التهديدات الحدودية السورية على لبنان هل هي جدية؟ وكيف يمكن مقاربتها؟
- شارل أبي نادر الثلاثاء , 8 يـولـيـو , 2025 الساعة 8:41:34 PM
- 0 تعليقات
شارل أبي نادر / لا ميديا -
تابع اللبنانيون، مؤخراً، وبحذر شديد، وخاصة أبناء المناطق البقاعية الحدودية مع سورية، المعطيات التي تداولتها بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن وجود تهديدات حدودية من الداخل السوري باتجاه لبنان، سيكون رعاتها وأبطالها بعض المجموعات المسلحة المنتشرة في مناطق حمص والقصير، السوريين أو الأجانب منهم، القريبين عملياً من الأمن العام ومن السلطة السورية الحالية.
يزيد حساسية هذه المخاوف إمكان ربطها بالتفجير «الإرهابي» الدامي الذي طال كنيسة مار إلياس في دمشق، والغموض الذي دار حيال هوية منفذيها وأهدافهم، بعد أن اتهمت «داعش»، من دون اعتراف من التنظيم «الإرهابي» بذلك، ومن دون ثبوت أية معطيات تدينه بالجريمة «الإرهابية» عملياً.
طبعاً، لا يمكن لأي متابع، وخاصة اللبنانيين منهم، ألا أن يأخذوا الأمر على محمل الجد وبقوة. وما عزز جدية هذه المخاوف كشف مديرية المخابرات في الجيش اللبناني عن توقيفها خلية لتنظيم «داعش الإرهابي»، في ضاحية بيروت الجنوبية، في برج البراجنة، ما يرفع نسبة هذه المخاوف وجديتها.
في الواقع، هناك عدة عناصر ونقاط يجب الإضاءة عليها حتى يمكن مقاربة الموضوع من ناحية واقعية، لكي يبنى على الشيء مقتضاه، لناحية تقدير هذه المخاوف، أو لناحية إمكان مواجهتها، في ما لو كانت فعلياً موجودة وواردة.
أولاً: يجب الكلام عن الأهداف المحتملة لهذه المجموعات المسلحة، فيما لو قررت تنفيذ أي عمل عسكري ميداني باتجاه الداخل اللبناني.
ثانياً: يجب الإشارة إلى السبل الكفيلة بمواجهة هذا العمل، فيما لو أقدمت عليه تلك المجموعات المسلحة من الداخل السوري.
لناحية الأهداف:
أولاً: لا يمكن بتاتاً استبعاد وجود فكرة عند هؤلاء المسلحين ترتبط بروحية الانتقام من الداخل اللبناني، وتحديداً المقاومة وبيئتها، وذلك على خلفية الحرب التي نشبت في سورية، والتي كان للمقاومة فيها دور أساسي في مواجهة تلك المجموعات «الإرهابية» التي استهدفت الدولة والأمن في سورية. كما أن ما قامت به هذه المجموعات من أعمال قتل انتقامية في بلدات الساحل السوري ومدنه يفترض أن يحملوا شيئاً من هذا التفكير ضد الداخل اللبناني.
ثانياً: قد يكون هذا الهدف هو الأكثر واقعية فيما لو أقدمت هذه المجموعات على تنفيذ أي عمل «إرهابي» عسكري ضد لبنان، وهو أن تكون لاعباً مُنفِّذاً لمخطط إقليمي غربي أمريكي، للضغط على لبنان لتنفيذ أجندات سياسية لم يقتنع بها حتى اليوم، لناحية رضوخه لمطلب التطبيع مع كيان الاحتلال، وإلّا فالبديل نشر الفوضى القاتلة في لبنان، أو على الأقل في مناطقه البقاعية والشمالية الحدودية مع سورية، وذلك بواسطة تلك المجموعات «الإرهابية» المسلحة، والتي طالما كانت تنفذ أدواراً مشبوهة لمصلحة الأجندات الإقليمية والغربية التي استهدفت أكثر من دولة في المنطقة، وخاصة في العراق وسورية ولبنان سابقاً.
لناحية إمكان لبنان مواجهة هذه المخاطر:
مما لا شك فيه أن أي عملية توغل عسكرية تقوم بها المجموعات المسلحة من سورية باتجاه لبنان، ستواجه بضراوة وبقوة، في مناورة دفاعية واسعة وفعالة، من الجيش اللبناني والأهالي والعشائر والمقاومة وبيئتها. وهناك عدة معطيات تجعل فرص النجاح كبيرة جداً لإحباط أي محاولة من هذا النوع ضد الأراضي اللبنانية، خاصة أن مستوى الإمساك بالحدود اللبنانية السورية، الشرقية والشمالية، أصبح مؤخراً مرتفعاً جداً؛ وذلك لأسباب عدة، منها:
1 - زاد الجيش اللبناني، مؤخراً، انتشار وحداته على تلك الحدود، وخاصة في مناطق الهرمل مقابل بلدات حوش السيد علي وزيتا وحاويك وعقربة، والتي هجّرت مجموعات سورية مسلحة أهاليها اللبنانيين، حيث اعتدت على تلك البلدات من دون وجه حق.
2 - ما حصل في الساحل السوري من مجازر، وما يحصل في مناطق سورية أخرى من حوادث تعدٍّ ذات طابع مذهبي، جعل اللبنانيين، وخاصة أبناء المناطق البقاعية، يأخذون هذا الأمر بجدية واسعة. وهذا دفعهم لإعطاء اهتمام جدي، وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية، لتحضير خطط للدفاع بكل الوسائل عن أرضهم وأمنهم وممتلكاتهم، ولتحقيق حضور واعٍ وجهوزية فعالة ومراقبة متواصلة لتلك الحدود.
3 - بعد أن فعّل الجيش اللبناني، مؤخراً، آلية إقفال المعابر غير الشرعية على تلك الحدود، وارتفع مستوى ضبطها، انعكس الأمر إيجابياً من الناحيتين الأمنية والعسكرية، فزاد صعوبة نجاح المجموعات المسلحة في إحداث خرق أمني حدودي نحو الداخل اللبناني.
بناء على ما تقدم، فإن إمكان تكليف المجموعات المسلحة الموجودة في سورية بتنفيذ عملية مشبوهة للضغط على لبنان، هو احتمال وارد بنسبة معقولة، مع روح هؤلاء العدائية الانتقامية ضد بعض اللبنانيين أو كلهم. لكن تبقى فرص نجاح هذه المجموعات في تنفيذ عمل عسكري ميداني أمني ضد لبنان احتمالاً ضعيفاً جداً جداً، إذا لم يكن معدوماً بالكامل، وذلك للأسباب الواقعية المذكورة أعلاه.
محلل عسكري
واستراتيجي لبناني
المصدر شارل أبي نادر
زيارة جميع مقالات: شارل أبي نادر