قصصهم التي سُطرت في صفحاتٍ من نور.. ليجد الجميع فرصة لتجديد الوفاء لأولئك الذين كتبوا بدمائهم درسًا خالدًا في الشرف والبطولة.

يكفل الله أهلي من بعدي
كان الشهيد يوسف العابد (الشاهل -حجة) يردد دائمًا: «يكفّل الله أهلي من بعدي». وبعد استشهاده، تجلّى صدق الدعاء في حياة أسرته.
تحكي زوجته: «لم أتخيل أن الله سيعوضنا بهذا الشكل، تفوّق الطفلان بشكل لافت، وكأن العلم فطرة فيهما». ومع الأيام انفتح لها باب رزق مبارك من مشروع صغير لصناعة الكيك، نما سريعًا حتى أصبح مصدر دخل ثابت، تقول: «بدأت بخطوة بسيطة، واليوم صار رزقًا واسعًا».
وفي لمسة وفاء خصّ والد الشهيد حفيديه بنصيب كبير من ميراثه قائلاً: «هذان أولاد رجل اختار الجنة، وبركته تحل علينا جميعًا».. وهكذا رأى الجميع كيف كفَل الله الأيتام، فغمرتهم البركة ولم يعرفوا مرارة الفقد المادي قط.

الحمد لله قد وصلنا
كان «أبو الفضل» معروفًا بهدوئه وصمته، وقضى ليلته الأخيرة في حراسةٍ على قمة جبلية باردة مع الفجر، أصابته رصاصة قنّاص أثناء تبديل الموقع، فنال الشهادة. عندما وصلت فرقة الإنقاذ بعد ساعات، فوجئ الجميع أن جسده لم يتجمّد رغم البرد القارس كان وجهه مكشوفًا، تزينه ابتسامة مضيئة، وكأنها نُحتت عليه. ذكر رفيقه (عبدالله) الذي حمل الجثمان أن حرارة خفيفة انبعثت من خده الأيمن، وأن رائحة زكية كالبخور خرجت من قفازه وهو يلمس كتفه. ويروى أن آخر ما همس به «أبو الفضل» قبل استشهاده، وهو يراقب الأفق كان: «الحمد لله قد وصلنا».

اعتنوا به
حين تتحدث عن الجبهة، لا يمكنك أن تتجاهل تلك الوجوه التي كانت تُقاتل بصمت، وتُحبّ بصمتٍ أكبر. من بين هؤلاء كان أبو الأشتر الشرعبي، الرجل الذي لم يعرف الراحة إلا حين يطمئن على الآخرين.
يقول رفاقه: «كان لا ينام قبل أن يتأكد أن الجميع بخير، عيناه كانتا ترصدان الضعيف والمنهك كما لو كان قلبه هو الذي يبصر، لا بصره، إن وجد جندياً متعباً، قدّمه على نفسه في الماء، وإن رأى من أنهكه السهر، تولّى عنه الخفارة من غير أن يُسأل».
وفي الليلة الأخيرة، حين سقط جريحاً كانت إصابته قاتلة، لم يكن يهتم بنفسه، حيث يروي رفاقه: «إن يده اليمنى ظلت تشير نحو أحد الجنود المصابين، وكأنه يقول لنا: اعتنوا به». حتى وهو يحتضر، بقي كما كان دائماً يوصي بالرحمة.
بهذه التفاصيل الصغيرة لا يبدو أبو الأشتر مجرد مقاتل، بل إنسان أدرك أن البطولة الحقيقية لا تُقاس بعدد الرصاصات، بل بقدر ما يبقى من الرحمة في قلب الميدان.

النصر أو الشهادة
برز قيس عمران المعروف بين رفاقه بـ»المهندس» لقوته البدنية وعقله الذي يُخطط للمعركة كأنها رقعة شطرنج.. تحدث عنه رفيقه إبراهيم: «لم يكن يقتحم إلا بعد دراسة دقيقة لمواقع العدو ونقاط ضعفه، خططه كانت دائماً دقيقة». في مهمته الأخيرة، وضع خطة عبقرية لفك الحصار عن رفاقه في ميدي، وقاتل بشجاعة القائد الذي يعرف مصيره. يُروى عنه: «بعد استشهاده عُثر في جيبه على خريطة صغيرة، مرسوم عليها سهم نحو السماء ومكتوب: (الخطة الأخيرة.. النصر أو الشهادة)».

