أكاديميون بيد العدوان
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / عبدالقادر حسين

إخـــــوة عسيــــري علـــى منصــــات جامعــــة صنعــــاء
أكاديميون بيد العدوان
(صنعاء بعيدة.. الرياض أقرب) صدح بها المنشد عيسى الليث، ولاقت شهرة كبيرة، وتُردد على مجال واسع بين المواطنين، حتى ذاع صيتها إلى أقطار عربية وأجنبية، ويرددها المواطنون في الداخل تعبيراً عن أن العاصمة صنعاء عصية على الاحتلال.
بدت العاصمة صنعاء محصنة من تسلل قوات الاحتلال، وعلى أسوارها المنيعة تكسرت جحافل الغزو، رغماً عن الاحتشاد المهول الذي أعدته دول العدوان لاجتياح العاصمة، لكنها تحطمت أمام استبسال أبطال الجيش واللجان الشعبية في فرضة نهم على مدى الأسابيع الماضية، وما الاحتشاد الجماهيري الضخم الذي شهدته العاصمة بمناسبة مرور عام على العدوان، إلا تأكيداً على صمود الشارع اليمني، وأنه لم يسمح لذرائع العدوان بخلخلة صفه، وإحداث اختلال اجتماعي في مجتمع صنعاء وضواحيها.
لكن ثمة أكاديميين، يتمتعون بالحرية التامة في تحديد آرائهم وتوجهاتهم إزاء العدوان على الشعب اليمني، يعكرون صفو الإجماع الشعبي المناهض للعدوان، ويبرزون كثغرة يستطيع العدوان تجييرها بوابة للاحتلال، أو كما عبّر أحد الأكاديميين متسائلاً: (ما الطريقة المتوقعة لدخول قوات التحالف صنعاء؟ هل السلمية بشراء ولاءات القبائل على تخوم العاصمة؟ أم بالطريقة العسكرية والحرب؟). هكذا صار الاحتلال (التحرير أو الدخول) لصنعاء أمراً حتمياً لدى هؤلاء.
مثلما يساهم أبواق العدوان ومدعو المدنية، في جرائم السحل والذبح وحمام الدم الذي لا يبارح عدن والمناطق الواقعة تحت سيطرة العدوان ومرتزقته، يتأهب هؤلاء الأكاديميون للالتحاق بهم، عبر استغلالهم المكانة الاجتماعية المرموقة لهم في الأوساط الاجتماعية، والأهمية الأكاديمية التي يحظون بها كونهم بناة أجيال، ويتصلون بالشباب في مرحلة عادةً ما تتسم بأنها المحددة للمستقبل، يسخر هؤلاء أنفسهم كمحامين للشيطان، ومروجين لبشاعات الاحتلال، خلافاً لما ينبغي أن يكونوا عليه بالوقوف إلى جوار الشعب، وشحذ الهمم لمواجهة قوى العدوان السعودي الأمريكي.
لقد تغيرت أشياء كثيرة بفعل العدوان، وتكشفت العديد من الوجوه الزائفة، التي لاقت حظوة اجتماعية بفعل أقنعة الوطنية ومشاريع المدنية وإيجاد الدولة، وعندما حان وقت الجد وصار الوطن يُستباح بطائرات العدوان والمرتزقة متعددي الجنسية، وتتعدد طرائق قتل أبناء الشعب، غدت (الكرفتة والهندام) سيفاً وساطوراً وغارة طائرة، تقف رديفاً لقاتل حشد أحدث آليات القتل والفتك الإنساني، مشفوعاً بتبريرات دولية وحقوقية.
لا يمثل العوز والحاجة - بالنسبة للأكاديميين- دافعاً للالتحاق بطابور العمالة وتبرير الاحتلال والعدوان، كما هو حال البسطاء من الناس الذين يتم التغرير بهم والدفع بهم إلى جبهات القتال في صفوف المرتزقة مقابل أموال زهيدة، فمستحقاتهم الشهرية تضاهي رواتب ثلاثة موظفين في القطاع الحكومي للأكاديمي الواحد.
