تعز.. كاذية في هامة الوطن وبندقية في يده
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / صلاح علي

خمسة أعوام من محاكم التفتيش والسحل بالتجزئة
تعز.. كاذية في هامة الوطن وبندقية في يده
لا يدخر العدوان السعودي الأمريكي على اليمن جهداً لتمزيق النسيج الاجتماعي وصناعة انقسامات وتناحرات أهلية عميقة تفضي بالوطن جزراً متناثرة متصارعة يسهل اجتزاؤها وقضمها كل على حدة، وتجييرها لخدمة مشاريعه الاستعمارية المقيتة. ومحافظة تعز لم تكن بمعزل عن هذا المشروع الذي سبق العدوان العسكري المباشر في مارس المنصرم بسنوات، ضمن عملية تهيئة طويلة شرعت بتنفيذها بدرجة رئيسية ماكينة إعلام مهولة لمنظومة السيطرة الدولية بالزعامة الأمريكية، وكانت تعز، سيما فترة العدوان، تبدو الأكثر غرقاً في هذا المشروع عبر وسائل وإدارات عدة محلية وأجنبية، مجمل النتيجة المراد تحقيقها ترسيخ صورة عن المحافظة وأبنائها بالانعزال الجغرافي والسياسي، وبكونه مجتمعاً (داعشياً) يقف جله بصف الأعداء!
وبرز في محافظة تعز -من جملة مشاهد مفزعة- مشهدان دمويان لا يزال صدى وقعهما يتردد في الأذهان حتى اللحظة، الأول في أغسطس من العام المنصرم، والثاني هو ما حدث منذ تاريخ 8 مارس الجاري، والمشهدان لم يختلفا عن بعضهما عدا في كمية الدماء المراقة والأعناق المذبوحة والأجساد التي سُحلت أو صلبت وأحرقت أو عُلقت على المشانق وتركت تتعفن في العراء أو رُميت من على المباني...، في وضح النهار وأمام أنظار الأهالي المروعين.. مراقبون وخبراء رأوها أفعالاً منهجية مدروسة بدقة شديدة في مطابخ العدوان المخابراتية حتى على مستوى التوقع بردود فعل الرأي العام تجاهها، هدف منها العدو تفجير نزاع أهلي حاد، خصوصاً تجاه أبناء محافظة تعز المنتشرين بشكل واسع في محافظات الشمال من اليمن بالذات، ليتحول الهم العام بالقضية الوطنية ومواجهة الاحتلال للبلد عند المواطنين إلى (تشرنقات) مذهبية ومناطقية وثارات وتناحرات أبدية تنتهي بالمجتمع اليمني لجغرافيات انعزالية، سيما وأن العدوان وتفريخاته الداخلية حرصوا على إعطاء هذه الممارسات المقززة أبعاداً دينية وعرقية ومناطقية، وهذه الأخيرة برزت سواءً باستهداف المواطنين من أبناء محافظات الشمال اعتقالاً وذبحاً وسحلاً، أو عبر مسيرات الإخوان والوهابية التي هتفت عمداً: (لا زيدية بعد اليوم، والتحرر من الصفوية...)، فيما المجتمع الأهلي يبرأ من هذه الأفعال، وهو في مقدمة من يكابد أقسى المعاناة في ظلها، ويجاهد حثيثاً للانتصار عليها، في الوقت الذي تتأهب السواطير والمشانق لتنقض على أعناق أبنائه.. وبجانب هذه الأفعال استند العدوان إلى آليات عدة لترسيخ الصورة (الداعشية) عن محافظة تعز، ونحن في هذا الصدد إذ نحاول ملامستها وفضحها، نقدم الصورة المغايرة التي يجسدها الواقع، لدحض الزيف المهول الذي يواصل العدوان ترويجه وإلصاقه بالمحافظة.
الماكينة الإعلامية تقصف الوعي وتعصف بالضمائر
بالتركيز على القنوات الإعلامية الرئيسية للعدوان: (العربية والجزيرة)، يثير الانتباه التكثيف المتواصل لظهور وجوه على شاشاتها من الإعلاميين والمثقفين ونخب سياسية وأكاديمية...، كلها من محافظة تعز، تردد ما يمليه العدوان عليها، لا ما يمليه الضمير الشريف للإنسان، محتكرة صوت وضمير محافظة تعز صاحبة الـ5 ملايين مواطن يمني، كما هو الحال مع الأرجاء الأخرى في الوطن، ومن أبرز هذه الوجوه/ العينات: حمزة الكمالي- عزت مصطفى الدبعي - رشاد الشرعبي - عبد الستار الشميري - محمد مقبل الحميري- وضاح الجليل... إلى آخر قائمة التفريخ العدوانية المزيفة لصوت الوطن وضميره وقضيته، وهي وغيرها من أبواق العدوان وجلاديه الإعلاميين، التي لم تتوان للحظة واحدة عن (دعشنة) تعز حتى ولو في الأدنى بأذهان أبناء المحافظات الأخرى، والاستماتة بتبرير أو نفي أو إلصاق بالغير، جلّ ما يرتكبه العدوان بطائراته أو بأيدي آلاته الفتاكة ومسوخه الوحشية، من بشاعات ومجازر جماعية مفزعة، في صبر والمدينة والمخا وغيرها.