درب الكرامة
لا يولد النصر من فراغ، بل من دماءٍ طاهرة رسمت درب الكرامة، وكان عبدالله الظرافي أحد صُنّاع هذا الدرب.. كان ثابتًا لا يلين، يرى في التضحية حياةً لا موتًا.. تربّى على الإيمان والبذل، عُرف بسخائه وتواضعه، وكان ينفق ماله على رفاقه المجاهدين، انضم مبكرًا لمسيرة السيد حسين بدر الدين الحوثي، وتفوق في الهندسة المعمارية. شارك في معارك عمران، وساهم بدورٍ حاسم في دخول صنعاء، ونجا من محاولات اغتيال متكررة. قال عنه زملاؤه: «كان يواجه الأعداء بالحكمة، والسلاح عنده آخر الحلول».
أُصيب مرتين في المعارك، إحداهما بانفجار دبابة أثناء إصلاحها، لكنه نهض بعد العلاج وعاد إلى الجبهات بدراجته البسيطة. وارتقى شهيداً في 17 يوليو 2017، في المخا برصاصة غادرة، بعد حياةٍ ملأى بالعطاء والجهاد.

درب التضحية والولاء
ترك الشهيد محمد الكحلاني وصيةً خالدة تختصر مسيرته الإيمانية وجهاده الصادق في سبيل الله.. كانت كلماته رسالة ثباتٍ وإصرار على النهج الذي آمن به وسار عليه.
أكد الشهيد في وصيته لأسرته أن يتمسكوا بالمنهج الذي اختطه لنفسه، ماضين في ركب آل البيت عليهم السلام، مخلصين للمسيرة القرآنية، وماضين من أجل قضية إعلاء كلمة الله والسير على درب أولياء الله المجاهدين.
كما أوصى والده ووالدته بالصبر والاعتصام بالله في جميع أمورهم، مستمدين من الإيمان قوة التحمل والثبات على المبدأ.. «وصية الشهيد لم تكن كلمات وداع بل كانت عهداً متجذراً في الإيمان، يضيء الطريق لكل من يسير على درب التضحية والولاء لله».

نُحيي مجدًا لا يموت
يؤكد محمد الشرفي (مشرف تربوي) أن إحياء ذكرى أسبوع الشهيد ليس لاستذكار ذكرى عابرة، بل هو مجد خالد وتجديد للعهد مع أرواحٍ ارتقت من أجل الكرامة.. يقول: «في أسبوع الشهيد نُحيي أرواحًا ارتقت من صعدة الجريحة، ومن صبرٍ لم ينكسر، نُحيي شهداء الكبرياء الذين قالوا لا حين كان الصمت خيانة».
ويوضح الشرفي أن الشهيد ليس مجرد رقم، بل هو «المعنى الأسمى للفداء الذي اختار أن يكون سطرًا في التاريخ لا هامشًا».
ويختم: «نحن لا نرثيهم، بل نُحييهم، لا نبكيهم، بل نُبجّلهم، نُقسم لهم أن نبقى على العهد.. هم الحياة حين تموت الحياة، سلامٌ على أرواحهم، وسلامٌ على وطنٍ أنجبهم».

أوصي أهلي أن يفيقوا من الغفلة
تتحدث شقيقة الشهيد طه المتوكل عن أخيها: «طه لم يكن كغيره، كان مؤمناً أن طريقه هو طريق الله، يسير بثقة وطمأنينة وكأن النصر وعدٌ قريب.. في وصيته كتب: أحمد الله أني خرجت لأجاهد في سبيله، فقد بذلنا أرواحنا رخيصة لنصرة دينه، أوصي أهلي أن يفيقوا من الغفلة ويتحركوا بحركة القرآن، وأوصي أمي أن تفرح بشهادتي، فلا تحزن، فإني في طريق الحق والله سيربط على قلبها».
قبل أسبوع من استشهاده، أصيب بمرضٍ شديد، لكنه ما إن تعافى قليلاً حتى عاد إلى الجبهة، تضيف شقيقته: «في ذلك اليوم صدّ طه مع رفاقه زحفاً للعدو، وتمكن من تدمير ثلاث آليات بسلاح موجه، ثم باغتهم العدو بغاراتٍ ثلاث ارتقى على إثرها شهيداً في جبهة نهم بتاريخ 4 فبراير 2016».
تختم شقيقته: «أمي رفعت يديها وقالت: اللهم تقبل هذا القربان.. لم تبكِ، بل حمدت الله وشكرته بثباتٍ يليق بأمّ شهيد».

