إضاءة مرتجعة على الشعارات المناهضة للامبريالية
العالم يهتف: (تسقط أمريكا.. الموت لأمريكا)

الموت لأمريكا الاستعمارية التي تشن هجوماً قاتلاً على أي شعب فجر ثورة، وتترصد كل شعب يحلم بالحرية، لترسل له باقات من عناقيد الحقد والموت.. الموت لأمريكا الامبريالية الصهيونية.. أمريكا الاستخبارية ومراكز المؤامرات التي تعمل مع سبق الإصرار والترصد، على تمزيق وتقطيع أوصال الشعوب، ونشر عوامل الفوضى والفتنة والقتل والحروب والذبح.. والمجد لكل شعار أو موقف تعبر عنه الشعوب الحرة هاتفة: نرفض الذل والموت.. ولم نفقد الأمل في الصمود والمقاومة.. والانتصار حليفنا في نهاية المطاف.
في أروع توصيف لأثر الحروب التي تقوم بها أمريكا على الشعوب، كانت ولازالت قصيدة الراحل محمود درويش (مديح الظل العالي) هي الأروع في تصوير السطوة الأمريكية القاتلة على العرب، عندما قال:
 (أمريكا على الأسوار تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية.. يا هيروشيما العاشق العربي أمريكا هي الطاعون، والطاعون أمريكا.. نعسنا، أيقظتنا الطائرات وصوت أمريكا.. وأمريـكا لأمريكا.. نفتح علبة السردين، تقصفها المدافع.. نحتمي بستارة الشباك، تهتز البناية، تقفز الأبواب، أمريكا.. وراء الباب أمريكا.. ونمشي في الشوارع باحثين عن السلامة، من سيدفننا إذا متنا؟ عرايا نحن، لا أفق يغطينا ولا قبر يوارينا.. ويا.. يا يوم بيروت المكسر في الظهيرة.. عجل قليلاً.. عجل لنعرف أين صرختنا الأخيرة).
أدى الهجوم الصهيوني وما رافقه من هجوم امبريالي متعدد الألوان والأطياف، بقيادة الشرطي العالمي (الولايات المتحدة) المتحالف مع الحكومات الذيلية، على فلسطين والمنطقة العربية, إلى انتشار لغة الرفض والعداء الشعبي المفعم بروح دينية تتوعد بالعقاب لحلف (الشيطان)، معززة وعيدها بسور وآيات قرآنية وأحاديث نبوية تتوعد كل مستكبر جبار، هي الأقرب إلى الضمير والوعي الجمعي.

غضب وصمود ونصر
هكذا هي الشعوب الحرة ترفض الذل والموت.. لم تفقد الأمل في قدرتها على الصمود والمقاومة وعلى الانتصار في نهاية المطاف.
في اليمن.. كان الشعار الأول المتبلور كلياً بالموت لأمريكا وابنتها المدللة الدولة الصهيونية، عبر صرخة (الشباب المؤمن) (أنصار الله حالياً): 
(الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام)..
التي انطلقت من حناجر وقبضات (الشباب المؤمن)، منذ مطلع الألفية الثالثة.
مثلت الصرخة بداية العمل في مواجهة هذه المشاريع الاستعمارية، وكانت كإعْـلَان موقف من أعداء الأمة، وتهيئةً للمجتمع ليكون مستعداً لمواجهة الغزاة متى ما تطلب الأمر، ومن هذا المنطلق يقول الشهيد حسين بدر الدين الحوثي: (ولنعرف حقيقة واحدة من خلال هذا، أن اليهود أن الأَمريكيين على الرغم مما بحوزتهم من أسلحة تكفي لتدمير هذا العالم عدة مرات، حريصون جداً جداً على ألا يكون في أنفسنا سخط عليهم).. هذا واقع الحال، فأَمريكا الاستعمارية أصبحت أكثر بشاعة تجاه حرية الشعوب وقضاياها, فالقضية أصبحت قضية الشعوب أنفسهم، الجيوش والحكام مهزومون، ويعملون للأَمريكان بالترغيب والترهيب. ففي صورة مقاربة لهذا الأمر، زار السفير الأمريكي مدينة صعدة، في 2002م، برفقه محافظ صعدة الذي وجه بالقبض على مجموعة من المواطنين لأنهم رفعوا شعار الموت لأمريكا وإسرائيل. الأمر أيضاً حصل بعد ذلك مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أثناء مروره على المحافظة، متوجهاً لمكة لأداء مناسك الحج، برفقة الداعية التكفيري (عبدالمجيد الزنداني)، ورئيس تجمع الإخوان (الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر).. كانت الصرخة مزعجة للسلطة أوليجاريشية، وتفجرت على وقع دويها ست حروب في صعدة، بهدف القضاء على جماعة (أنصار الله)، وبإيعاز أمريكي.
