خيوط المؤامرة.. موسم التهجير للشمال
الجنــوب  الـمـختـطـف


لاتحدثونا بأننا نؤمن بنظرية المؤامرة.. نؤمن كثيراً بأن المؤامرة تسير بخطى متسارعة، وتعتدي علينا وتدمرنا وتقتلنا وتفتك بنا بشكل وحشي كل يوم. المؤامرة الخارجية اليوم تمارس قبحها بوجه سافر على الوطن والإنسان اليمني عبر طرق عدة، منها الطريقة العنصرية والمناطقية عن طريق عملائها ومرتزقتها وسماسرتها في داخل اليمن.
منذ مطلع الأسبوع الماضي, أثار إقدام ما تسمى السلطة الأمنية في محافظة عدن والمعينة من قبل الخائن عبدربه هادي وتحالف العدوان على اليمن، على ترحيل أبناء المحافظات الشمالية، أزمةً وردود فعل واسعة، وسط تباين الروايات حول حقيقة ما يجري في عدن، فيما اتخذت الأزمة طابعاً مناطقياً سرعان ما لاقى إدانة على أعلى المستويات.
ووفق المعلومات التي تلقتها صحيفة (لا)، بدأت هذه الحملة منذ صباح الأحد الماضي، في أحياء، وتحديداً مديريات المنصورة ودار سعد والشيخ عثمان، وضبط واعتقل خلال ذلك اليوم فقط أكثر من 800 من المواطنين من أبناء المحافظات الشمالية، أغلبهم من محافظة تعز، حيث جرى ترحيلهم بشكل مهين على متن شاحنات باتجاه الشمال.
لتكتمل بعدها فصول الجريمة بستارها المقتم على نطاق واسع, شاملة محافظات عدن ولحج وشبوة وسقطرى وحضرموت, تحت إشراف وتنفيذ عملاء الرياض وأبوظبي, وتزامناً مع الاحتلال العسكري الأمريكي والبريطاني والإماراتي لجنوب الوطن، تحت إشراف قيادات الحكومة العميلة في الرياض.
ووفق ادعاءات السلطة الأمنية المسيطرة حالياً على محافظة عدن والمدعومة من أبوظبي والرياض, فإن الحملة بحسب تبريراتهم استهدفت مجهولي الهوية، ممن لا يملكون أوراقاً ثبوتية وتصاريح عمل, وكشف شلال علي شائع مدير أمن محافظة عدن والمعين من قبل الفار هادي, بكلمات مقتضبة على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، أن (هناك المزيد من الإجراءات في الأيام المقبلة). الأمر الذي اعتبره الكثير من الوطنيين اليمنيين استمراراً لحملات ترحيل (الشماليين) من المدينة التي كان الخائن عبدربه منصور هادي أعلنها من الرياض عاصمة مؤقتة لليمن.
اعترفت اللجنة الأمنية بمحافظة عدن بحصول عملية الترحيل لمواطنين تعود أصولهم إلى المحافظات الشمالية.
وجاء في بيان اللجنة الأمنية المكلفة من جماعة الرياض أن توجيهات رئاسية وحكومية قضت بتوجيه الوحدات الأمنية المسؤولة عن تنفيذ الحملة، الالتزام بالقانون في التعامل مع الأشخاص المشتبه بهم.. وأرجع البيان ذلك، لتدارك أي اختلالات قد ترافق عملية تنفيذ الحملة الأمنية وتخرجها عن أهدافها المحددة في الخطة الأمنية، وهو ما يعد اعترافاً بحصول عملية الترحيل.
وأكدت اللجنة أن الحملة لا تستهدف أبناء محافظات معينة دون غيرها، غير أن كل الشواهد والوقائع تؤكد أن الحملة استهدفت المواطنين الذين تعود أصولهم إلى المحافظات الشمالية، ولم يحصل أن تم ترحيل مواطن تعود أصوله إلى المحافظات الجنوبية، أو حتى مجرد حجزه.
وأوضحت أنه وفي حالة توقيف الأشخاص مجهولي الهوية، يتم التحفظ عليهم والتحقق من بياناتهم الشخصية، ومنحهم مهلة مؤقتة وفق ضمانات كافية لإحضار وثائق إثبات هوياتهم، في حال لم تتوفر قبلهم أية شبهات بارتكاب جرائم جسيمة. وأضاف البيان أنه وفي حال لم يطلب الموقوفون أية مهلة أو يقدموا أية ضمانات كافية لإحضار هوياتهم، أو لم يفوا بالتزاماتهم بإحضار هوياتهم الشخصية، أو رفضوا تلك الإجراءات، يتم وقفهم وإحالتهم إلى القضاء.
