بعد أن قايضت بدمائهم وأشلائهم
ضمير الأمم المتحدة في مرمى (جعالة) أطفال اليمن


ماجد المهدي ( 12 عاماً) رغم إصابته في قدمه، إلا أنه جمع ما في حصالته اليومية، وأصر على المشاركة في حملة أطفال اليمن للتبرع للأمم المتحدة، ووضع في صندوق التبرع مبلغ 100 ريال يمني. لقد تغلب على إصابته، وآثر حضور الفعالية مع أترابه، ليبين موقفه إزاء الصمت الأممي عن الجرائم التي يرتكبها تحالف العدوان بحق أطفال اليمن، فهو لا يتكاسل عن القيام بواجبه الوطني، ويعتبر مشاركته نضالاً في سبيل الوطن. 
مبلغ 100 ريال كان كافياً من ماجد لمحاكمة الأمم المتحدة، وإيصال رسالته لها بأن القيم والمبادئ لا تُشترى بالأموال، فها هم أطفال اليمن من تحت ركام القصف الذي طال مدارسهم ومنازلهم، يجمعون الأموال التي يحصلون عليها كمصروف يومي، ويقدمونها للأمم المتحدة، مشفوعة بدرس قيمي وأخلاقي في الالتزام بالمبادئ والقيم الإنسانية للقائمين عليها.
التحالف في (القائمة السوداء).. التحالف ليس فيها! بهذه الفجاجة ظهرت منظمة الأمم المتحدة وأمينها العام للناس بعد عام ونيف من العدوان على الشعب اليمني، كأنها تزاول لعبة لخداع العواطف وضرب معنويات الشعب المظلوم، أو تلطف من حالة السخط المتزايدة ضدها من قبل الرأي العام العالمي أمام المشهد الدموي المُتَجاهل في اليمن، ودوافع أخرى بلا شك، لكن أطفالنا بالمقابل، كان ردهم أبلغ صدقاً حين أعلنوا عن حملة للتبرع للأمم المتحدة بعد إفصاحها عن التعرض للابتزاز المالي.
وقد تداعى أطفال اليمن للمشاركة في الحملة عقب تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بأن (ضغوطاً غير مبررة) مارستها السعودية، لإرغام المنظمة الدولية على سحب تحالف العدوان الذي تقوده الرياض على اليمن، من القائمة السوداء أو (لائحة العار)، التي تعدها الأمم المتحدة، وتضم الدول والمنظمات التي تنتهك حقوق الأطفال في الصراعات المسلحة.

رسالة أطفال اليمن لبان كي مون
وبعث الأطفال رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أدانوا فيها موقفه المخزي بشطب دول تحالف العدوان السعودي الأمريكي من القائمة السوداء للدول الضالعة بارتكاب انتهاكات وجرائم قتل للأطفال في النزاعات، بعد أن كانت الأمم المتحدة أدرجت دول تحالف العدوان في قائمة العار، بسبب ضلوعها في جرائم قتل وتشويه بحق مئات الأطفال في اليمن، فضلاً عن تدمير مئات المدارس والمستشفيات، في غاراتها الوحشية منذ مارس 2015.
وأكد الأطفال في الرسالة أنهم قرروا جمع التبرعات من مصروفهم الشخصي لدعم الأمم المتحدة، بما يساعدها في التخلص من الضغوط السعودية التي هددت الأمم المتحدة، في وقت سابق، بوقف التمويلات التي تقدمها لبرامجها المنفذة لصالح الأطفال، وكذلك برامج المنظمات التابعة للمنظمة الدولية، بما فيها الأونروا.

