أكدت أن اليمن حقق نتائج هائلة لا يمكن إنكارها.. البحرية الأمريكية: يجب أن نتعلم من دروس «الحوثيين» في معاركنا المستقبلية
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا
عادل بشر / لا ميديا -
يبدو أن تداعيات المعركة البحرية بين اليمن والولايات المتحدة في البحر الأحمر، خلال خوض القوات المسلحة اليمنية معركة إسناد غزة ضد العدو "الإسرائيلي"، ستستمر إلى أمد غير قريب، لاسيما في الأوساط العسكرية الأمريكية، التي تكشف في كل مرة واحدة من الزوايا المتعددة لهذه الحرب، لتؤكد مجدداً أن ما يُنظر إليها كأعظم قوة بحرية في العالم، باتت اليوم مُلزمة بدراسة تجربة خصم لم يكون يوماً محسوباً على قائمة "الملهمين"، لكن نجاحه في فرض نتائج استراتيجية كبيرة بوسائل تُعدّ "بدائية" مقارنة بترسانة واشنطن المتطورة، جعله مادة بحثية داخل العقيدة القتالية الأمريكية.
هذه المفارقة هي جوهر دراسة تحليلية حديثة صادرة عن سلاح مشاة البحرية الأمريكي، كشفت حجم التحول في النظرة الأمريكية للمعارك المستقبلية، انطلاقاً من الدروس التي لقنتها قوات صنعاء لبحرية واشنطن في البحر الأحمر ومضيق المندب، فارضة على قوة عالمية إعادة التفكير في طريقة انتشارها واستدامتها وقدرتها على البقاء.
دروس من عدو غير متوقع
تحت عنوان "دروس من عدو غير متوقع.. ما الذي يمكن أن يتعلمه مشاة البحرية من الحوثيين؟"، نشرت رابطة مشاة البحرية الأمريكية (MCA)، دراستها التحليلية، مشددة على ضرورة أن يتعلم الجيش الأمريكي، وخصوصاً مشاة البحرية، من الدروس العملياتية التي فاجأتهم بها القوات المسلحة اليمنية في معركة البحر الأحمر.
وأفادت الدراسة بأن من وصفتهم بـ"الحوثيين" ليسوا من نوع الخصوم الذين يدرسهم سلاح مشاة البحرية الأمريكي عادةً للاستلهام العملياتي، ومع ذلك، خلال العام الماضي، تمكنت قوات صنعاء من تحدي أمن ممرات الشحن العالمية، وجذب القوة البحرية والجوية الأمريكية المستدامة إلى مسرح ثانوي، وفرض مليارات الدولارات من التكاليف التشغيلية والاقتصادية، كل ذلك دون نشر قطع بحرية أو سلاح جوي.
وأشارت إلى أنه "لا ينبغي لسلاح مشاة البحرية، بأي حال من الأحوال، أن يُعجب بأيديولوجية الحوثيين. ولكن بدلاً من ذلك، يجب استخلاص دروس عملياتية من مصادر غير متوقعة، للتكيف مع المعارك المستقبلية"، لافتة إلى أن قوات صنعاء "حققت نتائج هائلة لا يمكن إنكارها".
وأضافت: "إذا كان سلاح مشاة البحرية جاداً في القتال والفوز في بيئات متقشفة وموزعة، فيجب أن يكون على استعداد لدراسة حتى أكثر المصادر غير المتوقعة"، معتبرة أن حالة القوات اليمنية "تُقدم دروساً مكتسبة بشق الأنفس في القدرة على البقاء وعدم التماثل والاقتصاد العملياتي، والتي من شأنها أن تُلهم كيفية تطور فوج مشاة البحرية الساحلية وهيكل القوة الأوسع نطاقاً للمعركة المستقبلية".
التكلفة مقابل النتيجة
وأوضحت البحرية الأمريكية أن القوات المسلحة اليمنية، التي تشير إليها بـ"قوات الحوثيين"، أظهرت فهماً ناضجاً لعدم التماثل، من خلال استخدامها ذخائر رخيصة، مثل الطائرات التجارية بدون طيار وصواريخ كروز المعدلة والقوارب المحملة بالمتفجرات، لفرض تكاليف استراتيجية، إذ يتطلب كل صاروخ أو طائرة مُسيّرة مُعترضة رداً باهظ التكلفة، غالباً ما يكون على شكل صاروخ تطلقه مدمرة أمريكية تتراوح تكلفته بين مليون وأربعة ملايين دولار.
وأقرت بحرية واشنطن بأن "العمليات الدفاعية الأمريكية في البحر الأحمر والمناطق المحيطة به، كلّفت ما يزيد عن مليار دولار أمريكي من الذخائر والنفقات التشغيلية وحدها، بالإضافة إلى مليارات إضافية من التكاليف غير المباشرة. وبالمقارنة، فإن الطائرات المُسيّرة اليمنية تبلغ قيمتها 10,000 دولار أمريكي، بينما تصل قيمة صواريخ كروز 100,000 دولار".
