لطالما اعتاد الإمبرياليون اللعب على وتر الأرقام الزائفة والازدهار (الصوري) في محاولاتهم لترسيخ الرأسمالية كنظام عالمي في وعي الجماهير، لكن مجرد مقارنة ما يجري اليوم بمشاهد قديمة تملأها شعارات النمو الاقتصادي البراقة والتناغم الاجتماعي، والفقر الذي يتوسطهما في حزمةٍ واحدة, وخلق مرتزقة وما وراءها من قوى عالمية وإقليمية، تجعلنا ندرك ما هو عليه العالم من متغيرات النضال المفتوح على الأفق كاملاً وانكماش البقعة على واقعية فرض مشهد يكبل العالم تحت قوة بشعة مغايرة.
كانت هناك يوماً سيمفونية الكفاح للدم الجاري في جراح الأوطان.. ودمعة في ليل البؤس والأحزان.. وشمعة في ظلام الجبروت والطغيان.. وكانوا رموزاً للحرية في كل الأزمان.
لا حدود للثورة، ولا جغرافيا لمقاومة ومحاربة الظلم, من هذه النظرية انطلق جيفارا في عالم النضال الرحب، وبدأ رحلة مواجهة الاستبداد وقتال الرق والاستعباد.
في خطابه الشهير أمام مجلس الأمم المتحدة عام 1964م، تحدث جيفارا عن الإمبريالية وتخوين الثورات الشعبية، واختتمها بالجملة الشهيرة: (الوطن أو الموت)، ليؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها حتى لو كلّفها ذلك حياتها.
ارتبط جيفارا ارتباطاً وثيقاً بالماركسية اللينينية في شبابه, حيث كان عضواً في الشبيبة الشيوعية الأرجنتينية، وألهمت أمميته وثوريته وارتباطه المميز بالفقراء والمنبوذين في كل مكان، ورفضه الاعتراف بقداسة الحدود القومية في الحرب ضد إمبريالية الولايات المتحدة، الحركات الراديكالية الجديدة في العالم كله, ليتحول نادي تشي الراديكالي إلى شيء جديد- الاشتراكية ومن ثم الثورة-  فاتحا ذراعيه ليصل للانتزاع المباشر للثورة عن طريق الاشتباك مع الظلم بكل أشكاله في كل لحظة.
عندما كان طالباً في كلية الطب في جامعة بوينس آيرس التي تخرج منها عام 1953، قام جيفارا برحلة شملت دول أمريكا اللاتينية مع صديقه ألبيرتو غرانادو، على متن دراجة نارية، وكونت تلك الرحلة شخصيته وإحساسه بوحدة أمريكا الجنوبية، وبالظلم الكبير الواقع من الإمبرياليين على الفلاحين اللاتينيين البسطاء.
بعد مغادرته من غواتيمالا إلى المكسيك, التقى جيفارا هناك براؤول كاسترو المنفي مع أصدقائه الذين كانوا يجهزون للثورة وينتظرون خروج فيدل كاسترو من سجنه في كوبا, ما إن خرج هذا الأخير من سجنه حتى قرر جيفارا الانضمام للثورة الكوبية, رأى فيدل كاسترو أنهم في أمس الحاجة إليه، وانضم لهم في حركة 26 يوليو، التي غزت كوبا على متن غرانما بنية الإطاحة بالنظام الدكتاتوري المدعوم من طرف الولايات المتحدة, وسرعان ما برز جيفارا بين المسلحين، وتمت ترقيته إلى الرجل الثاني في القيادة، حيث لعب دورا محوريا في نجاح حلمه على مدى عامين من الحرب المسلحة التي أطاحت بنظام باتيستا.
غادر جيفارا كوبا عام 1965 من أجل التحريض على الثورة, ذهب إلى الكونغو ثم إلى بوليفيا، حيث نظم فرق حرب العصابات لتكون عاملا مساعدا على الإلهام بالثورة، ولم ينس أن يمر بمصر والجزائر في طريقه ليلتقى الزعيم المصري جمال عبد الناصر والرئيس الجزائري أحمد بن بلة وهواري بومدين، الذين كانوا رموزاً للثورة العربية آنذاك.