وهذا التكثيف الإعلامي، يواصل إظهار محافظة تعز بأنها جغرافيا مجمل من فيها بخندق العدوان على الوطن ومشحونين بالكراهية والحقد الطائفي والمناطقي، إما في جبهات معاركه أو جبهاته الإعلامية والسياسية.
في هذا السياق، أطلقت عصابات الإخوان والوهابية أواخر 2014م فتوى شهيرة لتصفية جميع الهاشميين في محافظة تعز أيً كان موقفهم السياسي، وحرضت مساجدهم وإعلامهم علناً لتنفيذ هذه الفتوى التي جاهرت بكونها (تصفية عرقية).
ولاحقاً دفع العدوان (تفريخاته) السياسية في الداخل لصياغة مشهد (شعبي) يستمر بتوظيفه إعلامياً وسياسياً في مصب مشروعه الاستعماري حتى اللحظة. ففي اليوم التالي لبدء العدوان خرجت جموع (عدة آلاف) هجينة من إخوان مسلمين وإخوان (اليسار) - كما تصفها بعض الأوساط- تهتف باسم (سلمان) حمداً على العدوان وتمزيق الوطن، معلنين تخندقهم الأبدي في صفوفه، مشهرين (سلمان) وغيره من أمراء النفط: (قادة للنهوض العربي)، نافين بـ: التضليل الإعلامي وقوة السلاح والإرهاب، أن يكون هناك وطنيون في تعز، محاولين الإطباق على وعي المجتمع بهجمة إعلامية شرسة وتضليل اشتركت فيه شخصيات مختلفة من المحافظة. والمشهد ذاته تكرر في أكتوبر أثناء فعالية ادعت الاحتفاء بثورة الـ14 من أكتوبر المجيد.
مشاريع (الدعشنة) واغتيال المدينة
لقد سبق للعدوان أن زرع بؤره الإرهابية داخل محافظة تعز، وهيأ حواضن محلية له منذ سنوات طويلة خلت، تشير المعلومات إلى أنها كانت في أوجها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكانت أبرزها (الجبهة الإسلامية) التي قادها إخوان اليمن بتوجيه أمريكي سعودي صهيوني، لمواجهة (جمهورية اليمن الديمقراطية) في الجنوب و(الجبهة الوطنية الديمقراطية) في الشمال التي كانت أهم أولويات أدبياتها النضالية (إنجاز الاستقلال الوطني والتخلص من الهيمنة والتبعية السعودية) وفقاً لما تقوله إحدى وثائق الجبهة في العام 82م. وقادت الجماعة آنذاك عمليات تجنيد واسعة في المحافظة ارتبطت بمعسكري شرورة وأفغانستان...، وظلت تناسلاتها الإرهابية حية حتى اللحظة.
مرة أخرى، تأججت وخرجت للعلن، وبشكل فاضح ومخزٍ، عمليات التجنيد والتعبئة المذهبية داخل المحافظة، وتحت غطاء رسمي لأجهزة الدولة المركزية الأمنية وأجهزة السلطة المحلية، بصعود حكومة ما سمي (الوفاق الوطني) عقب 2011م، وتفجر حرب دماج المخابراتية لمواجهة (أنصار الله) وحصار محافظة صعدة، وكذا الحرب على سوريا.
وفي تعز دوناً عن سائر المحافظات، انتشرت بشكل مهووس شعارات وكتابات (القاعدة) التحريضية المقيتة على جدران المدينة وشوارعها، كالوباء، ونادت مآذن عشرات المساجد بالالتحاق للقتال في صفوف القاعدة والعصابات في أبين ودماج وسوريا، وكان من أبرز هذه المساجد، مسجدا الحمزة والرضوان بمنطقة حوض الأشراف بسوق الصميل، ومسجد السنة المجاور لمبنى الإطفاء، وعدة مساجد أخرى في المسبح والجمهوري ووادي المدام...، وذاته الحال مع صحف وقنوات الإخوان/ الوهابية.
عمليات التجنيد ورعاية البؤر الإرهابية، جرت تحت غطاء رسمي بحوزته كافة المعلومات حول مكامن هذه البؤر، كذلك تحت غطاء اجتماعي وفره بعض الوجاهات والنافذين في المحافظة، ففي 2013 مثلاً، نقلت قناة اليمن الفضائية آنذاك حواراً يعترف فيه الإرهابي المدعو (عبد الرحمن هزاع المليكي) بعد إلقاء القبض عليه من قبل الأمن، بعمليات اغتيال نفذها ضد عدة شخصيات عسكرية وسياسية في المحافظة، وأفاد حينها أنه كان على علاقة وطيدة بإحدى الشخصيات الاجتماعية الهامة بالمحافظ التي رعته ورتبت معه أعمالاً عدة، موضحاً أنها شخصية قبلية لها دورها في حماية ساحة الاعتصام، وغيرها من الإشارات التي تقول كلها بشخص واحد: حمود سعيد المخلافي، الذي قال عنه (المليكي) إنه طلب منه تنفيذ عمليات اغتيال عدة لخصوم له في المحافظة.. وهكذا دواليك كانت تذبح مدينة السلم والمدنية والثقافة كل يوم.
