محافظة الـ(6) أقاليم
صنعاء خيمتنا الأخيرة

في ظل العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن، تُعزز التنظيمات الإرهابية (داعش - القاعدة) تواجدها، وقد مكنها العدوان خلال الأشهر الأخيرة، من توسيع نطاق سيطرتها في المحافظات الجنوبية، الواقعة تحت سيطرة  قوات تحالف العدوان منذ تموز الفائت، وأصبحت العناصر الإرهابية الموجودة في عدن تتمركز في الخيام المكيفة وأجهزة التلفزيون التي خلفها لهم الإماراتيون بعد عودتهم إلى بلادهم.
بعد يوم من مرور عامين على مجزرة مجمع العرضي بوزارة الدفاع بالعاصمة صنعاء وكشفت حينها التسريبات الأولية للمذبحة وجود سعوديين ضمن قتلى الجماعة المنفذة، وحتى اللحظة لم يتغير شيئ غير أن المذبحة توسعت وصار لها جيوش وتستبيح طائرات العدوان السعودي الأمريكي الأرض والإنسان اليمني، كانت عدن (الواقعة تحت الاحتلال المباشر للقوات الخليجية) على موعد مع يومٍ دامٍ، نُفذت فيه عدد من عمليات الاغتيال خلال أقل من 48 ساعة استهدفت قيادات عسكرية وقضائية.
حيث استهدف تفجير موكب محافظ عدن المُعين من قبل الفارّ هادي ، استهدف جعفر محمد سعد، عبر سيارة ملغمة، ليلقى محافظ عدن وثمانية من مرافقيه حتفهم أثناء مرور الموكب في منطقة جولد مور بحي التواهي في المدينة، وبحسب الصحفي الجنوبي صلاح بلغبر الذي زار موقع الحادثة، فإنه لم تتواجد أي جهة تحقق أو تتحفظ على السيارة المفخخة، ولا توجد أي إجراءات أمنية أعقبت الحادثة، مضيفاً: «إن سيارة جعفر سعد سارت حوالي خمسين متراً وكانت تحترق من مقدمتها وخرج المحافظ ومرافقوه منها قبل أن تنفجر سيارتهم وتودي بهم بالإضافة إلى القنابل التي بحوزة المرافقين، واحترقت جثثهم واستمرت سيارتهم تحترق حتى تلاشت وانطفأت من ذات نفسها». 
وكان جعفر سعد قبل اغتياله بأيام قد ذكر في لقاء له مع قناة (bbc) أن عدن آمنة ولا يوجد بها أيُّ من العناصر «داعش»  و «القاعدة» ، داعياً القناة إلى إرسال مراسليها إلى عدن للتأكد من ذلك بأنفسهم.
وكما هو الحال في كل البيانات التي تُعلن فيها التنظيمات الإجرامية  تبنيها الأعمال الإرهابية التي شهدتها صنعاء ومحافظات أخرى، ونسبها إعلام العدوان إلى ما يُسمى بـ «المقاومة الشعبية»  فقد تبنى تنظيم «داعش» العملية ببيان رسمي جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، جاء فيه : إن «هذه العملية الأمنية تم التخطيط لها بدقة، وأسفرت عن قتل المرتد رأس الكفر جعفر سعد وثمانية من زبانيته، وحراسه»، بحسب البيان.
جاء هذا التفجير تتويجاً لعملية الانفلات الأمني وانتشار المجاميع الإرهابية في محافظة عدن بعد أن وقعت تحت سيطرة قوات الخليج الاحتلالية، حيث شهدت خلال 48 ساعة  قيام مسلحين مجهولين  باغتيال القاضي محسن علوان رئيس المحكمة الجزائية والمتخصصة في قضايا الإرهاب إلى جوار اثنين من أولاده في منطقة المنصورة، كما قُتل شخص آخر  صباح الأحد الفائت إثر هجوم مسلح نفذه مجهولون استهدف مركزاً للصرافة بمديرية المنصورة بعدن، بالإضافة إلى مهاجمة مسلحين لمركز الصيفي للصرافة بالمنصورة بهدف نهبه ، حيث اشتبكوا مع أفراد حراسة المحل وأسفر الاشتباك عن مقتل أحد المهاجمين وهروب الآخرين، وأتبع ذلك اغتيال ضابط في الشرطة العسكرية، والعثور على جثة مواطن من أبناء محافظات الشمال مقتولاً بظروف غامضة.
