هل ينسحب العدو «الإسرائيلي» من لبنان تطبيقاً لاتفاق وقف إطلاق النار؟
- شارل أبي نادر الثلاثاء , 31 ديـسـمـبـر , 2024 الساعة 12:25:37 AM
- 0 تعليقات
شارل أبي نادر / لا ميديا -
صدر الكثير من التصريحات المتناقضة مؤخراً، حول مدى جدية وصدقية قرار العدو «الإسرائيلي» الانسحاب من المناطق الحدودية التي احتلها في لبنان بعد عدوانه الأخير. وفي الوقت الذي لمّحت أو عبّرت فيه عدة مصادر قريبة من دائرة القرار لدى الكيان، إلى أن مهلة الستين يوماً لانسحاب وحداتهم ليست ثابتة أو مؤكدة، دون أن يصدر إعلان رسمي من جانب العدو، تبقى نهاية المهلة المتبقية (قرابة الشهر) هي المعيار الفعلي للتأكد من انسحاب وحدات الاحتلال من عدم انسحابها.
في الواقع، هناك عدة معطيات سياسية وعسكرية وميدانية تشكل في ما بينها الحيثيات التي على أساسها يُبنى قرار العدو بالانسحاب، أو عدم الانسحاب في نهاية المهلة المذكورة. وهذه المعطيات يمكن تحديدها بالآتي:
أولاً: لناحية الجانب اللبناني، فهو بكامل مكوناته، من سلطة سياسية أو جيش لبناني أو مقاومة، لا يزال ملتزماً بما تعهد به من نقاط، استناداً لتفاهم تطبيق القرار (1701)، رغم مروحة الخروقات الواسعة التي ينفذها العدو، وفي الوقت الذي يعمل فيه الجيش اللبناني بأقصى جهوده لتأمين العديد والعتاد اللازم لتنفيذ الانتشار المطلوب منه في كامل منطقة جنوب الليطاني، وخاصة في الشريط الحدودي، التي ما زالت تحتلها وحدات العدو، فإن المقاومة تبدي كامل الاستعداد لتنفيذ المطلوب منها بتسهيل انتشار الجيش وإخلاء أي وجود عسكري لها من كامل جنوب الليطاني، وكل ذلك برعاية سياسية رسمية من السلطات اللبنانية المعنية، وبتنسيق واسع وصريح حول صعوبات ومعوقات التنفيذ، مع لجنة مراقبة تطبيق الاتفاق.
ثانياً: لناحية اللجنة المذكورة أعلاه، لجنة مراقبة تطبيق الاتفاق، والمؤلفة بالإضافة للجانبين اللبناني و»الإسرائيلي»، من عضو أمريكي كرئيس لها وعضو فرنسي وعضو تابع لقوات «اليونيفيل»، فإنها (اللجنة) حتى الآن لم تُظهر، وخاصة في ما يخص العضوين الأمريكي والفرنسي كطرفين صديقين للعدو، أية قدرة مطلوبة لإجبار الأخير على وقف الخروقات التي تخالف بنود اتفاق وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى أنها -كلجنة مراقبة تطبيق الاتفاق- لم تبرهن أي قدرة للتأثير في العدو، لثنيه عن تنفيذ توغلات ميدانية فاضحة في عمق المناطق الجنوبية كان قد عجز عن الوصول إليها في أثناء المواجهات مع المقاومة قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار، لتظهر من خلال عملها هذه حتى الآن أن دورها لا يتعدى دور المراقب فقط، دون أن تتمتع بأية صلاحية لإجبار الطرف «الإسرائيلي» المعتدي على تنفيذ التزاماته المحددة بالاتفاق.ثالثاً: أما لناحية الجانب «الإسرائيلي»، والذي هو الطرف الوحيد الذي يتجاوز الاتفاق عبر مروحة واسعة من الخروقات الفاضحة والعدوانية، فيمكن القول إن قراره بتنفيذ الانسحاب مرتبط بالنقاط الآتية:
• لقد ارتبطت مهلة الستين يوماً لانسحاب وحدات العدو بتنفيذ الجيش اللبناني انتشاراً ميدانياً وعسكرياً كاملاً في منطقة جنوب الليطاني حتى الحدود مع فلسطين المحتلة، وبوجود عسكري حصري فقط لهذه الوحدات دون أي وجود عسكري للمقاومة تحت أي عنوان، والتزام الأخيرة بذلك واضح وصريح، الأمر الذي كانت تطالب به «إسرائيل» دائماً، وكان أساساً من ضمن أهداف عدوانها الأخير على لبنان، وعدم انسحابها استناداً للاتفاق يلغي حكماً التزامات الجانب اللبناني، وخاصة المقاومة، الأمر الذي يُبقي الوضعية العسكرية والميدانية نفسها التي كانت موجودة في جنوب الليطاني قبل العدوان الأخير، وبالتالي تبتعد «إسرائيل» عن إمكانية تحقيق أحد أهم أهدافها من العدوان.
