بإيعاز أمريكي ضمَّ ولد الشيخ سبع نساء يمنيات إلى مشاورات الكويت
بيادق الأمم المتحدة

تواصل المخابرات الإمبريالية تحديث أساليبها الاستخباراتية لاختراق الدول والأنظمة، وتولي منطقة الشرق الأوسط اهتماماً كبيراً، وتعده من أولوياتها الاستراتيجية، وقد استطاعت عقب الحرب العالمية الثانية الانتشار في المنطقة، وإيجاد أذرع أخطبوطية مرتبطة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وتلعب السفارات الأمريكية دوراً هاماً في تسهيل مهام وكالات المخابرات الأمريكية (-NSA-FBI-CIA), وتناط بهذه السفارات والقنصليات مهام استخباراتية ومراقبة الحكومات وقادة الرأي وأنشطة المعارضة، وعبر ذلك تجند عدداً من النشطاء والسياسيين وقادة الرأي العام، يسيرون في فلكها وينفذون أجنداتها.
لقد خصصت الدول الإمبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لذلك، العديد المنظمات المدنية والمعاهد التعليمية، وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، تناولت العديد من الأبحاث أساليب الولايات المتحدة في توجيه السياسة العالمية لمناقشة وتحليل طرق أجهزة الاستخبارات الأمريكية في اختراق منظمات المجتمع المدني في عدد من الدول.
وبحسب هذه الأبحاث، فإن المخابرات الأمريكية تعمل عبر منظمات المجتمع المدني، على تحقيق أربعة أهداف رئيسية، هي: أولاً: جمع وتصنيف المعلومات الاستخباراتية، ثانياً: إضعاف سلطة النظام المناوئ لسياسات الولايات المتحدة، ثالثاً: توفير الدعم الاستشاري للولايات المتحدة في تعاملها السياسي والإعلامي مع قضايا البلد، وأخيراً: فتح قنوات تواصل لإقناع الجماهير بالرؤى الأمريكية السياسية والاقتصادية والثقافية، وهذا النشاط دأبت عليه الولايات المتحدة منذ عقود، استهدفت به عدداً من الدول، على رأسها إيران واليابان.
في اليمن، صارت المنظمات المدنية عبارة عن حوامل لتغلغل القوى الاستعمارية، وعلى رأسها الأمريكية، داخل المجتمع اليمني، لاستهدافه من الخارج على طول الخط، وتستخدم كرأس حربة في برامج تسويق المثال الأمريكي، ومن أخطر الوسائل المعروفة لتحقيق ذلك، ضخ أموال للمنظمات بطريقة مباشرة أو عن طريق جماعات تنوب عنها، مما يجعل المنظمة مرتهنة للممول، وتكرس أنشطتها لتحقيق أهدافه.
مؤخراً، عادت إلى واجهة المشهد السياسي والاجتماعي اليمني وجوه نسائية ارتبطت بالمنظمات، بعد أن غابت طيلة عام ونيف من العدوان، حيث أطلت عبر نافذة مشاورات الكويت، بطلب المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، ضم عنصر نسائي إلى المشاورات، بغية الوصول إلى حل سياسي، وتحقيقاً لرغبة الأمم المتحدة في تحسين وضع المرأة في الملف اليمني الذي كان بالغ الأهمية خلال مراحل الأزمة اليمنية، بحسب تعليل ولد الشيخ.. وعلى الرغم من وجود تمثيل نسائي ضمن أعضاء الوفد الوطني، إلا أن المبعوث الأممي عمل على تشكيل وفد نسائي، وإضافة سبع نساء إلى المشاورات المنعقدة في الكويت، في محاولة منه لحرف المسار عن القضية الأساسية التي من أجلها وُجد التشاور، وهي وقف العدوان ورفع الحصار عن أبناء الشعب اليمني، إلى مشكلة إقصاء المرأة، وأنها المشكلة الوحيدة التي تؤرق الأمم المتحدة، حسبما يرى متابعون.
وترجح بعض المصادر أن هذا الطلب جاء من السفير الأمريكي ماثيو تولير، عبر ولد الشيخ، بإضافة لجنة نسائية لتقوية وفد مرتزقة الرياض في المشاورات، والضغط على الوفد الوطني لتقديم تنازلات في قضايا معينة، حسب الرؤية الأمريكية التي تؤمن بها اللجنة النسائية الجديدة، وتحميل الوفد الوطني مسؤولية أي تعطيل لمسار المشاورات، كون اللجنة النسائية مكلفة من قبل الأمم المتحدة. 