إلى ذلك قام  الرئيس الفارّ من وجه العدالة هادي بتعيين العميد عيدروس قاسم الزبيدي محافظاً لمحافظة عدن، والعقيد شلال علي شايع مديراً لشرطة عدن وترقيته إلى رتبة عميد، وأوضح مراقبون أن قرار تعيينهم في مناصبهم الجديدة تمَّ حينما كانوا في الرياض منذ نهاية أيلول الماضي قبل أن تنفذ عملية اغتيال محافظ عدن السابق جعفر محمد.
فيما كان تنظيم القاعدة قد أعلن سيطرته على مدينة جعار التابعة لمحافظة أبين الجنوبية بعد يوم على انفجار الخلافات بين الفارّ عبد ربه منصور هادي ورئيس حكومته ونائبه خالد بحاح، وتأتي سيطرة التنظيم على جعار بعد شهرين على بدء توافد مقاتليه إلى زنجبار، حيث سيطر، في منتصف تشرين أول الفائت، على مقرّ الحكومة في المدينة الواقعة أصلاً تحت سيطرة مقاتلين موالين لتحالف العدوان، ويرى عسكريون أن السيطرة على جعار من شأنها تأمين خط إمداد بين مدينتي المُكلّا وعدن التي تبعد عنها نحو 50 كيلومتراً. 
لقد شكل وقوع الجنوب تحت سيطرة قوات الاحتلال الخليجية بيئة خصبة لنمو الجماعات والتنظيمات الإرهابية فمنذ الأيام الأولى لبداية العدوان، سيطر «تنظيم القاعدة« على مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت التي تمثل ثلث مساحة اليمن وأغنى المحافظات بالنفط، وأقام فيها سلطة محلية باسم (المجلس الأهلي) ضمَّ أعضاء تربطهم علاقة قوية بالمملكة، ويقوم بتسيير الشؤون المحلية للمحافظة. 
وإلى جوار سيطرة «تنظيم القاعدة» على كافة المرافق الحكومية والأمنية والاقتصادية، اتخذ من القصر الجمهوري في المكلا مقراً لقيادته، وبدأ بجني موارد المحافظة المالية من تجارة النفط والضرائب التي تُدر زهاء مليون ونصف المليون دولار يومياً، كما أن ميناء المكلا يعمل تحت إشراف «القاعدة» وترسو فيه البواخر بعد منحها التراخيص من البحرية السعودية، دون أن تتعرض طائرات العدوان السعودي  الأمريكي لأي موقع تابع له في حضرموت، أسوةً ببقية المحافظات اليمنية التي لم تبقِ فيها على شيء من المرافق الحكومية. 
مع دخول قوات تحالف العدوان إلى عدن أواخر تموز الماضي كان عناصر «القاعدة» أحد أجنحتها العسكرية، قبل أن يسارع التنظيم إلى الانتشار والسيطرة على مديريات المحافظة بأكملها، وحظيت التنظيمات الإجرامية بموقع مهم في الخارطة الأمنية والسياسية والاجتماعية، وشرعت في تطبيق الأحكام الشرعية وتنفيذ الحدود، وفرض أيديولوجيتها الفكرية على المدارس والجامعات.
حيث أقدم مسلحو القاعدة على اقتحام كلية العلوم الإدارية بجامعة عدن وقاموا بإغلاقها بحجة منع الاختلاط ومنعوا الطلاب من الدخول إلى حرم الكلية، بعد أن قاموا قبل ذلك بتوزيع مناشير في ثلاث كليات من الجامعة، كما وزعوها في شوارع المدينة وهم يطالبون بحظر الاختلاط والموسيقى وبقيام الطلاب بأداء الصلوات داخل حرم الجامعة، وإلا فإنهم سيقومون بإلقاء قنابل «مولوتوف» داخل الجامعة او مهاجمتها بسيارات مفخخة.