في مرحلة ثورية أو مطاف أخير, كان جيفارا يتحرك مع مجموعة صغيرة من الفلاحين في القرى لمقارعة نظام بوليفيا المستبد, وفي9 أكتوبر 1967م تم إلقاء القبض عليه هناك من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بمساعدة القوات البوليفية، وتم إعدامه.
كان الموت حول ملامحه يوحي بأنه لو منحه أعداؤه الحق في الحياة، لربما تمكنت أسطورته من احتلال هذا المدى العالمي الذي تنعم به القوى الإمبريالية البشعة اليوم.
لم يكن إرنستو (تشي) جيفارا الذي ولد في 14 يونيو 1928 مجرد ثائر على كل المساحات, بل كان كذلك بطلاً مختلفاً.. وقف في وجه الاستغلال.. حارب الظلم والاحتلال.. إنه شهيد القضية وأيقونة الحياة الصالحة لكل زمان ومكان.. أسطورة يستحيل أن تغطيها الرمال.
على الخط نفسه كانت هناك أيقونة أخرى للثورة والتمرد لدى الكثير من مناضلي اليسار على مستوى العالم.
هذه الشخصية التي تشبه قصتها فيلماً خيالياً كانت إلييتش راميريز سانشيز (كارلوس).
ولد عام 1949م لأسرة فنزويلية ثرية، وأطلقت عليه المخابرات العالمية لقب (الثعلب) بعد أن وجد بين أمتعته نسخة من كتاب فردريك فورسايت يوم الثعلب.
عام 1966م انتقلت عائلته إلى لندن، ثم انتقل بعد عامين إلى موسكو لدراسة الفيزياء والكيمياء, وتعلم اللغة الإنجليزية وأتقن معها أيضاً ست لغات أخرى: الإسبانية والعربية والإيطالية والروسية والفرنسية والأرمنية. 
عاش كارلوس صباه في كوبا، حيث تعلم أسس العمليات المسلحة وحرب العصابات. أثناء دراسته في جامعة لومومبا بموسكو تعرف على بوضيا الشاب الثوري الجزائري الذي انخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, وأعجب كارلوس بأفكار واتجاهات بوضيا، وخاصة أنه يشاطره نفس الأفكار والرأي.
وفي موسكو التقى كارلوس بجورج حبش ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي دعاه إلى المشاركة في تدريبات عسكرية في الأردن, وكلفه عام 1971 بمسؤوليات إضافية في الجبهة ليصبح كارلوس ثورياً محترفاً في خدمة حرب تحرير فلسطين.
انتقل كارلوس للعمل في أوروبا ضد الأهداف الصهيونية والمنظمات الداعمة لها لنصرة القضية الفلسطينية ولإيمانه العميق بهذه القضية، ولشدة كراهيته وعدائه للصهيونية والإمبريالية الأمريكية, وبقبضة فولاذية أمسك كارلوس جميع المجموعات الثورية حول العالم سواء بالدعم المالي أو التقني أو المعنوي، وأدخل أساليب جديدة لم يسبق لأحد فعلها، ونفذ عمليات فريدة من نوعها واشتركت معه مجموعات ثورية كـ: الجيش الجمهوري الإيرلندي والجيش الأحمر الياباني ومنظمة إيتا والباسك الانفصالية والألوية الحمراء الإيطالية ومنظمة بادرماينهوف الألمانية وجيش تحرير الشعب التركي ومنظمة العمل المباشر الفرنسية, كما أسس كارلوس منظمة الثوار الأمميين أيام الحرب الباردة، وقد لقي مساندة من سوريا والعراق وجمهورية اليمن الجنوبي, ونفذ كارلوس أغلب عملياته في مرحلة مبكرة من عمره, فمثلاً قام بالتخطيط لأولى عملياته (أيلول الأسود) بميونيخ وعمره 23 سنة فقط, وهي العملية التي قامت بها مجموعة أيلول الأسود التابعة لحركة فتح وتوجت باختطاف 11 لاعباً إسرائيلياً في الدورة الأولمبية المقامة هناك عام 1972م واستبدالهم بأسرى فلسطينيين.
