تكتظ شوارع العاصمة صنعاء بالباعة البساطين طيلة أيام السنة، وتزايدت وبشكل ملفت في شهر رمضان الجاري.. وعلى غير المألوف، في هذا العام، تنتشر البسطات بشكل كبير. ويرجع هذا لعدة أسباب، منها أنه تم السماح لهم من قبل البلدية وأمانة العاصمة، بمزاولة أعمالهم في بعض شوارع العاصمة، بعكس السابق. ومقابل هذا يدفع الباعة مبالغ مالية مع نهاية كل شهر للجهة المختصة. وهذا ما شجع المئات من العاطلين للتوافد إلى العمل في البسطات، مفضلين دفع مبالغ مالية للبلدية مقابل حق (بقعة)، بدلاً من ملاحقتهم وابتزازهم ومصادرة بضائعهم من ذات البلدية. في هذا الاستطلاع لصحيفة (لا) نرصد بعض قصص ومعاناة الباعة في شوارع العاصمة.
يستيقظ وليد الصنوي يومياً بعد الظهيرة خلال شهر رمضان، للدوام فوق بسطته التي يبيع فيها الملابس الداخلية في أحد شوارع العاصمة صنعاء. وليد شاب عشريني ومتزوج وله أسرة مكونة من خمسة أطفال. منذ سنوات وهو يعتمد على دخل زهيد يحصل عليه يومياً من هذه البسطة الصغيرة. في حديثه لـ(لا) قال إنه يعود بهذا الدخل البسيط لينفقه على أسرته.. يرتص جوار وليد أيضاً عدد من الباعة لهم بسطات كثيرة في شارع هائل، يبيعون مختلف البضائع المستوردة، وكما هو الحال عند وليد ينتشر زملاؤه أيضاً في العاصمة، وبشكل متزايد عن الأعوام السابقة. وهذا الانتشار غير المسبوق للباعة المتجولين، يعود لعدة أسباب سنسردها لاحقاً. 
تصميم البسطات بدون إطارات
يقول ناصر، صاحب ورشة لحام، إن تصميم عربية أو بسطة للباعة يكلف صاحبها أكثر من 30 ألف ريال، على حسب حجم البسطة والعربية التي يريد تفصيلها. وأضاف أن بعض الباعة يفصِّلون بسطاتهم بحجم كبير بطول مترين وعرض 3 أمتار، وآخرين يفصلون بسطاتهم بحجم متر طولاً في عرض مترين. وأوضح أنه كان في السابق أغلب الباعة أثناء مجيئهم إلى الورشة يحرصون على تفصيل بسطاتهم على عجلات تمكنهم من الانتقال من مكان إلى آخر، ومن أجل الهروب أيضاً إذا داهمتهم البلدية أو حاولت مصادرة بسطاتهم. مشيراً إلى أن هذا لم يعد الآن مرغوباً عند الباعة. وأرجع ذلك إلى أن البلدية منذ عام ونصف لم تعد تلاحقهم كما كانت في السابق، وأن بعض الباعة استقروا وأمنوا من كابوس البلدية التي كانت تصادر بضاعتهم وتلاحقهم في الأزقة والشوارع، ولا تتركهم (يقصدون الله براحتهم).
 أما ركان الإدريسي، وهو صاحب بسطة صغيرة في شارع جمال، فقال إن البلدية تنزل من تاريخ 25 إلى 30 نهاية كل شهر، لفرض مبلغ على أصحاب البسطات يقدر بـ5000 ريال مقابل بقعة، ومن يرفض الدفع تتم مصادرة بضاعته. وأضاف أن حال الباعة تحسن ولا بأس به عما كان يحدث في السابق من قبل البلدية في ملاحقة الباعة في الشوارع ومصادرة بضاعتهم. موضحاً أن أغلب الباعة مستقرون يقبلون دفع مبالغ زهيدة للبلدية بدلاً من ملاحقتهم ومنعهم من (طلبة الله). واستدرك بقوله إن بعض العاملين في البلدية الذين وصفهم بأنهم أصحاب خبرة في ابتزاز أصحاب البسطات، ما زالوا ينزلون في أغلب الأيام، وبشكل فردي، لفرض مبالغ على بعض الباعة. منوهاً إلى أن هؤلاء المبتزين لا يملكون حتى أوامر رسمية من الجهة التي يعملون فيها، وينزلون (يتهبشون) الباعة بطريقة غير رسمية، من دون حتى زي البلدية، والذي يرفض ذلك يتم استدعاؤه إلى مقر البلدية، مما يعرضه للاعتقال. 
