شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
بمعزل عن نجاحه أو فشله في تمديد احتلاله لمناطق وبلدات حدودية جنوبية، وبمعزل عن نجاحه -الذي أصبح مرجحاً بقوة- في الاحتفاظ بعدة مواقع داخل الأراضي اللبنانية، من التي يعتبرها استراتيجية وضرورية لحماية مستوطناته شمال فلسطين المحتلة، لا يمكن القول إن العدو «الإسرائيلي» مرتاح لما آلت إليه الأمور نتيجة حربه على لبنان، والتي ما زال يشنها بمستوى غير بعيد عمّا كان قبل سريان اتفاق وقف إطلاق النار والتفاهم على تطبيق القرار 1701.
عدة أسباب تجعل كيان الاحتلال اليوم مضغوطاً بقوة في إدارة عدوانه على لبنان، وفي إيجاد المخارج المناسبة لإنهاء هذا العدوان بأقل الأضرار والتكاليف الممكنة، وذلك رغم ما يدعيه ويتفاخر به، من أنه حقق نقلة نوعية مهمة في حربه على حزب الله، بدرجة لم يكن يتوقعها أو يحلم بها. وهذه الأسباب يمكن الإضاءة عليها كالآتي:
أولاً: السبب الحقيقي لسعي العدو لتمديد احتلاله لمناطق جنوبية لبنانية هو كونه يعتبر فعلياً أن حزب الله ما زال قادراً على إثبات نفسه عسكرياً وأمنياً، وأنه ما زال قادراً على التأثير في وحدات العدو داخل لبنان أو داخل فلسطين المحتلة، وعلى مستوطناته أيضاً، الأمر الذي تجاوز مخططات العدو وعاكسها، والتي أرادها من عدوانه الواسع مؤخراً على لبنان، والمؤشر الأقوى لذلك (خوفه من وجود قدرات فعلية لحزب الله بشكل مؤكد) هو عدم عودة مستوطني شمال فلسطين المحتلة إلى مستوطناتهم، والتي تتأجل دائماً من توقيت إلى آخر، بطلب من سلطات الاحتلال، وأيضاً بسبب خوف المستوطنين وعدم ثقتهم بقدرة جيش الكيان على حماية عودتهم.
ثانياً: أيضاً، وبمعزل عن إمكانية وجود تواطؤ أمريكي لتسهيل تمديد الكيان احتلاله مناطق جنوبية لبنانية، وذلك بهدف استغلال هذا الاحتلال كنقاط ضغط لتنفيذ مآرب سياسية أمريكية - «إسرائيلية» مشتركة في لبنان، لا شك أن هناك ضغوطاً إقليمية وغربية وأممية أيضاً، تتزايد يوماً بعد يوم على الكيان لدفعه إلى إنهاء احتلاله لهذه البلدات الجنوبية اللبنانية؛ ففي عدم تطبيق بنود الاتفاق لناحية وقف الانتهاكات وإكمال الانسحاب، من جهة تتراكم على الكيان أكثر وأكثر تبعات تجاوز القانون الدولي ومؤسساته، ومن جهة أخرى يخلق هذا الاحتلال الحافز القانوني والطبيعي والمنطقي لمتابعة مقاومته بشتى الطرق، الأمر الذي يبدد عملياً هدف عدوان الكيان وحربه على لبنان بإنهاء القدرة العسكرية للمقاومة.
من هنا، وأمام هذا الموقف غير الآمن للعدو، لا عسكرياً، حيث ما زال بعيداً جداً عن تحقيق هدفه بإنهاء قدرة المقاومة، الأمر الذي يلمسه بقوة؛ ولا سياسياً، حيث ضغوط وتداعيات استمرار انتهاكاته وجرائمه واحتلاله لمناطق لبنانية، وتسبّبه عملياً بإبقاء المبررات الطبيعية لاستمرار المقاومة تلاحقه وتؤرقه وتضغط على قيادتيه السياسية والعسكرية، وتزيد من الانقسامات داخله... كان لا بد له من المراهنة على سلاح آخر، دائماً ما كان يلجأ إليه ويضعه في مرتبة أولى بين أسلحته الفتاكة، وهو سلاح الفتنة بين مكونات المجتمع اللبناني، وتحديداً بين الجيش اللبناني والسلطة السياسية من جهة وبين حزب الله وبيئته من جهة أخرى، وهذا ما سعى إليه عبر خطة جهنمية أطلقها من خلال بث تحذير مسموم وخبيث -بالتواطؤ مع الأمريكيين الذين نقلوا التحذير على طريقتهم المعهودة- بمنع طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت، بحجة نقلها مع مسافرين لبنانيين أموالاً لحزب الله، سيستعملها الأخير لشراء أسلحة ولمتابعة تمويل منظومته الأمنية والعسكرية والإعلامية.
في مكان ما، ولأول وهلة، نجحت المؤامرة الأمريكية - «الإسرائيلية» المشتركة في خلق بعض الإشكاليات على طريق مطار بيروت بين الناس وبين القوى الأمنية والعسكرية، وحصلت بعض التجاوزات التي نتج عنها إحراق سيارة عسكرية لقوات «اليونيفيل» وسقوط بعض الإصابات في صفوفها، وبسبب ردة فعل عفوية لأهالي اللبنانيين العالقين في طهران، والتي اختلطت، من جهة مع تصرفات غير مسؤولة من قبل بعض العناصر المدسوسة أو غير الواعية، والتي تنشط في حالات مماثلة، ومن جهة أخرى مع بعض التصرفات غير المهنية من بعض العناصر الأمنية والعسكرية اللبنانية، بسبب ضغوط وجود عدد كبير من المعترضين، وأيضاً بسبب ضغوط الإلحاح من السلطات العليا بضرورة عدم إقفال الطرق بتاتاً، ليخرج المشهد في المواجهة والاحتكاك بين العناصر الأمنية والعسكرية وبين المعترضين على قرار منع هبوط الطائرة الإيرانية غير مقبول وغير مناسب للوضع الاستثنائي الحساس، والذي تعيشه اليوم الساحة اللبنانية الداخلية.
اليوم، وأمام التداعيات الحساسة وغير الحميدة لحصول أي توتر أو شرخ بين الجيش والدولة وبين بيئة المقاومة، تكبر وبقوة الحاجة الماسة لاستيعاب كل الأطراف المذكورة خطورة الموقف الحالي، وتكبر وبقوة أيضاً الحاجة لأن يأخذ كل طرف من الأطراف المذكورة بعين الاعتبار الوضع المحرج الذي يعيشه الطرف الآخر، ولنكون -بذلك الاستيعاب الواعي والتنبه الحكيم- قد فوتنا على العدو هدفاً استراتيجياً دائماً ما كان يسعى وراءه، وهو الفتنة الواسعة بين مكونات المجتمع اللبناني، الرسمية والعسكرية والشعبية.

محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات