1723 حالة سجلتها مستشفياتها
العدوان وحمى الضنك يحاصران عروس البحر الأحمر

تعيش محافظة الحديدة الساحلية كارثة صحية وبيئية، منذ بداية دخول فصل الصيف، لم يحصل لها مثيل من قبل، متمثلة في انتشار الأمراض والأوبئة القاتلة التي تحتف عشرات الضحايا من أبناء المحافظة يومياً. ويقبع حوالي 3 ملايين نسمة من سكان المحافظة، تحت عقاب جماعي اسمه الموت. وبحسب مصادر في المحافظة قالت لـ(لا) إن حمى الضنك والملاريا ينتشران بشكل كبير أمام تواطؤ الجهات المعنية، وتجاهلها لمعاناة المواطنين، وخاصةً في فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة التي تفوق الـ43 درجة، في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وشح المياه والأدوية، والخدمات الأساسية البسيطة، بالإضافة الى الفقر المدقع لأغلب سكان المحافظة، وتردي أوضاعهم الاقتصادية، والحصار الذي يفرضه العدوان السعودي على اليمن. . صحيفة (لا) ترصد في هذا التقرير الصحفي جزءاً من الكوارث الصحية والبيئية، ومعاناة وعذابات أبناء المحافظة المنكوبة، الذين يموتون كل يوم ببطء.
إيرادات كبيرة وضحايا يزداد عددهم
 بحسب آخر تقرير لوزارة المالية، فإن محافظة الحديدة ترفد الخزينة العامة للدولة بعشرات المليارات سنوياً، منها ١٤ ملياراً و٧٤٧ مليوناً و٤٦٨ ألف ريال خلال الربع الأول من ٢٠١٦م. دخل لا تستفيد المحافظة وأبناؤها شيئاً منه، حسب ما قاله ناشطون لـ(لا)، وأضافوا أنهم يشعرون بالأسف لتجاهل الجهات المعنية المتعمد، رغم انتشار الأمراض والأوبئة، وارتفاع عدد الضحايا. وتقدر آخر إحصائية رسمية أن أكثر من 13 حالة وفاة يومياً تحصل بسبب حمّى الضنك، فيما بلغ عدد الإصابات، التي وصلت إلى المستشفيات الخاصة، 1723 حالة، بينها 998 من الذكور، و725 من الإناث. كما تمّ تسجيل 19 ألفاً و465 شخصاً مصابين بمرض الملاريا، منهم 9799 من الذكور، و9666 من الإناث. أما حالات الإصابة بالسرطان بمحافظة الحديدة، فقد سجلت وحدة الأورام السرطانية، خلال الأشهر الثلاثة الماضية من العام الجاري 2016م، 214 حالة جديدة، بينهم 25 طفلاً.

 أطفال يحترقون 
كل يوم، ومع دخول الليل على محافظة الحديدة، تسمع بكاء الأطفال يرتفع في الأحياء، من شدة ارتفاع درجة الحرارة الحارقة أجسادهم، والتي تسبب لهم اختناقاً وكتمة ونقصاً في الأكسجين، مما يلجئ آباءهم لإخراجهم الى الشوارع، بحثاً عن نسمات البرود، ولو أنها دافئة، لكنها قد تهدئ من حال أجساد أطفالهم السيئة وسط منازلهم في جميع أرجاء المحافظة. هذه الطريقة يستخدمها المواطنون باعتبارها طريقة تقليدية، وكحل أدنى لإنقاذ أنفسهم وأطفالهم غير القادرين على تحمل ارتفاع درجة الحرارة المستعرة، وتعويضاً عن توقف المراوح و(المكيفات) داخل منازلهم ومحلاتهم، بسبب انقطاع التيار الكهربائي على المحافظة. 
وقالت للصحيفة مصادر في محافظة الحديدة، إنها ودعت أكثر من 30 شهيداً منذ بداية دخول فصل الصيف، جميعهم توفوا متأثرين بالاختناق بسبب الحرارة الشديدة، ومعظم هؤلاء الضحايا كانوا من الأطفال، وبقية الضحايا كانوا كباراً في السن، ومن النساء على وجه التحديد.. وحسب معلومات أخيرة تشير الى أن درجة الحرارة ارتفعت من 40 درجة مئوية الى 45 درجة. عوضاً عن ارتفاع درجة الرطوبة من 60 الى حوالي 70 درجة مئوية. وهذا كافٍ لانتشار أمراض الملاريا وحمى الضنك والتهابات الدم واحمرار الجلد، بشكل كبير، حسب مختصين، وكذلك ظهور مرض الحميات، وهو مرض جديد انتشر مؤخراً في الحديدة. 
وقال مواطنون في الحديدة لـ(لا) إن أطفالهم ومرضاهم يحترقون بسبب ارتفاع الحرارة وانقطاع الكهرباء والخدمات الصحية والأساسية. موضحين أن المستشفيات تكتظ بعدد حالات المرضى المتزايدة، لهذا يفقدون العناية المناسبة من المستشفيات والجهات المختصة، وعدم توفر الحلول والأدوية والمستلزمات الطبية لهم، وأهمها إعادة التيار الكهربائي للمواطنين، وبالذات لمرتادي مركز الغسيل الكلوي، تجنباً لوقوع كارثة بيئية وصحية كبيرة.
وتطرقوا الى أنهم كانوا يتوقعون أن يعيش سكان الحديدة فقط أسبوعاً أو أسبوعين من غير كهرباء في فصل الصيف، وأن الجهات المعنية لن تتركهم عرضة للموت، ولعلم الجميع أن درجة الحرارة والرطوبة مرتفعة، مما يجعل أبناء المحافظة أشبه بالدجاج المندي، حسب وصفهم. لكن للأسف زادت الفترة كثيراً عما توقعوه. ويرجعون سبب الانقطاع المستمر إلى الحصار والحرب.
وطالب أطباء في المحافظة عبر صحيفة (لا)، الجهات المعنية والمجالس المحلية في المحافظة، بأن تعلن الحديدة محافظة منكوبة، وبشكل رسمي، متسائلين ماذا بعد المرض والحمى وارتفاع الحرارة الملتهبة التي تحصد المواطنين في الطرقات والمنازل والمستشفيات ومراكز الغسيل الكلوي، وبشكل يومي، والكارثة كل يوم أسوأ من قبل؟! 

