يحتمي منتجوها بسواعد بواسلنا في الجيش واللجان
دراما رمضان 2016  لوحات من الكوميديا السوداء


الزمن غير الزمن، ودراما رمضان اليمنية تراوح في نفس البقعة.. فمع حلول شهر رمضان، تعود الدراما إلى شاشات التلفزة اليمنية لأوّل مرّة منذ بدء العدوان، واتّساع نطاق الاقتتال الداخلي.. عودة تطغى عليها الآثار النفسية والاقتصادية والاجتماعية للصراع، إلّا أنّها تبدو بعيدة عن سبر أغوار التفاصيل الإنسانية، التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم رغم عدم خلّوها من المحطات المؤلمة.
فرض العدوان السعودي الأمريكي على اليمن منذ العام الماضي، على جمهور المحطات التلفزيونية اليمنية، في الشهر الفضيل الذي لطالما كان جامعاً للأسرة اليمنية على مائدة الإفطار، روتيناً تلفزيونياً بعيداً عن أجواء رمضان. التوقعات كانت مغايرة هذا العام، فقد غابت مع حلول شهر رمضان، عوامل الجذب، واقتصر الأمر كالعادة على إنتاج محدود للدراما، واستمرار دراما رمضان لسلسلة أعمال عرفت على مدى السنوات الماضية, فضلاً عن اهتمام اليمنيين بالأخبار المتعلقة بالعدوان الدائر على البلاد. وقد أثّر استمرار المعارك في معظم المدن على اهتمام اليمنيين، فبات همهم الأساسي النجاة من سعير النار لا أكثر, ومع استمرار العدوان وغياب الكهرباء للعام الثاني على التوالي، لم تعد البرامج والمسلسلات في المحطات التلفزيونية العربية محطّ اهتمام اليمنيين، وبذلك أضحى ما يشغلهم هو توفر الأمن وقوت يومهم وما ينقذهم من الجوع.. فالمأساة التي يعيشها الشعب يومياً أشبه بالمسلسلات والأفلام، وسببها هو هول الأحداث المتمثلة بالعدوان والحرب المتسارعة في الميدان.

حبر على الورق
يدخل موسم الدراما الرمضانية على القنوات التلفزيونية المحلية عبر خارطة برامج متنوعة, فقناة (اليمن) الفضائية، التي تبثّ من صنعاء، دشّنت، خلال شهر رمضان الحالي، خارطة برامجية ملفتة، تنوّعت بين الدراما والشعر والتوعية الثقافية وبرامج المسابقات، وعكست تداعيات العدوان والحصار والحرب الداخلية التي تنفذها مليشيات المرتزقة. وعادت القناة، بقوّة، خلال أيّام وليالي الشهر الفضيل، من خلال 12 برنامجاً ومسلسلاً، منها مسلسل (كلّه يهون إلّا الوطن) الذي يشارك فيه عدد من ألمع نجوم الكوميديا في اليمن، ويطرح قضايا (العدوان) في لوحات من الكوميديا السوداء.
المسلسلات المحلية لهذا العام كثيرة، مثل مسلسل (عجيب وغريب)، ومسلسل (علاجك عندي)، وهو من سيناريو الكاتب المصري أحمد الجهيني، وإخراج سمير العفيف، ويشارك فيه نخبة من النجوم المحليين، ومسلسل آخر اسمه (عيني عينك)، وهو حلقات متتالية في جزئه الثاني، من إخراج الدكتور فضل العلفي، ويتكون من 30 حلقة، ومسلسل (شعبان في رمضان) الجزء الثاني، ويحتوي على 15 حلقة بفكرة جديدة، وسيبدأ عرضه من منتصف الشهر الفضيل.
في المقابل، اكتفت قناة (اليمن)، التي تبثّ من العاصمة السعودية الرياض، ببثّ مسخرتها عبر مسلسلات سعودية سبق أن عرضت على شاشات التلفزة السعودية، والإبقاء على الخارطة البرامجية السابقة، التي يغلب عليها الطابع السياسي، بسبب أوضاع مالية تعانيها القناة الإعلامية التابعة لما تصف نفسها بـ(الشرعية).