يتحدث طلاب جامعيون بأن دكاترة لهم يجعلون محاضراتهم مكاناً لتحشيد اصطفافات مؤيدة للعدوان، ومنبراً للتنظير والتبرير للعدوان، وعبر أسئلة مقالية تحدد الموقف من العدوان تتضمنها الامتحانات الجامعية، وأسئلة أخرى تفرض على الطالب التعامل مع اصطلاحات تضليل وتبرير للعدوان، كأن يُسمى العدوان تدخلاً، والاحتلال الواقع على محافظات جنوب البلاد انفلاتاً أمنياً، كما أن الشعارات واللافتات التي اشتغل عليها إعلام العدوان لا تغيب عن ذلك، ولعل أبرزها ما سُمي (حصار تعز)، التي اتخذ منها العدوان يافطة عريضة للابتزاز باسم الإنسانية، فيما تشير المعلومات إلى أن مرتزقة العدوان يقومون بنهب وسلب المنازل والسيارات والمحلات التجارية، فضلاً عن أعمال السحل والذبح التي تشوه ملامح الإنسانية في وجوه مؤيدي العدوان ومرتزقته لتحيلهم إلى مسوخ حيوانية.
لم يكن تبرير أعمال السحل والذبح التي تقوم بها عصابات مرتزقة العدوان، وحدها الجريمة التي يرتكبها أكاديمي يتباهى باسمه مسبوقاً بـ(الدال) بحق أسر الضحايا والرأي العام الذي ينتظر من أناس حسبهم نخبة، استهجاناً وتنديداً بتلك البشاعات الإجرامية، بل يتعرض الطالب للشتم والطرد من قاعة المحاضرة، لمجرد اعتراضه على دكتوره الذي يؤيد العدوان ويعمل على تلقين الطلاب قناعاته الشاذة غير المنسجمة مع الموقف الشعبي والوطني المناهض للعدوان، وذلك ما حصل لإحدى الطالبات في كلية التربية بجامعة صنعاء.
فيما يرفض أكاديمي إجراء امتحان نصفي لطالب تبين له من خلال المحاضرات، أن موقفه مؤيد للجيش واللجان الشعبية في مواجهة العدوان ومرتزقته، ويرد عليه: (غبت لأنك رحت تقاتل أصحاب تعز)، ليُحرم الطالب من درجات الامتحان بالرغم من إجراء الامتحان لزملاء له لم يتمكنوا من الحضور في اليوم المحدد للامتحان.
لا تقتصر الممارسات المخلة بالشرف الأكاديمي والوطني لبعض المنتمين للسلك الأكاديمي في جامعة صنعاء، على كواليس الجامعة والمضايقات للطلاب، تارة بحظر إعادة الامتحانات على الطلاب الملتحقين بجبهات الكرامة والذود عن الوطن، وإرغامهم على إعادة العام الدراسي، وأخرى عبر فرض رؤى وتوجهات شخصية على العملية التعليمية، بغية تعميم الموقف المؤيد للعدوان على المجتمع الجامعي، كون الأستاذ الجامعي هو السلطة الأولى والوحيدة في الحرم الجامعي المتحررة من ضوابط الرقابة، فقد خرجت إلى الرأي العام مرات متعددة وبمسافات زمنية متقاربة أخبارٌ تحظى بالصدارة لدى إعلام العدوان، فحواها تعليق الدراسة بجامعة صنعاء وإضراب مفتوح لأعضاء هيئة التدريس، وصفت معظمها بأنها سياسية لا علاقة لها بالطبيعة المهنية، تهدف إلى إحداث الفراغ في الحياة العامة بتعطيل الدراسة والعودة إلى الأشهر الأولى من العدوان؛ حيث ظلت الجامعة موصدة أبوابها كبقية المؤسسات العامة، وغادر العاصمة العديد من المواطنين.
بينما يتعذر الأكاديميون بتدخلات اللجنة الثورية، ويصفونها بأنها انتهاك للحرمة الجامعية، محاولين بذلك وضع الجامعة بمعزل عن محيطها الاجتماعي، وربطها لاسلكياً برئيس وحكومة انتهت صلاحيتهم، واستجلبوا عدواناً لم تكن الجامعات بمنأى عن تدميره.
