المقدمات والسياقات التي أفضت إليها..
 لم تأتِ غزوة تعز مصادفة عرضية وإنما جاءت في سياق مقدمات  موضوعية وذاتية  أدت إليها أوضاع  القوة العدوانية التي تباشر العدوان منذ أشهر طويلة ضد الوطن وفي ظروف جديدة مختلفة عما كانت عليه في أشهرها الأولى حين كان العدوان لا يزال في  طور القوة والهجوم العام على كل الأصعدة الحربية والعامة، أما اليوم فإن الوضع صار مختلفاً، فقد أنتج العدوان ذاته، العوامل والأسباب المؤدية به للأزمات والانكسارات المتلاحقة والتراجعات المتوالية في كافة الجبهات، ونتيجة لها تشتد التحديات والضغوط التي باتت تحاصر المعتدي وتضيق عليه الخناق حتى بنيته الحاكمة المسيطرة، وفي اقتصاده وعلاقاته المجتمعية الداخلية ونسيجه الخاص، كما ترتد هذه النتائج الميدانية السلبية، على فضاءاته السياسية والإعلامية وعلاقاته الدولية ووضعه القانوني العام ومكانته الدولية التي تتحدد بها وتكتسب سمتها التي تميزها موضوعياً.
ويمكننا أن نوجز مجموعة من العوامل والدوافع والأسباب التي أدت إلى غزوة تعز في صورتها الحالية، وشكلت الظروف التاريخية التي عليها تتحرك الأحداث الجديدة وتحدد سماتها وتكسبها جوهرها الخاص المميز لها، وأهمها:
1 - التحول الاستراتيجي الميداني على الجبهة الرئيسية للصراع (تحولات موازين القوى). وتحول المبادأة الاستراتيجية هجوماً ودفاعاً بيد القوات اليمنية. وخاصة العمق السعودي الجنوبي ومأرب ومكيراس ثرة والساحل، فيما يقابله تآكل لمعنويات العدو وتفكك منظوماته.
2 - انهيار الخط الدفاعي الأمني المادي والإلكتروني والفضائي الذي سيج النظام طوال العقود الخمسة الماضية حين كان في حالة هجومية متصاعدة استناداً إلى الينابيع الدافقة للثروة والقوة الدولية للإمبريالية الجديدة المتوثبة القوية المسيطرة على ثلاثة أرباع القوة الاقتصادية العالمية.
3- المتغير الإقليمي الاستراتيجي الدولي الذي ولّدته علاقات القوى الجديدة النابتة في رحم العدوان ومقاومته الوطنية والإقليمية والأممية.
4-  الوثبة الروسية الجديدة وتداعياتها المباشرة على الوضع الصراعي العدواني.
5- الاختراق الحدودي العميق للجيش اليمني والأنصار وسيطرتهم على مواقع جديدة كل يوم.
6- تزايد النزاع الدولي والإقليمي حول باب المندب وتهديد الملاحة الدولية والأمن الدولي والإقليمي.
7- النتائج التي أفضت إليها مآلات الحرب السورية العراقية الروسية ضد الإرهاب وانعكاساتها المباشرة على العدوان والوطن.
8- توسع مجال الإرهاب والحرب عليه كنتيجة من نتائج العدوان الإمبريالي الأمريكي المباشر وبالوكالة ضد الشعوب الناهضة للحرية سعياً وكفاحاً.
9- المصير الكارثي الذي ينتظر المرتزقة المُحاصرين في مأرب كوفل. ولوجودهم الاحتلالي في جنوب اليمن، الموشك على انهيار مدوٍّ هائل سترتد تبعاته على الجزيرة كلها، إن لم يكن أوسع من ذلك بكثير.
10- انتقال الجيش إلى حالة الهجوم يجعل المرتزقة في كل المواقع الجنوبية تحت نيران الجيش اليمني والأنصار.. ولذلك تواجه السعودية خيارات صعبة تدفعها بعنف للتقدم نحو الشمال -(ولا مشكلة طالما المرتزقة هم من يدفع فاتورة الدم وليس هي أو الأسرة أو القبيلة الذهبية المخدورة في الخيام)- إلى المرتفعات الشمالية في تعز نحو الشريجة والراهدة ونحو باب المندب وذو باب في الساحل الغربي للمحافظة المنكوبة المسيطرة على الممرات المائية الأهم في العالم، وبهذا الصدد تتبدى علاقة إسرائيل التي عبرت عن أطماعها بوضوح كما أكد رئيس أركانها السابق مؤخراً (هانتس). وهذا يظهر بوضوح الدوافع الدولية الاستعمارية المتلاشية في ظل سيطرة الجيش اليمني القومي التحرري. وهو دافع قوي لغزوة تعز يضاف إلى أولويات السعودية وأولويات أسيادها أيضاً.
الأزمة السياسية الداخلية للأسرة الحاكمة التي تبحث عن مخرج قبل أن تتفجر المشكلات وتعصف بالجميع.
11- الأزمة القانونية والمسئولية الجنائية الدولية عن العدوان ومصير الأسطورة (الشرعية) و(حكومتها) المنفية التي هي شماعة العدوان، وكل تبريره الجنائي تلبيتها لاستضافة (رئيس شرعي منتخب) لتدمير بلاده انتقاماً من شعبه الذي طرده من الحكم نتيجة فساده وتآمره على وحدته وترابه الوطني وسيادته الوطنية.
12- الافتقار إلى الأرض التي تدعي سيطرتها الشرعية عليها (الاحتياج لأرض مناسبة)؛ ومشكلة (الشرعية) المزورة، أنها بدون أرض تسيطر عليها داخل الإقليم اليمني الأساسي أبعد من الجنوب - الذي   يستحيل السيطرة عليه بدون تعز، بل داخل الأغلبية السكانية، وتعز وحدها تكوِّن أغلبيةً سكانية ترجح ميزان الأغلبية. إن مأساة تعز الوطنية هي في موقعها الجغرافي من العالم ومن الوطن في وقت واحد.
وفي جنيف 2 (المنتدى التفاوضي المتفق عليه إطاراً للحل الساسي) لابد أن تكون السعودية قادرة على موازنة قوى الخصم الآخر.
عاجلاً جداً.. البحث عن عاصمة مؤقتة
ومن المعلومات المنتشرة أن السعودية قد طلبت من هادي البحث له عن موطئ قدم داخل الأرض اليمنية لإقامة عاصمة بديلة مؤقتة تكون محطة لاسترداد العاصمة الأولى. وليس هناك أقرب من تعز.
فقد فُرض الآن على السعودية أن تضع الجنوب اليمني مواجَهةً للجنوب السعودي، ولا تستطيع أن تطلب أكثر من ذلك في ظل استمرار الانكسارات المتوالية على الحدود. فهي تخسر وتخسر، وتخسر كل يوم على الأرض في العمق ولم تعد عسير ونجران وجيزان مجرد أحلام وطنية زاهية كما كانت في القرن الماضي بل صارت على مرمى أحجار الجنود البواسل والمجاهدين. فقد خرب الرجال معادلة الانكسار التي بنتها السعودية وأعدتها من قبل العدوان، وحسبت أنها تستطيع التحرك بحرية في قتل اليمنيين كما تشاء، وعند الضرورة يمكنها أن تساوم: نوقف الضربات الجوية وتخرجون.. نوقف: وتدعوننا نعبر، نوقف: وتتركوننا وشأننا، نوقف القتل المجاني الهائل: وتدعوننا نستقر في الجنوب أو في حضرموت أو المهرة أو سقطرى، وتتوقعون صكوك غفران أبدية وتتنازلون عن الدعوات والمحاكم والتعويضات الشرعية.
