أيهما يكسب.. الشمس أم الوقود التقليدي؟!
اليمنيون بين طاقتين

بحلول شهر رمضان المبارك، شاعت الكثير من الإعلانات التجارية عن منظومات كهربائية وأدوات منزلية تعمل بالطاقة الشمسية، وقام عدد من التجار بإنزال كميات كبيرة منها إلى الأسواق، باعتبار هذا الشهر موسماً تجارياً سيمكنهم من بيع تلك الكميات، ليأتي عقب ذلك تدشين عودة الكهرباء إلى الخدمة في بعض أحياء ومناطق العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة. 
وأوضحت وزارة الكهرباء والطاقة والمؤسسة العامة للكهرباء، أن المؤسسة تقوم بإعادة التيار الكهربائي، وبشكل تدريجي، للعديد من أحياء أمانة العاصمة التي تشهد أعمالاً مكثفة لإعادة إطلاق التيار، تتمثل في صيانة المحولات وشبكات التوزيع التي تعرضت للعبث خلال فترة انقطاع التيار. 

كهرباء محدودة
وأكدت وزارة الكهرباء أن محدودية الوقود المتوفر والقدرات البسيطة للمحطات الكهربائية الموجودة في أمانة العاصمة، لا تمكن المؤسسة إلا من تغذية أجزاء بسيطة من الأمانة بالتيار الكهربائي، على أمل إعادة تشغيل محطة مأرب الغازية، وإصلاح الأضرار في خطوط النقل إلى العاصمة، في وقت قريب، بالتنسيق مع كافة الجهات على خطوط نقل مأرب - صنعاء.
وفي ذات الوقت، أوضحت وزارة الكهرباء أنه تم تشغيل وحدتي الحالي والكورنيش بمحطة رأس الكتيب بمحافظة الحديدة، وهو الأمر الذي مكن من عودة التيار الكهربائي إلى أحياء ومناطق المحافظة، بعد توفير كميات الوقود اللازمة من أجل عودة الكهرباء، لاسيما في ظل معاناة المواطنين الناجمة عن ارتفاع درجة الحرارة.. منذ بدء العدوان السعودي الأمريكي على اليمن في مارس 2015م، وجد اليمنيون أنفسهم مرغمين على إدارة شؤونهم اليومية المعيشية والخدمية بابتكار أو اللجوء إلى وسائل بديلة تعينهم على تسييرها في الحد الأدنى، لا سيما مع حصار جائر طال كل أسباب الحياة، وعدوان دمر معظم البنى الخدمية، وفي مقدمتها محطات توليد الطاقة، فكانت الشمس هي المصدر الطبيعي الذي واجه به اليمنيون عتمة الحصار والعدوان، فهل هي تجربة يمكن البناء عليها والاستمرار فيها، أم اضطرار ظرفي يتم التخلي عنها بمجرد عودة الكهرباء التقليدية؟

بديل عاثر
لقد اكتسحت الألواح الشمسية معظم أسطح المنازل اليمنية، بشكل لافت، وشهدت تجارة منظومات الطاقة الشمسية رواجاً كبيراً خلال فترة العدوان السعودي الأمريكي، والانقطاع التام للكهرباء الوطنية، وانعدام المشتقات النفطية، لكنها وعلى الرغم من الحظوة التي لاقتها، لم تكن حلاً جذرياً لمسألة الطاقة في اليمن، إذ لاتزال المصانع والورش الخاصة بالنجارة والألمنيوم تعتمد على مولدات كهربائية خاصة، وكذلك المؤسسات التي تحتاج أدواتها لتيار ذي قدرة أكبر مما تجلبه الطاقة البديلة، وظل اعتماد الكثيرين عليها كحل مؤقت لتخفيف المعاناة الناجمة عن انعدام الكهرباء، كالإضاءة، وتشغيل معدات وتقنيات وأجهزة منزلية محدودة، على الرغم من كلفتها المرتفعة التي تصل إلى 400 دولار كحد أدنى.

