
القرار 2216 أنموذجاً
الهيئات الأممية.. عروش خاوية وأروقة تآمر لجلد الشعوب
في الـ14 من أبريل العام الماضي، تبنى مجلس الأمن الدولي مشروع القرار العربي، أو بالتحديد الخليجي، بشأن اليمن، تحت الفصل السابع، والذي يحظر تزويد جماعة أنصار الله بالأسلحة، ويفرض عقوبات على قادتهم ونجل الرئيس السابق.
وأيد 14 من أعضاء المجلس، المشروع، في حين امتنعت روسيا عن التصويت.
ونص القرار الدولي 2216 الصادر عن مجلس الأمن، على فرض عقوبات تمثلت في تجميد أرصدة وحظر السفر للخارج، طالت زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي، وأحمد علي عبدالله صالح، القائد السابق للحرس الجمهوري.
وأدرج مجلس الأمن علي عبد الله صالح نفسه، واثنين من قادة أنصار الله، هما عبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيى الحاكم، على قائمة العقوبات الدولية، إلى جانب حظر توريد الأسلحة والعتاد ووسائل النقل العسكرية لليمن.
وطالب القرار الدول المجاورة بتفتيش الشحنات المتجهة إلى اليمن، تحت حجة الاشتباه بوجود أسلحة فيها.
كما طالب أنصار الله بوقف القتال وسحب قواتهم من المناطق التي فرضوا سيطرتهم عليها، بما في ذلك صنعاء. وأعرب مجلس الأمن في القرار عن قلقه إزاء (خطوات تزعزع الاستقرار) أقدم عليها الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بما في ذلك (دعمه لجماعة أنصار الله).
ويؤكد القرار الأممي شرعية الخائن عبد ربه منصور هادي، إلى جانب دعم المجلس للعملية التفاوضية التي يحاول المبعوث الدولي الخاص إلى اليمن جمال بنعمر، تسييرها.
ويدعو نص القرار جميع الأطراف اليمنية إلى المشاركة في مؤتمر كانت السعودية وعملاؤها يطالبون بعقده في العاصمة السعودية، تحت رعاية المملكة التي قادت عدواناً عسكرياً سافراً على الشعب اليمني.
وفرضت واشنطن عقوبات مالية على عبد الملك الحوثي وأحمد علي عبد الله صالح، بتهمة تهديد السلام والأمن والاستقرار في اليمن بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حسب ما أدلت به وزارة الخزانة الأمريكية, واتخذت هذه العقوبات في أعقاب عقوبات فرضها مجلس الأمن الدولي، تحظر تزويد اليمن بالسلاح.
هكذا تحركت العجلة بهستيريا لجلد الحياة السياسية في اليمن، وإخضاع الشعب اليمني بالقوة القاتلة من وراء الفصل السابع, فقد تحكّمت السعودية في عمل مجلس الأمن في العدوان على اليمن, حيث نجحت، بسطوتها المادية، وبدعم حلفائها في الغرب وإسرائيل، في التلاعب بعمل مجلس الأمن الدولي في الملف اليمني.
كواليس قذرة
على مدى أكثر من عام من العدوان على اليمن، أدارت السعودية في الظلّ حرباً موازية، بواسطة دبلوماسيتها وتأثيرها على القرار الدولي.
فقد شهدت أروقة مجلس الأمن جهوداً سعودية مكثفة، بمساندة ودعم الدول الكبرى وحلفائهم العرب، بغرض منع أي قرار ترى فيه الرياض ضرراً بموقعها في هذا الصراع أو فائدةً ما على عدوّها.
مؤخراً نشرت مجلة أمريكية تقريراً مطوّلاً عن كواليس الدور السعودي في مجلس الأمن، حيث تجنّد دبلوماسيون سعوديون وآخرون من دول حليفة لإنقاذ الرياض من احتمال صدور أي قرار يدين ممارساتها في اليمن.
وقال تقرير (فورين بوليسي) إنه بالرغم من أن السعودية لا تمتلك هي ولا حلفاؤها الخليجيون، مقعداً في مجلس الأمن، فقد استخدمت نفوذها الدبلوماسي، وبدعم من القوة عظمى، مما مكّنها، وبالذات عبر الأموال الهائلة، من تشكيل الاستراتيجية الدبلوماسية لمجلس الأمن إزاء اليمن، واستطاعت قمع التدقيق في انتهاكات حملتها الجوية الغاشمة, ونجحت المملكة، عبر حلفائها العسكريين، لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا ومصر، في إيقاف أي تدابير تكبح سلوكها العسكري، أو تضيء على الكلفة الإنسانية لهذا الصراع.
