مراكز العلاج بالرقية الشرعية مقرّات للتعذيب وخداع العقول
محققو مباحث خلفية يستجوبون الجن


ما حدث لـ(ش. ص) يتكرر مع الكثير من المرضى الذين يفضّلون الذهاب إلى مراكز العلاج بالرقية الشرعية بدلاً من الذهاب إلى مستشفيات الطب الحديث أو عيادات الأمراض النفسية، إما لإيمانهم بقدرة القرآن الكريم على شفاء جميع الأمراض، وبأن الضرب والكهرباء وغيرها من أساليب التعذيب المتبعة في تلك المراكز، تدخل ضمن العلاج بالرقية الشرعية، أو لإصرار أهاليهم على أنهم مُصابون بالسحر أو المسّ، ويجب علاجهم، فيقومون باقتيادهم إلى تلك المراكز رغماً عنهم.
الضرب والتعذيب بالكهرباء
يروي (ش.ص) (22 عاماً)، معاناته في مركز الشيخ محمد الإمام للعلاج بالرقية الشرعية بمدينة معبر محافظة ذمار، والطرق التي اتبعها معالجو المركز في علاجه، حيث استخدموا الضرب والتعذيب بالكهرباء لإخراج الجان الذي ادعى والداه أنه سكنه بعد أن رأوا تغيراً في طريقة معاملته لهما، بسبب ضغوط مارساها عليه، حدّ تعبيره.
ورغم إخباره والديه أنه لا يعاني من أي مرض، إلا أنهما أصرّا عليه الذهاب إلى المركز للتعافي وإبطال السحر الذي فيه، فلم يكن أمامه خيار إلا مسايرتهما لاحتواء الموقف والسير إلى أحد مراكز العلاج بالرقية التي يكفر بها وبأعمالها غير العقلانية والمنتهكة للإنسانية (مقرّات التعذيب كما وصفها)، لينال جسده نصيباً من الضرب المبرح والصعقات الكهربائية التي كادت تنهي حياته دون جدوى أو فائدة تذكر منها سوى الآثار النفسية والجسدية التي تركتها فيه.