يقول عميد سابق في جامعة صنعاء، معلقاً على الإضراب الأخير الذي أعلنته هيئة التدريس بالجامعة، إن (أنصار الله) يقومون بتصرفات بلهاء، ويريدون تحويل الجامعة إلى حوزة شيعية، بتغييرهم رئيس الجامعة د. عبدالحكيم الشرجبي، واستبداله بآخر شيعي، حد وصفه.
لقد تبدلت أشياء كثيرة يصعب تعديلها إن لم يكن مستحيلاً، فالنخبة - الأكاديميون في مقدمتهم - الذين يعتبرون الأكثر تحصناً من الشائعات، والمخولين بمواجهتها، صاروا يتخندقون وراء مفاهيم لا يجدر بمواطن بسيط الاقتناع بصحتها، ناهيك عن المشاركة في نشرها وتطبيع المجتمع على التعامل معها باعتبارها حقيقة، مع وجود واقع ملموس يدحض صحتها، ويؤكد أنها إحدى الدعايات الترويجية للعدوان، ومن هول الفعل ينتفي رد الفعل، فلم تعد صدمة أن تجد أكاديمياً ينبغي به أن يبذل جهداً طليعياً في مواجهة العدوان والحفاظ على الصمود والثبات الشعبي، يجري فرزاً طائفياً ومناطقياً في محيطه الجامعي على زميله الدكتور وتلميذه الطالب، وبمنظورهم لا يحق للطالب أن يعامل كبقية زملائه، لأنه يناهض العدوان، ويحتمل دكتوره أنه التحق بالجيش واللجان الشعبية في تعز، بينما الطلاب الملتحقون بعصابات المرتزقة فعلياً، تقدم لهم التسهيلات، وتتم معاملتهم أسوة بالنازحين جراء الحرب، كما أن اتهام الأكاديمي المذكور آنفاً لزميله المُعين رئيساً للجامعة بأنه شيعي، يمثل الوجه القائم للطريقة المستحدثة في عقليات بعض الأكاديميين في الفرز وتحديد هويات الآخرين وانتمائهم.
إزاء ذلك خرجت مسيرة طلابية حاشدة، الثلاثاء الفائت، ترفض قرار الإضراب الذي أعلنته نقابة هيئة التدريس، واعتبروه تغطية على جرائم الفساد والاختلاس للمال العام، مؤكدين على أن قرار الإضراب يعد باطلاً كونه يضع الطالب بين مطرقة الفساد وسندان الإضراب، ولا عبرة به كونه صدر من نقابة تستمد شرعيتها من خارج البلد، حسبما أورد بيان صادر عن طلاب وطالبات جامعة صنعاء.
وطالب البيان الجهات المعنية بعدم السماح باستمرار الفساد الجامعي، وتفعيل الرقابة والمحاسبة بكوادر نزيهة تضمن عدم تكرار عمليات الفساد، وتوقيف كل من تورط في مثل هكذا قضايا.
واتهم طلاب ناشطون نقابتي العاملين وأعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء، بأن اللاعب الرئيس فيهما هو حزب الإصلاح المتضرر من التغيير في الجامعة، والذي يسعى لإيقاف العملية التعليمية دفاعاً عن مصالح ضيقة لأشخاص فاسدين تخدم التوجه الحزبي الذي يصب في مصلحة العدوان مباشرة، حد وصفهم، موضحين أن النقابتين غير الشرعيتين - لعدم إجراء الانتخابات في الفترة الزمنية المحددة - لا تهتمان بمصلحة الطلاب، وتعملان على خدمة مصالحهما الحزبية التي تخدم العدوان السعودي الأمريكي في كثير من الأحيان.
إلى ذلك، فقد أكد مسؤول في ملتقى الطالب الجامعي أن العدوان يقوم بشراء بعض الولاءات الأكاديمية، مثلما يشتري ولاءات مشائخ وعسكريين، وأن هناك أكاديميين يرتبطون بمصالح مع دول العدوان، مبيناً أنهم يقومون بدور يستمد أهميته من مكانتهم الاجتماعية والوظيفية؛ فهم أساس تفريغ كل تعبئة ضد العدوان من محتواها، والذين يقومون بصناعة الشائعات، ومن يقدمون قضايا تافهة في قلب الحدث لدفع القضايا الكبرى عن الصدارة، وهم من يضعون العربة قبل الحصان، حد قوله.
المصدر صحيفة لا / عبدالقادر حسين