لقد جسد كارلوس العنف السياسي في السبعينيات والثمانينيات، وعاش حياة ثورية متقلبة, فخلال نشاطه في صفوف الجبهة اضطلع بمهمات قتالية عدة أشهرها احتجاز وزراء النفط في الدول الأعضاء في منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك) عام 1975 أثناء اجتماع لهم في فيينا، والذي احتجز خلاله هو وخمسة آخرون 70 شخصاً بينهم 11 وزيراً للنفط واختطافهم تحت تهديد السلاح ونقلهم إلى الجزائر، وقيامه مع مقاتلين تابعين لوديع حداد باختطاف طائرة أمريكية وتوجيههم لها إلى عدن عاصمة اليمن الجنوبي حينها، وكان أحد المسافرين هو جوزيف كينيدي ابن روبرت كينيدي.
عام 1976م انتقل كارلوس إلى اليمن الجنوبي حيث أقام فيها لفترة طويلة كما أعلن فيها عن اعتناقه الإسلام, لقد كانت كل أعمال كارلوس لخدمة القضية الفلسطينية, نضال طويل امتدت قائمته على تنفيد عمليات عدة في أماكن مختلفة من العالم، ومن ضمنها مجموعة عمليات نفذها في فرنسا التي تمكنت شرطتها السرية عام 1994م, من إلقاء القبض عليه بالتعاون مع الحكومة السودانية ونقله إلى فرنسا حيث جرت محاكمته بتهمة قتل شرطيين فرنسيين عام 1975م في باريس، ويقضي فيها الآن حكمه المؤبد.
ومن عالم النضال والقضية العادلة , مثلت شخصية وديع حداد ذروة سنوات من الكفاح المسلح على كافة خطوط التماس العالمية, وتبنى شعار (وراء العدو في كل مكان), أستاذ في (فن العمليات الخاصة)، ومعلم فذ لجيل كامل من المناضلين الأمميين الذين رأوا في العنف الثوري طريقاً للتحرر من الرأسمالية والاستعمار, وكان ملهماً لحركات سياسية كثيرة اعتنقت مبادئ العنف الثوري في مواجهة الاستبداد وعنف السلطات، ولمناضلين كانوا يعرفون تماماً الفارق النوعي بين العنف والإرهاب. وامتدت علاقاته من (الجيش الأحمر الياباني) الى (الساندينيستا) في نيكاراغوا.
كان جمرة ملتبهة أشعلت الأرض تحت أقدام الاحتلال ، واستطاع أن يقدم القضية الفلسطينية عبر العنف الثوري إلى كل العالم.
من تلك البقعة التي اسمها المخيم ، والتي صارت عنوان التشرد والضياع واللجوء, انطلق هذا المناضل  مع رفاقه ليؤسسوا حركة القوميين العرب ، فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ليقودوا نضال الشباب الفلسطيني المؤمن بأن الكفاح المسلح هو الطريق الصحيح والوحيد لجعل الاحتلال يخضع وينحني أمام أصحاب الحق. 
ولوديع أثر كبير في ثورة اليمن وفي ليبيا والجزائر ومصر, كان ميالاً الى العمل المباشر في سنة 1963 (ثورة في الثورة).
وتطبيقاً لشعار (مطاردة العدو في كل مكان)، دشن وديع عملياته باختطاف طائرة (إلعال) المتجهة من روما الى تل أبيب, على أن أكثر العمليات الخاصة إثارة هي عملية تحرير جورج حبش من سجن الشيخ حسن في دمشق عام1968. 
من طرائف ما وقع لوديع حداد، ففي أثناء الاستعداد لقصف ناقلة البترول الإسرائيلية (كورال سي) بالقرب من باب المندب سنة 1971، طلب (أبو هاني)من رئيس الوزراء اليمني الجنوبي محمد علي هيثم زورقاً سريعاً، فقال له إنه ليس لدى الحكومة اليمنية مثل هذا الزورق, وبعد عدة أيام اتصل به محمد علي هيثم وأخبره أن مركباً يرسو في ميناء عدن تنطبق عليه المواصفات المطلوبة، فاسرقوه... وهكذا كان.