آخر العلاج الصعق
أحد مساعدي الشيوخ كان يعمل سكرتيراً في أحد مراكز العلاج بالرقية الشرعية داخل العاصمة، يقول: (المعالجون يعتبرون الضرب والصعقات الكهربائية من الطرق الرئيسية في علاج المسّ والسحر، خاصة إذا لم تحدث استجابة من المريض للقراءة وللخلطات الخاصة التي يجهزونها في المراكز ويصرفونها لمرضاهم).
الغريب في الأمر أن المعالجين يقولون إن المريض لا يتأثر ولا يشعر بالضرب ولا بالكهرباء أثناء استخدامها عليه في جلسة العلاج، معللين ذلك بأن الجن المتلبسين بالمريض هم فقط من يتأثرون كون التيار يسري في مجرى الدم حيث يعيش الجن.
وعلى حد وصفه لصراخ المرضى الذي كان يسمعه عندما يستخدم الشيخ التيار الكهربائي عليهم، بأنه مفزع، ويدل على ألم شديد يسببه لهم، وهذا يبطل الكلام السابق للمعالجين بأن الممسوس والمسحور يعيش حالة من اللاشعور أثناء محاولة إخراج الجان منه.
ويعد العنف الذي يراه كثيرون علاجاً بالرقية، تعذيباً جسدياً لمن يعتقدون أنهم يعانون من السحر والمسّ، ولمن سقطوا في وحل الخرافة بحثاً عن علاج لم يجدوه في المستشفيات العامة والخاصة، ومعظم من يذهبون إلى هذه المراكز هم مرضى نفسيون كانت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية سبباً في معاناتهم. 
متنفذون يستفيدون من الخرافة
يدحض علم النفس هذه الأمور، وينسبها للخرافة، لأن الذي يتعالج في هذه المراكز ليس متأثراً بجان يسكنه، بل تأثرت شخصيته نفسياً أو سيكولوجياً نتيجة مشاكل اجتماعية أو اقتصادية نجم عنها تحول اجتماعي داخل محيطه، وإذا لم ينتبه ذلك الإنسان للتغيرات الحاصلة له، فيمكن القول إنه سيدخل في دوامة نفسية لا يعرف أولها من آخرها، فبالرغم من التطور الهائل للطب النفسي، إلا أن هناك من يعتقد بأن الطب النفسي للمجانين والمعقدين، ويأتي ذلك من قصور في الفهم، فالعلاج النفسي يطالب المريض بتحدي مشاكله الداخلية، إلا أن الكثير من المصابين بأمراض نفسية يخافون من العلاج الداخلي نتيجة ضعف شخصيتهم، وبالتالي يلجؤون إلى الدجالين الذين يعتمدون على التشخيص الخارجي، فالمشاكل الاجتماعية التي ليس لها علاج طبي، كالعنوسة، والفقر، تصيب ضعيف الإيمان باليأس، وتشكل له عقدة، وهذا ما يجعله يبحث عن حلول وهمية عندما تضيق في وجهه أبواب الأمل، ويتعلق أكثر بالخرافة ليتمسك بقليل من الأمل.
الطبيب النفسي ووكيل وزارة الصحة السابق الدكتور عبد المجيد الخليدي، قال لـ(لا): (إن الأمراض التي يعاني منها زبائن مراكز العلاج بالرقية مثلها مثل بقية الأمراض، لها دوافع ومسببات، ولعلاجها يجب دراسة المسببات ووضع حلول لها، فالطب لا يستخدم الضرب المبرح للعلاج، لأن من يستخدمه هم المحققون في السجون على المجرمين لأخذ اعترافاتهم، أما بالنسبة للكهرباء فإن الطب يستفيد منها في تشغيل الأجهزة الطبية، وأحياناً في إنعاش القلب عند توقفه في بعض الحالات، ولا يستخدمها بتلك الطريقة كما في علاج الكذب والخداع بالرقية الشرعية.
ويضيف الخليدي أن المريض بحاجة إلى طبيب متخصص لمعالجة مرضه، وليس لشخص يعمل إمام مسجد ويحفظ ما تيسر من القرآن، ويجيد خداع الناس، ليقوم بمهمة طبيب لا يستعصي عليه أي مرض، ويتخذ من الضرب والخنق والصعق وغيرها من الأساليب العدوانية، علاجاً لبعض الأمراض التي لم يبحث عن أسبابها بيولوجياً.
ويرجع الدكتور عبدالمجيد السبب في إقبال المواطنين على تلك المراكز، إلى الجهل المنتشر بين أبناء الشعب، وارتفاع نسبة الأمية لديهم، مما يمهد الطريق أمام الخرافة لتصل إلى عقول الناس وتكسب إيمانهم، وبالتالي تسهل على الموظفين في تلك المراكز تمرير مشروعهم.
ونوه إلى أنه حاول في فترة شغله منصب وكيل الوزارة، وضع حدّ لأولئك الدجالين من خلال الندوات التي كان يقيمها، ومحاولته إقناع الجهات المسؤولة بإيجاد قانون الصحة النفسية، إلا أنه وقتها لاقى رفضاً واسعاً، واتضح له أن المعالجين بالرقية لهم علاقة تربطهم بمشائخ ومتنفذين في الدولة، تضمن استمراريتهم، لأن الخرافة المتعلقة بالسحر والمس تمكنهم من صنع قتلة ينفّذون مآربهم، وينفذون من العقاب بسبب الجن الذين يسكنونهم ويجعلونهم مجانين.
وتشير معلومات في تقارير سابقة إلى أن آلاف المواطنين الذين يذهبون إلى الأماكن التي يتواجد فيها المعالجون، يعودون مضروبين، ومنهم من يعود محمولاً على نعش الموتى، وهي حوادث سجلت في كل من محافظات تعز وإب والحديدة وحجة، في السنوات الأخيرة.