الإدريسي قال أيضاً إن بعض عمال البلدية ومن الذين يعرفهم جيداً يأتون لفرض مبلغ على البائع، وإذا لم يحصل على المبلغ يأخذ بدلاً منه بضاعة عن طريق الاغتصاب والنهب، ويمضي. 
 تجار يحجزون المساحات أمام محلاتهم لأقاربهم 
طارق المقطري، يتجول بعربيته في شارع هائل، يعمل عليها مع دخول المواسم التجارية أيام الأعياد وخلال شهر رمضان، حيث حركة السوق وإقبال المواطنين بشكل كبير جداً لشراء الملابس وكل احتياجاتهم خلال هذه المواسم من كل عام.

 يقول طارق إنه ما زال يبحث عن مساحة صغيرة لبسطته في شارع هائل منذ أيام. موضحاً أنه يتجول ببسطته في شارع هائل باحثاً عن بقعة صغيرة، ولم يحصل عليها. وأشار إلى أنه في كل موسم كان يضع بسطته جوار أحد المحلات لبيع الملابس، لكن في هذا العام عندما عاد إلى تلك البقعة التي قال إنها ما زالت فارغة، منعه صاحب المحل من وضع بسطته فيها، بحجة أنها مساحة تابعة لأحد أقاربه، وقد حجز صاحب المحل المساحة الفارغة التي هي أمام محله بسيارته منذ أسابيع. 
ويضيف أن أصحاب المحلات يستحوذون على أغلب هذه المساحات أمام محلاتهم في شارعي هائل وجمال وأماكن أخرى، برغم أن هذه مساحات عامة وملك عام، ولا يحق لأحد الاستحواذ عليها، إلا أنهم يبسطون عليها بحجة أنها مساحات مقاربة لمحلاتهم. وبعض أصحاب المراكز التجارية يستغل الشوارع الحية المشهورة بحركة السوق، لبيع بضاعتهم، وينافسون الباعة الذين يعتمدون على العمل في هذه المهنة فقط منذ سنوات.
 ويستنكر طارق أساليب بعض أصحاب المحلات في شارع هائل وشارع جمال، واصفاً إياها بالأنانية تجاه الباعة الذين يمثلون شريحة كبيرة، والذين خرجوا إلى الرصيف والشوارع كآخر ملاذ لهم، إلا أنهم يجدون المتاعب والمضايقات بشتى أنواع الوسائل القذرة من الانتهازيين، حسب تعبيره.
 تعتبر المواسم المعروفة بشهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، بالنسبة للباعة أصحاب البسطات، (مواسم لطلبة الله)، وحركة السوق والبيع والشراء تزداد فيها. وهذا ما يراهن ويحرص عليه الكثير من الباعة الذين ينقطعون عن العمل في بقية أيام السنة، ويقدمون خلال تلك المواسم فقط، لأنها بالنسبة لهم مواسم يجمعون فيها مبالغ كبيرة، ويجمع بعض أصحاب البسطات الكبيرة مبلغاً يصل من 300 إلى 500 ألف كل موسم، بحسب ما قاله بعض الباعة، وإن هذا المبلغ يعتمدون عليه كمصروف لبقية أيام السنة التي تخف فيها حركة السوق.

 بعض العاملين في البلدية يبتز ويترزق من الباعة 
ماجد عبدالله حيدر، صاحب بسطة يبيع عليها اكسسوارات، يتحدث عن ممارسات وانتهاكات البلدية ضد الباعة أصحاب البسطات. قال: كانت البلدية تنزل لمدة أسبوع مع نهاية شهر رمضان في الأعوام السابقة، لملاحقة الباعة وجرف بسطاتهم بالقوة. ويستمر هذا القمع لمدة أسبوع وأكثر، تستخدم فيه كل وسائل الابتزاز والاعتقال وضرب الباعة بالهراوات والسب والشتائم ومصادرة بسطات الباعة ومن دون أي إنذار لهم. وأضاف أن البلدية تستخدم القمع بذريعة أن الباعة يخالفون القانون، ويتسببون في تشويه الشوارع.
وأضاف ماجد أن مئات الباعة تعرضوا للاعتقال وأقسى الانتهاكات من البلدية، ولا يتم الإفراج عنهم إلا بعد دفع مبالغ وضمانات، والبعض أفرج عنه من السجن وقد خسر بسطته بالكامل، ليصبح بطالة من دون عمل في الشارع. 
أما غيلان عبدالله، صاحب محل يمتلك بسطتين جوار محله، فقال إن البلدية تنزل بشكل دائم، لكننا نجد أحياناً بعض الموظفين في البلدية متواضعين، ونتفاهم معهم. 