دقة ومهارة التخطيط
نشأ إبراهيم المؤيد المعروف باسم «أبو خليل» في أسرة دينية معروفة بالعلم بمحافظة صعدة، وانخرط في أحداث الحروب التي شهدتها المحافظة، وقد خسرت الأسرة ثلاثة من أبنائها خلال الحروب الست: حسن ومحمد وأحمد.
وبرز دور إبراهيم خلال الحربين الرابعة والخامسة، حيث بدأ اسمه يتردد داخل جبهات القتال، وبعد انتهاء الحروب الست أُسندت إليه مهام أمنية تتعلق بمكافحة التهريب والمخدرات في المحور الشمالي، ما أكسبه خبرة ميدانية توسعت لاحقاً مع توليه أدواراً تمزج بين الطابع الأمني والسياسي، بينها المشاركة في مفاوضات محلية.
مع بداية العدوان عام 2015، تولى المؤيد الإشراف على تشكيل خط دفاعي وهجومي على الشريط الحدودي بين نجران وعسير، واعتمد في تحركاته، وفق روايات رفاقه، على الاستطلاع الدقيق والتخطيط المباغت، وبرز دوره في عدة معارك أبرزها (معركة عُليب) التي شكّلت نقطة تحول في نشاط الجبهة الحدودية.
عرف عن المؤيد اهتمامه برفاقه ومتابعته لأوضاع الجرحى منهم. وفي أكتوبر 2017، وخلال عملية لإنقاذ مجموعة من الجرحى في إحدى الجبهات الحدودية، أصيب المؤيد في سلسلة غارات جوية. ورغم محاولات إسعافه، إلا أنه فارق الحياة في 25 أكتوبر 2017.

اتبعوا النهج الذي سرتُ عليه
في محافظة إب برز اسم الشهيد إدريس الكبسي بوصفه أحد الشباب الذين دفعهم إيمانهم العميق ومسؤوليتهم الدينية والإنسانية للمشاركة في الجبهات منذ الأيام الأولى للحرب.. عُرف إدريس بين أهله ومعارفه بهدوئه واتزانه، وحسن تعامله، والتزامه الديني الذي ظهر في محافظته على الصلاة واعتكافه المتكرر في المساجد، كما تروي شقيقته التي تؤكد أن هذا الجانب الروحي كان دافعاً أساسياً في اختياراته لاحقاً.
في الرابع من مايو 2015، وبعد قصف قرية المسقاه القريبة من مسقط رأسه (نيعان -مديرية السدة)، بدأ إدريس نشاطه في إسعاف الجرحى ونقلهم إلى صنعاء، وكانت تلك الحادثة المفصلية التي جعلته يتخذ قراره بالتوجه إلى الجبهات، خاصة بعد مشاهدته آثار القصف وما خلّفه من ضحايا مدنيين.
آمن إدريس كما كان يقول بالطريق القرآني الذي يجب أن ينهض به شباب الأمة، وكان شديد التأثر بمن يعتبرهم رموز الهداية، وعلى مدى عامين ظل حاضراً في الخطوط الأمامية للجبهات، حتى ارتقى شهيداً في 19 مارس 2017 بجبهة نهم.. لتبقى مشاركته جزءاً من مسار طويل بذله مع رفاقه.. ورغم ألم الغياب تقول شقيقته: «إن الأسرة شعرت بأن إدريس نال مقامه الذي يستحقه، لاسيما وأن آخر وصاياه كانت: اتبعوا النهج الذي سرتُ عليه».