كما دشّنت قناة (السعيدة) الخاصّة، خارطة برامج جديدة، منها مسلسل (همّي همّك) الشهير في نسخته الثامنة، والذي يصوّر الوضع في اليمن بـ(قرية مركوضة) يتصارع الكبار فيها، ويدفع ثمن صراعاتهم المواطنون، وهو محاكاة تقليدية للمسلسل السوري (ضيعة ضايعة)، وهو مسلسل كوميدي ساخر بلهجة أهل الساحل السوري (اللاذقية)، تجري أحداثه في ضيعة (قرية) بسيطة وفقيرة اسمها (أم الطنافس الفوقا)، تم عرضه لأول مرة على قناة أبوظبي الفضائية عام 2008م، وفي 2010 تم إنتاج جزء ثانٍ، بالإضافة إلى المسلسل الاجتماعي الشهير (الصهير صابر)، والمسلسل الاجتماعي (أبواب مغلقة).
قناة (المسيرة)، التابعة لجماعة (أنصار الله)، والتي تبثّ برامجها من العاصمة اللبنانية بيروت، لم تعلن عن تغييرات في خارطة برامجها، واستمرّت في العمل بخارطة برامجها الإخبارية والسياسية والتحليلية السابقة، وكذلك قناة (الساحات) الإخبارية السياسية، التي تبث برامجها من بيروت، لم تعلن، هي الأخرى، عن أيّ تغييرات. 
من جهتها، دشّنت قناة (يمن شباب)، التابعة لفرع الإخوان المسلمين في اليمن، والتي تبثّ من مصر، سلسلة برامج، منها مسلسل (هفة) من بطولة صلاح الوافي ومحمد قحطان، ومسلسل (سقوط الخلافة الإسلامية). 
وعلى غير الحالة العدوانية الهزلية التي كان من المفترض أن تقدمها القنوات التلفزيونية التابعة لحزب (الإصلاح)، وخصوصاً قناة (سهيل) التي تبثّ من تركيا, لم تتغير خارطة برامج القناة بمناسبة شهر رمضان الكريم، كما لم تقدم قناة (بلقيس) التابعة للناشطة الإخوانية توكّل كرمان، والتي تبثّ برامجها من تركيا، أيّ مسلسلات درامية خاصة، على الرغم من أن القناة تمثل سياسة جماعة الإخوان المسلمين، وتروج للعدوان على اليمن.
واكتفت بعض القنوات بإعادة مسلسلات وبرامج سابقة، ومن تلك القنوات قناة (سبأ) الحكومية، وقناة (رشد) التابعة لحزب (الرشاد) السلفي، والتي دشّنت، قبل عامين، خارطة برامجية درامية رمضانية بقالب وهابي.
الأحداث السياسية كانت حاضرة بقوّة في الدراما اليمنية خلال شهر رمضان الجاري, فالقنوات الفضائية اليمنية العامّة والخاصّة انقسمت بين مؤيّد ومناهض لما تمرّ به البلاد من عدوان وحصار خارجي وحرب داخلية ينفذها مرتزقة العدوان.
كما يلاحظ أن الأعمال الدرامية لهذا العام, معظمها إن لم تكن كلها جرى تصويرها داخل المدن التي لازال يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية، في رسائل سياسية يقرأ فيها بأن الحياة الطبيعية لا تزال مستمرة في بعض مدن اليمن، رغم الوضع الأمني المضطرب والمنفلت في بعضها كمدينة تعز.
كما انعكس هذا الأمر على مشاركة نجوم الدراما اليمنية، حيث بيّنت المسلسلات الدرامية التي تعرض خلال رمضان الجاري، حالة الحضور الهائل لنجوم الدراما اليمنية القادمين من عدن إلى صنعاء للمشاركة في تصوير المسلسل التراجيدي (أبواب مغلقة) للمخرج اليمني الرائع عمرو جمال. وعلى عكس الحالة أدت المسلسلات، وخاصّة التي تمّ إعدادها وتصويرها في المناطق التي لاتزال تحت سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية كالعاصمة صنعاء والحديدة، وكذلك في مناطق محافظة تعز, على وجه الخصوص، إلى حالة شاذة مثلها غياب فهد القرني ولأول مرة عن لعب دور (شوتر) في الجزء الثامن من مسلسل (همي همك)، بعد أن فضل حمل البندقية والتوجه إلى جبهة مأرب للقتال إلى جانب عصابات الإخوان المسلمين الذين ينتمي لهم هذا المونولوج الذي ظهر كمرتزق رخيص لا يحمل رسالة الفن الإنسانية.
وكان للعدوان والحصار الذي تقوده وتنفذه السعودية على اليمن، أيضاً، دور بارز في توقّف سوق الإعلان، الذي كان يغطّي نفقات العديد من البرامج الجماهيرية والمسابقاتية والمسلسلات الدرامية قبل الحرب على بلادنا, كما امتنعت بعض الشركات ورجال المال والأعمال عن الإعلان في القنوات التلفزيونية اليمنية المختلفة، خوفاً من ردّة فعل الطرف الآخر، أو احتسابهم على طرف.
