شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
«صفقة تبادل الأسرى تعني هزيمة إسرائيل، لأنها تتضمن نهاية الحرب، رغم أنّ حماس لم تُهزم».
عندما يكون هكذا تعليق بن غفير عن تقييم صفقة التبادل بين حكومة العدو وبين حماس، مهدداً بالاستقالة من الحكومة إذا سلكت الصفقة (وهو ما حدث بالفعل لاحقاً حيث استقال جميع وزراء حزب بن غفير من حكومة النتن)...
وعندما تجتمع تعليقات أغلب وسائل إعلام العدو وأكثرها تطرفاً وتشدداً، حول أن هزيمة «إسرائيل» واضحة في الصفقة، حيث رأت أن «الاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة لا يضمن تحقيق الهدفين اللذَين وضعتهما إسرائيل لنفسها، وهما القضاء على حماس واستعادة الأسرى»، وأنه «لا يزال هناك عشرات الأسرى الإسرائيليين، وليس واضحاً كيف سيتم إطلاقهم في المرحلة الثانية»، ولا تزال حماس -بحسب وسائل الإعلام هذه- «في ظل غياب بديل آخر، المنظمةَ الحاكمة في القطاع»...
وعندما تظهر هذه الفرحة العارمة التي عبّر عنها أبناء غزة بعد إعلان سريان الاتفاق، والتي تؤكد قناعة الفلسطينيين بأن العدو انهزم رغم ما بذلوه من تضحيات ضخمة على الصعد كافة...
حينها يمكن أن نتساءل وبقوة:
لماذا وافق نتنياهو على الصفقة؟ وهل أرغم على القبول بها؟ وما الأسباب التي أملت عليه السير في صفقة أجمع أغلب الأطراف داخل الكيان على أنها تشكل هزيمة لـ«إسرائيل»؟
في الواقع، يوجد عدة أسباب لذلك، يمكن الإضاءة على أهمها:
أولاً: كان للمواجهات الأخيرة بين وحدات العدو والمقاومة الفلسطينية في شمال القطاع وتحديداً في بيت حانون وجباليا، وسقوط عدد كبير من الإصابات بين قتيل وجريح للعدو، أثر بالغ في دفع نتنياهو نحو البحث عن مخرج من المستنقع الذي أدخل فيه وحداته في المنطقة الشمالية الشرقية للقطاع، والتي تعتبر عملياً، الأقرب جغرافياً وميدانياً إلى مستوطنات الغلاف وإلى مواقع انتشار وحداته؛ وحيث أظهر سقوط هذا العدد الكبير من الإصابات بين وحداته أن قدرة المقاومة ما زالت قريبة لقدرتها بداية العدوان، فَهِم نتنياهو خطورة الاستمرار بعملية استنزاف خاسرة لجنوده، دون أفق واضح بإنهاء قدرة المقاومة وتحديداً حماس في القطاع، واسترجاع الأسرى دون تنازلات موجعة.
ثانياً: تبين أيضاً لنتنياهو أن هناك مشكلة مستعصية أخرى، فرضتها مناورة الإسناد اليمنية على «إسرائيل» وعلى حلفائها، لم يجد لها هؤلاء حلاً معقولاً، رغم التدخل الواسع ضد اليمن، باستهداف منشآته الحيوية، أو باستهداف أغلب المناطق التي اعتبرت مناطق حاضنة لقواعد إطلاق الصواريخ والمسيّرات اليمنية.
ومع تقدم الوقت في مناورة الإسناد اليمنية دعماً لغزة وللشعب الفلسطيني، تبيّن أيضاً أن مستوى الاستنزاف داخل الكيان ارتفع حتى لم يعد هناك قدرة على مواجهته والتعامل معه، حيث أصبحت حياة المستوطنين في داخل الكيان جحيماً بسبب العيش الدائم تحت كابوس الهروب إلى الملاجئ، وحيث ظهر عجز الدفاعات الجوية «الإسرائيلية» عن مواجهة الاستهدافات اليمنية واضحاً، وحيث أيضاً، ظهر العجز الغربي و«الإسرائيلي» المشترك عن إسكات نقاط الإطلاق الصاروخية والمسيّرة اليمنية واضحاً، وحيث لم يجد الأمريكيون وحلفاؤهم أية وسيلة لفرض ملاحة آمنة ومفتوحة في البحر الأحمر وباب المندب، دون تأثيرات يمنية مرتبطة بمناورة إسناد غزة.
ثالثًاً، وأخيراً: ربما كان أيضاً للإلحاح الأمريكي في الإسراع بإنهاء التسوية دور رئيسي في دفع نتنياهو نحو القبول بالصفقة، وحيث جاء هذا الإلحاح الأميركي مزدوجاً، من إدارة بايدن التي استعجلت تحقيق إنجازٍ ما في موضوع الصفقة قبل انتهاء ولايتها، ومن إدارة ترامب التي استعجلت أيضاً إنهاءها قبل وصولها إلى البيت الأبيض، بهدف الانطلاق بالحكم وملف الأسرى قد تم إنجازه والحرب في غزة قد توقفت.
أمام كل ذلك، يمكن فهم الأسباب الفعلية التي دفعت نتنياهو للقبول بالصفقة كما جاءت بنودها، فهل يستمر في تجرع كأس الهزيمة أم يتراجع وتستمر حربه المجنونة دون أفق؟

أترك تعليقاً

التعليقات