أسباب انتشار حمى الضنك
 والملاريا والحميات الجديدة
عودةً الى وباء حمى الضنك الذي حصد مئات المواطنين خلال هذا العام حتى اليوم، في بحثنا عن أسباب انتشار هذا الوباء، مع مختصين وأطباء يعملون في مستشفيات الحديدة، قالوا إن هذا الوباء القاتل أصبح سريع الانتشار، وإن الحالات المصابة بهذا الوباء تزداد يوماً بعد آخر، بين أوساط المواطنين بالمحافظة، وتقدر الإصابات بالمئات التي تصل كل يوم الى المستشفيات الخاصة، وإلى مستشفى الثورة العام، ومرافق صحية أخرى، في ظل تخاذل مكتب الصحة العامة والسكان بالمحافظة. 
مدير مستشفى الحديدة التخصّصي، خماش سالم، قال في تصريح سابق له، إن تنامي الحالات المصابة بحمى الضنك والملاريا، جاء نتيجة الارتفاع المخيف لدرجة الحرارة، وانقطاع التيّار الكهربائي، وتدهور شبكة الصرف الصحي، وطفحها على الشوارع، وتكدّس المخلّفات والقمامة على الأرصفة.
ويقول مدير مستشفى الأمل التخصّصي، إن حمّى الضنك متواجدة منذ سنوات، وليست وليدة اليوم، وأصبحت معاناتها معروفة لدى الكلّ، لكنه يستدرك بالإشارة إلى أن (نسبة المرضى هذا العام أكثر بكثير، بسبب عدم الرشّ، وشحّ الأدوية، وتجمّع المياه الراكدة، وانقطاع التيّار الكهربائي، وكلّها عوامل ساهمت في توسيع نطاق الفيروسات وانتشارها).
ويضيف أن (انعدام المشتقّات النفطية تسبب في تزايد معدّلات انقطاع الكهرباء في مدينة الحديدة، التي تصل درجة الحرارة فيها إلى أكثر من 43 درجة مئوية، الأمر الذي يجعل سكّان المدينة يخرجون إلى الشوارع والأرصفة مساءً، للتعرّض للهواء، وهو ما يعرّضهم لهجمات البعوض).
وبحسب مدير مستشفى الأمل، فإن مرض حمّى الضنك، (يعتمد في تكاثره وانتشاره، على وجود المياه الملوّثة، حتّى لو كانت داخل خزّانات المياه؛ إذ يكفي أسبوعان فقط لتتجمّع فيها البويضات واليرقات، مما يجعلها بؤرة لتوالد البعوض المسبّب للمرض والحُميات. وتختلف أعراض الحميات عن حُمّى الضنك)، مبيّناً أن (الحُميات الجديدة تسبّب آلام المفاصل وحمّى شديدة).
ويقول مختص لـ(لا) إن (الوبائيات والحميات، مثل الملاريا وحمّى الضنك والالتهابات الفيروسية، انتشرت سريعاً في الفترة الأخيرة، نتيجة انتشار كثيف لحشرة البعوض التي وجدت في الحديدة بيئة مناسبة لتكاثرها مع بدء الصيف، حيث ترتفع درجة الحرارة كثيراً، وتتكدّس النفايات، وتكثر حالات طفح المجاري في كثير من الشوارع والأحياء)، واصفاً أكوام القمامة بـ(جبال القمامة التي تكوّنت في الشوارع، بسبب عجز مكتب النظافة عن رفعها لعدم توفّر وقود الديزل).
وفي تصريح سابق لمدير عام مكتب الصحة في محافظة الحديدة، اتهم عدداً من المستشفيات الخاصّة بـ(اختراع) أمراض جديدة كمرض (الصفائح)، من أجل ابتزاز المرضى واختلاسهم أموالاً لعلاجهم من هذا المرض (الوهمي)، في الوقت نفسه حمل عدداً من الجهات في المحافظة (المسؤولية عن تنامي الفيروسات والحميات، كونها عملت بشكل أو بآخر على توفير بيئة خصبة لتناميها وانتشارها).