واستطاعت الرياض وأد أي قرار بشأن انتهاكاتها في اليمن، بعد احتواء كل نقاشٍ عن وضعيتها في هذه الحرب.
وتتعارض مقاربة مجلس الأمن للوضع اليمني بحدّة مع مقاربته للأزمة السورية، إذ إن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين والعرب رعوا قرارات تطالب الحكومة السورية والمتمردين (الجماعات الإرهابية) بتسهيل وصول عمال الإغاثة، كذلك دفعت واشنطن وحلفاؤها باتجاه تحقيق دولي في (الأعمال الوحشية) الحاصلة في سوريا. في المقابل، واجهت مطالبة نيوزيلاندا مجلس الأمن بتبنّي قرار يطالب بوصول عمال إغاثة إلى اليمن، مقاومة شرسة، فتجاهل السفير السعودي في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي، علناً، المقترح، واصفاً إياه بـ(غير الضروري), كذلك، ساهمت مصر في تعليق المبادرة، أما بريطانيا التي دعمت في الأساس مبادرة نيوزيلاندا، فقد عدلت عن موقفها لاحقاً، ما أدى إلى تأجيل اتخاذ القرار.
وطلبت الرياض وحلفاؤها الخليجيون، بعد فترة قصيرة من دخول الحرب، من مجلس الأمن قراراً يدعم مطالبتهم للجيش اليمني واللجان الشعبية المدافعين عن كرامة اليمن، بتسليم السلاح والاعتراف بحكومة الخائن عبد ربه منصور هادي, القرار الذي حمل رقم 2216، وأصبح منذ ذلك الحين نقطة الخلاف الرئيسية في المحادثات السياسية بين طرفي النزاع، كتب مسودته دبلوماسيون سعوديون وخليجيون، وقدّمه الأردن إلى المجلس، ثم تبنّته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
كذلك، أعطى التقرير مثلاً آخر عن نجاح الرياض في إيقاف الجهود التي قامت بها الأمم المتحدة للتدقيق في الانتهاكات خلال الحرب، حين منعت السعودية والبحرين وقطر والإمارات محاولة هولندا إطلاق تحقيق لمجلس حقوق الإنسان في انتهاكات القانون الإنساني من قبل طرفي الصراع. وكما في حالة نيوزيلاندا، وقفت بريطانيا في البداية إلى جانب هولندا في جنيف، إلا أنها حثّت لاحقاً، مع الولايات المتحدة، أمستردام على دعم تحقيق يدعمه الرئيس المستقيل والفار عبد ربه منصور هادي ودول الخليج، عوضاً عن تحقيق مجلس حقوق الإنسان.
وتشير مجلة (فورين بوليسي) أيضاً إلى إفشال الولايات المتحدة والأردن مبادرة تنص على إرسال مبعوث من مجلس الأمن لليمن، نهاية العام الماضي.
وفي اللحظة التي قامت فيها لجنة الخبراء ببحث انتهاكات التحالف الذي تقوده السعودية، أثار الأمر غضب دول الخليج التي قال دبلوماسيوها إن اللجنة لا تمتلك سلطة للتدقيق في سلوك التحالف. أما سفير السعودية في مجلس الأمن فقد اعتبر اللجنة (غير مؤهلة) لتقديم تقييم دقيق لسلوك التحالف.
وكان اثنان من أعضاء لجنة التحقيق؛ فرجينيا هيل ولوسي ماتيسون، تنحّتا عن العمل في اللجنة بعد الشعور بأنهما (ممنوعتان من الحديث عن اعتداءات التحالف). واعترضت المتخصّصتان في الشأن اليمني على المعايير المزدوجة تجاه الأدلة المطلوبة لتسجيل الانتهاكات.. فإذا كان الجيش اليمني أو مكون اللجان الشعبية هم من ارتكبوا التجاوزات، فالأمر يتطلب التبليغ عنها بصرامة, فيما يكون الأمر أقل منه بحال ارتكابها من قبل (تحالف العدوان) الذي يطالب بإبراز (دليل من الأرض) على ذلك.
ووقفت بريطانيا في وجه نتائج لجنة الخبراء التي أثبتت استخدام التحالف قنابل عنقودية، مسنودةً بالصور والإحداثيات وفيديو يظهر استخدام ذخائر عنقودية أميركية وبرازيلية الصنع, وتصدّى دبلوماسيون بريطانيون في نيويورك أيضاً لخلاصة اللجنة بأن منع التحالف سفناً تجارية من الوصول إلى الموانئ اليمنية يصل إلى حدّ الحصار البحري على الشعب اليمني.
