محمد الصالحي

محمد الصالحي / لا ميديا -
في خضم التحولات الإقليمية والدولية التي تعصف بالمنطقة، يبرز الفرق بين ما واجهته حركات المقاومة في فلسطين، وحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، وبين ما واجهه النظام السوري خلال الأحداث الأخيرة التي أدت إلى انهياره، وكذلك الأنظمة العربية التي انهارت في الماضي، كنظام صدام حسين في العراق ونظام معمر القذافي في ليبيا ونظام صالح في اليمن ونظام بن علي في تونس ونظام مبارك في مصر ونظام البشير في السودان...
هذا الفرق يعكس جوهراً عميقاً في طبيعة تلك الحركات مقارنةً بالأنظمة، خصوصاً في قدرتها على الصمود أمام التحديات وإفشال المخططات الصهيوأمريكية التي استهدفتها.
ويعود ذلك إلى أن الاستقلالية في اتخاذ القرار هي واحد من أهم العوامل التي ميّزت حركات المقاومة عن الأنظمة العربية التي انهارت بشكل تام.
هذه الحركات، رغم تعاونها مع قوى دولية مثل روسيا والصين، أو قوى إقليمية مثل إيران، ظلت قادرة على الحفاظ على استقلاليتها في القرار. هذا التعاون القائم على المصالح المشتركة لم يتحول إلى تبعية، ما أتاح لها مساحة واسعة للتحرك بحرية ودون قيود خارجية. على العكس من ذلك، كانت الأنظمة العربية تعتمد اعتماداً مفرطاً على الحلفاء الخارجيين، ما جعلها عرضةً للضغوط والابتزاز.
وكذلك، فإن الاعتماد على الذات يُعد عاملاً آخر أسهم في صمود حركات المقاومة، فرغم الحصار والضغوط، تمكنت هذه الحركات من بناء قدراتها بجهود ذاتية وتطوير إمكاناتها العسكرية والاقتصادية بعيداً عن الاعتماد الكامل على الخارج. ففي غزة، استطاعت الفصائل الفلسطينية تطوير منظوماتها العسكرية رغم الحصار الشامل، وفي لبنان، تمكن حزب الله من إعادة بناء قوته بعد كل مواجهة مع «إسرائيل»، ما جعله يشكل تهديداً استراتيجياً دائماً لها. وفي اليمن، استطاع أنصار الله بناء قوة عسكرية وتطوير أسلحة نوعية حديثة.
هذه القدرة على الاعتماد على الذات تعكس إرادة هذه الحركات في تحقيق أهدافها دون انتظار دعم خارجي مشروط.
وما يميّز حركات المقاومة أيضاً هو إيمانها العميق بعدالة قضيتها واعتمادها على دعم شعبي واسع. هذا الإيمان منحها شرعية شعبية وسياسية عززت قدرتها على الصمود والتصدي للمؤامرات. في المقابل، فقدت الأنظمة العربية -التي انهارت- شرعيتها بسبب فسادها واعتمادها المفرط على قوى أجنبية كانت تملي عليها قراراتها وتحدد مصيرها.
النظام السوري، ورغم صموده في وجه الحرب التي اندلعت منذ العام 2011، اعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي من إيران وروسيا، الذي كان حاسماً في بقائه؛ لكنه قيد استقلالية قراراته إلى حد كبير. أما حركات المقاومة، فرغم تعاونها مع الحلفاء، احتفظت بالكلمة الأخيرة في قراراتها.
إن قدرة حركات المقاومة على مواجهة المخططات الصهيوأمريكية لم تقتصر على الصمود، بل تجاوزت ذلك إلى تحقيق إنجازات ملموسة فرضت معادلات جديدة في المنطقة. هذه الحركات استطاعت، بفضل استقلاليتها واعتمادها على نفسها وإيمانها الراسخ بقضيتها، أن تتفوق على الأنظمة التي انهارت تحت وطأة الضغوط الخارجية وفقدان الشرعية الداخلية.
من الواضح أن المستقبل يحمل المزيد من التحديات لهذه الحركات؛ لكن التجارب السابقة تثبت أن استقلالية القرار والإيمان بالقضية هما العاملان الحاسمان في تحقيق الصمود والانتصار.
فحركات المقاومة، التي تجمع بين التحدي السياسي والعسكري والإرادة الشعبية، تمثل نموذجاً فريداً في قدرتها على مواجهة القوى الكبرى وإفشال مخططاتها في المنطقة. هذا الصمود لا يقتصر على الحفاظ على الوجود فحسب، بل يتعداه إلى إعادة صياغة المشهد السياسي والاستراتيجي في المنطقة، ليبقى مصدر قلق دائم لـ»إسرائيل» وحلفائها الغربيين.

أترك تعليقاً

التعليقات