أم المدن
 

يسرية الشرقي

يسرية محمد / لا ميديا -

حين تقف لتتأمل مدينة صنعاء الأبية، تلك المدينة الرائعة، منذ آلاف السنين وهي تزداد جمالاً ورفعة منذ ما قبل الميلاد، وفي كل مرة يكتب عنها المؤرخون، تجد ما يجدد فيك حُب هذه المدينة الشامخة. يأتي شموخها ليس فقط من سلسلة الجبال التي تحيط بها، فهي أبية بأهلها وناسها، الذين تحكي كتب الباحثين والمؤرخين أن أصولهم تعود لسام بن نوح، فيما أقوال أخرى تشير إلى أن "مدينة آزال" نُسبت إلى حفيده. وتشير دراسات حديثة إلى أن الاسم "صنعاء" مأخوذٌ من المصدر "صنع" المشتقة منه كلمة "مصنعة"، والتي تعني باللغة السبئية: الحصن، وهذا بناءً على أول نص يشير إليها، ويعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد تحديداً. 
اليوم تُعد العاصمة السياسية والرسمية لليمن، وواحدة من أقدم المدن اليمنية المأهولة بالسكان، وتقع على سلسلة جبلية تُسمّى "السراة"، ويبلغ ارتفاعها عن مستوى سطح البحر حوالي 2300 متر. 
العديد من العوامل تتحكم في التمدد العمراني للمدينة، أبرزها الوضع الاقتصادي، بحيث يكون التمدد في الجهتين الشمالية والجنوبية كبيراً. أمّا في الجهة الشرقية والغربية فيكون أقل حدّة، علماً بأنّ أصحاب الدخل المحدود يفضلون السكن في الأماكن البعيدة عن العاصمة، نتيجة انخفاض أسعار الأراضي أو تكاليف الإيجار. ومهما اشتدت بهم الأوضاع إلَّا أن الناس مازالت تفضل العيش فيها، لجمالها وسحرها الفريد واعتدال أجوائها وطيبة أهلها وكرم أخلاقهم ومحبتهم للسلام والخير، وتوفر فرص العمل لكل فئات المجتمع. ولصنعاء القديمة أيضاً محبة خاصة في قلوب زائريها، ناهيك عن ساكنيها، وكأنهم يولدون بحبهم للمدينة ولجمالها...
لجمالها وموقعها وشدَّة تحصينها كانت ومازالت مطمعاً للغزاة المعتدين. وها هي اليوم تعيش منذ أكثر من أربعة أعوام حصاراً وقصفاً مستمراً لمقدراتها وممتلكاتها، حتى أن مدينة صنعاء القديمة، التي تُعد من أهم معالم التراث العالمي، تُقصف دون حراك من الجهات الأممية المعنية، أو ردع للمعتدين على مقدرات هذه المدينة الساحرة. وأكثر ما يؤلم قلبي وأنا أتأمل بيوتها وشوارعها أن أدعياء حُبها خانوها بعد أن احتضنت الغريب قبل القريب، فخانها الكثيرون ممن لا يحملون الضمير الإنساني. باعها أبناء اليمن السعيد وهم اليوم يبكون كالنساء على وطن لم يدافعوا عنه كالرجال... خانوك يا جميلة! خانوك بعد أن باعوك بأبخس الأثمان!!
حين ينتهي الأمل تنتهي الحياة، وأنا وكل حُرّ في هذا البلد مازلنا نؤمن بأن صنعاء، التي ومنذ ما قبل الميلاد وهي تصنع كل شيء، ها هي اليوم تصنع الرجال الأحرار، وتؤوي كل أبناء الوطن من كافة أرجائه وأطيافه، دون أن تُشعرهم بأنهم في غير مدنهم، فهي أم المدن اليمنية، ويغمرنا الأمل بأنها ستبقى كما كانت حُرَّة مستقلة... بين أرجاء صنعاء الأبية تجد اليوم أبناء تعز الحالمة وأبناء عدن الحرة وأبناء لحج وأبين ومأرب وذمار وحضرموت... تجد كل من يحمل الهوية اليمنية يعيش فيها بكل سلام وأمان. ينام الناس مطمئنين لجيرانهم أن لا أذى سيطالهم من جانبهم، سوى طيران غادر قد يفتك بأرواحهم وهم نائمون!
إنها أُمنا، والرحم اليمني الولَّاد لرجال الرجال الذين يقهرون العدو اليوم ليكون النصر في الغد القريب. 

أترك تعليقاً

التعليقات