فالصراع السياسي الذي يعيشه الشارع اليمني منذ العام 2011، فرض حضوره على هوية الدراما الرمضانية، فبات معظم كتّاب الدراما يسقطون شخصياتها على الواقع السياسي, فالسياسة أصبحت جزءاً مهماً من دراما رمضان، كانعكاس طبيعي للحالة العامة في البلاد خلال الأعوام الخمسة الماضية، كما أن السياسة في بعض الدراما موجّهة، وتخدم جهات على حساب أخرى.
وتبثّ في اليمن 4 قنوات رسمية من العاصمة صنعاء، وهي (اليمن) و(سبأ) و(الإيمان) و(عدن)، إلى جانب قناتي (اليمن) و(عدن) اللتين تداران من السعودية، إضافة إلى عدد من القنوات الخاصّة مثل (اليمن اليوم - السعيدة ــ بلقيس ــ معين ــ الساحات)، التي يملكها أو يسيطر عليها أقطاب سياسيون ورجال أعمال وتجّار، ويشترك في الولاية عليها مكوّنات سياسية ودينية. ومنها قناة (المسيرة) التي تتبع جماعة الحوثي، و(يسر) التابعة للجماعة السلفية، و(سهيل) التابعة لحميد الأحمر، وقناة (أزال) المملوكة للشيخ الشائف، والأخيرتان تتبنّيان العدوان على اليمن. 
هذا بالإضافة إلى قناة (يمن شباب) المحسوبة على حزب الإصلاح الإخواني، و(عدن لايف) المملوكة من نائب الرئيس السابق والشخصية المطالبة بانفصال الجنوب اليمني عن شماله، علي سالم البيض.

كواليس الحرب
منذ عام 2011م، باتت السياسة هي المهيمنة على غالبية المسلسلات الرمضانية اليمنية، بالتزامن مع تزايد عدد القنوات الفضائية التي باتت تمتلكها أطراف سياسية، الأمر الذي جعل دراما رمضان تتحوّل إلى ما يشبه البرامج السياسية الخالصة.
من أشهر قصص المسلسلات الرمضانية التي تشير إلى هيمنة السياسة على الدراما اليمنية الرمضانية في المواسم الماضية, مسلسل (طريق المدينة) الذي بثته قناة (يمن شباب) المحسوبة على حزب (الإصلاح)، والذي فشل فشلاً ذريعاً نتيجة تشويشه على التاريخ بشخصيات سطحية وهزيلة أدت أدوار هذا المسلسل، بالإضافة إلى سقوطه في هاوية الكراهية والترويج المضلل نتيجة للفانتازيا التي قدمها ضد المذهب الزيدي ككل، وحقبة دولة الأئمة بشكل خاص، وإسقاطها على جماعة (أنصار الله) من خلال الاستعانة الماضوية برواية (الرهينة) لزيد مطيع دماج، الطافحة بالحقد والتزييف والسفه لكل ما يمت لدولة الأئمة في الخمسينيات من القرن الماضي. 
وحجز مسلسل (همي همك)، الذي تعرضه قناة (السعيدة)، مساحة كبيرة في مناقشة الواقع السياسي، إذ أسقط الشخصيات على الواقع اليمني والاضطرابات التي يعيشها البلد.
وابتعد المسلسل في جزئه السادس عن الكوميديا الصرفة كما كانت بداياته، ليعالج قضايا اجتماعية لها أساس سياسي، مثل تسلّط المشائخ على المواطنين مقابل صمت الدولة. 
حيث تصور عودة (الشيخ طفاح) وخروجه من السجن إلى القرية، محاولاً استعادة نفوذه في ظلّ وجود (شيخ) جديد يحترم مواطني القرية ولا يظلمهم, نظرة جماعة الإخوان لالتهام الدولة، حيث هناك رئيس جديد وهناك رئيس سابق يفكّر بالعودة إلى السلطة.
في رمضان الماضي، عرض على قناة (صوت الجنوب) أول عمل درامي (كوميدي تراجيدي) يناقش قضية انفصال الجنوب عن شمال الوطن، ومن وجهة نظر الحراك المطالب بالانفصال.
وتُتهم الدراما اليمنية بهزالتها بسبب شحّ الإمكانات المادية والبشرية، الأمر الذي ينتج أعمالاً مشوّهة تفتقر إلى أبسط قواعد الدراما. 