ويشير غيلان بقوله إنه لا يمانع أن يحصل صاحب البسطة على مساحة أمام المحلات، وأن يسمح بقية أصحاب المحلات للباعة بالعمل، لأنهم يبحثون عن الرزق، والرزق للجميع. 

 المطر يشكل مشكلة للبساطين 
قال سعد إن هطول الأمطار يعرض بسطاتهم وبضاعتهم للماء، وأرجع سبب ذلك لأن بسطاتهم ترتص في شوارع مفتوحة وغير مغلقة. وأشار إلى أنه مع نزول المطر تبتل بضاعتهم بالماء. لهذا يلجأ الباعة إلى تغطيتها بقطع قماشية وأكياس سميكة، وبطريقة سريعة، كحل بسيط قد يمنع وصول الأمطار إليها، وعندما تُمطر يغيب المواطنون والزبائن، وتنتهي حركة السوق، لكن الباعة يستمرون على هذا النحو أحياناً لمرات كثيرة مع موسم الأمطار، والبعض يغطي بضاعته ويعود إلى منزله. 
الحارس الليلي 
يدفع وسيم عبد الجبار، صاحب بسطة، 100 ريال يومياً لأحد الحراس الذي يتكفل بحراسة بسطته الصغيرة في شارع جمال، بعد إغلاقها والعودة إلى منزله.
محمد، صفوان، بسام، وماجد.. جميعهم باعة في شارع جمال أيضاً يغادرون أماكنهم ما بين الساعة الثالثة والرابعة فجراً خلال شهر رمضان، بعد أن يوكلوا بسطاتهم إلى شخص يطلق عليه (الحارس الليلي)، يتكفل بحراستها بمقابل 100 ريال، حتى يعودوا مجدداً ظهيرة اليوم التالي. ويتسلم كل حارس ليلي ما بين 50 إلى 60 بسطة يقوم بحراستها يومياً، ليحصل على مبلغ لا بأس به. 
عدد من الحراس التقت بهم صحيفة (لا) أثناء نهار رمضان، وخلال أيام الفطر، كانوا يترقبون كل العابرين خشية سرقة هذه البسطات. وحسب ما قاله أحد حراس الليل لـ(لا)، فإن بعض البسطات قد تعرضت للسرقة والنبش من قبل لصوص، أثناء غياب أصحابها وعدم تكليف حراسة عليها. وأرجع سبب ذلك إلى أن بعض الباعة يتركون بسطاتهم بدون حراسة بسبب بخلهم عن دفع 100 ريال، مما يعرض بضاعتهم للنهب. وأضاف أنهم يخسرون مقابل إهمالهم بضاعة تقدر بمبالغ كبيرة. 

 مقترحات وحلول
 ترتص البسطات في شارعي هائل وجمال بشكل طولي متصلة مع بعضها، لكن أحياناً تشاهد هذه البسطات ترتص بشكل عشوائي وغير منظم، وخاصة خلال شهر رمضان الكريم، ومع اقتراب عيد الفطر المبارك، حيث تزداد البسطات بأعداد كبيرة، إلى جوار البسطات المتواجدة بشكل دائم، لتشكل زحمة كبيرة، مما يسبب إغلاق الشوارع الرئيسية، وإحداث إعاقة وقطع الشوارع ومنع السيارات ووسائل النقل والمواطنين من العبور والسير. 
ويقترح تجار الملابس والمختصون بعض النقاط كجزء من الحلول لقضية الباعة، قالوا إنه يفترض على الجهات المسؤولة المتمثلة بالبلدية، أن تفعِّل نشاطها في وضع الحلول الإيجابية التي تخدم الدولة وآلاف الباعة والمصلحة العامة، من خلال رسم خطة متكاملة، وناجحة، وتنفيذها مباشرة من أجل تنظيم الباعة أصحاب البسطات، وإنهاء المشكلة تماماً التي تتعقب الباعة والمواطنين منذ سنوات.
وأضافوا أنه يجب أن يكون مضمون الخطة إيجاد مساحات جغرافية متعددة كحل بسيط ومنصف للجميع، من دون مصادرة حقوق الباعة التي كفلها لهم الدستور، وعدم ابتزازهم كما كان يحدث في السابق من قبل البلدية. وتكون البلدية والجهات المختصة هي المشرفة على هذه الأسواق سواء في حراستها ونظافتها بشكل مستمر، ومعالجة كل المشاكل التي تطرأ داخل السوق بين الباعة. إلى جانب ذلك، تضع البلدية إجراءات قانونية بعد تنفيذ مخططها، تعاقب كل من يعود إلى الشوارع، ويضر المصلحة العامة من الباعة مرة أخرى.