 فقر وارتفاع الأسعار
حسب إحصائيات متوقعة، فإن حوالي 70% من أبناء الحديدة يعتبرون تحت خط الفقر، وحالهم المعيشية والاقتصادية مُدمرة تماماً. ونسبة بسيطة من المواطنين يحصلون على دخل وبسيط. سالم وفاروق مواطنان من أبناء الحديدة، يسردان معاناتهما المطحونة والمأساوية عبر صحيفة (لا)، وقالا أثناء التواصل معهما إن بعض الأسر في الحديدة حالها سيئ جداً، ولم يتوقعا أن تصل بهم للخروج (لطلبة الله) عبر (الشحاتة) التي كانت ترفضها في السابق. وأضافا أنه في حال توفر لهذه الأسر دخل بسيط، ستترك هذه المهنة التي يتسع حجمها كل يوم داخل المدينة.
وأوضح سالم أنه يشاهد هذه الأسر تتسول يومياً من المحلات والأسواق، من أجل شراء حاجاتهم اليومية والأساسية، وبقدر بسيط بالكيلو للدقيق والأرز والزيت عند نهاية كل يوم. 
عبد الله طه يعمل مدرساً في الحديدة، قال إن التجار ساهموا بشكل كبير في اختلاق الأزمة، لتلاعبهم بأسعار المواد الغذائية، واستغلال المواطنين بحجة الحرب والحصار، وإخفاء السلع، بالذات مع قدوم شهر رمضان، من أجل رفع أسعارها أضعافاً عن السعر الذي هي عليه. 
وناشد عدد من المواطنين، عبر صحيفة (لا)، السلطة المحلية والمسؤولين في اللجان الشعبية بالمحافظة، ضبط المخالفين من التجار الذين يتلاعبون بالأسعار، والنزول الميداني اليومي لمراقبة الأسعار والسلع التموينية في الأسواق، وضبط المخالفين، وإحالتهم للجهات المختصة، وتكليف لجان رقابية وتفتيشية تقوم على رقابة الأسعار، خصوصاً في شهر رمضان، من أجل الحفاظ على أسعار السلع التموينية، وبالذات المواد الغذائية، وتحرير مخالفات سعرية بأصحاب المحلات المخالفين، وإحالتها للنيابة العامة، والعمل على توفير المشتقات النفطية ومادة المازوت، والسرعة في إعادة التيار الكهربائي، وإيجاد حلول مناسبة للمواطنين كمولدات كهربائية وأنظمة شمسية، ومساعدة أبناء الحديدة الذين يموتون من شدة الحرارة والفقر.

 مخلفات وأكوام قمامة 
 مواطن من أبناء الحديدة يقول إن المواطنين يرمون بالمخلفات وأكياس القمامة في الشوارع والأحياء، وبطريقة عشوائية وغير منظمة، تتسبب في تكدس أكوام كبيرة من المخلفات منذ بداية العدوان على اليمن، وقال: أنا هنا لا ألوم المواطنين وحدهم، ولكن الجميع مشارك بتفاقم حجم هذه الكارثة البيئية. الى جانب الإهمال الواضح من الجهات المختصة، المتمثلة بصندوق النظافة والمجالس المحلية في المحافظة، إضافة الى رمي المخلفات في قنوات مياه المملاح، والذي سبب جفاف إنتاج الملح، باعتباره مكاناً هاماً ومصدراً أساسياً ورافداً اقتصادياً لهذه المحافظة.
كما أن بعض المواطنين يرمون هذه المخلفات والقاذورات جوار المواسير وشبكات المياه، من دون شعورهم بالمسؤولية ومخاطر التلوث التي تلحق بهم عبر مجرى الماء. بالإضافة الى أن أكوام القمامة تسببت في انسداد أغلب قنوات المجاري. وقد قامت بعض المؤسسات الاجتماعية بحملة توعوية لأهمية هذا المكان، وضرورة الحفاظ عليه، والعمل على إزالة المخلفات من الأماكن المهمة في المحافظة. 