في السياق ذاته، كشفت المعلومات الأمنية لـ(لا) أن المدعو (باطرفي) أمير القاعدة الحالي في حضرموت، والمسؤول الإعلامي للقاعدة في شبه الجزيرة العربية سابقاً، ألقت القبض عليه السلطات الأمنية في 2011م، مع عدد من مرافيقه، في نقطة أمنية في الحوبان، بعد اشتباك دموي، وألقته في السجن بحضرموت، وذلك لدى دخوله المدينة لمقابلة شخصيات إخوانية للترتيب لعمليات تفجير الوضع العسكري في المحافظة تلك الآونة.
وتوضح التقارير، أن من أبرز ما حدث في المحافظة خلال السنوات الماضية، هو أن كل منطقة ومعسكر للقاعدة كانت تسقط في المحافظات الأخرى كمعسكر (المناسح) في البيضاء ومعسكر دماج ومعسكر (الأسلوم) بحزم العدين بإب، كان الملاذ الآمن لفرار من فيها محافظة تعز، ولم يكن محض اختيار عشوائي أو وجهة تائه حين لاذ (الزنداني) بتعز بدلاً عن مخدعه في أرحب صنعاء، عقب سقوط إمبراطورية (الخُمري) و(الفرقة الأولى مدرع) أمام غضب وكدح أبناء الثورة المقهورين.
هذه المعسكرات، أعلنت عن وجودها بشكل أكثر فجاجة ببدء العدوان على اليمن الذي هي جيوشه المحاربة في الميدان مقابل شعبنا، وفي محافظة تعز نشرت جماعة (أنصار الشريعة) عدة فيديوهات مصورة لعملياتها القتالية ضد الجيش واللجان، أبرزها الفيديو الشهير في مناطق الجحملية والجمهوري، وفي الفيلم تظهر مقابلات مع أشخاص على اعتبار أنهم مواطنون عاديون، بهدف إيصال رسالة أن المواطنين في تعز متعايشون مع القاعدة، ويؤيدون وجودها وجرائمها.
اغتيالات وتصفيات وتهجير جماعي لوطنيي محافظة تعز..
في محافظة تعز يستمر الصوت الوطني لأبنائها بالعلو، وبالمقابل رأى العدوان وأدواته المحلية ضرورة إسكات هذه الأصوات الصاخبة ضدهم وضد مشاريعهم، فشرع قبل بدء العدوان بتصفية هذا العائق الجسور أمام مشروعه المقيت. ليغدو المشهد في محافظة تعز أقرب ما يكون للواقع المأساوي الذي يرزح في ظله الشعب الفلسطيني، اجتثاثاً وتهجيراً وإبادات جماعية...، منذ العام 48م، بيد الكيان الصهيوني.
تفيد التقارير الرسمية أن تعز شهدت أكثر من 50 عملية اغتيال، وعشرات العمليات الأخرى التي فشلت، منذ عام 2011م إلى ما قبل مباشرة العدوان آخر مارس 2015م، وكان 2014م هو الأكثر دموية بينها بحصيلة 37 عملية اغتيال، علاوة على عشرات الجرائم والعمليات الإرهابية، وكلها استهدفت وطنيي محافظة تعز بين كوادر عسكرية وسياسية واجتماعية.. واليوم في خضم العدوان ينطق هذا المسار الدموي بحقيقة وحيدة: أنها هدفت جلها لتحويل تعز إلى محافظة (داعشية) خالية من الوطنيين الذين تواصل اجتثاث وجودهم الاجتماعي وطمس صلاتهم بمدنهم وقراهم (كمصادرة الأملاك، وتدمير البيوت...)، كما حدث مع أهالي الجحملية، المنطقة التي فخخها العدوان بمسوخه ومسالخه بدلاً عن أبنائها المتجانسين من كافة الرقعة الوطنية بعد تصفية وجودهم بين الذبح والتهجير.
وطيلة أعوام قليلة، وبالذات 2014م، كانت محافظة تعز تصحو أو تمسي كل يوم على وقع فاجعة جديدة مدوية، حيث شهدت المحافظة موجة شرسة من التصفيات والاغتيالات والملاحقات والتهجير، ضد الشخصيات الوطنية، وكانت أبرز خلفيات هذه العلميات الموقف المناهض لـ(المبادرة الخليجية) وتدمير الجيش اليمني (الهيكلة) وإفشاء الأسرار العسكرية للبلد، وتوغل جماعة الإخوان والقاعدة في أجهزة الدولة وخاصة العسكرية والأمنية منها، والفساد والعبث المهول بموارد الدولة وبالقضايا الوطنية والأرض اليمنية...، ومن أبرز الاغتيالات والتصفيات التي حدثت منذ 2011م حتى الأسابيع الأولى من العدوان:
- عبد الحكيم الكلعي مدير أمن المنشآت، في 2011م، تمت تصفيته من قبل عناصر الإخوان في منزله بوادي القاضي.