لم يرفع الشِّعار عبثاً، بل كان إعلاناً وموقفاً مبدئياً من الاستعمار والعنجهية، وكان الشعار مجموعة من الشواهد التي التقطها الشهيد (حسين بدر الدين الحوثي)، وحدثت فعلاً.. عام 2003 تم غزو العراق، ولحقته ليبيا وسوريا مع ما سُمي الربيع العربي، حتى جاء العدوان الأمريكي السعودي على اليمن.
 لم يكن شعار (الموت لأمريكا وإسرائيل) منحصراً فقط في اليمن، ولم تكن (أنصار الله) الحركة الوحيدة التي رفعت شعار الموت لأمريكا, فمعظم حركات التحرر اليسارية والقومية والوطنية رفعت شعارات مماثلة دوت صرخاتها على الكثير من أصقاع الأرض.
فمثلاً: يعتبر شعب الحجاز ونجد أول من هتف بشعار الموت لأمريكا الصهيونية في 6 يونيو 1967م، رداً على العدوان الصهيوني الأمريكي على سوريا ومصر وفلسطين، في 5 يونيو 1967م, وعقب خطاب متواطئ مع العدوان للملك فيصل، في ساحة الملز بالرياض، خرج شعب الحجاز ونجد في مظاهرة حطمت البنوك المتعاملة مع أمريكا، وطالبت بوقف العدوان ووقف تصدير البترول لأمريكا، وهتفت بسقوط الخونة وبالموت لأمريكا الصهيونية وعملاء أمريكا .
كما كان الشعب السوداني صاحب الأسبقية برفع شعار (الموت للصهاينة)، وذلك بعد نكسة 5 يونيو 1967م, حيث تداعى قادة العرب إلى الخرطوم لتدارس أنصاف الحلول مع الكيان الصهيوني، ولكن الجماهير السودانية تدفقت كالأمواج الهادرة العاتية وهي تهتف:
(أقسمت لا مهادنة.. الموت للصهاينة
 من المحيط الهادر.. إلى الخليج الثائر
 لبيك عبدالناصر).
وتوالت الهتافات تنتقد وتنتقد، حتى فرضت على القادة العرب في قمة الخرطوم 1967 اللاءات الثلاث (لا مهادنة.. لا مفاوضات.. لا استسلام للصهاينة والأمريكان).
ما أبعدها المسافة بين الشعارات التي تُرفع والهتافات التي تُردد منذ زمن طويل: (سنرمي اليهود في البحر.. وفلسطين عربية حرة.. تسقط تسقط المؤامرة الأمريكية)، شعار النضال ضد همجية الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وضد كل أشكال الاضطهاد والاستغلال الرأسمالي السائد من قبل أمريكا وبريطانيا وبقية حلفاء إسرائيل.
وحتى الأمس القريب, ففي لبنان خرجت الجموع منذ عامين في مظاهرات ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، تردد هتافات: (الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. ومن طرابلس لفلسطين.. شعب واحد لا يلين).
وفي المغرب: (يكفينا يكفينا من الحروب.. أمريكا أمريكا عدوة الشعوب.. أمريكا مشعلة الحروب).
وفي الجزائر: (الموت لإسرائيل.. الموت لأمريكا.. كلنا كلنا فلسطين).

مرك بر أمريكا 
هناك بعض الشعارات تفقد مفعولها بعد يوم واحد فقط من ولادتها, فيما يبقى بعضها حياً في أذهان الجماهير، وماثلاً في عمق ضمير الأمم على مر الدهور والعصور، وخالداً كخلود شعار (الموت لأمريكا) لدى أبناء الشعب الإيراني الذي لم ينس جرائم وحقد ولصوصية الأمريكان الدفينة ضده.
(الموت لأمريكا) (مركـ بر آمریكا) شعار الثورة الإسلامية الذي أصبح يردد بين بعض الجماعات السياسية والشعبوية في الكثير من بلدان العالم.
ظهر الهتاف لأول مرة خلال عام 1979، عندما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران، ضد شاه إيران محمد رضا بهلوي (شرطي أمريكا وإسرائيل في المنطقة), وازداد ارتفاع الهتاف في إيران مع نشوب الأزمة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، بعد اقتحام الطلاب للسفارة الأمريكية في طهران، واحتجازهم 52 دبلوماسياً أمريكياً لمدة 444 يوماً (من 4 نوفمبر 1979 حتى 20 يناير 1981).. طلب الإمام الخميني من الجميع أن يطلقوا صرخات (الموت لأمريكا)، إلى أن يتمكنوا من التخلص من شرِّها في كل أنحاء العالم, حينها وصف الصحفي المصري محمد حسنين هيكل حضور الخميني على الساحة الدولية، قائلاً: (إنه يبدو كرصاصة انطلقت من القرن السابع، واستقرت في القرن العشرين).