وتابعت الدراسة: "بعيداً عن الاقتصاد، يستخدم الحوثيون أسراب الطائرات المُسيّرة والذخائر المُتسكعة لإغراق أنظمة الدفاع الجوي واستنزافها قبل شن ضربة مُتابعة". واعتبرت أن "هذا النموذج من التهديد الطبقي بسيط من الناحية التكتيكية؛ ولكنه ذكي من الناحية الاستراتيجية. فالهدف ليس بالضرورة تحقيق الإصابة؛ بل هو إجبار الولايات المتحدة وحلفائها على اتخاذ موقف دفاعي مستمر ومكلف وغير مستدام".
البقاء من خلال البساطة
الدراسة ذاتها أفادت بأن "أحد أكثر جوانب نموذج الحوثيين فاعلية هو قدرته على البقاء. فهم يحتفظون بشبكة موزعة ومتحركة من منصات الإطلاق التي غالباً ما يتم التخلي عنها أو إخفاؤها فور إطلاقها، فهم يستخدمون الشاحنات كقاذفات متحركة للصواريخ المجنحة والأنظمة الباليستية، وغالباً ما تكون مخفية في الكهوف أو معالم التضاريس حتى لحظات قبل الإطلاق. كما أن استخدامهم للتحكم في الانبعاثات يمنع الكشف المبكر لتلك القاذفات".
وأضافت: "إلى جانب ذلك يتم الحفاظ على الاتصالات في حدها الأدنى، وبمجرد تنفيذ الهجوم، يتفرق الأفراد في التضاريس أو يتركون القاذف خلفهم ببساطة. وهذا لا يحبط الاستخبارات والاستهداف فحسب، بل يحافظ أيضاً على القوة لاستمرار العمليات"، مؤكدة أن "الولايات المتحدة لم تتمكن من القضاء على هذه الأنظمة بشكل دائم قبل إطلاقها، رغم الوجود الأمريكي القوي في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع".
وشددت الدراسة على ضرورة أن "يتعلم سلاح مشاة البحرية، وخاصة وحدات فوج المشاة الساحلي (MLR) من هذا، فالبقاء في المعارك الحديثة لا يقتصر على الدروع أو التخفي فحسب، بل يشمل أيضاً صعوبة العثور عليها، وسرعة إطلاقها، وسرعة اختفائها. كما أن التركيز العقائدي على التنقل والتخفي والانضباط العملياتي يمكن أن يجعل القوات الأمريكية بعيدة المنال بالقدر نفسه، إذ أثبت الحوثيون أن القوة لا تحتاج إلى الفوز في معركة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع للبقاء فيها".
معضلة الأسلحة البحرية المشتركة
وقالت دراسة البحرية الأمريكية إن قوات صنعاء "تستخدم مجموعة متعددة الطبقات من الأسلحة، ما يُمثل معضلة حقيقية في مجال الأسلحة المشتركة للقوات البحرية"، مشيرة إلى أن الأسلحة اليمنية تشمل "صواريخ كروز مضادة للسفن، وأخرى هجومية برية، وصواريخ باليستية مضادة للسفن، ومركبات سطحية غير مأهولة، وطائرات مُسيّرة مُتسكعة، وهذه الأنظمة مجتمعة تُولّد بيئة تهديد يصعب مواجهتها".
وأضافت: "لقد أثبت الحوثيون أن الكم والتنوع، حتى مع انخفاض الجودة، يُمكن أن يُعقّدا عملية اتخاذ قرار العدو ويُبطئا وتيرة هجومهم. لذلك يجب على سلاح مشاة البحرية تبني عقلية مماثلة: تقديم تهديدات متعددة الطبقات، وزائدة عن الحاجة، ويصعب مواجهتها، وتتجاوز تكلفتها".
ووفقاً للبحرية الأمريكية فإن "الجانب الأكثر إثارة للقلق في نموذج الحوثيين هو قدرته على فرض عواقب عالمية دون امتلاك أي أصول استراتيجية، فمن خلال التكيف غير المنتظم والخيال العملياتي، شكلوا أنماط الشحن الدولية، وقيدوا مجموعتين هجوميتين لحاملات الطائرات الأمريكية، وأجبروا حلفاء الناتو على إعادة تموضع الأصول البحرية في البحر الأحمر".
إنجاز كبير بموارد أقل
وقالت دراسة البحرية الأمريكية: "كثيراً ما يتفاخر سلاح مشاة البحرية بقدرته على إنجاز المزيد بموارد أقل. لكننا نرى في الحوثيين جماعة تفعل ذلك تماماً وتحقق آثاراً استراتيجية. فهم لا يكتفون باستغلال مواردهم المحدودة، بل يُعظمونها بطرقٍ تتحدى حتى أكثر الجيوش تقدماً. وإذا كنا ننجح ضدهم اليوم فبفضل تفوقنا الاقتصادي والتكنولوجي، وليس لأننا نتفوق عليهم في الابتكار".
وخلصت الدراسة إلى أن "دراسة الحوثيين لا تتطلب تأييد أيديولوجيتهم أو تكتيكاتهم غير القانونية، بل تتطلب التواضع لإدراك أن الابتكار غالباً ما ينبع من أطراف ساحة المعركة، لا من قلبها"










المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا