غزة.. كربلاء العصر
- عبدالمؤمن جحاف الثلاثاء , 8 يـولـيـو , 2025 الساعة 8:41:31 PM
- 0 تعليقات
عبدالمؤمن جحاف / لا ميديا -
في كُلّ زمانٍ تُولد كربلاء جديدة؛ لأن كربلاء ليست واقعة منتهية في التاريخ، بل روح متكرّرة تختبر ضمير الأمة وتقيس مدى صدقها في مواجهة الطغيان والوقوف مع المظلوم. واليوم تقف غزة في قلب كربلاء المعاصرة، والدم الفلسطيني يسيل على درب الحسين متحدياً جبروت يزيد العصر: الكيان الصهيوني.
كربلاء لم تكن معركةً عسكرية، بل كانت صرخة في وجه الاستسلام والذل، ثورة على الانحراف الثقافي والسياسي والأخلاقي الذي أصاب الأمة بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). والحسين (عليه السلام) لم يخرج طالباً سلطة، بل خرج «يطلب إصلاح الأمة»، وهي ذاتها الروح التي تحَرّك المقاوم الفلسطيني اليوم حين يقف وحيداً في الميدان مدركاً أن ميزان القوى لا يرجّح كفته؛ لكنه يؤمن كما آمن الحسين أن الدم إذا سُفك في سبيل الله يُحدث في وعي الأمة ما لا تفعله الجيوش.
غزة منذ شهور تخوض كربلاءها. الأطفال يُذبحون كما ذُبح الرضيع عبد الله في أحضان أبيه، والبيوت تُحرق كما أُحرقت خيام آل بيت النبوة، والنساء تسبى وتُشرد وتُقتل كما سُبيت زينب وكُنّ في قلب المصيبة. كل ذلك يجري على مرأى ومسمع الأمة، التي صمت أغلبها كما صمتت الأمة وأهل الكوفة، وتخاذلت كما تخلّى أهل الشام، وتفرّجت كما تفرّجت القبائل حين عُرض رأس الحسين على رمح في طرقات الدولة الأموية.
بعد أن ذُبحت غزة، هل سيبقى العالم كما هو؟ هل تستقر أوضاع الأمة؟ أم تبدأ الأمة تغلي وتتوالى عليها اللعنات والنكبات جيلاً بعد جيل، وحتى نعيش نحن اليوم في زمنٍ تتساقط فيه العروش وتُفضح فيه الشعارات وتُكشف فيه كُلّ وجوه الزيف والتطبيع والعمالة؟
انظروا إلى التاريخ! أليست غزة اليوم مثل الحسين بالأمس؟! أليست محاصرة غريبة مستضعفة تواجه طغيان يزيد العصر وحدها؟! أليست الأمة تتفرج كما تفرجت آنذاك على الحسين؟! ثم ستندم كما ندم أهل العراق لكن بعد فوات.
لكن العرب يفرّطون كما فرّطوا بآل البيت، ثم لن يبقى لهم سوى الندم. يندبون الحسين وهم خذلوه، واليوم يبكون غزة وهم خذلوها. ويا لها من خسارة! ليست كخسارة أرض أَو مدينة، بل هي خسارة أمة حين تفقد أعظم رجالها وهي تعلم أنهم على الحق.
هي نكبة الأمة، أن تذبح عظماءها أَو تتركهم وحدهم في الميدان. هي النكبة حين لا ندرك القيمة إلا بعد أن تُفقد ولا نفيق إلا بعد أن يسقط الجدار ويدخل العدوّ. لكن في غزة كما في كربلاء هناك «حسين» وهناك «زينب» وهناك من يقول بملء القلب والدم: «لن نركع، لن نساوم، لن نبيع القضية». والمقاومة الفلسطينية رغم الألم والحصار والجراح تؤكّد بدمها أنها نهج كربلائي أصيل يحمل روحية «هيهات منا الذلة».
وإذا كانت كربلاء قد أخرجت للأمة معياراً خالداً للحق والباطل، فَإنَّ غزة اليوم تعيد ترسيم هذا المعيار. ليس الحياد موقفاً، ولا الصمت خياراً. من لم يكن مع الحسين فهو مع يزيد، ومن لم يقف مع غزة فهو شريك في الجريمة حتى بصمته.
غزة تفضح المواقف كما فضحت كربلاء جُبن القاعدين. تفرز الصفوف وتكشف الأقنعة، وتحفر في وجدان الأمة سؤالاً لا يسقط بالتقادم: أين كنت حين ذُبح الحسين؟! وأين تقف اليوم وغزة تُذبح ويُباد أهلها؟!
فغزة اليوم هي كربلاء العصر، وأطفالها شهداء الطف، ومقاوموها هم آل بيت الكرامة، و»هيهات منا الذلة» شعارهم في زمنٍ غاب فيه الشرف عن كثير من العواصم.
المصدر عبدالمؤمن جحاف
زيارة جميع مقالات: عبدالمؤمن جحاف