كان ذلك في الوقت الذي شهدت فيه مدينة عدن استقبال المئات من مرتزقة السودان بحجة تولي الأمن في عدن والحفاظ على حياة الناس وحماية أموالهم وحقوقهم من عبث التنظيمات المتطرفة، غير أن ذلك لم يتم، وكانوا رديفاً مساعداً لتوسع هذه التنظيمات واستشراء الفوضى والفساد والجريمة المنظمة في النهب والقتل.
وبحسب مواطنين فإن المساعدات التي قدمتها الإمارات من أدوية ومولدات كهربائية والمواد الغذائية تمَّ بيعها بصورة علنية في الأسواق، وازدهرت تجارة السلاح، بما فيه السلاح الثقيل، وقد تمَّ بيع مئة دبابة وآلية إماراتية، ليتبين لاحقاً أن مآلها انتهى بيد تنظيمي «داعش» و«القاعدة» قاما بتخزينها في محافظة الضالع.
هذا ما جناه الجنوبيون لأنفسهم، بأن توهموا أن قوى العدوان ستجلب لهم الحرية والاستقلال، حسبما كانوا يصيحون إبان الحملات العسكرية التي نفذتها قوات الجيش واللجان الشعبية في المحافظات الجنوبية وعدن على وجه الخصوص لمحاربة عناصر تنظيم القاعدة ودحر أوكارهم، لتأتي قوى العدوان وتُنصب تلك العناصر الإجرامية حليفاً يُسير عليها مهمة احتلال المحافظات، والإقلاق الدائم للأمن والاستقرار في المناطق التي وقعت في قبضة المحتل الجديد.
فيما تشهد العاصمة صنعاء والمحافظات التي تؤمنها قوات الجيش واللجان الشعبية ازدهاراً أمنياً لم تحظَ به في ظل سلطة الكولونيل السابقة؛ حيث احتجزت أجهزة الشرطة 1485 متهماً ومشتبهاً به بارتكاب جرائم مختلفة في عددٍ من المحافظات غير الواقعة تحت سيطرة قوى الاحتلال الجديد فقط خلال شهر نوفمبر الفائت.
وبحسب الإعلام الأمني فإن 840 من المحتجزين متهمون بارتكاب جرائم جنائية جسيمة في عدادهم 78 متهماً بارتكاب جرائم قتل عمدي، فيما بلغ عدد المتهمين بارتكاب جرائم غير جسيمة 645 متهماً، كما استعادت أجهزة الشرطة خلال الفترة نفسها 38 سيارة مسروقة ، وأحالت 367 متهماً إلى النيابة.
لقد بات الأمر جلياً أكثر من أي وقت مضى، فإن تحالف العدوان يعمل بشكل مكشوف على تسليم المحافظات التي يسيطر عليها للمجاميع الإجرامية، ويدعم تكثيف أنشطتها كما هو حاصل في محافظات الجنوب والوسط التي يتحاصص جغرافيتها تنظيما «القاعدة» و«داعش».
فيما أصبحت العاصمة صنعاء التي كان العدوان وأدواته يهدفون إلى عزلها وحصر أبنائها في إقليم يُسمى «آزال» عبر مشروع الأقاليم، وتتوزع بقية الجغرافيا اليمنية بين دول العدوان عن طريق وسطاء أكثر نعومة من الحاليين، تمثل ملاذاً يلجأ إليها أبناء المحافظات اليمنية جميعاً هرباً من سكين «داعش»، ونزح إليها عدد من الأسر من حضرموت، وتعز، وعدن ، باعتبارها مدينة آمنة لا يُعكر أمنها سوى قصف الطيران، وأوضحت بعض الأسر النازحة، بأن نزوحهم نتيجة انتشار العناصر الإجرامية، وتوسع نطاق الجريمة في تلك المناطق، التي أضحى القتل فيها جزءاً من روتين الحياة اليومي.