الطاقة البديلة نمط ترشيد
 لا يمكن الاستغناء عنه
يقول جلال إنه قام بإنارة منزله منذ أيام قليلة بمنظومة طاقة شمسية، وعلى الرغم من كون منطقة مذبح شمال غرب العاصمة، من المناطق التي لم تصل إليها إنارة الكهرباء الحكومية بعد، إلا أنه لا يعول عليها بشكل رئيسي، بحيث يستغني عن منظومة الطاقة البديلة، فقد كان لديه مولد كهربائي يعتمد عليه في تغطية ساعات الانطفاء المتكررة للكهرباء، وما اضطره لشراء الطاقة الشمسية هو انعدام المشتقات النفطية.
ويستبعد جلال عودة الكهرباء الوطنية، ويؤكد أنه غير مستعد على الإطلاق للاستغناء عن الطاقة البديلة، ويعتبرها واحداً من أنماط توفير الكهرباء بشكل شبه دائم، وبدون كلفة ولا استحقاقات تشغيلية كدفع فواتير أو رسوم، فيكفي أن تشتري لوحاً وبطارية ولوازمهما فقط، لتحصل على تيار كهربائي يلبي احتياجاتك قائم على مبدأ التقنين وتوفير الاستهلاك.
ويضيف: (إن عودة الكهرباء ستجعل من الطاقة البديلة جانباً تكميلياً، حيث إن نهم المواطنين على الكهرباء واندفاعهم في حال عودتها، سيدفعهم إلى استهلاكها بطريقة غير واعية، واستهلاك غير رشيد، مما يجعلها عرضة للانقطاع المتكرر، وأن الاستغناء عن الطاقة الشمسية لا يترتب علينا تجاهها أي استحقاقات مالية ولا خسارة علينا في بقائها، الإضافة إلى أن المواطن اليمني له معاناة في غياب الكهرباء، ولن تنتهي هذه المعاناة بعودتها، بل هي معاناة من نوع آخر).

الكهرباء الحكومية ليست موطن ثقة
أما في منطقة حدة، وقد عادت إليها الإنارة الحكومية لساعات محدودة، يعتزم عصام اللجوء إلى الطاقة البديلة (لأنه ما فيش ركنة على الكهرباء)، بحسب تعبيره، ويرى أن أنظمة الطاقة الشمسية فكرة جيدة تتطلب الحذاقة في اختيار نوعية المنظومة، والحفاظ عليها أثناء الاستخدام.
انقطاع التيار الكهربائي في محافظة الحديدة، أدى إلى توقف أجهزة التكييف في المنازل والمدارس والمستشفيات، ومع بلوغ الحرارة فيها 47 درجة خلال هذا الصيف، الأمر الذي أدى إلى وفاة ما يفوق 10 حالات في المستشفيات بعد انقطاع الخط الساخن للتيار الكهربائي الذي ظلت تعتمد عليه المستشفيات الحكومية والأهلية ومركز غسيل الكلى، بالإضافة إلى انتشار حالات الإغماء في المدارس والمرافق وأماكن التجمعات، وإصابة العديد من الأطفال بأمراض جلدية، مما دفع بالسكان للنوم في أسطح المنازل وأرصفة الشوارع القريبة من مساكنهم، فأصبحوا عرضة للبعوض والحشرات الناقلة للأمراض.

الطاقة التقليدية
 مطلب أبناء الحديدة
لا تفي الطاقة الشمسية بتلبية احتياجات أبناء الحديدة، وتوفير الطاقة التي من شأنها تخفيف معاناة المواطنين، على الرغم من أن عدداً من المواطنين، لا سيما الذين يتوفر لديهم دخل يكفي لشرائها، اعتمدوا عليها في تخفيف معاناتهم خلال العام المنصرم، لكنهم لا يعتبرونها بديلاً، ويطالبون بعودة التيار الكهربائي الحكومي.. يقول عبدالباري (إن الطاقة الشمسية لا توفر غير الإنارة، فهي لا تشغل أجهزة التكييف، وهي الوحيدة الكفيلة بتخفيف شدة الحر الذي نعانيه، وإذا أردت تشغيل الثلاجة ست ساعات كحد أدنى في رمضان، لا تستطيع إذا لم تكن منظومتك الشمسية كبيرة، بالإضافة إلى أن تكلفة الشراء باهظة). 

عودة الكهرباء تهدد سوق الطاقة البديلة
من جانبه، يرى نجيب الخطيب، مهندس كهربائي، أن تجارة الطاقة الشمسية أصبحت سوق عمل كبيرة في البلاد، لكن يمكن أن تنكمش هذه السوق بعودة الشبكة الوطنية للخدمة، في ما يخص إضاءة المنازل، أما بالنسبة لتطبيقات الطاقة الشمسية الأخرى، مثل المضخات التي تعمل بالطاقة الشمسية، فلن تتضرر بشكل كبير، مع العلم أن هذه المضخات كانت موجودة من قبل الأزمة وبسبب الانطفاء التام للكهرباء العمومية، كما أن هناك تطبيقاً آخر للطاقة الشمسية متمثلاً بالسخانات الشمسية، هذه وإن كانت موجودة بشكل محدود، لكنها لن تتأثر بعودة الكهرباء العمومية، بحسب قوله.
ويضيف أن من أهم الأسباب التي ستجبر المواطنين على الاعتماد على الشبكة الوطنية، إن عادت، هو المشاكل التي تعاني منها البطاريات، التي تخدم بعمر أقل بكثير من عمرها الافتراضي، بسبب سوء استخدام المنظومة، وهذا سيجعل المواطنين يستغنون عن البطاريات والمحولات رديئة الجودة الموجودة بالسوق، والتي تتعطل بوقت قصير، إذ إنها تكلف المواطن مبالغ إضافية هو في غنى عنها في حال عادت الكهرباء العمومية.. ويتوقع الخطيب أن عودة الكهرباء الوطنية ستعمل على تنظيف سوق الطاقة الشمسية، فمشكلتها حالياً أنها عشوائية، وأن التجار يقومون باستيراد بضاعة رديئة، وأن التجار الذين سيصمدون سيقومون بتوريد بضائع جيدة، حيث إن العديد منهم استغل حاجة الناس للضوء بعد خروج منظومة الكهرباء الرئيسة عن الخدمة جراء العدوان منذ أبريل 2015، وانعدام الوقود، مما أفقد المولدات الكهربائية جدواها.

الحاجة للألواح الشمسية
بينما تشير تقارير رسمية إلى عجز في توليد الطاقة يتجاوز 85%، وأن ما يتم توليده حالياً إلى جانب الطاقة المستأجرة، يقارب 300 ميجا وات، وهو ما يعادل تقريبا 13% من الاحتياج الفعلي المقدر بنحو 2500 ميجا وات، مما يجعل الحاجة للألواح الشمسية قائمة حتى لو عادت المنظومة الحكومية للعمل بكامل طاقتها البالغة 800 ميجا وات.
وبحسب خبراء، فإن اليمن تتمتع بموارد هائلة من الطاقة الشمسية، نظراً لموقعها الجغرافي الذي يجعلها تمتلك أعلى سطوع شمسي. وفي دراسة خاصة بمدير عام مؤسسة الكهرباء السابق المهندس خالد عبد المولى، يؤكد أن الجزء الأكبر من الأراضي اليمنية يقع ضمن ما يسمى (حزام الشمس)، الذي يستفيد من معظم أشعة الشمس الكثيفة على الكرة الأرضية، من حيث الحرارة أو الضوء.
إقبال على الألواح 
واستبعاد عودة الكهرباء
من ناحية أخرى، لا يبدي تجار الطاقة الشمسية أي مخاوف تجاه عودة الكهرباء، ولا يخشون كساد البضائع التي أنزلوها إلى السوق، ووصل بالبعض منهم إلى تحويل نشاطهم التجاري بالكامل من تجارة معدات كهربائية إلى تجارة معدات الطاقة البديلة، واستحداث محلات جديدة خاصة بذلك؛ حيث لا تكاد تجد شارعاً في العاصمة صنعاء يخلو منها.
ويقول محمد الناشري - تاجر أدوات كهربائية - إنه قام بإنزال بضائع إلى محله بمقدار مليون ريال، مع بداية شهر رمضان، وإن إقبال المواطنين على شراء الألواح الشمسية لم يتأثر ببوادر عودة الكهرباء الوطنية، لأن المواطنين ليسوا مصدقين عودتها، حسب تعبيره.
بين محدودية الطاقة الحكومية ورداءة منظومات الطاقة البديلة، تظل أزمة الطاقة في اليمن قائمة، إذ لم يقدم أي منهما حلاً جذرياً لاجتثاث الأزمة، فالطاقة الشمسية الحالية لا تعتبر بديلاً ناجحاً يمكن الاعتماد عليه، فهي اضطرار ظرفي استدعاها العدوان، وجعل التجار يستوردون بضائع رديئة مواكبةً لرواج السوق، ولكي تصبح بديلاً عن الكهرباء يجب توفير مشروع وطني عملاق لتوليد الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، أما الكهرباء الوطنية فلليمني معها تاريخ حافل بالمعاناة.