صنعاء للرياض: معادلة الردع حاسمة
 

محمد نبيل اليوسفي

محمد نبيل اليوسفي / لا ميديا -
في خِضَمِّ التصعيد الجاري بين مطالب صنعاء ومماطلة الرياض ومراوغتِها، تُصرّ صنعاء على مطلبٍ جوهري لا لبس فيه: المساواة كأَسَاس لأية تسوية سياسية. فلا سلامَ مقبول دون تحقيق ثلاث خطواتٍ جوهرية:
أولاً: السيادة الكاملة على الأرض والثروات.
ثانياً: رفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعب اليمني.
ثالثاً: الشراكة الحقيقية في صنع القرار، لا التبعية أَو الهيمنة.
إن جواب صنعاء واضحٌ وحاسم: إما المساواة وإما معادلة الردع. فقرارها الوطني لم يكن يوماً موضع تفاوضٍ على الهوامش، بل كان دائماً خالصاً، لا يضع على طاولة المفاوضات سوى محاور السلام والمصداقية والمساواة، لا محاور التنازلات أو الحسابات الجانبية.
وقد جعلت صنعاء من مسار التفاوض فرصة تاريخية لا تُعوَّض، داعيةً الرياض إلى اغتنام هذه اللحظة قبل فوات الأوان. فإن أخفقت الرياض في الاستجابة، فإن حكومة صنعاء «لا تعجز عن قلب الطاولة»، وفرض معادلة الردع الكامل، واللجوء إلى استعادة الحقوق المسلوبة بالقوة في الميدان.
والمهم هنا أن معادلة الردع هذه ليست جديدة، بل حاضرةً منذ اليوم الأول للعدوان (السعوديّ - الإماراتي)؛ لكنها هذه المرة ستكون مختلفة تماماً في طبيعتها ونطاقها، فلن تقتصر على الرد العسكري فحسب، بل ستشمل مطاراً بمطار، وميناء بميناء، وبنكاً ببنك.
الأحداث الجارية اليوم تُشير بوضوح إلى منعطفٍ تاريخي، يؤكّد أن اليمن صانع موازين القوة الإقليمية، واستطاع أن يحوّل التحديات إلى فرص استراتيجية.
إن ما يُطرح اليوم على الساحة السياسية والعسكرية والاقتصادية ليس سوى بنود اتفاق يجب أن تستجيب له الرياض بدون مماطلة أَو مراوغة، والتفاوض نفسه لم يعد معياراً للمناورات السياسية، بل مِحْكَةً للثقة، ثقة تُقاس بقدرة الطرفين على تخفيف معاناة الشعب، لا بحسابات المصالح الضيقة أو ألاعيب التسويف.
وفي هذا السياق، تؤكّد القيادة الثورية ثباتها على موقفها ورؤيتها الواضحة تجاه العدوان، فإذا أرادت الرياض السلام الشامل فالباب مفتوح، وإذا اختارت المماطلة فالردع جاهز.
إن إنهاء العدوان، ورفع الحصار الكامل شرطان لا غنى عنهما، إضافة إلى إصلاح ما خلّفته عشر سنواتٍ من الحرب من تدهور للاقتصاد، وتدمير للبنية التحتية، وتفشي للفقر والجوع. والأهم أن صنعاء أكدت أن الابتزاز الاقتصادي الذي يمارسه التحالف لم يعد مؤثراً؛ لأن القرار السياسي اليوم في صنعاء سياديٌّ ومستقل، والرياض تدرك ذلك جيِّداً.
فاليمن لم يعد ذلك البلد الذي يتلقّى الضربات ويتحمّل الحصار، بل أصبح طرفاً مبادراً، يحوّل معاناة شعبه إلى منصةٍ لبناء الكفاءة والاستقلال الشامل: عسكرياً، اقتصادياً، وسياسياً. كما أن صنعاء لم تعد تكتفي بحماية منشآتها، بل باتت قادرةً على الردع، كما حدث في معركة إسناد القضية الفلسطينية، وفرض سيطرتها على المعابر البحرية الحيوية؛ ما شكّل ضغطاً مباشراً على الشريان الاقتصادي العالمي، وأربك حسابات العدوين «الإسرائيلي» والأمريكي معاً.
يمن اليوم ليس كالأمس، والبحر والجو، والتحول الاستراتيجي على امتداد الجغرافيا، كلها شواهد حية على أن القوة الجديدة قد وُلدت، وأن المساواة ليست خياراً، بل شرطٌ لا مفرّ منه.

أترك تعليقاً

التعليقات