- العقيد في جهاز الأمن السياسي حمود القدسي، في 2011م، والعقيد باعلوي، وهما الضابطان اللذان اعترف باغتيالهما الإرهابي المدعو عبد الرحمن المليكي.
- توفيق عبد الله النجار صاحب بقالة في سوق الصميل، 7 سبتمبر 2014م، كان يتابع قناة (المسيرة)، فعاقبه مسلحو القاعدة المتوغلون في تلك المنطقة، بإطلاق الرصاص عليه، وقبل أن يقضي تم إضرام النيران بجسده ليقضي حرقاً.
- عبد الله الغرباني، يعمل في الهلال الأحمر، وهو معارض محسوب على (أنصار الله)، في فبراير 2015م، كان مع مرافقه يستقلان سيارة الهلال الأحمر، تقطع لهما مسلحون وأمطروهما بالرصاص.
- العقيد أحمد محمد حنش الجهوري نائب ضابط الأمن والنظام في إدارة عام شرطة تعز، تمت تصفيته بالقرب من مبنى البريد وسط مدينة تعز، في شهر يوليو 2014م.
- جميل محمد صغير وشخص آخر بجانبه، بائع معسلات في الجحملية، ناشطان معارضان لجماعة الإخوان، تمت تصفيتهما من قبل مسلحي القاعدة في محلهما، 2014م.
- مدير قسم صالة عبد الملك العمري، في 2013م.
- صدام حسين الطاهري رئيس عمليات القصر الجمهوري، اغتاله حمزة حمود سعيد.
- صادق منصور أمين عام إصلاح تعز، اغتالته الجماعة مطلع العام 2015م، داخل سيارته بعبوة ناسفة بشارع المسبح، لموقفه الوطني والأخلاقي وسعيه الدائب تجنيب المحافظة الحرب التي ظلت الجماعة تنفخ نار وقيدها حتى اشتعلت، وعرف عنه أن تقارب مع كل الأطراف السياسية بالمحافظة، ومنها حركة أنصار الله، كما عرف عنه موقفه المتحفظ على المبادرة الخليجية.. واعتبر مدير أمن تعز مطهر الشعيبي الجريمة أنها عملية اغتيال سياسية بامتياز، ملوحاً بأصابع الاتهام للجماعة.
- بسام الجنيد، في شهر أكتوبر عام 2013م، على خلفية موقفه المعارض للجماعة.
- الطفل وليد شرف السامعي صاحب الـ14 عاماً، قتله مسلحو جماعة الإخوان، في 2012م، بساحة اعتصام صافر أثناء مظاهرة رافضة للمبادرة.
- عامر العامري صاحب بوفية العامري، ومعه المهندس عبدالكريم غانم في الكهرباء، اغتالتهما القاعدة في يوليو 2014 أثناء تواجدهما في المكان، على خلفية نشاطهما في ثورة أيلول وموقفهما السياسي الرافض لمشاريع الجماعة.
- فكري البروي المساعد في الأحوال الجوية، اغتالته القاعدة بيد مسخها المدعو (المشمشة)، في 2014م، أمام مبنى الأحوال، بسبب شهادته على جريمة اغتيال كشف أصحابها، وكان منهم (المشمشة).
- العقيد عبد الغني الترجمي مدير قسم شرطة 30 نوفمبر، قتلته الجماعة في 2014م.
- الدكتور منصور الواسعي تعرض لمحاولة اغتيال في 2013م، في الحبيل، وهو يستقل سيارته، نجا منها، وأسعف إثرها للعلاج بالخارج، وقد تمت العملية بعد تكفيره في جامعة تعز من قبل عصابة الوهابية في كلية الحقوق، على خلفية فعالية للمرأة. وهذه العملية ليست الأولى من نوعها في المحافظة، بل تكررت ضد العشرات الذين اضطر الكثير منهم لمغادرة المدينة، منها الزميل صلاح الدين الدكاك، الذي كُفر وتعرض لمحاولات الاغتيال والملاحقة مع أسرته، وكذا مع الفنان اليمني أيوب طارش الذي لاحقته العصابات لتصفيته واعتدت عليه وعلى منزله أكثر من مرة. والفتاوى ذاتها التي أطلقتها العصابات الوهابية المخابراتية في تعز، خصوصاً في الجحملية، مبيحة لسواطيرها أعناق ودماء وأموال كل من يقف بمواجهة العدوان وعصاباته، تحت دعاوى تُعدها تُهماً وجرماً: كـ(رافضي- متحوث- حوثي- عفاشي- علماني...)! علماً أنها تهم مطاطية يمكن إلصاقها بمن أرادت كما حدث مع أنور الوزير في الإخوة بدعوى أنه (علماني) على الرغم من كونه أحد ناشطي العدوان بتعز.
- عصام القدسي قامت بتصفيته القاعدة في أبريل 2015م، داخل منزله في شارع 26 سبتمبر، على خلفية موقفه الرافض للعدوان، وسبق للقاعدة تلك الآونة أن وجهت التهديدات لأسرته ذكوراً وإناثاً ومنهم شقيقته إلهام على خلفية نشاطها الثوري الرافض للمبادرة والعدوان، كما هاجمت بعضهم في محال عملهم، لتجبر كامل الأسرة على مغادرة المدينة التي رفض الشهيد عصام الرحيل منها مع زوجته وباقي إخوته.
