ليس بإمكاننا الحديث عن أية علاقات بين الكويت واليمن قبل العام 1963م، فقد كانت الكويت تحت السيطرة البريطانية حتى العام 61م، وحتى حين أعلن استقلالها، رفض الإمام أحمد الاعتراف بها، معتبراً إياها تفريخاً استعمارياً تم اقتطاعه من الأراضي العراقية. ولكن مع تغيير الحكم في الشمال اليمني وقيام الجمهورية، اعترفت الكويت بالجمهورية العربية اليمنية في العام 63م، ودشنت العلاقات بين البلدين، واستمرت تتطور بوتيرة متصاعدة. وهو ما حدث أيضاً في الجنوب اليمني (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) التي استقلت عن الاستعمار البريطاني في نوفمبر 67م، والتي شكلت علاقتها المتميزة بالكويت نهجاً مائزاً يضاف الى رصيد الكويت الدبلوماسي، لتناقضه التام مع مواقف كيانات خليجية عدة.
وكان للكويت أيضاً دور بارز في تهدئة التوترات الحدودية المسلحة بين الشطرين، وفي التمهيد لأرضية الوحدة اليمنية من خلال تقريب وجهات النظر بين نظامي الشطرين اليمنيين، وأبرزها احتضان اتفاق العام 79م بين شطري الوطن بقيادة الشهيد عبدالفتاح إسماعيل والرئيس السابق علي عبدالله صالح، والذي يعد من أهم الاتفاقات التي أفضت للوحدة اليمنية لاحقاً في العام 90م. والحال ذاته مع الوساطة بين اليمن الديمقراطي وسلطنة عمان لحل الصراع الحدودي في تلك الآونة.
استمرت هذه العلاقة الوثيقة بين اليمن والكويت لعقود، إلا أن موقف اليمن في حرب الخليج الثانية، الرافض لقرار مجلس الأمن بالتدخل الأمريكي البريطاني العسكري في الكويت، ومطالبتها بحل النزاع الكويتي/ العراقي في الإطار العربي، كان له الأثر في تاريخ العلاقات اليمنية الكويتية، إذ اعتبرت الكويت موقف اليمن طعنة لها استدعت وقف مساعداتها المقدمة اليمن، وانقطاع العلاقات التي استعيدت مرة أخرى لكن بحجم أدنى بكثير عما كانت.

تجليات الموقف الكويتي من الحرب في سوريا 
كما تجري العادة دائماً لدى الدبلوماسية الكويتية بأن لها تقاليد خاصة عنوانها التأني والتدرج في التراجع عن قراراتها وإعادة المياه الى مجاريها مع الطرف الآخر، أدركت دولة الكويت أن اقتراب الأزمة السورية من دخول عامها السادس، وفشل المخططات الأمريكية لإسقاط الدولة السورية، واضطرارها للتعاطي مع الأسد كأمر واقع، ومن ثم، إنهاء الجماعات الإسلامية المتشددة، وعلى رأسها (الدولة الإسلامية)، فرض عليها ملياً التراجع عن قرارها بإغلاق سفارتها في دمشق وإعادة فتح السفارة السورية في الكويت بتمثيل أقل، حيث يوجد أكثر من 130 ألف سوري يقيمون في البلاد.
كون السلطات الكويتية مدينة لسوريا، التي وقفت ضد احتلال القوات العراقية للكويت صيف عام 1990، وأرسلت قوات رمزية الى الجزيرة العربية لتحرير الكويت، حتى إن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أبلغ وفداً كويتياً شعبياً زار دمشق بعد (تحرير) الكويت، برئاسة السيد محمد جاسم الصقر، عضو مجلس الأمة الكويتي، (أن سوريا هي التي حررت الكويت، فلولا وقوفها ضد الاحتلال لما خرجت القوات العراقية منها). كلام الرئيس السوري الراحل ينطوي على الكثير من الصحة، لأن الموقف السوري لعب دوراً حاسماً في تعزيز الجبهة المعارضة للاجتياح العراقي للكويت.

الكويت وتنامي تهديدات وهجمات داعش، في ظل الخلاف مع السعودية
تعتبر الكويت الدولة الخليجية الأكثر اختلافاً وتميزاً بين قريناتها من دول مجلس التعاون، سواء في النهج السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي، ومن هذا المنطلق كان لها الحصة الأكبر من الضربات الأمريكية السعودية المغلفة بصوت داعش والإرهاب، كجانب توبيخي تارة وتهديدي للجوار تارة أخرى.