ويقول الكاتب ناصر الوجيه: (إنه تمّ اختيار اللجنة النسائية في الوقت الخطأ، وللمهمة الخطأ، فلم يكن اختيارهن لأن لديهن موقفاً ضد العدوان، ومن أجل حقن الدماء ورأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين اليمنيين، فقد كُنَّ شبه محايدات في ما يتعلق بالعدوان على اليمن، وهذا بحد ذاته يعفيهنَّ من دور الوسيط، ويضعهن كبيادق بأيدي الأمم المتحدة التي باتت طرفاً من أطراف العدوان، أو باسم منظمات المجتمع المدني، التي باتت تشكل قوى الخارج تحت مسميات وطنية مختلفة). 
ويضيف الوجيه أن (معظم اللجنة النسائية يحملن مواقف مناوئة لأنصار الله، وهذا مدعاة لإسقاط الحياد بشكل جازم ونهائي، ويتضح أن اختيارهن جاء لتمثيل دور الخارج، وأن ثمة لعبة غير بريئة يتم تمريرها في محاولة لاحتجاز أنصار الله رهناً لسياسة المجتمع الدولي في الكويت، دون وجود أي أفق وطني، بينما يتم تمرير احتلال الأرض عسكرياً مع استمرار العدوان والحصار الشامل).
وقد وصل إلى الكويت وفد النساء اليمنيات المكون من رشاء جرهوم عضو مؤتمر الحوار الوطني، والأمين العام المساعد للحوار الوطني أفراح الزوبة، وعضو الحوار الوطني جميلة علي رجاء، ورئيس لجنة (صعدة) في مؤتمر الحوار نبيلة الزبير، وعضو لجنة صياغة الدستور والحوار الوطني انطلاق المتوكل، بالإضافة الى الدكتورة بلقيس أبو أصبع أستاذة علوم سياسية في جامعة صنعاء، والناشطة وميض شاكر.
وقال عضو اللجنة الدائمة في حزب المؤتمر أحمد الحبيشي: (إن النسوة اللائي اختارهن ولد الشيخ للمشاركة في المشاورات، جئن من الفنادق، ويؤيدن العدوان على اليمن، ويحصلن على دعم مالي من الرياض، ولا توجد بينهن امرأة واحدة جاءت من اليمن، وعاشت مرارة القصف الجوي والبحري والقتل الجماعي للنساء والأطفال، والحصار الشامل جواً وبراً وبحراً).
وأضاف الحبيشي: (المشاورات تتم بين وفدين يمثلان طرفين متنازعين وصلا إلى الكويت من صنعاء والرياض، ومخرجات هذه المشاورات تخضع للتوافق، وليس للتصويت، ولا مجال لوجود طرف ثالث، وإذا كان لابد من مشاركة المرأة بشكل مستقل عن الوفدين، لا مانع من دعوة وفد نسائي متوازن من داخل اليمن، وليس من خارجه)، مشيراً إلى أن هناك أوراقاً خفية ومفاجئة سيخرجها ولد الشيخ من داخل شنطته.
ويؤكد الحبيشي أن المبعوث الأممي ولد الشيخ ليس هو الذي حدد قائمة (حريم الأمم المتحدة) للمشاركة كطرف ثالث في مشاورات الكويت، إذ إن بعضهن يحملن جنسيات سويسرية وهولندية وأميركية وبريطانية، ومقيمات منذ سنوات ليست بقليلة، خارج اليمن.. وأوضح أن غالبيتهن يعملن في إطار برامج لبعض المنظمات المدنية ومراكز الأبحاث الأوروبية التي تهتم بقضايا الجندر وحقوق النساء، وسبق لجميعهن المشاركة في مؤتمرات نظمتها ومولتها اللجنة الخاصة باليمن في مجلس الوزراء السعودي، بالتنسيق مع (نادي مدريد)، وانعقدت في الأردن وألمانيا والقاهرة، بحضور وإشراف أربعة من مستشاري (الرئيس الفار)، اثنان منهم منشقان عن المؤتمر الشعبي العام، وكانا من أبرز المشاركين في مؤتمر الرياض 2015، الذي بارك العدوان على اليمن أرضاً وشعباً، أحدهما تخضبت يداه بدماء شهداء مجزرة عمال محطة كهرباء المخا، ويعرفه أبناء تعز باسم (مخبر الإحداثيات)، وصدرت ضده عقوبة الفصل من عضوية المؤتمر، والثاني توفاه الله، في إشارة منه إلى العليمي والإرياني.