مع بدء العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، دخلت هذه العمليات طوراً جديداً، إذ تحولت من كونها عمليات محدودة تستهدف العشرات، إلى عمليات تصفية وتطهير جماعي وملاحقات وتهجير بالجملة، ضد عشرات الآلاف من وطنيي المحافظة (غالبية سكانها) على اختلاف درجة نشاطهم السياسي والثوري، منهم علماء وناشطون سياسيون ومثقفون ثوريون وأكاديميون ووجاهات اجتماعية...، ليتضاعف الكابوس الدموي الممنهج في تعز عشرات المرات وحشية وبشاعة، تنفذها طائراته بمساندة سواطير مسوخه على الأرض، ضمن مشروع اجتثاثي كبير للوطنية اليمنية.
التصفيات والتهجير الجماعي في ظل العدوان كانت أبرزها ضد حاملي ألقاب (الرميمة) و(الجنيد)، فما يزيد عن 100 منزل وأسرة في صبر والمدينة استهدفتها الطائرات وأحالتها خراباً، أو استهدفتها العصابات تدميراً ونهباً وحرقاً، فيما الذين وقعوا بأيدي العصابات تم إعدامهم ذبحاً أو بالرصاص أو صلباً وحرقاً أو سحلاً أو رمياً من أسطح الأبنية...، ومن بقي حياً أودع معتقلاتهم يواجه جحيم التعذيب اليومي. وأسفرت هذه العمليات عن وقوع أكثر من 200 شهيد وجريح من بيت الرميمة والجنيد، إضافة لعشرات المهجرين من منازلهم وقراهم.. والحال ذاته واجهه ويواجهه باقي أبناء المحافظة.
الناجون غادروا ويغادرون المدينة مكلومين مجبرين تحت ظروف الاضطرار والقسر المفروضة عليهم (خاصة المناطق الواقعة في إطار تواجد العصابات) إلى وجهات يأمنون فيها رقابهم كالعاصمة صنعاء، تاركين خلفهم منازلهم ومحال أرزاقهم بما تحويه، تواجه مصير النهب والتدمير المتصاعد بمرور كل يوم، والبعض تركوا خلفهم أهاليهم للمصير المجهول. وتقدر الإحصائيات الأولية أن إجمالي الأسر التي نزحت من المحافظة بلغ 20 ألف أسرة، بينما المنازل التي نهبتها العصابات خلال العام تفوق 400 منزل.
آخر هذه الجرائم الوحشية، إبادة قرى بأكملها من قبل الطيران في منطقة الضباب، خلال المواجهات الأخيرة قبل أيام بمواجهة مسوخ العدوان الذين اصطف بمواجهتهم الأهالي بجانب الجيش واللجان، مضافة لعشرات الجرائم الأخرى المروعة في المخا والوازعية وغيرهما.
مدينة تحاصر أنفاسها ماكينة الذبح والخراب، ولا تزال تقاوم
واقع الحال في محافظة تعز، لا يلبث إلا أن يتصدى لسيل الدعاية والإرهاب، وليس يخفى برغم كثافة الهجمة العدوانية التضليلية والتزويرية وشراستها، واقع يقول بحقيقة مغايرة ما أكثر إثباتاتها وجسارتها، فقط للأبصار التي لم تعم.
تشير المعلومات العسكرية الخاصة ببرنامج (التعبئة العامة) للدفاع عن الوطن، إلى أن ما يزيد عن 10 آلاف متطوع من أبناء محافظة تعز وحدها التحقوا بالبرنامج، خلافاً للملتحقين من سابق بصفوف الجيش والأمن المدافعين عن الوطن. ويشارك أبناء المحافظة جنباً إلى جنب بصفوف إخوتهم من أبناء الجيش واللجان الشعبية، للدفاع عن حياض الوطن واستقلاله، في مختلف الجبهات القتالية مع العدوان ومرتزقته، ومن أبرز الجبهات بجانب جبهات تعز، هي الجبهات الحدودية التي ارتقى فيها عشرات الشهداء واختلطت دماؤهم بتراب وطنهم الشريف ودماء إخوتهم الزكية من مختلف محافظات الجمهورية، كما تشير الصور.
الأهالي في محافظة تعز، على الرغم من ضراوة الإرهاب المسلط عليهم من قبل عصابات الإخوان والقاعدة (أنصار الشريعة) و(داعش) أخيراً، لم يتوانوا عن الاحتشاد رفضاً للضيم ولظى العدوان السافر وعصاباته، الذين أمطروا ويمطرون منذ قرابة العام كامل الرقعة الوطنية بما فيها بنيران وويلات الموت والخراب. وقد شهدت محافظة تعز عدة فعاليات أهلية لرفض العدوان ورفد كافة الجبهات العسكرية والسياسية والإعلامية بالمتطوعين، غيرت موازين القوى الاجتماعية والعسكرية والسياسية في الميدان، حسبما أوضحت ذلك قيادات ميدانية في (الجبهة الوطنية)، وكانت أبرز هذه الفعاليات التي لا تزال متواصلة:
- فعالية أغسطس العام الماضي لأبناء محافظة تعز في العاصمة صنعاء بالمركز الثقافي، تنديداً وتبرؤًا من المجازر المروعة التي حدثت آنذاك في المدينة، ومن أصحابها، أقامها العشرات من قادة الرأي الاجتماعي في محافظة تعز من أعيان ووجاهات وعلماء وكوادر ومثقفين.