وبالفعل شهدت الكويت عدة هجمات إرهابية تبناها تنظيم داعش، كان آخرها: تفجير مسجد الصادق أثناء صلاة الجمعة يوم 26 يونيو/حزيران المنصرم، وأسقط 27 قتيلاً و227 جريحاً.
إلا أن كل الضربات التي نفذها داعش، لم تستهدف أي نطاق أمريكي، بل صبت في مجملها على ضرب النسيج الاجتماعي الداخلي للكويت باستهداف مساجد الشيعة، مما يضع الكثير من التساؤلات حول الراعي الحقيقي لتلك الهجمات، وتنامي هذا الخطر على الدولة الكويتية، ومدى ارتباطه بسياسة البلاد التفردية. 
وهو ما لمسته الكويت مؤخراً من الجارة السعودية، ودفعها لمراجعة سياساتها الخاصة بملفات المنطقة، خصوصاً تلك التي تديرها المملكة، كما حدث مع الملف السوري بعد مرور أربعة أعوام تقريباً من الحرب على سوريا، حين منحت الكويت تأشيرات دخول لثلاثة دبلوماسيين سوريين، تبعها بعد ذلك إبداء دعم الكويت ضمنياً للانفتاح العماني على سوريا العام المنصرم، مما أثار غضب قطر والسعودية حينها، ودورها الأخير أيضاً في احتواء الملف اليمني، والدعوة لجلسات حوار بين أطراف النزاع على أراضيها وتحت رعايتها المباشرة، وهو ما يثبت تجلياً واضحاً في فهم الكويت لخيوط اللعبة السعودية وقاعدة اتساعها بدءاً من سوريا وليبيا واليمن، والعمل على حلحلة مكامن الخطر السعودي المتجسد في التنظيمات الإرهابية التي تخلفها الخطوات السعودية هنا وهناك، والتي تصب في جملة أهدافها إركاع الكويت ككيان خليجي يحاول العودة الى مربعه الريادي والتحرر من قبضة السياسات السعودية.

الحوار اليمني السعودي المرتقب ودلالة المكان
الكويت التي احتضنت خلافات اليمنيين في مراحل مختلفة من تاريخ اليمن، تعاود مجدداً ممارسة الدور ذاته، لكن هذه المرة ليس لحلحلة خلافات اليمنيين مع بعضهم، بل لحلحلة خلافهم مع الجارة السعودية التي تورط نفسها بنفسها في مآزق أكبر من مراهقة حكامها، وتعلن استعدادها لاحتضان الجلسات الحوارية اليمنية السعودية المرتقبة، منتصف الشهر الجاري، وسط حالة ترحيب داخلي وخارجي واسع، رسمته خصوصية وتاريخ البلد الصغير بالنسبة لكل الأطراف السياسية والشعبية اليمنية، الى جانب الدور المتميز الذي كانت تلعبه في مختلف النطاقات العربية والإقليمية والدولية، قبل أن تقتلها الحرب والسياسات السعودية مطلع التسعينيات، والتي هيمنت على الصوت الخليجي والعربي بعد ذلك، لتحصد مؤخراً جملة من الإخفاقات والانتكاسات المدوية التي لم يقتصر أثرها على الداخل السعودي وحسب، بل وعصف بالمنطقة برمتها، وأغرقها في أتون حروب ونزاعات دموية شاملة، دفعت المجتمع الدولي، وفي مقدمته دول خليجية كانت مقربة من النظام السعودي كعمان والإمارات، الى إعادة التفكير الجدي في الكويت كورقة رابحة وبديل منقذ وفوري للدولة النفطية التي وضعها فشلها خارج حسابات المستقبل..هذا أيضاً الى جانب الصحوة التي تعيشها السياسة الكويتية في الآونة الأخيرة، والتي دفعتها للنهوض الفوري والجاد في ظل التناقضات التي تكاد تعصف بالمنطقة، والسعي الحثيث لإعادة التموضع الأمثل في إقليم يغرق فعلياً بفعل سياسة تدميرية يقودها صبية النظام السعودي، من خلال مشروع خراب واسع لا ترى الكويت أنها بمعزل عنه. لتستخدم بعد ذلك ما تبقى من سمعتها الطيبة ونفوذ سياستها المرموق في تمهيد أرضية ملائمة للحوار، والعمل على ترويض المراهقة السياسية للسعوديين، وإجبارها على الانصياع كخيار وحيد لإنقاذ ما تبقى.

