اغتال العدوان بسمتها ودمَّر جمالها
حدائـــق صنعـــاء المغلقـــة


عدوان همجي لم يفرق بين شيء وآخر لم يستثنِ العدوان الهمجي لُعب الأطفال، التي جعلتها مقاتلاته أهدافاً لها، لتسرق بذلك البسمة من وجوه الصغار والكبار، خاصة أن سكان العاصمة صنعاء يفتقرون إلى المتنزهات التي تكون متنفسًا لهم ولعائلاتهم، بعيدًا عن الأجواء الخانقة للازدحام الذي تعاني منه العاصمة، وما إن تم تصميم حدائق بمستوياتٍ راقية، ومواصفات عالمية، حتى دمرها طيران العدوان السعودي الأمريكي، والتي وصلت إلى أكثر من 10 حدائق، دُمرت تدميراً جزئياً، والبعض الآخر دمرت بالكامل، حسب تصريحات جهات رسمية، ووفق الإحصائيات الدقيقة التي حصلنا عليها.
(لا) تابعت الموضوع لمعرفة مدى الأضرار الكبيرة التي لحقت بمعظم الحدائق، كونها كانت المتنفس الوحيد في ظل ضغوطٍ نفسية كبيرة يواجهها سكان العاصمة في ظل العدوان، وهنا كانت وقفات قصيرة مع بعض العائلات التي التقينا بها، حيث يتواجدون في أماكن بديلة كالحدائق الصغيرة المنتشرة في بعض أحياء وحارات العاصمة صنعاء، والتي سلمت من ضربات العدوان وغاراته الهمجية.

حدائق الحارات..
حين يشتدُّ بنا الضيق أخرج أنا وأطفالي إلى هذه الحديقة الصغيرة، خاصة إذا شعرنا أن الأجواء ليس فيها تحليق للطيران. نقضي بعض الوقت في الإجازات، فالحدائق الكبيرة تم قصفها، وبتنا نخشى الذهاب إليها.. هكذا قالت رنا (ربة بيت) وهي بصحبة أطفالها ورب أسرتها الذي علّق بالقول: لم يعد لدينا أي متنفسٍ آخر نذهبُ إليه في ظل تدمير الحدائق العامة التي لم تكن ثكنات عسكرية، ولا يوجدُ بها سوى ألعاب أطفالٍ دُمرت، وقضت على حُلم الطفولة والبراءة، من قبل طيران التحالف الوحشي الذي لم يرفق بشيء في وطننا، حتى الحدائق لم تكن بمنأى عن ذلك.

لِمَ يقصفون حدائقنا..؟
وتواجدت (لا) في حديقةٍ صغيرة يوم إجازة (الجمعة)، في إحدى مناطق (هبرة) بالعاصمة، واستشعرت عن قًرب مشاعر الأطفال الذين عبروا عن حزنهم لأنهم لم يعودوا يذهبون إلى الحدائق الكبيرة التي فقدت معظم ألعابها، كـ(السبعين) وغيرها. قال (عاصم) الذي لم يتجاوز عمره 14 عاماً، ببراءة: (أيش عملت بهم حقنا الألعاب؟ ليش يقصفوا حدائقنا؟ ليش يحرمونا من أبسط حقوقنا؟ ما فعلت بهم؟).
بصراحة، أخرسني (عاصم) للحظات.. وقلت له: بالتأكيد يا عزيزي سيسمع صوتك العالم، وسيرد على تساؤلاتك التي هي أكبر من عمرك، علهم يفقهون ما يحمله عقلك الصغير أمام آلة الحرب الهمجية.
وفي نفس الحديقة كانت تجلسُ (لينا) على مقعدٍ متهالك، جعلتها الحرب تستسلم لوضعٍ فُرض عليها، قالت: (مابش معنا غير هذه الحديقة. لم نعد نخرج مع (ماما وبابا) إلى الحديقة الحالية والكبيرة التي فيها كل الألعاب، ونقضي إجازتنا فيها، ونرجع وإحنا سعداء). وختمت بدعاءٍ من قلبها الصغير الذي يحمل وطنية بحجم الوطن الكبير، قائلة: الله يدمر من دمر ألعابنا، وحدائقنا، ووطننا، وينتقم لنا منهم.

