«ملائكة» بلاضمير
 

يسرية الشرقي

يسرية الشرقي / لا ميديا -

حين يتخلى المحارب عن ساحة المعركة ليترك العزل والمواطنين يواجهون مصيرهم بمفردهم، يعد خائنا للوطن، وسيلحقه العار حتى الممات.. ولكل حرب جنودها.. والأطباء هم جنود حرب الأوبئة والجائحات، فماذا لو تخلوا عن دورهم بكل برود ودون أي شعور بالمسؤولية؟!
استوقفتني البارحة شكوى إحدى السيدات من كبار السن، وهي خارجة من عيادة طبية خاصة بأمراض الصدر، كانت تشتكي للمارة بأنها تعاني من مرض مزمن في الرئتين (الربو)، غير أن الطبيب أقفل عيادته وتخلى عن مهنته وقرر الالتزام بالحجر الصحي ودون سابق إنذار، في حين أن العشرات من الناس ينتظرن أمام عيادته، قرر أن يتخلى عن دوره في أشد وأحلك الظروف، لأنه لا يريد أن يعرض حياته للخطر.
ليس هذا وحسب؛ بل إن هناك العديد من أطباء أمراض الصدر ـ الذين يفترض أن يكونوا الأكثر دراية بالوباء المتفشي «كورونا» وغيره من الأمراض الوبائية الشائعة ـ قرروا أن يقللوا .
من أنشطتهم الطبية، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة، متخلين عن ضمائرهم، ومتنكرين لكل معايير شرف المهنة، ومتجاهلين للقسم العظيم الذي قطعوه على أنفسهم بأن يؤدوا عملهم بكل أمانة وصدق وشرف في خدمة البشرية وصون حياة الإنسان تحت كل الظروف والأحوال، فهؤلاء هم كالجيش الخائن لوطنه.
وليتني أعرف كيف يستطيع أحد هؤلاء أن يتخلى عن هذا القسم العظيم الذي يعد أهم أسلحة الأطباء والمحفز الأكبر لبقائهم في مواقعهم وحماية أنفسهم، أولاً ليتمكنوا من حماية الضعفاء والشعب المغلوب على أمره، فلا بديل عن الطبيب إلا الموت البطيء.. والخوف من المجهول الذي أصبح يحيط بالكثيرين ليس في بلادنا اليمن الحبيب؛ بل أيضا في بلدان تملك من التجهيزات الطبية والوقائية ما يمكنها من الوقوق على الأقل في وجه العدو الراهن «كورونا»، فكيف بشعب يعاني منذ سنوات من عدوان وحصار دمر جميع قطاعاته الأساسية والحيوية، وفي مقدمتها القطاع الطبي.
إلى أين سنصل بعد تخلي بعض الأطباء، لن أقول عن مواقعهم، ولكن عن متاريسهم في خضم حرب مع عدو لا يرى بالعين المجردة، ولا بديل لنا سوى مواجهته والقضاء عليه، والأطباء يمثلون الصف الأول في خط المواجهة، إلى جانبهم الوعي الشعبي بالالتزام بالحجر والطرق الوقائية الأخرى.
تخلي بعض الأطباء عن ممارسة دورهم دفعني إلى التساؤل: إلى أين سيؤول مصيرنا في حال تفشي كورونا، هل سيتخلى الجميع حقا عن أدوارهم؟ وهل ستبقى الجهات المختصة مكتوفة الأيدي، بينما القطاع الصحي المنهك أساساً يزداد انهيارا بسبب أمثال هؤلاء الأطباء معدومي الضمائر؟ ألن يستيقظ الضمير الإنساني لدى هؤلاء الأطباء المتحجرة قلوبهم؟ وهل حقا تحول أطباؤنا من «ضمير الإنسانية» إلى «أناس بلا ضمير»؟!

أترك تعليقاً

التعليقات