المضي بثبات في طريق الصبر
ارتقى الشهيد أحمد الموشكي، أحد مجاهدي اللجان الشعبية من أبناء مغرب عنس بمحافظة ذمار، شهيداً بعد مسيرة امتدت لخمسة أعوام في عدد من الجبهات، جسّد خلالها أخلاقه الرفيعة وروحه المتوقدة في ميادين العمل والجهاد.
نشأ الموشكي في أسرة معروفة بالتدين والالتزام، وتشرّب منذ صغره قيم البذل والعطاء، فكان مثالاً في الأدب والتواضع وحسن التعامل، ومع بدء العدوان، التحق مبكراً بصفوف المدافعين، متنقلاً بين جبهات الحدود والبيضاء وشبوة، ثم عمل في آخر أيامه في الجانب اللوجستي في إحدى جبهات الوادي.
رغم صغر سنه الذي لم يتجاوز العشرين، كان أحمد يحظى بمكانة خاصة بين أسرته وأقاربه لما اتسم به من لياقة خلقية وهدوء وابتسامة دائمة. وكانت والدته شديدة التعلق به، تستقبله في زياراته القصيرة بفيضٍ من الخوف والحنين، بينما كان يواسيها بحضوره المتزن وكلماته الهادئة.
وفي آخر زيارة له، فوجئ بغرفة نوم جديدة أعدّتها أسرته تمهيداً لزواجه، غير أنه أبدى رغبته في أن يوجّه جزءاً من نفقاتها للفقراء والجبهات، في إشارة عفوية إلى شعوره بقصر مقامه في هذه الدنيا.
لم يمضِ وقت طويل حتى أُصيب في أحد مواقع الرباط، ونُقل إلى المستشفى في حالة حرجة، قبل أن يرتقي شهيداً، تلقّت عائلته الخبر بصبر وإيمان، رغم فداحة الفاجعة.
ترك أحمد خلفه ذاكرة حافلة بالمواقف النبيلة، وابتسامة لم تفارق وجهه، ورسالة ظل يرددها في حياته: «المضي بثبات في طريق العطاء والصبر والإيمان».

قضية دين وانتماء
الشهيد نبيل الراشدي (أبو علي) حمل همَّ وطن وقلب مجاهد.. شاب تجاوز سنّه، وسبق عمره في البذل والصبر والجهاد، اختار طريق الجبهات منذ الأيام الأولى للعدوان، رافضاً كل أشكال الخنوع، حاملاً يقينه بالله وبقضية وطنه.
بدأ مشواره الجهادي مع اللجان الشعبية في مهام التوعية والدعوة للثبات، ثم انتقل إلى جبهات الساحل والحديدة، حيث رابط سنوات دون أن تغريه العودة إلى صنعاء إلا مرات قليلة، كان خلالها يَضيق صدراً بما يراه من تراجعٍ في هِمم البعض، فيدعو لهم بالهداية والثبات.
على الرغم من خوف أمه عليه، ظلّ متمسكاً بخياره، واعداً إياها أن يعود لإكمال دراسته حين تتوقف الحرب، عرفه رفاقه بصلابته وشدة إيمانه، وبأنه لا يطيق الابتعاد عن موقعه، قضى ثلاث سنوات مرابطاً مقاتلاً في جبهة حيس، حتى ارتقى شهيداً ثابتاً شامخاً. وكان الشهيد قد ترك وصية موجّهة لأهله وكل من عرفه، قال فيها: «إن القضية ليست قضية أرض فحسب، بل قضية دين وانتماء لأهل بيت رسول الله». طالبهم بالثبات والوعي، ورفض التخاذل، مؤكداً أنه اختار الطريق الذي لن يتراجع عنه، وأن الشهادة غايته التي نالها.

أماه.. لا تبكي
تميّز الشهيد هاشم الماخذي منذ طفولته بذكاء فطري واعتماد كامل على نفسه، فكان يتفوق دراسياً دون جهد يُذكر، هادئ الخُلق، منظم، ومحبوب من معلميه وزملائه، التحق بالمسيرة القرآنية في سن الثانية عشرة وكان أول أفراد أسرته انضماماً لها.
كبر هاشم ملتزماً ومتديناً، يربي إخوته على الأدب والصلاة، ويحمل إحساساً مبكراً بالمسؤولية، وبعد تخرجه من الثانوية، اتجه للجبهات، مشاركاً في نهم ومأرب وصرواح، وأُصيب برصاصة قناص لكنه عاد سريعاً للقتال.
انتقل لاحقاً إلى جبهة الساحل الغربي، وكان يخفي سفره عن أسرته حتى لا يسبب لهم القلق، في آخر اتصال له بوالدته قال عبارته التي بقيت وصيته: «أماه.. لا تبكي»، وبعد أيام استشهد ودُفن في موقع المعركة لتعذر نقله. رحل هاشم وبقيت سيرته شاهدة على شجاعته وطهارته وإيمانه العميق.