وعلى الرغم من ذلك، استهدفت الحملة في عدن عاملين في المدينة من دون تمييز، والتقط ناشطون صوراً فوتوغرافية لمجموعة من المواطنين الذين تم ترحيلهم وهم يرفعون جميعاً البطاقات الشخصية، لينفوا المبررات التي قُدّمت لترحيلهم بأنه جرى بسبب عدم امتلاكهم وثائق إثبات الهوية.. وتُعتبر هذه الأعداد من العاملين جزءاً يسيراً من أعداد كبيرة من المحافظات الشمالية أغلبهم من أبناء محافظة تعز، التي تعدّ أقرب المحافظات الشمالية إلى الجنوب, وهي أكبر محافظة بعدد السكان، ينتشر المنحدرون منها في مختلف محافظات البلاد، ويعملون في محال تجارية ومهن مختلفة، غير أن الأزمات المتصاعدة منذ اندلاع فعاليات الحراك الجنوبي في العام 2007، والعدوان السعودي الأمريكي على اليمن منذ مارس 2015، أوجدت حساسية في المناطق الجنوبية تجاه المواطنين الذين ينحدرون من المحافظات الشمالية.
هنا يروي محمد جمال الحمادي قصة معاناته مع حملة الترحيل لصحيفة (لا): (عصر الأحد الماضي داهم مسلحون معرض بيع الملابس الذي أعمل فيه، والواقع بمديرية الشيخ عثمان، وقاموا بتفتيش المعرض والعبث ونهب محتوياته).
يقول محمد (25 عاماً) ويدرس في جامعة عدن: (كنا ثلاثة عاملين في المحل، قيدونا بالأغلال وحملونا فوق طقم عسكري، وكان أحدهم يطلق النار إلى السماء ويصرخ بعبارات مناطقية ويكيل الشتائم: إذا لم تغادروا بلادنا سنحرق دكانكم.. يا دحباشة.. ونقلونا إلى الساحة الواقعة بالقرب من فرزة الشيخ, كانت الساحة تكتظ بعشرات المدنيين الذين تم إحضارهم إليها عبر أطقم عسكرية ومدرعات إماراتية.. كانوا يطلبون بطائقنا الشخصية، وعندما كنا نبرزها لهم مع تراخيص محلاتنا، كانوا يقولون خلاص تأكدنا أنكم دحابيش وسنعيدكم إلى بلادكم، وقاموا بطريقة مهينة بنقلنا على متن شاحنة بضائع من عدن إلى منطقة طور الباحة، وأنزلونا هناك، وطلبوا منا أن نرحل إلى تعز، وهددونا بأننا سنقتل إذا فكرنا بالعودة مرة أخرى إلى عدن).
 محمد واحد من مئات المواطنين الذين شملتهم إجراءات تعسفية، وتعرضوا لتهديدات وتحذيرات تطلب منهم مغادرة المدينة، وجرى اعتقالهم وترحيل أكثر من 2000 شخص لمجرد انتمائهم الجغرافي الى محافظاتهم الشمالية ومسقط رأسهم المدون في بطاقاتهم الشخصية.
(مع بداية قصف طيران التحالف لعدن العام الماضي, نقلنا بضاعة المحل من مركز عدن مول في صيرة إلى أحد المخازن الصغيرة بالشيخ، وغادرنا إلى قرانا في تعز, وبسبب ضيق الحال عدنا إلى عدن في رمضان، وأستأجرنا محلاً في الشيخ، وبدأنا نمارس عملنا.. ومنذ سيطرة الجماعات المسلحة على عدن (يونيو العام الماضي) ونحن من مدرسة إلى مدرسة للتحقيق معنا وابتزاز ما لدينا من النقود من قبل هؤلاء المسلحين.. نحن (طالبين الله) بعرقنا، ونقيم داخل نطاق مدينة لازالت ضمن سيادة الجمهورية اليمنية.. أين منظمات حقوق الإنسان وحقوق المواطنة؟), هكذا تحدث محمد جمال بنبرة حزينة، حول ما عاشه من قصة معاناة ترحيله مع الكثير من عدن.
ومع الحملة الأمنية التي استهدفت مواطنين ينتمون الى المحافظات الشمالية، تزايدت اعمال السلب والنهب التي يتعرض لها باعة الخضار والبقالات والمحلات التجارية والورش والمطاعم وغيرهم، من قبل مسلحي مليشيات هادي والحراك.