وصاية جائرة
عندما أُنشئت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية، كانت مهمتها حل مشكلات الدول والشعوب المقهورة، دون المساس بسيادة أية دولة من الدول الأعضاء، كانت العصبة الأممية حرة بقراراتها لفترة قصيرة من الزمن, وبعد هذه الفترة التي لا تتجاوز عدة سنين، أصبحت مرتعاً للدول الكبرى في إدارة صفقاتها عبر هذه المنظمة، التي من المفترض أن تكون حيادية بقراراتها كما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة، لأن دراسة أي قرار يخص دولة ما، يجب أن تكون مستوفية الشروط لاستصداره حتى نقول إنه صادر عن الشرعية الدولية ويجب تطبيقه, ولكن ما نشاهده الآن أن القرارات أصبحت قرارات فردية تتسلل عبر أروقة الأمم المتحدة إلى موظفيها لتطعيمها أممياً بالشرعية المزيفة، لتصبح في نهاية المطاف قرارات أممية صادرة عن المنظمة الدولية، وعلى الدول الصغيرة الالتزام بها، وخصوصاً إذا كانت دولاً عربية أو إسلامية، حيث أصبح القرار يُدرس ويُتخذ في المؤسسات الأميركية، ليعرضوه بعد ذلك للتداول في مقر الأمم المتحدة، ليأخذ مجراه ومصطلحه الأممي بكل سهولة.
المنظمة أصبحت خاضعة للغرب، وتعمل ما يقر به الأميركيون.. فالإرهاب بنظر الأميركيين يصبح إرهاباً أيضاً بنظر المنظمة، والنظام الذي لا يعجب الأميركيين يكون مصيره عدة قرارات مجحفة تصدر عن الكونغرس ومجلس الشيوخ، ومن ثم تلخيصها بقرار أممي يبيح التدخل السافر في شؤون الدولة، وربما التدخل العسكري تحت شعار الحريات والديمقراطية، والعجلة تدور. فلماذا يستغربون إذن عندما ترفض دولة عربية قراراً مُجحفاً بحقها أو مُسيئاً لها ولشعبها أو يُبيح التدخل في شؤونها الداخلية بغطاء شرعي مزيف؟ ولماذا علينا كعرب القبول بهذا الحال؟ فمن حق أية دولة عربية رفض أي قرار كهذا النوع، لما فيه من تدخل أميركي يصدر بحقها ما دامت هناك قرارات ما تزال معلقة بحق أطراف أخرى، وبالذات الكيان الصهيوني المغتصب لأرض العرب منذ سبعة عقود، ولم تنفذ بعد.
اليوم، تضع الهيئات الأممية (الأمم المتحدة وأذيالها الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي) كل إمكانيتها تحت طائلة بند التدخل والاحتلال الأمريكي الأوروبي (الفصل السابع) للأنظمة والشعوب.
فالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مكون من 13 مادة مصبوغة بصفة الإلزام على محتواه، بصرف النظر عن موقف الدولة المعنية منه بالقبول أو الاعتراض.
انضمت اليمن إلى قائمة دول عربية وضعت تحت الفصل السابع مثل العراق وليبيا وسوريا، حيث تبنى مجلس الأمن الدولي، مشروع القرار العربي بشأن وضع اليمن تحت الفصل السابع.
خضعت دولة العراق للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بموجب القرار 661 الذي صدر عام 1990، إثر غزو النظام العراقي السابق لدولة الكويت وإعلانها المحافظة العراقية التاسعة عشرة.
وعقب صدور هذا القرار صدرت سلسلة أخرى من القرارات الدولية، وكلها جاءت تحت الفصل السابع، وهو ما يعني أنها ملزمة التنفيذ حتى لو اقتضى ذلك استخدام القوة، وعندما سعت الولايات المتحدة إلى إخراج العراق من الكويت ببناء تحالف دولي عريض، فإنها احتاجت غطاء من مجلس الأمن، وعلى إثر ذلك بدأت المباحثات الأمريكية – السوفيتية، التي انتهت بإصدار القرار 678 الصادر في نوفمبر، والذي قضى باستخدام كل الوسائل الضرورية لإخراج العراق من الكويت، وأمهل القرار العراق لمدة 45 يوماً للانسحاب من الكويت، وإلا فإنه سيكون مضطراً لاستخدام (كل الوسائل الضرورية) لإخراجه، وهو ما يعني استخدام القوة.
