بين كوارث الطبيعة وجرائم أمريكا.. إلى أين يتجه العالم؟
- شارل أبي نادر الأثنين , 13 فـبـرايـر , 2023 الساعة 7:00:43 PM
- 0 تعليقات
شارل أبي نادر / لا ميديا -
الزلزال العنيف الذي ضرب جنوب تركيا، كانت تداعياته مدمّرة عليها وعلى الدول المحيطة، وبالتحديد سورية المنكوبة. حدثت هذه الكارثة في ظل الحديث المتصاعد بقوة على الساحة الدولية حول إعادة إثارة جريمة غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق خداعاً عام 2003 بعد اختلاقها ادعاءً كاذباً امتلاكه أسلحة دمار شامل، ليكون الدور الأمريكي في إخراج وتنفيذ ورعاية تدمير العراق غير بعيد عن الدور نفسه اليوم في منع وعرقلة مساعدة سورية بإغاثة المنكوبين بالزلزال.
صحيح أنه يمكن القول إن هناك فارقاً بسيطاً بين جريمتي واشنطن في كل من العراق وسورية، وفيما قد لا يبدو منطقياً التشبيه بشكل كلّي؛ ولكن تبقى تداعيات التدخل الأمريكي المباشر قريبة بنسبة كبيرة بعضها من بعض بين العراق وبين سورية؛ وذلك للأسباب التالية:
أولاً: لناحية عدد القتلى والمصابين والدمار، حيث نتكلم في غزو العراق عن الملايين بين قتلى ومصابين ومتضررين مع دمار أصاب تقريباً كل البلاد، ومع خسارة البلاد ثروات ضخمة وإمكانيات وبنى تحتية، الأمر الذي يبقي هذه الأرقام قريبة من أرقام الخسائر في سورية، مع تفاوت بسيط نسبة للفارق في المساحة وعدد السكان وتنوع مصادر الطاقة.
ثانياً: لناحية المسؤولية الأمريكية الأساسية في غزو العراق أو في غزو سورية، حيث قادت واشنطن وبامتياز عملية تدبير الادعاء الكاذب حول أسلحة الدمار الشامل، وعملية تأليب وجر أو دفع المجتمع الغربي نحو دعم الغزو والمشاركة بقوة فيه، وتحت مظلة مشبوهة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن بقرارات خادعة ومعلبة، تماماً كما هندسها كولن باول في أنبوبه المشهور الحامل عينة أسلحة دمار شامل عراقية (كما ادعى في مسرحيته)، حين أكد امتلاك العراق تكنولوجيا إنتاج الأسلحة البيولوجية وأظهر أنبوب اختبار بمسحوق أبيض، وليتوصل (بدفع أمريكي) الكثير من المشاركين في الجلسة إلى استنتاج أنّ هذا المسحوق هو نموذج لأسلحة الدمار الشامل المصنوعة في العراق. كذلك المسؤولية الأمريكية المباشرة في كارثة تدمير سورية، حيث أطلقوا مناورة خلق وتركيب ادعاءات واهية ودعموها بتسهيل إدخال جحافل الإرهابيين من كل أقطار العالم، وتجهيزهم بأكثر الأسلحة فتكاً، مع تأمين تمويل ضخم من قبل دول إقليمية معروفة لحرب إرهابية ضد كل مفاصل سوريا ومناطقها ومواطنيها وجيشها.
ثالثاً: لناحية استمرار التدخل في العراق وسورية، بكل الطرق المخابراتية والسياسية والعسكرية، بهدف عرقلة كل إمكانية لاستعادة كل من الدولتين سيادتها وأمنها وسلطتها على كل أراضيها.
في كارثة الزلزال الأخير، ومع حجم الكارثة التي أصابت تركيا كونها نقطة الزلزال مباشرة، تبقى تداعياته على سورية أعنف وأكثر إيلاماً، والسبب الرئيس لذلك يبقى في استمرار واشنطن بتنفيذ دورها الإجرامي بمحاصرة سورية ومنع أغلب الدول التي تريد مساعدتها من إغاثة المنكوبين. تحت شعار "قانون قيصر" تطبق أمريكا الحصار القاتل على دولة وعلى شعب مظلوم، فيما أشد ما تحتاجه سورية اليوم في هذه الكارثة الطبيعية هو أوسع دعم وبقدرات فوق العادية في التجهيزات أو الاختصاصيين لتخفيف نسبة ولو بسيطة من نتائج الكارثة المدمرة وإغاثة المنكوبين العالقين تحت الردم الذين تتضاءل فرص نجاتهم مع تقدم الوقت وبظروف مناخية صعبة جداً.
صحيح أن الفاجعة في تركيا وسورية هي نتيجة زلزال أو كارثة طبيعية، ولا مسؤولية مباشرة للأمريكيين فيها؛ ولكن تبقى مسؤوليتهم المباشرة والرئيسية في تعميق مأساة سورية وأبنائها، من خلال عرقلتهم عملية إغاثة المصابين والمنكوبين، وذلك في اتجاهين:
أولاً: بطريقة مباشرة اليوم في استمرار فرض "قانون قيصر" الذي يقيد بمفاعيله مساهمة القوى الخارجية في عملية الإغاثة.
ثانياً: بطريقة غير مباشرة في محاصرة الدولة السورية والتسبب في إيصالها إلى مستوى متدنٍّ من الإمكانيات والقدرات التي تحتاجها أية عملية إغاثة عادية بالحد الأدنى في مواجهة زلزال استثنائي بدرجته وبامتداده وبقوة تدميره.
يطول الحديث عن الكوارث التي تخلقها واشنطن عبر العالم، في محاصرتها للشعوب والدول التي ترفض انصياعها لها، من إيران إلى فنزويلا إلى كوبا وغيرها، والحديث يطول أيضاً عن مسؤوليتها المباشرة فيما يصيب الشعوب والدول من حروب مركّبة، تساهم بشكل رئيسي في خلق عناصرها وتفعيلها، مثل الحرب في أوكرانيا اليوم مثلاً، وما يمكن أن تسببه من ويلات وحروب مرتبطة بها ربما تكون بمستوى عالمي، أو مسؤوليتها الساطعة في الحرب على أفغانستان بالأمس وامتداداً إلى وقتنا الحالي.
فهل تكتفي واشنطن بما اقترفته يداها من جرائم عبر العالم حتى الآن؟! أم أن العالم على موعد مع مغامرة جنونية مجرمة أخرى لها وهذه المرة من شرق آسيا وعلى سواحل دول بحر الصين الجنوبي أو بين الكوريتين أو بين اليابان وتايوان والصين أم في كل تلك المناطق مجتمعة؟!
محلل عسكري واستراتيجي لبناني
المصدر شارل أبي نادر
زيارة جميع مقالات: شارل أبي نادر