وتابع الحبيشي قوله إن الغرض من مؤتمرات الأردن والقاهرة وألمانيا، هو إيجاد كتلة ثالثة من الذين امتنعوا عن إدانة العدوان السعودي على اليمن، واتبعوا سياسة (النأي بالنفس)، وبسبب الحملة الإعلامية الوطنية عليها فشلت، فالتجأوا إلى تطوير الفكرة بسبب انفضاحها، إلى اختيار طرف ثالث من النساء اللائي لم يصدر عنهن موقف يدين العدوان، وإشراكه في أية مشاورات ترعاها الأمم المتحدة بين الأطراف المتنازعة في اليمن. منوهاً إلى أن عبارة (الأطراف المتنازعة) التي وردت في القرار 2216، يجري توظيفها حالياً لإيجاد شرعية دولية لهذ المخطط، على العكس من مضمونه الحقيقي في القرار 2216 الذي يزعج السعودية والمستشارين القانونيين لوفدها المفاوض نيابة عنها.
إن الأمم المتحدة ودوائر الدبلوماسية الغربية والأوروبية لا تدعم إلا الشخصيات الأكثر طاعة لها وإخلاصاً للأجندة الأمريكية في اليمن، الذين يقومون بأدوار مشبوهة على مستوى السياسة العامة لصالح السفارتين الأمريكية والبريطانية، فقد منح مركز دراسات الشرق الأدنى (نيسا) جائزة التميز لعميل يمني كان يعمل في موقع حساس في رأس هرم السلطة التنفيذية، هو أحمد عوض بن مبارك الذي يترأس منظمة القيادات الشابة ذات التمويل الأمريكي، وتعد انطلاق المتوكل واحدة من الأعضاء المؤسسين لهذه المنظمة، بينما أغلب زميلاتها في الوفد النسائي في الكويت، ينخرطن في أعمال منظمات أخرى ذات تمويل بريطاني وأمريكي.
يقول البروفيسور ويليام روبنسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، في كتابه (الصراعات الانتقالية في أمريكا الوسطي: الصراعات الاجتماعية والعولمة)، متحدثاً عن الاختراقات الأمريكية لدول أمريكا الوسطي خلال حقبة التسعينيات، والتي كانت تهدف إلى القضاء على أنظمة الحكم الشمولية في هذه البلاد: (إن أهم تحدٍّ كان يواجه الولايات المتحدة هو خلق قوة ضغط مناوئة للقوة الجماهيرية التي تعتمد عليها تلك الأنظمة، وللتغلب على هذا التحدي كان من الضروري أن يُحدث اختراقاً شاملاً لكافة منظمات المجتمع المدني في الدول المستهدفة بالتغيير خلال الثمانينيات والتسعينيات، وتم هذا الاختراق بتشكيل وتمويل منظمات مجتمع مدني جديدة شكلت الجبهة (التغييرية) الرئيسية للسيطرة على المنظمات القائمة بالفعل، فأنشئت العديد من المنظمات الأهلية والاجتماعية، وتم تمويلها ودعمها من خلال العديد من البرامج السياسية والتعليمية الأمريكية، مثل برامج [التسويق للديمقراطية]). 
ولا تزال الولايات المتحدة تسير على ذات النهج، وتعتمده منهجاً في تفكيك واختراق الدول والأنظمة في الشرق الأوسط، وتعد صناعة الشخصيات الاجتماعية والسياسية آخر إنتاجات الاستخبارات الأمريكية في اليمن، ومثلما ضغطت على إشراك عدد من شباب المنظمات ومن لف لفيفهم في مؤتمر الحوار، فإنها تعتمد على نسوة الكويت في حرف مسار المشاورات، وإعادة ترتيب الأوراق الأمريكية وفقاً للمتغيرات التي أفرزت مكوناً شعبياً يفاوض عن الشعب اليمني، متحرراً من أثقال الوصاية والهيمنة الأجنبية.