• يبدو أن المستوى الذي تمارسه وحدات العدو اليوم من خروقات، انطلاقاً من احتلالها لشريط حدودي معين حالياً، وخاصة لناحية تفجيرات بعض المنازل أو بنى تحتية تدّعي أنها بنى عسكرية للمقاومة، بدأ ينخفض هذا المستوى، بسبب الحجم الهائل من التدمير الذي نفذته حتى الآن، وبسبب كشفها القدر الأكبر من البنى التحتية العسكرية للمقاومة في المنطقة الحدودية المحتلة، الأمر الذي يجعل بقاء وحداتها بعد انتهاء مهلة الستين يوماً دون جدوى عملانية، إلا تحت عنوان احتلال فقط، وذلك مقارنة مع ما يمكن أن تحققه من انسحابها الكامل لو طبقته، وخاصة في إبعاد القدرات العسكرية للمقاومة حتى حدود الليطاني.
• أيضاً، يبقى للعامل الحساس الذي حصل بعد سريان تفاهم وقف إطلاق النار، والمتعلق بالتغيير السياسي والأمني والعسكري في سورية، تأثير كبير في الموقف «الإسرائيلي» من الساحة اللبنانية، وحيث تعتبر «إسرائيل» أن قطع الشريان الأهم للإمداد اللوجستي للمقاومة قد تحقق عبر هذا التغيير، فإن لذلك تأثيراً مهمّاً لناحية التزامها بتنفيذ انسحابها، كون تعويض المقاومة لقدراتها العسكرية التي خسرتها في المواجهة الأخيرة سيكون صعباً وشاقاً، الأمر الذي يرى فيه العدو هامشاً من الأمان كان يفتقده قبل التغيير الأخير في سورية، ومع هذا الأمان حالياً سيسهل على العدو الابتعاد عن الجغرافية المباشرة لمتابعة حركة التسلح لدى المقاومة، والتي طالما سببت له أرقاً، وكانت دائماً تشكل له هاجساً أمنياً وعسكرياً.
أخيراً، وحيث لا يمكن أن نأخذ أي اعتبار لصدقية الاحتلال أمام الأطراف الدولية التي تتضمنها لجنة المراقبة، والذي لا يراعي بتاتاً موقفه والتزاماته أمام هذه الأطراف، فإن ما ذُكر أعلاه لناحية ما يراه العدو من مصلحة له في الانسحاب، يبقى الدافع الأساسي الذي سيرجّح كفة تطبيقه ما التزم به وتنفيذ الانسحاب، مع إمكانية حصول تأخير بسيط، سيضعه العدو ضمن الصعوبات التقنية غير المؤثرة في القرار النهائي بالانسحاب.
محلل عسكري واستراتيجي لبناني
المصدر شارل أبي نادر
زيارة جميع مقالات: شارل أبي نادر