فقر القيم والمبادئ
يقول مصطفى منصر، رئيس الاتحاد العام لأطفال اليمن: إن الهدف من هذه الحملة هو جمع تبرعات لمنظمة الأمم المتحدة، وفضح المنظمة بأنها تخضع لضغوط مالية، وتخالف القوانين التي وضعتها. وقد كان الإقبال كبيراً بعد دعوة الاتحاد العام لأطفال اليمن لفعالية مركزية تضم أطفال العاصمة بمشاركة محافظة صنعاء، كونها أقرب مكان لأمانة العاصمة، وأيضاً تقام الحملة في كل محافظات الجمهورية، بعضها بتنسيق مع الاتحاد.
ويضيف منصر أن أطفال اليمن يستشعرون المسؤولية، ويدركون واقعهم، فمنهم من تبرع بحصالته، والبعض بمصروفه، وكانوا يتسابقون على عملية التبرع، ولو فتحنا مجال التبرع يوم العيد لأشبعنا منظمة الأمم المتحدة. كما أن الأطفال يدركون أن الأمم المتحدة تقتلهم بتصرفاتها وغضها الطرف حيال الجرائم التي تُرتكب بحق الطفولة باليمن.
ويتابع أن الأمم المتحدة بحاجة لدعم أطفال اليمن، لأنها تعاني من فقر مدقع في القيم والمبادئ، وسرعان ما تنهار أمام المال والضغوط المالية، فقد تم سحب قرار غير ملزم فقط لأن السعودية هددت بإيقاف التمويل عليهم في بعض المشاريع، فالأموال أهم بالنسبة للأمم المتحدة من دماء وأشلاء الأطفال، والمال والمشاريع أهم بالنسبة لهذه المنظمة الفقيرة من أن تحافظ على اتفاقاتها وبروتوكولاتها التي وضعتها، متناسية أنها منظمة من أجل السلام، وليست ربحية، إنما خيرية، لكن اتضح عكس ذلك.

محاكمة للمال المدنس
وفيما إذا كان الأحرى بحملات الدعم والتبرعات أن تقدم لأبطال الجيش واللجان الشعبية، يؤكد رئيس اتحاد أطفال اليمن، أن للجبهات دعماً سخياً دون حملة إعلامية، وأن الأمم المتحدة بحاجة للدعم لكي تكتفي من المال السعودي، وتلتفت لأطفال اليمن، وتنظر لجرائم النظام الإرهابي العالمي في اليمن وسوريا والعراق وفلسطين، داعياً إلى الاستمرار في حملة التبرع لهذه المنظمة التي تعاني من فقر مدقع، حد قوله.
من جانبه، يقول أصيل حيدان (14 عاماً) إن هذه الحملة تأتي كمحاكمة قيمية للأمم المتحدة، ودعوة لها بألا تنجر وراء الأموال الخليجية، مضيفاً أن أطفال اليمن عندما يرون أترابهم يقتلون في مختلف المحافظات في الوقت الذي تغض الأمم المتحدة طرفها عن تلك الجرائم خوفاً من انقطاع الأموال الخليجية عنها، قاموا بتنظيم هذه الحملة لكي يوفروا مصدر تمويل للأمم المتحدة لعلها تنظر لمعاناتهم جراء العدوان، وتتحرر من الضغوط الخليجية. 
أما زين عبدالقادر (13 عاماً) فيقول: إننا أطفال اليمن صامدون، ونحن أعزاء وأغنياء بكرامتنا، وأموال النفط لن تشترينا، وإن الأمم المتحدة والضمير العالمي الذي ارتهن للمال المدنس، هم أرخص منَّا، وسنجمع التبرعات لهم ليعلموا كيف يكونون أحراراً مثل أطفال اليمن.
ويضيف أن هذه الحملة تأتي كمبادرة من أطفال اليمن إلى الأمم المتحدة لتوفير مصدر مالي لها لكي تتحرر من الارتهان للأموال الخليجية، وأن تنظر إلى الجرائم التي ترتكبها دول العدوان بحق الطفولة في اليمن، وفقاً للمبادئ والقوانين التي أُنشئت من أجلها.   