أصدر مجلس الأمن خلال الأعوام من 1990 إلى 2000، 53 قراراً خاصاً بحالة العراق، أهمها قرار فرض الحصار على العراق، وقرار إخراج العراق من الكويت ولو باستخدام القوة، وقرار النفط مقابل الغذاء.
وظل العراق تحت الفصل السابع حتى عقب اجتياح الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وإعلان الولايات المتحدة بأن العراق تحت قبضة احتلال ماكنتها الحربية.
ومجمل قرارات مجلس الأمن الدولي، بشأن حل الأزمة في سوريا، والمتمثلة بـ14 قراراً منذ 2012 حتى 2015، تأتي في هذا الإطار.
وكذلك القرار 1973 الصادر من قبل مجلس الأمن في 17 مارس 2011, والذي أتاح لكل من الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا، شن هجوم على ليبيا، ومن باب مسؤوليتهم بالوقوف مع المرهفين الضعفاء...!
وتدخلوا في السودان لإرسال قوات دولية إلى دارفور التي عانت من إبادة جماعية! وزادوا من ضغطهم درجة, في سلم خنق السودان, وقذفوه بـ10 قرارات أممية! من رقم 1556 بتاريخ 30 تموز 2004، إلى آخر قرار رقم 1706 بتاريخ 31 آب 2006, في مقدمة لتدمير دولة عربية رابعة, وتمزيقها تحت عنوان: مطلب حماية شعب دارفور.
لقد تغيرت خارطة العالم السياسية حسب الوضع الجديد للتكتلات من أجل تغيير توازن القوى في العالم، وتوسيع المشاركة في المصالح المشتركة باسم العولمة والديمقراطية، وإبقاء دول العالم الثالث والدول الفقيرة تحت سيطرة الاستعمار المباشر أو غير المباشر. وتعددت أنواع الاستعمار حسب طبيعة الدولة، منها الاستعمار العسكري أو الاقتصادي أو التجاري أو الصناعي... الخ، من أجل إبقاء الدول تحت وصاية الدول العظمى لامتصاص ثرواتها وخيراتها واستغلال أراضيها عسكرياً وتجارياً، وتوسيع رقعة مصالحها الإقليمية.
فمع هبوب عاصفة الربيع العربي, تأثرت العديد من الدول في المنطقة بهذه العاصفة الهوجاء، مثل تونس وليبيا واليمن ومصر، ومنهم من حارب وقتل شعبه مثل البحرين والسعودية بطائفية جائرة، ومنهم من أدخلوا له القاعدة وداعش وكل الجماعات الإرهابية لإسقاطه أيضاً بطائفية حاقدة مثل سوريا.
نهاية العام 2011 اجتمعت الجامعة العربية في قطر، واتخذت عدة قرارات مصيرية بشأن قضية سوريا، ومنها إسناد ودعم المعارضة السورية والجيش الحر والقاعدة مادياً ومعنوياً وإعلامياً، وتسليحها بأحدث الأسلحة المؤثرة والحديثة، والاعتراف بالمعارضة وإعطاؤهم كرسي سوريا ليمثلوها بالأمم المتحدة وإلقاء كلمة المعارضة أمام الجمعية العامة، من أجل عزل سوريا دولياً، وإسقاط الحكومة، وبإشراف وتخطيط قطر والسعودية، وبدعم وحماية أمريكا وبريطانيا، والمفكر والمستفيد الوحيد هو إسرائيل.
لشرعنة القضية على أساس الربيع العربي وثورات الشعوب لتغيير الأنظمة والمصلحة العربية. والحصيلة الوحيدة التي برزت على الساحة هي تدمير الاقتصاد والزراعة والصناعة والماكنة العسكرية، وتهجير وتشريد الملايين، وتدمير البنية التحتية، وتفتيت اللحمة الإنسانية، وفتح النسيج الاجتماعي للبلدان، وتحويلها الى مناطق ومحافظات للتدخل بأمورها وسهولة السيطرة عليها.
إن احتواءنا وحصارنا وتهديدنا وابتزازنا ليس اجتماع دوري لمجلس الأمن الدولي، أو لوزراء الخارجية العرب، سيضع حداً له, إنهم سيعملون فينا العصا على طريقة قطاع الطرق في أفلام رعاة البقر: إرفع يديك وهات كل ما في جيبك أو حياتك. وستتواصل هذه الحملة لسنوات، حرب ضروس بين معسكر المحافظة على السيادة والمعاملة بالمثل, ومعسكر علينا احترام قرارات الشرعية الدولية رغم عدم احترام إسرائيل لها، وتسخيرها لقوة الغطرسة العالمية بقيادة أمريكا.
المصدر صحيفة لا / طلال سفيان