الأحد الماضي قررت عدد من البنوك والشركات والمؤسسات التجارية إغلاق أبوابها احتجاجاً على تعرض موظفيها وعدد من العاملين فيها لإجراءات مخالفة للقانون، من قبل مسلحين ينتمون لإدارة أمن عدن.. ممارسات وانتهاكات عنصرية تطورت من عمليات فردية الى عمليات نهب واعتداء واعتقال وقتل وتهجير منظمة في محافظات الجنوب، تنفذها مليشيات مسلحة تتنطع بالانفصال وتحقد على اليمن وترتزق وتستقوي بأعداء الوطن.
منذ عام يتعرض المواطنون لانتهاكات حقوقية في مدينة عدن، وسط صمت الجهات العميلة التي لا تتجاوب مع شكاوى المواطنين، وتغض الطرف عن جرائم وانتهاكات جسيمة قامت بها جماعات مسلحة موالية لها في المناطق الخاضعة لسيطرتها وفقاً لتأكيدات.. ولم تقم بدورها في حماية الأقليات التي تعرضت للهجير القسري، وفي مقدمتهم طائفة البهرة.
ومع تصاعد عدوان التحالف السعودي الأمريكي على اليمن، منذ العام الماضي, واجتياح هذا التحالف الشيطاني للمحافظات الجنوبية، ارتفعت التهديدات التي يتعرض لها المواطنون من المحافظات الشمالية، وجرت عمليات ملاحقات واقتحامات للعديد من المنازل أواخر العام الماضي، كما واجه المواطنون القادمون من المحافظات الشمالية صعوبة في الوصول إلى عدن، وكان مواطنون شماليون تعرضوا، في فبراير من العام الجاري، لحملات مشابهة في عدن، وتم ترحيلهم إلى مدنهم الشمالية لنفس السبب (إجراءات أمنية).
غير أن ما حصل خلال هذه الأيام هو المرة الأولى التي تجري فيها عملية ترحيل ترعاها السلطات الباسطة بقوة السلاح الخارجي على المدينة، ما أثار سخطاً واسعاً من قبل الكثير من أبناء عدن. وأطلقت تحذيرات (من بذور مؤامرة الشتات والتفرقة والمناطقية المقيتة التي يحاول البعض زرعها خدمة لأجندة مكشوفة تخدم دولاً تستفحل بعدائها الفاحش على اليمن).
الكثير من أبناء الجنوب وعدن أثارتهم هذه الإجراءات، وعبروا عن سخطهم ومخاوفهم من استخدام هذه الإجراءات بـ(طريقة تعسفية مناطقية) لإبعاد أبناء المحافظات الشمالية، وليس لحفظ الأمن في المدينة، التي تشهد بشكل يومي العديد من الجرائم والاغتيالات في ظل انتشار المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية.
وفي تصريح سريع مع صحيفة (لا)، تقول الناشطة في مجال المجتمع المدني هدى الصراري: (نحن لسنا ضد الإجراءات الأمنية إذا طبقت وفق القانون والنظام، ومن ثبت عليه تورطه في عمل إجرامي، فعلى السلطة تطبيق القانون والتحقيق معه وتنفيذ العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات اليمني).
وأضافت: (لكن للأسف ما يحدث الآن من أفعال فردية من قبل عناصر الأمن، الهدف منها خلط الأوراق ونشر الحقد والكراهية وتمزيق النسيج اA275;جتماعي في عدن، هي أفعال يرفضها العقل والمنطق، ومنها ترحيل الشماليين، وخصوصاً أبناء محافظتي تعز وإب، هكذا بدون إثبات أي جرم مشهود عليهم، سوى أنهم A275;يملكون وثائق ثبوتية، فهذه الأفعال يعاقب عليها القانون اليمني بالغرامة أو الحبس، وليس الترحيل).
وتابعت: (كما أن هذه القرارات جاءت بشكل غير مدروس وغير مهيأ له من السلطات الأمنية والمحلية بعدن، وذلك من خلال عدم دراسة عواقبها على المجتمع والشارع العدني).
وطالبت الصراري (الأجهزة الأمنية بعدن, بتطبيق الإجراءات الأمنية وفق النظام والقانون، ومراعاة حقوق الإنسان في التعامل مع من يثبت عليهم عدم وجود بطائق ثبوتية، وضمان تحقيق عادل معهم ومحاكمة عادلة وفق ما نص عليه الدستور والقانون اليمني، طالما وأننا في ظل الجمهورية اليمنية وفق دستورها ونظمها وقوانينها).
فيما اعتبرت مها عوض (رئيسة منظمة وجود للأمن الإنساني)، هذه الإجراءات بأنها تعسفية، وتقوم على الانتهاك العنصري المناطقي, مؤكدة رفضها لأي إجراءات تنتقص كرامة الإنسان وتنتهك حقوقه.