احتجاج طفولي بأسلوب مبدع
لقد امتاز اليمنيون عن غيرهم في إيصال رسائل الشجب والتنديد بالصمت وغض الطرف الأممي والدولي عن جرائم الحرب التي يرتكبها تحالف العدوان بحق أبناء الشعب اليمني، وبأسلوب بديع يحاكي الروح الإبداعية لدى المواطن اليمني، حيث نظم مواطنون، في وقت سابق، مشهداً تمثيلياً حياً أمام مقر الأمم المتحدة في العاصمة صنعاء، يجسد جريمة استهداف طائرات العدوان السعودي الأمريكي للأسواق الشعبية، ويبعث برقية تنديد شعبي بالصمت الدولي إزاء هذه الجرائم، بأسلوب فني مؤثر. 
وظهر خلال المشهد طفلة يمنية تبكي على والدها بحرقة بعد موته، في صورة تكشف أن إتقان الدور التمثيلي نابع من الإحساس الحقيقي المتوحد بواقع المعاناة، وتجسيد فعلي لحالة المواطن اليمني جراء المجازر والجرائم المرتكبة بحق المدنيين العزل في مختلف المحافظات اليمنية.
ويحرص اليمنيون على وضع بصمة مائزة في أساليب المقاومة للعدوان الدولي الغاشم، وعدم الاقتصار على خيارات معينة، بل يستخدمون أساليب وتكتيكات احتجاجية متعددة، ويبتكرون أساليب جديدة كالتمثيل الحي في ساحة مقر الأمم المتحدة، أو حملة التبرعات التي تميزت بالغرابة والإبداع، مما جعل من قناة (الحرة) الأمريكية تعنون هذا الخبر بأنه ليس مزحة.

صدى إعلامي واسع
وحظيت هذه الحملة بتناول إعلامي واسع، وقالت صحيفة (واشنطن بوست) في تقرير نشرته الأربعاء 15 يونيو 2016: نعم، (هل سمعت ذلك؟! مجموعة من الأطفال في البلد الذي مزقته الحرب يجمعون الأموال لأكبر منظمة حفظ سلام).
وأشارت الصحيفة إلى أن الحملة تهدف إلى التشهير بالأمم المتحدة لرضوخها لضغوط مالية، بعد أن كانت المملكة السعودية وأعضاء التحالف الآخرون هددت بقطع التمويل عن الأمم المتحدة، بسبب وضعها في قائمة أسوأ الدول انتهاكاً لحقوق الأطفال في الصراعات المسلحة. 
كما تناقلت وسائل إعلام عالمية صورة فتاة صغيرة تحمل لافتة كتب عليها (ندين ونستنكر استمرار القصف على أطفال اليمن والصمت الأممي). وأطلق نشطاء يمنيون هاشتاج 

وعي طفولي وانتصار أخلاقي
إعلاميون اعتبروا أن هذه الحملة توصل رسالة إلى الأمم المتحدة بأن اليمنيين دائماً ينتصرون بأخلاقهم، وأن هؤلاء الأطفال الذين أبيحت دماؤهم، يجمعون التبرعات لينقذوا المجتمع الدولي من المستنقع الذي وضع به نفسه، بعد أن ظهرت الأمم المتحدة بدور المظلوم الذي لا يملك قراراً، وإنما القرارات بيد المملكة، لتبرير إسقاطها من القائمة بسبب تهديداتها بعدم تقديم المساعدات والدعم للأمم المتحدة.
إلى ذلك، لاتزال حملة أطفال اليمن لجمع التبرعات متواصلة في مختلف مديريات ومحافظات الجمهورية، في صورة تعكس مدى الوعي الذي يتحلى به الأطفال اليمنيون، واشتراك مختلف الفئات الشعبية في الدفاع عن الوطن، كما أن الأسلوب المبدع الذي اتسمت به الحملة يضع الأمم المتحدة أمام محاكمة قيمية وأخلاقية إزاء أنشطتها الممولة في التغطية على جرائم العدوان السعودي الأمريكي في اليمن.