- لقاءات واجتماعات أبناء تعز في صنعاء خلال سبتمبر العام الماضي، لبحث الأوضاع الإنسانية في المحافظة وأوضاع النازحين منها، والتصدي للعدوان ومرتزقته.
- لقاء 9 أكتوبر الماضي لأبناء تعز في صنعاء لبحث أوضاع النازحين، ووضع آليات لمقاومة العدوان ومعالجة المعاناة التي تعيشها المحافظة.
- لقاء 10 أكتوبر في صنعاء لأبناء تعز العاملين في القطاعات الحكومية الإدارية.
- لقاء 11 أكتوبر لكوادر تعز المنتسبين للأجهزة العسكرية والأمنية من قادة وضباط وجنود.
- المؤتمر الجماهيري في 20 أكتوبر العام الماضي في محافظة تعز بالحوبان، لمشائخ ووجاهات وعلماء وكوادر ممثلين عن أبناء محافظة تعز من كافة المديريات، لرفض العدوان وما تقوم به العصابات في تعز والتبرؤ منها ونفي صلتها أو تمثيلها لأبناء المحافظة، والإعلان عن البدء في تحضير أطر اجتماعية وطنية للتصدي للعدوان ورفد الجبهات بالمتطوعين ومعالجة أوضاع المحافظة، وتم إعلان بيان أول عنها.
- انعقاد مؤتمر (الثبات الوطني لأبناء تعز)، في 28 أكتوبر، في العاصمة صنعاء بملعب الثورة الرياضي، احتشد فيه قادة الرأي بتعز من معظم مديريات المحافظة، وتم انتخاب اللجان التحضيرية والإعلان عن تشكيل (الجبهة الوطنية لمقاومة العدوان ومرتزقته)، التي ضافرت الجهود الاجتماعية بجانب الجيش واللجان، وعززت صفوفهم.
- فعاليات الاحتشاد بمديريات الساحل ومقبنة، في 21 فبراير 2016م، وإعلان النفير العام لمواجهة العدوان.
- فعاليات الاحتشاد بمديريات خدير وماوية والمديريات الشرقية، بتاريخ 24 فبراير - 2 مارس 2016م، لإعلان النفير العام لمواجهة العدوان.
- الاحتشاد الجماهيري في العاصمة صنعاء لأبناء محافظة تعز بملعب الظرافي، الأحد الفائت 20 مارس 2016م، للبراءة مما ترتكبه عصابات العدوان في محافظتهم ومساندة جبهات مقاومة العدوان.
تعـــــز خـــــارج تعـــــز
القاضي أحمد المساوى:
نزحت من المدينة مع بدء الغارات العدوانية على المحافظة، كان منزلي قريباً من قصر الشعب.
أما تحركنا فكان وفق محاذير أمنية، كنا قد اضطررنا لها منذ أكثر من عامين، خاصة وأن عمليات الاستهداف المتصاعدة ضد المحسوبين على (أنصار الله) والمتعاطفين معهم في تعز، وسط غطاء رسمي لم يلق اهتماماً ببلاغاتنا على المحاولات الفاشلة لاستهدافنا. بل لعبت السلطة المحلية كمهدئ لأنصار الله بإعلانات كاذبة عن ملاحقة الجناة المعروفة مخابئهم وقواعد تخطيطهم.
إحدى المرات، كنت في مقيل لدى صديق لي بسوق الصميل، وفي اليوم التالي، أبلغني بأنه اكتشف أن عناصر القاعدة كانوا يرصدونني ذلك اليوم، لكن المصادفة شاءت أن أغادر المنزل أثناء ذهابهم للعشاء وقبل عودتهم للمكان.
وبعد ثورة ٢١ سبتمبر حين تمت إضافة مجموعة جنود للقوات الخاصة (الأمن المركزي) غالبيتهم من الشباب أبناء تعز المخلصين، ولكون أدوات الضبط في الأجهزة الأمنية مفرغة من فاعليتها، ومنها أدوات متواطئة مع مراكز النفوذ داخل المحافظة الراعية للجرائم. وبعد إعلان الحرب على تعز تأكد للجميع أن أدوات الجريمة والإرهاب فيها هي اليوم بصفوف مرتزقة العدوان. وقد جن جنونهم من هذه القوة، ولذا قاموا بتلك الطقوس من تظاهرات أمام الأمن المركزي وغيرها، ثم إعلان الحرب في المحافظة دون أن يكون لها أية أهمية عسكرية سوى تدمير البلاد والبنية الاجتماعية اليمنية، من قبل أقلية محدودة من المحسوبين على أبناء تعز ارتزقهم العدوان.