خسائر فادحة
وكنتيجةٍ للاستهداف الممنهج للحدائق، تحدث مدير عام الحدائق والمتنزهات بأمانة العاصمة المهندس حسين الروضي، عن إحصائياتٍ رسمية من جهاتٍ متخصصة، حيثُ قال إن (خسائر حدائق ومتنزهات العاصمة صنعاء، جراء قصف طيران التحالف على اليمن، وحصاره الجائر، بلغت قرابة المليار ريال، وفقاً للتقديرات الأولية). 
وأوضح الروضي أن التحالف لم يلتزم بأخلاقيات الحروب في تجنيب القطاعات الخدمية والترفيهية التي تخدم المدنيين، من التدمير والقصف، بعد أن طال عدوانه كافة القطاعات الحيوية والصناعية والتجارية في البلاد.

إغلاق بعض الحدائق
وأكد الروضي أن الطيران المعادي المستمر على اليمن منذ قرابة عام، ألقى بظلاله على كافة قطاعات ومناحي الحياة، ومن بينها قطاع الحدائق والمتنفسات التي فقدت 50% من جاهزيتها لاستقبال زوارها، بفعل عزوف المواطنين عن الإقبال على الحدائق التي فقدت مقوماتها من توفير كهرباء بسبب انعدام الديزل جراء الحصار الجائر، مما أجبرنا على إغلاق معظم الحدائق للحفاظ على أرواح المواطنين.

حديقة السبعين... والتدمير الذي طالها
وفيما تضررت العديد من حدائق أمانة العاصمة، فإن كبرى حدائقها، هي التي تتبع القطاع الحكومي، كحديقة السبعين.. وأضاف المهندس الروضي أن حديقة السبعين أكبر حديقة نموذجية في العاصمة صنعاء واليمن عموماً، تعرضت لأكثر الأضرار جراء استهدافها بأكثر من خمسة صواريخ وقنابل شديدة الانفجار، في أوقات متفاوتة، كان آخرها منتصف فبراير المنصرم، ما أدى إلى تدمير سور الجهة الشرقية للحديقة المقابل لميدان السبعين، وتدمير وتخريب المسطحات الخضراء المزروعة، وإتلاف شبكة الري الإلكترونية والأنابيب والمضخات الموصولة بخزانات المياه الأرضية، وكذا احتراق الأشجار والمشاتل، وتدمير أعمدة الإنارة، وغيرها من الأضرار.

الحدائق الخاصة
الحدائق الخاصة هي الأخرى طالها عبث قصف الطيران المعادي، فحديقة (فرح لاند) ومنتجعها الواقعين في منطقة عصر، تعرضا لتدميرٍ كبير، وألحق بهما القصف خسائر بالغة وكبيرة، كما تعرضت حدائق أخرى للقصف، منها (حديقة الحيوان) و(حديقة القيروان) و(حديقة النهدين)، وحديقة (فن سيتي).
 وبشأن الحدائق الخاصة قال المهندس الروضي: القصف ألحق أيضاً أضراراً فادحة بحديقة فن سيتي الخاصة، والتي تقع وسط حديقة السبعين، وتقدر خسائرها بنحو مليون دولار، حيث تم استهدافها من طيران التحالف بصاروخين؛ أحدهما انفجر وسط هنجر الوقود الخاص بمولدات الحديقة، ما نجم عنه تدمير صالة ألعاب السنوكر والبولينغ، واحتراق وتدمير مولدين كهربائيين قدرة الواحد 500 كيلو وات، وصهريج وبراميل الوقود الخاص بالمولدات، ومخازن الحديقة، و4 باصات حديثة وسيارة.

عبثٌ ممنهج
وفي ظل ذلك العبث للحرب الهمجية وغير المبررة بالقضاء على أبسط ما يمت للمواطن بصلة، وتدمير كل وسائل الترفيه، ختم الروضي بالقول: إن قصف التحالف لحدائق ومتنفسات الأطفال والأسر دليل إفلاس وفشل، ومؤشر للمستوى الذي وصل إليه العدوان في استهدافه لحياة الناس والقضاء على كل مقومات حياتهم، ويدل على همجيتهم وحقدهم الدفين على اليمن وشعبه الصامد، بغرض إرعاب الأطفال والنساء ومنعهم من الخروج مع أسرهم إلى المتنزهات، حتى يكونوا سجناء للبيوت تحت رحمتهم.