عادل بشر / لا ميديا -
في حين تتقاذف اليمن أزمات سياسية واقتصادية، يبدو أن الناقل الوطني "شركة الخطوط الجوية اليمنية" تدخل مرحلة مصيرية جديدة، فبعد عقود من تمثيلها لرمز السيادة والربط بين الداخل والخارج، تتكشف اليوم مؤشرات خطيرة إلى محاولات لتقليص دورها وتحويل خطوطها التشغيلية إلى شركات طيران خاصة يملكها رجال أعمال بالشراكة الخفية مع مسؤولين في ما تسمى "حكومة الشرعية" الموالية للسعودية والإمارات، وذلك ضمن مخطط لتدمير طيران اليمنية.
وتشير تقارير ومؤشرات رسمية وغير رسمية إلى وجود حركة متزايدة لدعم شركات طيران خاصة مرتبطة بنافذين في السعودية والإمارات لتشغيل خطوط إقليمية وداخلية، في نية فعلية لتجريد "اليمنية" من نشاطها تمهيداً لتصفيتها لصالح شركات مثل "طيران الملكة بلقيس" و"طيران عدن" و"فلاي عدن" و"حضرموت"، إلى جانب تسريبات عن شركات طيران أخرى يجري التحضير لمنحها تصاريح تشغيلية من قبل "حكومة الفنادق".

من "رمز الدولة" إلى مؤسسة شبه مشلولة
منذ تأسيسها في ستينيات القرن الماضي، ظلت شركة الخطوط الجوية اليمنية رمزاً للسيادة الوطنية ومفخرة للبلاد. غير أن سنوات عدوان التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن منذ العام 2015، أصابت الشركة بخسائر وأضرار كبيرة، جسّدها تقاسم السيطرة على المطارات، والحصار الجوي الذي رافق العدوان العسكري، إضافة إلى تدمير جزء كبير من أسطول الطائرات، جراء الاستهداف المباشر من قبل طائرات العدوان السعودي، ولاحقاً عبْر العدوان الصهيوني على مطار صنعاء الدولي، بخلاف تآكل ما تبقى من الطائرات لعدم اهتمام حكومة المرتزقة بإجراءات الصيانة الدورية، وما إلى ذلك من الأسباب التي ترافقت مع إدارة مالية متهمة بالفساد وسوء التخطيط، ومع ذلك بقيت اليمنية تؤدي الحد الأدنى من خدمات النقل الجوي، لتظل "الناقل الوطني الوحيد" المعترف به دولياً.
إلا أن هذا الوضع، كما يرى مراقبون، هيأ الأرضية لتدخلات سياسية واستثمارية وصفوها بـ"المشبوهة" التي تسعى لإزاحتها عن المشهد تدريجياً.

شركات الظل في الواجهة
في المقابل، بدأت تظهر خلال العامين الأخيرين شركات طيران خاصة تحمل رخصاً تشغيلية جديدة صادرة من عدن وشركة واحدة صدر ترخيصها من صنعاء عام 2013.
بحسب المعلومات المتداولة فإن هذه الشركات رغم كونها -وفقاً لبيانات إصدار التراخيص الرسمية- مملوكة لرجال أعمال وشركات خاصة؛ إلا أنها ليست سوى واجهة لشخصيات بارزة ومسؤولين في الحكومة الموالية للسعودية والإمارات؛ إذ تم إصدار تصاريح تشغيلية لشركات الطيران تلك رغم عدم توفر شروط الترخيص كمشغل جوي وأبرزها امتلاك الشركة المتقدمة للحصول على التصريح لطائرتين وفي الحد الأدنى طائرة مملوكة وطائرة مستأجرة.
وتُعد شركة "الملكة بلقيس للطيران" التي يملكها رجل الأعمال أحمد العيسي بالشراكة الخفية مع جلال عبد ربه منصور هادي، إحدى أبرز تلك الشركات التي عادت للواجهة بعد توقف طويل.
وبحسب المعلومات فإن شركة طيران بلقيس حصلت على رخصة المشغل الجوي من صنعاء عام 2013 بتوجيهات من مكتب رئاسة الجمهورية حينها، عبر جلال هادي، رغم عدم استيفاء الشركة لمتطلبات رخصة المشغل الجوي، وذلك بالمخالفة لقانون النقل الجوي ومعايير المنظمة الدولية للطيران (ICAO) وبالمخالفة الجسيمة لأنظمة ولوائح هيئة الطيران المدني، ولم تعمل الشركة منذ ذلك الوقت، حتى العام 2017، عندما جددت هيئة الطيران في عدن رخصة التشغيل لها بتوجيه من مكتب العميل هادي في الرياض، ثم دشنت أول رحلة لها "عدن - الخرطوم - عدن" في أذار/ مارس 2018، بطائرة واحدة تم استئجارها من شركة "تاركو" السودانية، وبعدها تم استئجار طائرة مصرية بنظام "الشارتر" أي الإيجار بالساعة، وهذا النوع من الإيجار مؤقت وفي الحالات الطارئة فقط، الأمر الذي يعني أن شركة بلقيس لن تقوم بمسؤولياتها في الإشراف والرقابة على أعمال الصيانة وتدريب الطواقم وتطبيق معايير السلامة؛ كون الطائرة مملوكة لشركة أخرى، وهو ما يتنافى مع شروط إصدار تصريح لشركات الطيران الذي يؤكد أيضاً مسؤولية هيئة الطيران في ممارسة دورها الرقابي والإشرافي على شركات الطيران لضمان حقوق وسلامة المسافرين على الشركة.
الشركة الأخرى هي "طيران عدن" التابعة لمجموعة القطيبي التجارية المدعوم من المرتزق أبو زرعة المحرمي، أحد قيادات الفصائل التابعة للإمارات في اليمن، وهذه الشركة تم الإعلان عن تدشين أولى رحلاتها من عدن إلى القاهرة أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بطائرة مستأجرة من طراز (بوينغ B-737-800).
هناك أيضاً تصريحات أصدرتها حكومة المرتزقة لشركات طيران خاصة أخرى منها "فلاي عدن" التابعة لمجموعة "باثواب" التجارية، و"طيران حضرموت"، وتم منحها تصاريح التشغيل رغم عدم استيفائها الشروط والمتطلبات.

"طيران الكريمي" مشروع أم واجهة مالية؟
في الآونة الأخيرة تداولت أوساط اقتصادية ومصرفية معلومات عن نية بنك الكريمي إنشاء شركة طيران جديدة بتمويل مباشر أو عبر ذراع استثمارية.
وبينما لم يصدر حتى الآن نفي أو تأكيد رسمي من إدارة البنك، تبرز تساؤلات حول صحة هذا المشروع وهل هو "استثماري" أم واجهة اقتصادية لجهات أكبر تريد السيطرة على أهم شريان نقل في البلاد!
في المحصلة يبدو أن اليمن يقف اليوم أمام مفترق طرق في مجال النقل الجوي؛ إما إصلاح "اليمنية" وإنقاذها كمؤسسة وطنية قادرة على النهوض مجدداً، وإما الاستسلام لتيار "الخوصصة" الذي قد يحول الطيران اليمني إلى ساحة تنافس بين شركات غير شفافة المصالح والتمويل.
وفي جميع الأحوال، تبقى الحقيقة الأهم، وهي أن "طيران اليمنية" ليست مجرد شركة، بل رمز سيادي وذاكرة وطنية، وأي عبث بمستقبلها يُعد جريمة اقتصادية وسياسية بحق اليمنيين جميعاً.