مركز ثقافي ومأوىً للنازحين
الشهيد أبو بكر الريامي (أبو حيدر) استشهد في 19 أبريل 2018 في جبهة قانية بالبيضاء بعد سنوات من المشاركة في القتال والمهام الأمنية. بدأ نشاطه قبل الحرب السادسة، وحوّل منزله في ريام إلى مركز ثقافي ومأوى للنازحين وموقع انطلاق للمقاتلين من المنطقة، شارك في تأمين مدينة رداع بعد ثورة 21 سبتمبر/ أيلول، ثم انتقل إلى جبهات عدة في البيضاء وأبين وعدن والضالع، متعرضاً لإصابات متكررة وفاقداً نجله الأكبر خلال المواجهات. ورغم إصاباته، واصل مهامه الجهادية، ومع اندلاع القتال في قانية شارك في مواجهات عنيفة انتهت باستشهاده متأثراً بجراحه.

الشهادة طريق إلى الله
منذ نشأته لم يكن طفلا عادياً رغم بساطة طفولته، تميز بذكائه وقبوله بين الناس، وبحماسه العفوي الذي كان يصدح به: «النصر للإسلام»، فتتعلق به القلوب قبل الآذان. كبر محسن في أسرة مجاهدة، وتشرب قيم النبل والإحسان حتى صار حديث كل من عرفه، دخل المدرسة وعمره خمس سنوات، ولازم شقيقه (علي) الذي يكبره بعام واحد، حتى بدا كأنه ظلّه.
ومع بدء العدوان، انطلق الشقيقان في طريق الجهاد من خمر إلى إب وعتمة والضالع وتعز وحيس، لم يكن محسن ينتظر تحشيداً أو دعوة؛ كان يشعر بمسؤولية أكبر من سنّه، جُرح مرات عدة، أخطرها في تعز، لكنه كان يعود إلى الجبهات قبل اكتمال شفائه، مدفوعاً بإيمان عميق بأن الجهاد رسالته. ظل علي رفيقه في الدورات والتحركات العسكرية، ومعاً حملا قناعة واحدة: أن الشهادة طريق إلى الله.
وفي يومٍ مشؤوم، استُهدف علي بغارة دقيقة أثناء جلوسه تحت شجرة، سارع محسن إليه، محاولاً إسعافه رغم توسلات عليّ بأن يعود خوفاً عليه، لكن محسن آثر البقاء معه، وحمله بيديه إلى طقم الإسعاف، لحظات بعدها جاءت الغارة الثانية، فارتقت روحيهما معاً.. رحل الشقيقان كجسد واحد وروح واحدة، مجسدين نموذجاً للأخوة الإيمانية والتضحية.
يمثّل الشهيد هيثم الغيلي أحد أبناء الوطن الذين قدّموا حياتهم في سبيل المبادئ والقيم التي آمنوا بها، ويستحضر محبّوه مسيرته باعتزاز، مستذكرين مواقفه الإنسانية وأثره في محيطه الاجتماعي. وكان هيثم معروفًا بين معارفه بروحه الملتزمة وحرصه على خدمة الآخرين، وهو ما ترك بصمة واضحة في حياة كل من عرفه، وتستمر ذكراه اليوم مصدر إلهام لمن يراه مثالًا للعطاء والإيمان بالمسؤولية تجاه المجتمع. تبقى سيرة الشهيد هيثم حاضرة في ذاكرة محبيه، شاهدًا على مسار حياة اتسم بالالتزام والإنسانية.

توفير الرعاية لأسرهم
أكد وزير النقل محمد قحيم في تصريحٍ خاص لـ(لا) أن «إحياء ذكرى الشهيد للعام 1447هـ يمثل محطة إيمانية ووطنية لتجديد العهد بالسير على نهج الشهداء، واستلهام دروس العزيمة والصمود في مواجهة التحديات».
وأضاف أن المناسبة تأتي للتأكيد على مسؤولية مؤسسات الدولة والجهات الحكومية في توفير الرعاية الكاملة لأسر الشهداء بعيداً عن الطابع الموسمي، تقديراً لتضحياتهم وما قدموه في سبيل الوطن.
وأشار قحيم إلى أن ترسيخ ثقافة الشهادة وقيم الإيثار والثبات يسهم في بناء وعي مجتمعي مدرك لمعاني العطاء والانتماء، فيما أبرزت دور قيادة الثورة في تعزيز صلابة الموقف اليمني وقدرته على فرض معادلات الردع خلال سنوات الصمود.