من جهتها، أدانت الجبهة الوطنية الجنوبية لمناهضة الغزو والاحتلال, وبشدة، تلك الأعمال العنصرية المناطقية التي تجري اليوم ضد أبناء الوطن، وفي داخل وطنهم الغالي الممتد من المهرة إلى باب المندب إلى صعدة إلى كل شبر يدخل في مساحة اليمن، في الوقت الذي يلاقي جنود الاحتلال الأمريكي الترحيب في قاعدة العند الجوية وفي مدينة المكلا، من قبل من يمتهن اليوم طرد البسطاء من أبناء الوطن.
ووصفت الجبهة الوطنية الجنوبية ذريعة الاحترازات الأمنية, بأنها شماعة سخيفة تعلق عليها شرعية هادي المزعومة فشلها وإخفاقها في إدارة بعض مناطق الوطن، بالإضافة إلى أن هذه الخطوة تعتبر نذيراً لمقتضيات التدخل الأمريكي المباشر عسكرياً في البلد، وتهيئة المدن اليمنية الجنوبية لهذا المحتل الغاصب.
لازالت خيوط المؤامرة تتشابك وترتفع وتيرتها يوماً بعد يوم.. إعادة مشاريع سايكس بيكو ومارشال.. التاريخ يعيد نفسه الآن، وعبر هذه الخيوط.. عام 1947م, تأسست الجمعية العدنية في مدينة عدن أثناء الاستعمار البريطاني للمدينة ووصل عدد أعضائها إلى ثلاثة آلاف عضو، وأصدرت صحيفتي (فتاة الجزيرة) و(القلم العدني)، واستقطبت تجار الجاليات من هنود وصومال وغيرهم. ورفعت الجمعية شعار (عدن للعدنيين)، وكانت تطالب سلطات الاحتلال بعدم منح الجنسية العدنية إلا لمواليد مدينة عدن، ورعايا الكومنولث البريطاني، وعدم منحها لأبناء الشمال، وأبناء المحميات، وأخذت تطالب باستقلال مدينة عدن وفصلها عن محيطها العربي، وربطها بالكومنولث البريطاني، بحجة عدم وجود تجانس ثقافي وحضاري بين مدينة عدن ومحيطها العربي.
بعد قيام ثورة الـ26 من سبتمبر 1962, اتخذ الزعيم المصري العربي الراحل جمال عبد الناصر، مدينة تعز كمركز لقيادة القوات العربية، وأصبحت تعز منطلقاً للثورة في جنوب اليمن على الاستعمار البريطاني حتى رحيله.
اليوم، تعيد القيادات في الجنوب نفس المشهد وبشكل أسوأ.. تتعمد هذه المجاميع العميلة للخارج والشاذة عن الوطن، رفع علم الانفصال مقابل منع رفع علم الوحدة.. وخائن تشدق لحظة فراره من صنعاء إلى عدن برفع العلم الجمهوري ليمن الوحدة في مران صعدة، في الوقت الذي لم يكن لهذا العلم أي وجود في أية بقعة بمدن ومؤسسات الدولة في الجنوب.
منذ قيام التحالف العربي بقيادة السعودية بعدوان شامل وقاتل على اليمن، ومنذ خروج الجيش اليمني وقوات الأمن من مدينة عدن بالذات في يوليو الماضي, تنفذ المليشيات المسلحة عمليات لطرد المواطنين اليمنيين المنتمين للمحافظات الشمالية، وتزيد معها برفع شعارات وأعلام دولة الجنوب.
وتحتضن عدن مئات الآلاف الذين قدموا إليها للعمل في التجارة والبناء والاستقرار فيها منذ سنوات (كحال بقية المحافظات اليمنية الأخرى)، الآلاف منهم ينتمون للمحافظات الشمالية.
كان المزيج الوطني بين الشمال والجنوب يسعى إلى الالتحام والوحدة بين الإنسان اليمني والأرض الواحدة.. خصصت الشمال للآلاف من مناضلي الجنوب المنطلق الرئيسي للكفاح المسلح ضد المستعمر الإنجليزي.
تسببت أحداث العام 1986 الدامية بين الزمرة والطغمة، بنزوح مئات الآلاف من أبناء الجنوب، الى مدن الشمال التي استقبلتهم وفتحت لهم الأبواب كمواطنين ينتمون لليمن الكبير.
وعندما أتت منظمة دولية لتوزع لهم معونات، صرفوا لهم بطاقة لاجئ, احتج حينها أبناء تعز وبقية المحافظات الشمالية، وتم رمي تلك البطاقات، لأنها في نظرهم إهانة لإخوانهم الهاربين من الجنوب.