هذه هي القواعد التي راهنت عليها وأعظمها كان ابتزاز الدماء القذر القبيح. سنقتلكم و نشرب وخنازيرنا أنخاب العهر على جثثكم وأولادكم ونسائكم وحطام مدنكم وقراكم ومدارسكم وأحبَّتكم وحقولكم وخبزكم ومساجدكم ومواشيكم.. ثم نساومكم على النسيان والصمت والاضطرار والحاجة إلى أتفه الضرورات والاحتياجات، وسوف نجعلكم تلعقون أحذية كلابنا لتترجونا أن نوقف سيول الجحيم؛ فلا نجيب إلا بشروطنا. 
لكن صمود الجيش اليمني والمجاهدين وصبر الشعب العظيم الأبي والشجاع الذي لم ينحنِ إلا لله؛ قد كسَّر المعادلة السابقة وأحالها إلى رماد تذروه الرياح.
فالتفاوض له قواعد ثابتة تقول بالتوازن بين القوى والنتائج والأهداف، وما تملكه السعودية الآن على الأرض إذا قُيِّم فإنه لا يعطيها أكثر من هذه القيمة القائلة: الجنوب = الجنوب. والنتيجة الآن هي التمركز حول تعز كخيار أخير. كي تفاوض تعز وباب المندب بجنوبها (أراضينا المُحتلة)، بينما تحافظ على تواجدها في جنوب البلاد. وهذه المقتضيات الاستراتيجية الوجودية التي تقف أمام العدو، تجعله غير قادر على التخلي عن الجنوب اليمني الآن مقابل جنوبها هي، وهذا محال الاستمرار فيه، بسبب ما تعيشه على الميدان أو في اقتصادها والمتغيرات السياسية التي تواجهها، وهي في حالة العاشق الولهان الفاقد للحيلة والبصيرة إلا فيما يصوره له المعشوق قريباً جداً، وهو أبعد من فرن الشمس. وهي الآن مقاربة على الإفلاس بينما تتضخم الخزائن الأمريكية والأوروبية من أرصدتها، وتكاد أرصدتها البنكية أن تنزف.
إن شهوة النفط المتوفر تحت الأرض اليمنية هو الذي يسيل لعابها، والنفط هو ربها الفعلي ولا رب لها سواه ولا تؤمن بغيره، ولذلك توجه قبلتها الآن نحو الشرق اليمني حيث النفط بعيد عن سيطرة الدولة اليمنية المنهكة.
تمهيداً لتحقيق الحلم.. (لقد أنفقت كثيراً فلماذا لا تأخذ حضرموت؟! أقلها كان العطاس الحليم جداً قد طالب اليمنيين أن يتنازلوا لها عن حضرموت، فهي أولى بها من الصعداويين!)
هذا الموقف لا يسمح لها بالخروج ولا بالدخول، فكلما حاولت أن تقدم على خطوات تنازلية ضرورية شغب بها حلفاؤها وعملاؤها: إلى أين المفر؟ ولسوف يأتي اليوم الذي لن يقبل فيه الجيش اليمني والأنصار التبادل: الجنوب اليمني بالجنوب اليمني؟ وحينها سوف تصبح المسألة مسألة تحرر وطني غير قابل للمساومة ولا التوقف عن المسيرة التحررية، ولن يقف الجيش اليمني عند الحدود الطبيعية لليمن التي تتجاوز خطوط جون فيلبي وسايكس بيكو وكوكس.
إن صبر اليمنيين لن يستمر إلى ما لا نهاية - وتحرير الأقاليم المحتلة يتم الآن بالتضحيات وحدها، ولن تكون قابلة للمساومات مع أحد؛ لكن الحكمة اليمانية أحياناً تتطابق مع المصالح العليا، ويمكن أن تستغل لحظات الحكمة والتجلي، والآن وقد حررناها، فما يجبرنا على أن نساوم بها مجدداً وقد أصبحت معنا؟
إن الجنوب اليمني الجنوبي سيكون المقابل لها؛ ولكن من قال إننا لا نستطيع أن نحرر جنوبنا الآخر؟! إن جيشنا قد تراجع ضمن اتفاقات واعتبارات وطنية لتسلم إلى أهلها ليحكموها، لا لتقع بأيدي الغرباء والاحتلال.