ادعاءات تنافي مفاهيم الطب الحديث
لم تكتفِ معظم مراكز الرقية الشرعية بعلاج السحر والمسّ والعين، بل أرادت أن تزيد من نسبة إقبال الزبائن عليها لزيادة الأرباح في ظل الجهل الذي يخيم على أكبر نسبة من أبناء الشعب، لهذا تدعي قدرتها على علاج أي مرض يشكو منه الزبون، كون القرآن الكريم يستطيع معالجة أي مرض، وبأن وصفاتهم الطبية مستقاة منه.
وبرغم أن معظم المستشفيات الحكومية والخاصة في كل مكان لا تقوم بمعالجة كافة الأمراض الخطيرة وغير الخطيرة التي يشكو منها المواطنون، لأن التخصص يتحكم في هذا، بالإضافة إلى أن هناك أمراضاً لم يتوصل الطب الحديث إلى علاجها بعد، على العكس من ذلك تدعي مراكز العلاج بالرقية التي وجدنا من خلال زيارتنا لها أنها تعالج كافة الأمراض التي يشتكي منها زائروها، حتى تلك الأمراض التي لم يتوصل العلم بعد إلى علاج لها، بحسب ما أخبرنا السكرتير العامل في مركز القدسي المتواجد في حارة القادسية، والذي أعطانا كرتاً خاصاً بالمركز فيه معظم الأمراض التي يعالجونها.

مشائخ الرقية يتعالجون بالطب
بالنسبة للمشائخ الذين يدعون قدرتهم على علاج تلك الأمراض التي لا تربطها علاقة مع عالم الجن، كأمراض المعدة وآلام المفاصل والظهر، والتقيحات والأورام، والضعف الجنسي واضطرابات الدورة الشهرية وغيرها، بخلطاتهم الخاصة والمجهولة، إلى جانب جلسات القراءة التي يجعلون بها المريض يتردد على مراكزهم أسابيع وأشهراً، وربما سنوات، فإنهم يتجهون صوب مستشفيات الطب الحديث للعلاج في حالة معاناتهم من أي أمراض، ولا يتعالجون في مراكزهم التي يقدمون فيها علاجاً لنفس المرض، ويأخذون العلاج الحديث من الصيدليات، بينما لا يتناولون الخلطات العلاجية الشرعية التي يعدونها للناس في مراكزهم.
صيدلي جوار أحد مراكز العلاج بالرقية في العاصمة، يقول: إن شيخ المركز الذي بجواره يتردد على صيدليته لشراء أدوية لعدة أمراض يعاني منها، مثل ألم المفاصل واضطرابات المعدة والضعف الجنسي، بينما يستخف بعقول الناس ويوهمهم بأنه يعالج نفس الأمراض في مركزه بالقرآن وبعض الخلطات مجهولة المكونات.

وزارة الصحة تتعهد
تغيب رقابة الجهات المسؤولة تماماً عن هذه المراكز، مما يعطي الضوء الأخضر لمزاولة مهنتها بلا تراخيص أو إجراءات يتم اتخاذها، ويجعلها تصول وتجول في المحافظات لتغامر بأرواح البشر وتستخف بعقولهم دون حسيب أو رقيب، وكذلك صنع الخلطات غير المعروفة مكوناتها لأي مرض يصادفها، ومن ثم تبيعها كدواء لضحاياها الذين يتناولون ما لا يعرفون.
ويعلل مدير عام المنشآت الطبية الخاصة في وزارة الصحة الدكتور عبدالله بن دحان شديق، عدم قيام الوزارة بإصدار تراخيص مزاولة عمل لهذه المراكز، لعدم وجود قانون منظم لذلك، وقد سعت الوزارة في السابق إلى إقناع مجلس النواب بضرورة وجود قانون كهذا يجعل عمل تلك المراكز تحت رقابة الوزارة.
وأكد شديق أن الإدارة الحالية للوزارة في طور إعداد خطة نزول ميداني للاطلاع على الأعمال التي تقوم بها تلك المراكز، ومعرفة من خولها وأعطاها الترخيص لمزاولة تلك الأعمال، وعلى أي أساس قام بذلك. كما أن الخطة تتضمن تطبيق قانون المنشآت الخاصة الصادر من رئاسة الجمهورية عام 1999. 
في حالة قيام الدولة بإجراءات للحد من الأضرار التي تلحقها المقرّات الخاصة بالمواطنين تحت مسمى العلاج بالرقية الشرعية، فإنه لن يفي بالغرض ما لم يعزم أبناء الشعب على التحرر من الموروث الديني الكاذب، وتحكيم العقل وتوكيله بمهمة تصديق الادعاءات وتكذيبها حسب موافقتها للعلم الذي يتطور بتطور العقل البشري، فأمور مثل السحر والمسّ غير موجودة في أوساط الشعوب المتقدمة علمياً وحضارياً.