لقد ساهمت الثورة الإسلامية بضخ دماء جديدة في سائر المجتمعات ضد الهيمنة الاستعمارية التي كانت على وشك السيطرة الكاملة على الأوضاع في المنطقة.
سقوط اليانكي
تتغنى الولايات المتحدة الأمريكية برفع شعارات الحرية, والديمقراطية, والسلام, وغيرها من الشعارات الكاذبة التي تستغلها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتحقيق مصالحها وتنفيذ سياساتها, غير مبالية برأي المجتمع الدولي، لخلق الفوضى في الكثير من مناطق العالم، للهيمنة على موارد ومقدرات شعوبها, وتبرير أعمال إسرائيل الإجرامية في مساندتها في نهب الأراضي الفلسطينية المحتلة, والاعتداء اليومي على شعبها, وعلى المتضامنين معه.
وتعتبر نظريات الهيمنة أحد أهم المفاتيح التي أنتجها العقل الأمريكي في تعامله مع قضايا العالم برمته، ومنهُ العربي، حيث تمت صياغة هذه النظريات بدقة وبعناية فائقة من قبل النخب الأكاديمية وصناع السياسة في الولايات المتحدة..وتتميز السياسة الخارجية الأمريكية بغطرسة القوة وشن الحروب الاستباقية العدوانية والاحتلال وإذلال الشعوب وتدمير منجزاتها ونهب ثرواتها باسم (الحرية ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والحفاظ على السلام العالمي).. وشهد العالم، بعد انتهاء الحرب الباردة، تغيراً في السياسة الأمريكية، بفعل ما أتاحه الوضع الدولي من ظروف دولية اعتبرها السياسيون والمفكرون الأمريكان بمثابة الفرصة العالمية لصياغة النظام العالمي الجديد الذي يتجسد بضمان التفوق والانفراد الأمريكي بمقومات القوة والهيمنة العالمية, وبدأت الولايات المتحدة تعتمد سياسة الفوضى الخلاقة في سياستها الدولية، وخصوصاً تجاه المنطقة العربية.
نسيت أو تناست الإدارة الأمريكية أن الحرب التي تشنها على مستوى العالم لا نهاية لها‏,‏ وأنها تركت الباب رحباً لتنامي الكراهية ضدها عالمياً, وهو ما تعترف به أمريكا وبدأت مؤخراً تخصص له أموالاً ضخمة لمحو صورتها المكروهة من الشعوب. 
فمنذ تأسيسها وحتى اليوم أشعلت الولايات المتحدة 243 حرباً، منها 82 حرباً بعد الحرب العالمية الثانية.
فالوجه الآخر لتوحش الإمبريالية وجنونها تمثل وعلى الدوام بتصاعد الحركات الجماهيرية المناهضة للغطرسة والعدوان، وعلى رأسها الطبقات العاملة، ضد الفقر والظلم والاستعباد, فالملايين عبر العالم كانت ترفع الشعارات في وجه القرصنة والهيمنة الأمريكية.. إنها معركة من نوع آخر لكل الحركات الحرة والجماهير المضطهدة.
كل شعارات الحركات الحرة والمناهِضة للحرب تؤكد على موقف واحد: لابد من وضع حد للمخططات الجنونية الأمريكية، وانتزاع القوة من أيدي ممثلي الامبريالية البشعة.
ومن شعار (الموت للأمريكان المحتلين.. ولتسقط جيوش اليانكي في مستنقعاتنا)، ارتفعت صرخة غضب الثوار الفيتناميين، ومعهم أحرار العالم.
فالمعارضون للحرب منذ حقبة التسعينيات وحتى اليوم، يختلفون عن الذين عارضوا حرب فيتنام قبل أكثر من 40 عاماً, ففي الستينيات ارتبطت الحركة ضد الحرب في ذلك الوقت (باليسار الثوري)، وكان الجمهور الرئيسي للحركة من الطلاب. في الوقت الحاضر، الوضع مختلف تماماً, ففي الاحتجاجات ضد الحروب التي تقوم بها أمريكا وحلفاؤها, يخرج العمال والموظفون والطلاب والعاطلون عن العمل، والقوى اليسارية، ومعها الليبرالية، ومنظمات مناهضة للعولمة الرأسمالية، وأحزاب الخضر والبيض والسود والصفر والحمر.