انقطاع المياه
ويعاني أبناء محافظة الحديدة من استمرار انقطاع المياه لفترات طويلة، ونادراً ما تقوم الجهات المختصة بضخ المياه الى منازلهم. في المقابل أيضاً تعاني المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي، بحسب تصريح مصدر رسمي فيها، الكثير من الصعوبات والعراقيل، ومنها عدم تحصيل قيمة استهلاك المياه المتأخرة عند كبار المستهلكين، ومنهم القطاع الحكومي، وانقطاع الكهرباء عن المؤسسة، وفاقد المياه الذي تجاوز 45% من الإنتاج، وعدم قدرة المؤسسة المالية على تشغيل أربعة آبار جديدة للإنتاج، الى جانب انهيار 5 كيلو من خطوط المجاري من المحطة رقم واحد، الأمر الذي جعل المؤسسة تقوم بتركيب خطوط سطحية ومؤقتة لتصريف المجاري، بالإضافة الى المخالفات والاعتداءات التي ترتكب من قبل المواطنين وسماسرة الأراضي على أحواض معالجة الصرف الصحي.
وأشار المصدر إلى أنهم في المؤسسة سيبذلون المزيد من الجهود من أجل استمرار وزيادة ضخ مياه الشرب لمنازل المواطنين بالمحافظة، وخاصة أثناء فصل الصيف الذي يزداد فيه الطلب على المياه، الى جانب المحافظة على الآليات والمعدات الخاصة بالمؤسسة، وصيانتها أولاً بأول، وعدم تركها للهلاك، خاصة وأن المؤسسة لديها كوادر فنية مؤهلة تأهيلاً عالياً.

 مناشدات ونفاد الأدوية في المستشفيات
تتعالى صرخات المرضى والمناشدات ونداءات الإغاثة من المواطنين والقطاع الصحّي في محافظة الحديدة، نتيجة الوضع الكارثي المتمثل في انعدام الأدوية، بالإضافة إلى عدم توفر المحلول الخاص بجهاز الكشف عن نوعية الفيروسات، والشح الكبير في الأدوية الخاصّة بحمّى الضنك والأمراض الأخرى كافّة، إضافة إلى الشحّ في المحاليل وأدوية التخدير وأدوية العمليات ومحاليل الغسيل الكلوي. 
وقالت لـ(لا) مصادر صحية تعمل في مستشفى الثورة بالمحافظة، إن المرضى بحاجة ماسة إلى توفير هذه الأدوية الباهظة الثمن بأسرع وقت ممكن، الأمر الذي يحتم علينا جميعاً تلبية النداء الإنساني، والسعي إلى توفير هذه العلاجات من أجل التخفيف من معاناة المرضى والمصابين.
وناشد رئيس هيئة مستشفى الثورة الدكتور خالد سهيل، الجهات المعنية إنقاذ مئات المرضى المرقدين في مختلف أقسام المستشفى، جراء انقطاع الخط الساخن الذي كان يمدها بالكهرباء خلال الفترة الماضية، واستمرار المستشفى في تقديم خدماته للمرضى.
ولفت سهيل إلى أن أقسام الحروق والطوارئ التوليدية والغسيل الكلوي والأطفال، أكثر تضرراً، نظراً لحساسية الحالات، وهو ما يهدد حياة العديد من المرضى، نتيجة انقطاع الكهرباء.. ودعا رئيس هيئة مستشفى الثورة العام بالحديدة، المنظمات الدولية ذات العلاقة بصحة الإنسان وحماية حقوقه، إلى سرعة التدخل لرفع الحصار عن الشعب اليمني، والإفراج عن سفينة المازوت المخصصة لتشغيل كهرباء الحديدة، والمحتجزة في عرض البحر منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، لإنقاذ المرضى الذين تسوء حالتهم مع مرور كل ساعة.
 وأطلق مدير التموين الطبي بهيئة مستشفى الثورة العام بالحديدة، نداء استغاثة عاجلاً، صرح فيه بنفاد كمية الأدوية المجانية من مخازن الهيئة، والتي تصرف لمرتاديها في مراكز الطوارئ والرقود والعناية المركزة، وكذا الأطفال ومرضى السكري والقلب، وغيرهم من ذوي الدخل المحدود والفقراء. وأضاف أن الأدوية المجانية المخصصة لعام 2016م في مخازن الهيئة، أوشكت على النفاد بالكامل خلال الربع الأول من السنة، نظراً للإقبال الشديد على الهيئة من سكان المحافظة والنازحين من المحافظات المجاورة، بسبب العدوان، واشتداد المعارك في تلك المحافظات، وانتشار الأمراض والأوبئة.