وحتى اليوم لا نزال معرضين للخطر، وليس هناك من يأمن على روحه داخل تعز، وأمام الجميع تابعنا ما الذي حصل من جرائم بشعة، حتى ضد الذين كانوا قد رضخوا للصمت حفاظاً على حياتهم.
الدكتور عرفات الرميمة:
تم تهجير العديد من الناس الشرفاء والوطنيين من تعز من نخبها ومثقفيها، من قبل عصابات الإصلاح ودواعش الفكر الوهابي التكفيري، قتل منهم العديد بأبشع الطرق، ولوحق وأُخرج منهم الكثير من بيوتهم وتم نهبها، وكل ذلك على خلفية مواقفهم السياسية الشريفة، والقائمة التي أصدروها لمن عارض العدوان السعودي الأمريكي وسموها (قوائم العار)، هي خير دليل على ما نقول.
لقد تمت ملاحقة شخصيات كثيرة جداً منها أنا، وأتذكر مثلاً بعض الأسماء الوطنية كالدكتور منذر إسحاق، د. يحيى الجنيد، د. مصطفى الجنيد، د. يحيى المذحجي، ونبيل الحمادي مستشار رئيس جامعة تعز، الذي كان يقيم في الكمب، وهناك العديد من الأسماء في الجمهوري تم تهجيرها منهم: محمد الدنوة وعبد الرحمن الشامي، وفي كل المناطق التي استولت عليها المقاولة تم تهجير الناس منها بالإكراه والتهديد والملاحقة.
لقد سُحلت الثقافة والمدنية في تعز، تم قتل وصلب القيم الدينية والوطنية والأخلاقية يوم أن قام (الداعشيون) بتلك الأعمال غير المبررة أصلاً سوى أنها لازمة من لوازم القاعدة وداعش، ذلكم هو المشروع البديل في حالة غياب الدولة وخروج الجيش واللجان من تعز، وعلى المواطن الحر أن يقيم اليوم ما حصل ويختار بين مشروعين: دولة توفر الحماية والأمن لجميع الناس، أو دولة تقتل وتسحل وتنكل بالمخالفين في الرأي ولمجرد كلمة.
طه همام البريهي:
رئيس الدائرة السياسية لحزب الحق بتعز، وعضو اللجنة التنفيذية لأحزاب المشترك بتعز سابقاً، من طليعة ثوار 11 فبراير عند انطلاقتها، وكنت في طليعة القيادة الثورية، ولكوننا رفضنا المبادرة الخليجية سيئة الذكر تم استهدافنا بشكل ممنهج من الثورجيين حزب الإصلاح وحلفائه، وتعرضت للكثير من المضايقات في العمل والتهديد بالتصفية أكثر من مرة، وقد اعتدوا علي في شارع جمال من قبل خمسة مسلحين تابعين للإصلاح، ونهبت سيارتي من أمام مديرية المظفر بتاريخ 26 مايو 2013م، من قبل مسلحين والاتجاه بها صوب ساحة صافر...
عقب ثورة 21 أيلول التي شاركنا فيها اختُرت لأكون عضو اللجنة الثورية بمحافظة تعز، بعدها تم استهداف منزلي بقذائف المرتزقة عندما وصلوا للدحي قبل أربعة أشهر، ونزحنا قسراً إلى صنعاء، وحتى الأربعاء (قبل) الماضي اقتحمت العصابات منزلي ونهبت كل محتوياته، وكذا سيارتي الثانية الكرسيدا من جوار المنزل.
لست وحدي، بل المئات من وطنيي تعز، تعرضوا للتهجير كي تخلو الساحة للعدوان ولعصاباتهم، لكن هيهات أن نهزم وأن ينتصروا.
إلهام القدسي، شقيقة الشهيد عصام القدسي:
كانت في الصفوف الأولى للثورة، ومن المعارضين البارزين للمبادرة ومشاريع الإخوان، تعرضت للعديد من المضايقات والتهديد بالتصفية.
قبل بدء العدوان بأيام، تعرضت مع باقي أسرتها للتهديد من قبل القاعدة والإخوان في المنطقة، وهي تسكن في شارع 26 سبتمبر، وحين بدأ العدوان بدأت العصابات بمضايقتهم، والتهجم على أماكن عمل إخوتها وأبنائهم وعلى منازلهم ومنهم المناضلة إلهام. فاضطروا جميعاً للنزوح خارج المحافظة. لكن شقيقها عصام رفض المغادرة، وهو متزوج وأب لطفلين، وفضل البقاء في المنزل لحراسته، ولم يكن لعصام سلاح، فقط موقفه الرافض للعدوان، لذا قدمت العصابات لمنزله وقامت بتصفيته في إحدى ليالي أبريل المنصرم.