عوامل الرضوخ السعودي والقبول بالدور الكويتي 
تدخل السعودية بعدوانها على اليمن عامها الثاني، دون تحقيق أية نتائج تذكر من بين جملة المسوغات والأهداف الهشة التي انطلقت من أجلها، وبات قصف طيرانها لأهداف مدنية يعطي نتائج عكسية محلياً ودولياً، مع تماسك كبير في صفوف الجيش واللجان الشعبية وكذلك أنصار الله - ذريعة السعودية الأولى- أفقدها القدرة على المناورة سياسياً وعسكرياً، بل ها هو يقودها في نهاية المطاف لقبول التفاوض وجهاً لوجه مع الجانب اليمني، بعد أن استمرت في رفض ذلك طيلة الفترة الماضية، ولكن هذا ليس الانكسار الوحيد الذي سجلته الدولة النفطية الأكبر على الإطلاق في هذه الخطوة، بل هناك انكسار آخر أيضاً، ولكنه يصب لصالح الدولة الكويتية هذه المرة، التي استطاعت خنق خيبات السعودية تباعاً بدءاً من سوريا وانتهاء باليمن، لتفرض عليها مساحة تحرك أكبر، تتيح لها لملمة خيبات الفشل السعودي- كما تجري العادة- وإعادة التموضع بثبات أكبر خليجياً وعربياً، سيما وهي الدولة الأكثر نجاحاً في ترتيب الفوضى الخليجية التي تقودها السعودية كما هو الحال عياناً.
السعودية لم تكن لتقبل بالدور الكويتي أولاً, والتفاوض وجهاً لوجه مع اليمنيين ثانياً، لولا عدة عوامل خانقة، أفقدته القدرة على التحرك بأي اتجاه قد لا يضمن لها نسبة نجاة وإن كانت ضئيلة، ومن أهم تلك العوامل:
 فشل العدوان السعودي كلياً -رغم ضراوته - في فرض أية حالة استسلام يمكن تسجيلها من الجانب اليمني. 
 الخسائر المباشرة في أرواح الجيش السعودي، حيث بلغ عدد القتلى -وفق أستاذ جامعي مصري - ثلاثة آلاف ضابط وجندي.
 تصاعد الانتقادات للعدوان السعودي في اليمن، والحصار الموازي لها في أوساط الدول الغربية، واتهام البرلمان الأوروبي للمملكة بارتكاب جرائم حرب، ومطالبته حكومات بلاده بفرض حظر على بيع أسلحة للسعودية.
 تصاعد حالة (التململ) في الداخل السعودي من جراء العدوان وتزايد الاستنزاف العسكري والمالي والبشري، وتصاعد مشاعر الكراهية للمملكة في أوساط الرأي العام العربي والعالمي، وانهيار التحالفات التي تم إنشاؤها لتوفير الغطاء الإسلامي والعربي لهذا العدوان، قبل أن ينشأ.
 حجم النفقات المالية الهائلة، والتي تقدرها بعض الأوساط بمليارات الدولارات شهرياً.
 وأخيراً ظهور التنظيمات الإرهابية (داعش والقاعدة) كقوتين رئيسيتين في الساحة اليمنية، خاصة في المناطق الواقعة خارج سيطرة قوات التحالف. 
مع أن الكويت جارة لبعض الدول الخليجية، وخاصة السعودية وقطر، وانضمت الى جناح (الصقور) في الجامعة العربية، وأيدت تجميد عضوية سوريا، ودعمت المعارضة المسلحة طوال السنوات الماضية تقريباً، كما أيدت العدوان على اليمن، ودعمت رمزياً دول التحالف الذي تقوده السعودية، إلا أنها تبقى الدولة الخليجية الأولى التي تبدأ إجراءات إعادة العلاقات في حالات الإخفاقات العسكرية، وربما يصب ذلك في مصلحة إصلاح أخطاء الدبلوماسية الكويتية، سواء في سوريا أو في اليمن التي تحتضن الكويت جلسات الحوار المرتقب بين أطراف النزاع فيها، منتصف الشهر الجاري.