وعلى الرغم من هستيريا الانتقام التي نشرتها الآلة الإعلامية الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر، وعلى الرغم من توقع الكثيرين من اليمين الأمريكي أن حركة معاداة الرأسمالية في طريقها إلى التراجع والانهيار، كان الواقع يسير في اتجاه مضاد.. فقد اتسعت الحركة وتصاعد نموها وازدهارها بصورة مذهلة بعد أن كشر النسر الأمريكي عن مخالبه القذرة في وجه خيارات الشعوب واستقلالها.
لم تحترم واشنطن مشاعر الشعب الفنزويلي الذي كان انتخب الرئيس تشافيز عام 1998، فتآمرت على الرئيس المنتخب، وأطاحت به، ضاربة عرض الحائط بإرادة الفنزويليين. لكن الشعب الفنزويلي لم تنطلِ عليه اللعبة، فخرج ليعيد تشافيز إلى سدة الحكم بعد 47 ساعة فقط، ليرتفع بعدها شعار (أمريكا شر لابد من التخلص منه)، على سماء كاراكاس.
 كما كانت انتفاضة لبنان الثانية التي قادها السيد حسن نصر الله، أشبه بانتفاضة الشعب الفنزويلي, حيث خرجت الهبة اللبنانية لتصحح الصورة وتضع النقاط على الحروف، وتؤكد على الثوابت الوطنية، وترفض التدخل الأمريكي الذي تمثل بما سماه أمين عام حزب الله (لبنان ليس كأوكرانيا وجورجيا). إنه أشبه بفنزويلا، معلناً بهذه المقولة فشل المحاولة الأمريكية في لبنان. 
وعقب كل ثورة في العالم لا يتبنى أحرارها السياسة الأمريكية, تسارع واشنطن للتدخل مباشرة في قمعها، ومن أبرز هذه الثورات التي وقفت واشنطن حائط صد ضدها، الثورة في الهندوراس عام 1905، وقمع الثورة المناهضة للولايات المتحدة في الفلبين عام 1911.
أيضًا من أهم أمثلة الدعم الأمريكي للانقلابات العسكرية الفاشية, انقلاب الجنرال أوجستو بينوشيه ضد الرئيس الشيلي سلفادور إليندي، عام 1973، الذي أدى إلى مصرع الرئيس ومقتل الآلاف من المواطنين الشيليين والأوروبيين وحتى الأمريكيين، في (ستاد الموت). وكان ذلك من أجل تغيير الحكومة اليسارية في شيلي.
ومن أشهر أمثلة الهيمنة الأمريكية على الدول، يبرز مثال الدومينكان.. جمهورية الموز الصغيرة في أمريكا الوسطى، التي حاولت في نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، اتباع نموذج مستقل في التنمية، متأثرة بالنموذج الكوبي الذي بدأ مع ثورة كاسترو في 1959. لم تسمح الإدارة الأمريكية بأن تكون حديقتها الخلفية بعيدة عن قبضتها، وإذا كان التدخل العسكري ضد كوبا، فشِل في عملية النمس 1960، ومعركة خليج الخنازير 1961، وتصاعدت الأزمة مع الاتحاد السوفيتي وقتها، فإن الدومينكان لم تكن تحظى بالتأييد السوفيتي نفسه، كما كانت المصالح الأمريكية فيها أكبر, لذا تدخلت قوات مشاة البحرية الأمريكية في الدومينكان، واحتلت سان دومنيجو العاصمة، وأطاحت بالحكومة الوطنية.. وهذه فقط نماذج للتدخل في قمع الثورات في العالم خلال القرن الـ20، مع أن القرن الـ20 كان قرن احتلال وغزو أمريكي لمعظم دول العالم, والقرن الـ21 قرن الفوضى الخلاقة واللعنة والعقوبات على كل شعب لايخضع للهيمنة الأمريكية القذرة.
حتى في المناحي الاجتماعية, لم تسلم الشعوب من سياستها العنجهية.. فقد وصفها الأسطورة الكروية (دييغو أرماندو مارادونا) بأنها أكبر نظام في العالم سارق للأطفال, وذلك بعد أن تحولت قضية الطفل الكوبي إليان غونزاليس (6 أعوام) الذي تم تهريبه في نوفمبر 1999 من العاصمة الكوبية هافانا إلى مدينة ميامي الأمريكية، عبر مركب شراعي، إلى قضية رأي عالمية نظمت إثرها سلسلة من المظاهرات الشعبية التي تطالب السلطات الأمريكية بعودة إليان إلى وطنه.