ولد وديع حداد في مدينة صفد (عروس الجليل( الفلسطينية عام 1927م، وبعد نكبة عام 1948، اضطر للهجرة من وطنه ولجوئه مع عائلته إلى مدينة بيروت حيث استقر بهم الحال هناك، وفي تلك الأثناء التحق وديع بمقاعد الدراسة في الجامعة الأميركية ليدرس الطب, ودفن في بغداد عام 1978م, وبقي موته لغزاً.
صنع وديع, مجد الفدائي الأول، وعزز قيم الولاء والوفاء للشعب والوطن، وجعل الفدائي رمزا للقواعد والبنادق والنضال ولجيل التحرير، واعتبار أن الحرب مع الصهاينة لازالت مستمرة مادامت الهيمنة والظلم والمؤامرات موجودة.
وعلى خط الكفاح الأممي, كانت كاريزما عبدالله أوجلان كزعيم، ويرى أنصاره ومحبوه أنه يشبه الحكيم اليوناني صولون الذي ضحى بنفسه من أجل حرية شعبه وتوحيد وطنه, ونضاله الطويل مع كافة القضايا المصيرية على مستوى دول المنطقة والتي تركت أثرا طيبا عند الكثيرين، ودفعت العالم الحر للتعاطف معه ومع قضيته العادلة والضغط على تركيا وإجبارها على إلغاء عقوبة الإعدام بحقه، علماً أنه لم ينج من حبل المشنقة التركية أحد من قبل من زعماء الثورات الكردية في تاريخ تركيا المعاصر.
عبد الله أوجلان )مواليد 1948م)، المعروف باسم (سروك آپو) بين مريديه، هو قائد المليشيات المسلحة لحزب العمال الكردستاني.
عام 1978 أسس عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني، وهو منظمة ماركسية ـ لينينية. ويسعى هذا الحزب إلى إقامة دولة كبرى للأكراد، الذين يبلغ عددهم نحو 22 مليوناً. وفي سنة 1980 غادر تركيا ليعمل من المنفى وخاصة من دمشق وسهل البقاع اللبناني. 
من أجل إزالة العراقيل أمام مخططاتهم للدخول في الشرق الأوسط، كان لا بد من بدء القوى الإمبريالية بتصفية المراكز الأكثر ثورية والتي تشكل خطراً عليهم، لذلك جاءت المؤامرة الدولية على القائد أوجلان ضمن هذا المخطط الإمبريالي العام، من أجل تصفية حركة حرية الأكراد التي يقودها أوجلان، وذلك باعتقاله وتجريده، وبعدها تقسيم حزب العمال الكردستاني وعزل أوجلان عن العالم الخارجي.
ففي 15 فبراير 1999 تم القبض عليه في كينيا في عملية مشتركة بين قوات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) والاستخبارات التركية والمخابرات الإسرائيلية الموساد، بعد رصده وتعقبه بواسطة الهاتف النقال، وتم نقله بعدها جواً إلى تركيا. 
وضع أوجلان (أسير الحرية) في الحجز الانفرادي في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة في تركيا, وبالرغم من أنه قد حكم عليه بالإعدام في الأصل، إلا أن الحكم حوّل إلى الحبس مدى الحياة عندما ألغت تركيا وبشكل مشروط عقوبة الإعدام في أغسطس 2002م.
لقد كان (الثائر العالمي) يعتقد بأنه يعيش عند حلفائه فإذا به يستفيق من المخدر في سجون أعدائه.
 فمنذ نهاية السبعينيات وحتى الوقت الحاضر ظهرت موجات الجماعات الجهادية ابتداءً من أفغانستان ومروراً بالبوسنة وكوسوفا والشيشان وانتهاءً بسوريا والعراق وليبيا واليمن، وفق قاعدة الإرهاب العالمي , وأصبح العالم يميل من تحت رجلي قوى الإمبريالية العالمية وكانتونات الخليج النفطي. لم يعد هناك مجال لرجل يحب أن يقدم نفسه بصورة البطل الفرد القادم من أميركا اللاتينية أو الشرق الأوسط لنصرة الشعوب المقهورة, بعد أن تجاوزت لعبة الاستخبارات الكونية قبحها على كل مساحة، وألغى الانفراج الدولي دور الثائر الأممي، وأكمل الوفاق على الباقي.