وعلى الرغم من أن البلد بأمسّ الحاجة الى تعزيز قيم التسامح والسلام في المجتمع اليمني، إلا أن الخارطة البرامجية التي قدمتها القنوات الفضائية اليمنية خلال شهر رمضان قبل عام من العدوان السعودي الأمريكي على اليمن, عززت حالة الانقسام الاجتماعي والسياسي (وبالذات القنوات المحسوبة على جماعة الإخوان)، من خلال برامج ومسلسلات رمضان، فمسلسلات تتحدث في وقتها عن معرقلي التسوية السياسية، وتعيد سيناريو الاغتيالات والاختطافات والقطاعات القبلية وتخريب أنابيب النفط وأبراج الكهرباء، وتبعث برسالة إلى أشخاص محددين تحت مبرر الفن، وأخرى سارعت في تذكير المواطن اليمني بظلم وجبروت بيت حميد الدين، وتعمدت إبراز الجانب السلبي لحكم الإمامة نكاية بجماعة (أنصار الله)، كما أجمعت معظم البرامج المسابقاتية على الترويج لفكرة الأقاليم، وتدشينها حملة توعوية بالأقاليم، وكذلك تحديد كل إقليم، والتطرق إلى مقومات كل إقليم، على الرغم من أن مخرجات الحوار لا تزال حبراً على ورق، وذلك تلبية لمصالح أطراف معينة تسعى لتمزيق الوطن.

محطات عربية
من المفارقات التي يحملها الموسم الدرامي في رمضان 2016، تساوي عدد المسلسلات المُنتجة في مصر وسوريا، ما يشكّل تراجعاً كبيراً للدراما المصرية في العدد، وعودة قويةً للدراما السورية المتعثّرة منذ سنوات.
فبخلاف السنوات القليلة الماضية، لم تزد الأعمال الدرامية المصرية التي انتهى تجهيزها للعرض في الشهر الفضيل، أو التي لا يزال يجري تصويرها، عن الـ30 عملاً، وهو عدد لا يكاد يقارن بما كان يحدث في الأعوام الأخيرة، والذي تجاوز ضعف هذا العدد في سنوات ماضية.
في حين تجاوزت الدراما السورية خيبة خمس سنوات من الصعوبات الإنتاجية والتوزيعية، مع إعلان صناع الدراما مشاريعهم للموسم الرمضاني الجديد، بـ30 مسلسلاً مختلفاً، وهو أعلى معدل إنتاجي في البلاد منذ العام 2011.
الزخم الإنتاجي للدراما السورية لا يعني الجودة والنوعية، فنظرةٌ أوليةٌ على المشاريع وفقاً لصحيفة (المدن)، تقود إلى اعتقاد بأن الأعمال الدسمة قليلة نسبياً، مع التأجيلات التي طالت عدة مشاريع لافتة أبرزها مسلسل (الملعونون)، ومسلسل (أطلقوا الرصاص)، الذي سيتم تنفيذه في موسم 2017 بطاقم فني وتمثيلي جديد.
ويستمر هذا العام غياب الأعمال التاريخية بالكامل، لصعوبات تتعلق بأماكن التصوير والكلفة الإنتاجية المرتفعة، حيث يميل المنتجون هذا الموسم إلى الأعمال الخفيفة المعاصرة القائمة على الخماسيات والسباعيات، كالعمل الكوميدي (تنذكر وما تنعاد) الذي يقارب مفاهيم (الأزمة) السورية من زاوية الإرهاب ككوميديا سوداء، كذلك مسلسل (عابرو الضباب) الذي يشابه مسلسلات الأكشن الأميركية.
المشهد الدرامي السوري هذا العام بدا يأخذ منحى آخر مقارنة مع السنوات الأربع الماضية، فقد بدا إنتاجها هذا العام أكثر قرباً من الواقع، وتلامساً لـ(الأزمة والهجرة والنزوح)، لتأتي مجموعة من أعمالها بطعم الحرب، التي منعت نجوم الدراما السورية من دخول مواقعهم لفترة طويلة تصل لنحو أربع سنوات، اضطروا خلالها إلى هجران سوريا نحو دول أخرى، مكنتهم خلال السنوات الماضية من تقديم أعمال عدة، لم يرَ فيها المشاهد ما آل إليه الواقع السوري.. وفضلاً عن نوعية الأعمال التي تقدمها الدراما السورية, إلا أن هذا العام شهد عودة نجومها القدماء، وهو ما يعد بمثابة إنعاش لها، تمهيداً لخروجها من غرفة (العناية المركزة) التي دخلتها مع بداية شرارة الحرب، وهو ما قرأ فيه المتابعون للدراما السورية بأنه مثل إعلان تمرد على الواقع الذي أفضى بالدراما السورية في نفق مظلم.