هل حقق العدو أهدافه
 العدوانية من غزوته؟
حدد العدو أهدافه باحتلال تعز كاملة والانتقال منها إلى صنعاء للسيطرة عليها واحتلالها وإعادة مراكز العملاء للحكم، ويجب ألا نأخذ كل ما يقوله العدو على محمل الجد لأننا اختبرناه على المحك العملي، ويمكن أن نأخذ الهدف المباشر جدياً وهو كافٍ الآن، لأن وضع الأهداف المباشرة هو الذي يقرر مصير الأهداف الأوسع اللاحقة.

تقييم أولي لمحصلة الهجمات العدوانية والمواجهات على المحاور المختلفة
طوال الشهر الماضي حشد العدو قواته على محاور: كرش والمضاربة والعارة والساحل وذباب والمندب، ودارت المعارك على هذه المحاور ولاتزال متواصلة، وقد تحددت المآلات العامة والتي يمكن إعطاء صورة عامة عنها:
الاتجاه الرئيسي لضربات العدو:
حاول العدو خلال الأيام الأولى أن يموه بشكل لافت اتجاه الضربة الكبرى لقواته فقد ظل يركز الهجمات الظاهرة نحو الساحل والوازعية وذو باب والمندب أكثر مما هي موجهة نحو الاتجاه المشرف على القواعد الرئيسية في العند ولحج وعدن، ولكن الجيش الوطني كان متنبهاً جيداً، فلم تنطلِ حيلة العدو: الضجة تكون في الغرب والهجمة الكبيرة في الشرق.
لكن يجب الاعتراف أنه قد بذل أقصى ما لديه وتلك قصارى طاقاته، ولم يعد بين يديه قوات جديدة قادرة على تغيير النتائج على الأرض. فقد أدت الضربات التي كالها له الجيش والأنصار على جميع المحاور، لتكبيده خسائر هائلة، حين رمى العدو أكثرية قواته إلى الميدان محاولاً أن يحقق بالمفاجأة والكتلية والكثافة البحرية والجوية والعنقوديات والمحرمات، ولو تقدماً بسيطاً يبرر تلك الخسائر والتكاليف الكبيرة.
نتائج المعركة وآفاق مستقبل الصراع على الأرض على ضوء النتائج المتحققة..
لم يحقق العدو أياً من الأهداف المعلنة، بل على العكس، فقد خسر المزيد من المناطق التي كانت تحت سيطرته قبل الغزو، وهذا مؤشر على خسارته لغزوة تعز التي هلل لها ورقص كثيراً وهدد وتوعد ونقل إلى شواطئها غرفة عملياته المركزية وأقام بها المارشال الذي لا تسقط له راية، وحشدت حوله الأركانات والقيادات الخبيرة بالحروب والخبرات الدولية الرفيعة ومدته بالتمويلات الشاملة؛ ولكن الديموغرافيا والتاريخ والاستراتيجية كانت عصية على الترويض.
وهي خسارة لها ما بعدها فعلاً فلن يكون قادراً بعد الآن على إعادة الكَرَّة ومعاودة الزحف بنفس القوة والزخم وسوف يتحول إلى معارك استنزاف هدفها إعاقة تحرك الجيش اليمني نحو الجنوب وعدم متابعة تحرير المناطق المحتلة. وكل العمليات العدوانية الآن تتجه نحو هذا الهدف بغرض تجميد الحركة إلى الأمام؛ لكن هذا بات مُتعذراً - والزحف يتواصل - والصمود يشتد.