تقرير / لا ميديا -
لا تزال غزة، تقف وحيدة في مواجهة آلة حرب صهيونية لا تكفّ عن سفك الدماء، في وقت يواصل فيه العدو الصهيوني المعتدي ارتكاب المزيد من الانتهاكات التي تُمعن في تقويض أي مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية في القطاع.
ولم تتوقف جرائم الاحتلال رغم الهدنة الهشّة الموقعة في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، والتي لم يظهر العدو الصهيوني أي التزام حقيقي بها، بل تحولت إلى غطاء لتمرير عمليات اغتيال جديدة، وتوسيع الاحتلال، وتشديد الخناق على المساعدات الإنسانية.
في أحدث فصول العدوان الدموي المستمر على غزة، استهدف طيران الاحتلال، أمس، منزلاً في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، مخلفاً عدداً من الإصابات، بعضها في حالة حرجة. ووصلت إلى مستشفيات غزة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية جثامين ثلاثة شهداء، إضافة إلى جثماني شهيدين آخرين تم انتشالهما من تحت الأنقاض، و11 إصابة مختلفة.

الهدنة.. إبادة هادئة
منذ بداية الهدنة الهشّة، استشهد 376 فلسطينياً، وأصيب 981 آخرون، وانتُشلت جثامين 626 شهيداً من تحت الركام، ما يرفع حصيلة الإبادة التي يشنها الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى 70,365 شهيداً و171,058 جريحاً، وفق وزارة الصحة في غزة. وهذه الأرقام وحدها تكفي لكشف طبيعة العدوان وسياسات القتل الممنهجة التي ينفذها الكيان الدموي بلا توقف.
ورغم التزام الفصائل الفلسطينية بالاتفاق، يواصل العدو الصهيوني خرق الهدنة في عدة مناطق من القطاع، مستخدماً استراتيجية مزدوجة: هجمات جوية محدودة، وعمليات برية خاطفة تستهدف مدنيين بذريعة «الأمن».
وفي السياق ذاته، سلّم عدد من المسلحين الذين تورطوا بالعمالة للعدو الصهيوني أنفسهم للأجهزة الأمنية في غزة، في خطوة تعكس رغبة محلية في تثبيت الاستقرار، في مقابل سلوك صهيوني يعمل بشكل ممنهج على تقويض أي ترتيبات تهدئة.
وبينما تتصاعد الدعوات الدولية والفلسطينية إلى الدخول المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل انسحاب القوات الصهيونية من القطاع، وبدء انتشار قوة استقرار دولية وفق الاتفاق، يشير سلوك الاحتلال إلى رغبة واضحة في عرقلة أي حل، عبر الاستمرار في استهداف المدنيين، ومنع دخول المساعدات، وإبقاء القطاع تحت ضغط خانق.

أطباء بلا حدود: الحرب مستمرة
على الصعيد الإنساني، أكد جاويد عبدالمنعم، رئيس منظمة أطباء بلا حدود، خلال منتدى الدوحة أن الوضع الطبي في غزة «لا يزال صعباً جداً كما كان دائماً». ورغم القدرة المحدودة على إجراء العمليات والولادات، فإن الطواقم تُضطر لاستخدام أدوية ومواد أدنى جودة، مع استمرار فقدان الإمدادات وتدمير المستشفيات. وقال عبدالمنعم، الذي عمل طبيبا في غزة في 2024، إن الهدنة الحالية ليست إلا وقف إطلاق نار شكليّ في ظلّ «قتل إسرائيل عشرات الفلسطينيين يوميا».
وأفاد رئيس منظمة أطباء بلا حدود، بأنه منذ بدء هدنة تشرين الأول/ أكتوبر، «لم تصل المساعدات إلى المستوى المطلوب... لم يحدث تغيير جوهري، بل يتم تسليحها (المساعدات)... لذا بالنسبة لنا، هذه سمة متواصلة من سمات الإبادة الجماعية».
وشدّد على أن المساعدات «تُستخدم كأداة، وهذا أمر لا ينبغي أن يحدث مع المساعدات الإنسانية».
الى جانب ذلك، أعلنت وكالة أونروا عن تشخيص 508 أطفال بسوء تغذية حاد، في مؤشر خطير على الانهيار الكامل لبيئة الرعاية المعيشية والصحية في غزة. هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات طبية، بل شهادة قاطعة على استخدام الاحتلال للتجويع كأداة حرب، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

الضفة الغربية: فصول جديدة من القتل والاستيطان
في الضفة الغربية المحتلة، استشهد الشابان مؤمن نضال أبو رياش (19 عاماً) وبراء بلال عيسى قبلان (21 عاماً) بعد إطلاق قوات الاحتلال النار على مركبة فلسطينية قرب عزون شرق قلقيلية في نابلس، واحتجاز جثمانيهما.
وبررت قوات الاحتلال الجريمة بوجود «خطر من الحجارة»، في رواية معلبة جاهزة لتبرير الجريمة، تسلّط الضوء على الطبيعة العدوانية لسياسات الاحتلال تجاه الفلسطينيين.
وعلى وقع هذه الجرائم، أعلن من يسمى «وزير المالية الإسرائيلي» بتسلئيل سموتريتش عن خطة ضخمة لتخصيص 2.7 مليار شيكل لإقامة 17 مغتصبة جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يؤكد أن حكومة الاحتلال تسعى لفرض وقائع جديدة على الأرض تسابق الوقت لإجهاض أي إمكانية لبقاء أي شكل للوجود الفلسطيني.
وفوق كل ذلك، كشفت تقارير صهيونية أن 110 أسرى فلسطينيين استشهدوا داخل السجون منذ تولي إيتمار بن غفير منصبه وزيراً للأمن الوطني، في مؤشر خطير على تصاعد الانتهاكات داخل غرف التحقيق والزنازين، وسط غياب تام للمساءلة.