السيد سهل إبراهيم عقيل، مفتي محافظة تعز:
مجتمع تعز ما قبل سبعينيات القرن المنصرم -أي قبل توغل الوهابية- كان مجتمعاً صوفياً وشافعياً وإسماعيلياً.. ويعد الشيخ سهل أحد رموز الصوفية والشافعية البارزة التي تلقى احتراماً واسعاً في الوسط الاجتماعي. ومع توغل الوهابية والتوجهات المتطرفة في تعز، تماشى كثير من المتصوفة مع الحال المستجد، فيما السيد سهل لم يتراجع قيد أنملة عن موقفه وعلمه وثوريته، وتصادم مع هذه الاتجاهات الدخيلة على المجتمع، واستمر بفضحها، وكذا مع السلطة الباطشة التي ترعاها، ومع الوقت وجد السيد نفسه غريباً لا سيما مواجهاً الوهابية ومشاريعها الاجتثاثية الاستئصالية للآخر التي حتماً لم تستثن الشيخ سهل، وتعرض للإقصاء والتحريض والتكفير، وتمت مصادرة أرضه وهدم منزله في حبيل سلمان، وحرم من مستحقاته القانونية من راتب وغيره.
بعد 2011م واصلت الإخوانية والوهابية الحرب على الشيخ سهل، ودائبة السعي لإزاحته من موقع مفتي تعز الذي حازه بجدارة الثقة بعلمه وصدقه وشجاعة مواقفه. كان الشيخ في صفوف الثورة بمواجهة كامل المنظومة المسيطرة، وعلى رأسها الإخوان بكل تفرعاتهم، على الرغم من كبر سنه ووضعه المعيشي المتردي، والحال ذاته بموقفه المناهض للمبادرة الخليجية، ومشاريع الاستعمار ضد اليمن.
عقب ثورة 21 أيلول التي كان الشيخ في مقدمتها، احتدت الحرب ضده، وتقاطرت على رأسه فتاوى التكفير الداعشية، وعرضت العصابات المكافآت لاغتياله، لاغتيال صوته الصادح الذي لا يحيد عن مواصلة تحطيم أركان زيفهم. وببدء العدوان على الوطن وانتشار العصابات، طوق أكثر من 70 مسلحاً منهم منزله في باب موسى، واقتحموه بدعوى البحث عن السلاح، وكله لإجباره على الصمت بعد فشل اغتياله، وبضغوط عديدة من أصدقاء الشيخ سهل غادر تعز. وفي أواخر أكتوبر الماضي اقتحمت العصابات منزله ونهبوا محتوياته وخربوه بالكامل، والأمر ذاته مع منازل أبنائه وشقيقته، وأخيراً محاولة اغتيال ابنه علوي سهل ونهب منزله في المدينة.
علي نعمان المقطري، مفكر سياسي واستراتيجي يمني وقيادي في الحزب الاشتراكي:
كما هو الحال دائماً معه منذ أواخر السبعينيات ملاحق ومهجر بسبب نشاطه السياسي الثوري بدءاً من نشاطه في السبعينيات في صفوف (الجبهة الوطنية الديمقراطية)، وصولاً لخنادق مقارعة العدوان الإمبريالي على اليمن. غادر محافظة تعز في العام 2014م إلى العاصمة صنعاء. لقد رأى كيف تتكالب القوى الظلامية على المحافظة ضمن مشروع ضخم تواجهه البلاد، وأداة تنفيذه محلياً السلطة الجديدة التي أتت بها المبادرة الشيطانية المحبوكة في مخادع المخابرات الأمريكية الإسرائيلية، وقُدِّمت على الأطباق الخليجية.
علي نعمان وجد أن الصوت الوطني لا يسمع، بل يحارب ويصفى، وأن البقاء في تعز هو عملية إفراغ طاقات وإشغال للعقل فقط، وقرر أن المعركة الوطنية الفعلية، هي بمركز ثقل الثورة الجديد: صعدة حتى صنعاء، حد توصيفه. لذا لم يدخر وقتاً للتفكير، غادر إلى صنعاء وحسب، ولم تعقه الحرب عليه وعلى الآلاف غيره من وطنيي البلد، بالمضايقة والتآمر السياسي، وباستهداف مصادر معيشتهم وقوت أسرهم، فقد سُرحوا من أعمالهم في أجهزة الحكومة وحرموا من مستحقاتهم، وبصعود (حكومة الوفاق) التي دخلها (الاشتراكي) لم تلتفت لمظلوميته، ولم تعبأ بوضعه المعيشي المتردي الذي لم يزحه عن إيمانه بعدالة القضية التي انتخب نفسه جندياً جسوراً لها، وبلغ بها التآمر إسقاط اسمه من كشوفات الإنصاف التي شملت حتى أسماءً لغير مستحقين، إلا أن ذلك لم يشكل فرقاً لديه عدا كونه كفر بالنخبة وبالقيادات، وتعمق إيمانه بالثورة والمستضعفين الذين يعتقد بهم الحق، والالتحام معهم زاده وفردوسه.
يعد علي نعمان من منظري ثورة 21 أيلول المرابطين في الميدان، والذي حاصر الإعلام كتاباته، وبعد أن شن العدوان على اليمن، اضطرت أسرته للحاق به حتى العاصمة بعد أن رُفعت عنه وأسرته التقارير الأمنية لقيادة العصابات، لذا لم يكن آمناً البقاء، خاصة أن أحد أبنائه الأربعة على ذات النسق الثوري الوطني: الكفاح المسلح في جبهات الدفاع عن الوطن.
المصدر صحيفة لا / صلاح علي