بكت دمعتين ووردة ولم تنزوِ في ثياب الحداد
أجمل الأمهات

عدوان وحشي اغتال كل شيء، وأدخلتِ الحزن في كل بيتٍ يمني، وماسٍ أثقلت كاهل كل (أم)، وأوجعتهن برحيلِ فلذات أكبادهن، بل هناك من دفعن بأبنائهن إلى جبهةِ الصمود للدفاعِ عن الوطن، كواجبٍ تجاه وطنهم الغالي.. أمهاتٌ ثكلن أبناءهن سواء في جبهاتِ البطولةِ والشرف، أو من كانوا ضحايا القصف وهم يؤدون واجباتهم الوطنية في مختلف ميادين العمل، أو من كانوا في بيوتهم آمنين... لكنهن رغم ذلك يفاخرن أنهن قدمن أغلى ما لديهن، وهي أرواح فلذات أكبادهن.. (لا) التقت أمهات الشهداء، وتجاذبت معهن أطراف الحديث.. فإلى عوالمهن المسكونةِ بالوجع، والممزوجةِ بالفخرِ والإباء...
                                      آخر إحصائية
في آخر إحصائيةٍ رسمية لضحايا العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، والذين وصلوا للمستشفيات والمرافقِ الصحية، أعلنتها وزارة الصحة، في 24 يناير 2016م، بلغ عددهم 24 ألفاً و975 شهيداً وجريحاً، وأوضحت الصحة أن عدد الشهداء بلغ 8466، منهم 1368 طفلاً، 1159 امرأة، فيما بلغ عدد الجرحى 16 ألفاً و509، منهم 2239 طفلاً، و1740 امرأة .. وأشارت إلى أن إجمالي الإعاقات بلغ 1460 إعاقة، ولفتت الإحصائية إلى أن تقديرات دولية تؤكد أن نسبة الإعاقة في اليمن تتراوح بين 10 و13%، وهي من أعلى النسب في العالم، حيث يتجاوز عدد المعاقين باليمن ثلاثة ملايين معاق، فيما تقول التقديرات الأخيرة إن العدد تضاعف مع التصعيد الأخير للعدوان.   

من أجلِ كرامةِ وطن
أم الشهيد محمد مفلح تقول: رغم وجع الفراق ومرارة البُعد، إلا أنني أفتخر أن ابني محمد استشهد في سبيلِ الدفاعِ عن كرامةِ وطنه، وأن روحه الغالية ارتفعت إلى بارئها وهي تؤدي واجبها الوطني المقدس في ظل عدوانٍ ظالم دخل إلى أرضنا، واستباح أجواءنا، ودمر كل جميل في بلدنا.
وتضيف أن الشهيد محمد كان يحلم بأن يموت ميتة الأبطال في ساحةِ الوغى، وكان له ما أراد. وتختم: لسان حالي وكل أمهات الشهداء أن أرواح أبنائنا تظل وساماً على كل الصدور، فألف رحمة تغشى أرواحهم الطاهرة.
  
(هيروشيما).. عطّان
خرجت لتشتري الخبز والماء و(الإدام) لأطفالها الأربعة، بسبب استمرار القصف والحصار في المنزل، فكانوا هم وجبة تتناولها وسائل الإعلام جراء القنبلة النيتروجينية التي استهدف بها العدوان منطقة فج عطّان، والتي أطلق عليها البعض (هيروشيما عطّان). أم الشهداء الأربعة أغلقت عليهم باب الشقة لتعود بعد ذلك الانفجار وهم تحت أنقاض منزلهم، فقدت الأم المكلومة وعيها وهي ترمي بأكياس الطعام على قارعةِ الطريق حين شاهدت الركام.
تضيف سعاد، إحدى جارات أم الشهداء الأربعة، إلى المشهد التراجيدي: الأم فقدت وعيها، وتم وضعها في مشفى الأمراض النفسية، لأن حالتها كانت صعبة جداً، لأنها أصيبت بصدمة كبيرة لم تتوقعها.

عاد أشلاء..
أم الشهيد عبدالحكيم علي تروي عن استشهاد فلذة كبدها في الحدود، تقول إنه انتهى من اختبارات الثانوية العامة العام الماضي، وهي لم تعلم أنه يخطط للالتحاق بالجبهة بعد الاختبارات، وبحكم أن المنطقة تقع في إحدى مديريات الشرفين بمحافظة حجة، فقد علمت من زملائه أنه سافر إلى الحدود.
وتضيف: استمر غيابه عنا ثلاثة أشهر، وقيل لنا إنه كان يقاتل مع زملائه جنباً إلى جنب. وعن أنباء استشهاده تضيف: كان رفقة زملائه هناك في الحدود يدافعون عن كرامةِ وطن، وكانوا فوق (بودي السيارة)، فقصف العدوان الطقم بمن فيه، وكان ابني عبدالحكيم من ضمنهم، فتمزقت أشلاؤهم، وجيء به إلينا ممزقاً.
تتوقف برهة وتمسح دموعها التي تذرفها بصمت، وتستدرك: لكنني أشعرُ بفخرٍ أن ابني رغم حداثة سنه قام بواجبه الوطني، وباتت روحه وساماً على صدرِ الوطن الغالي.

سناء تتنبأ برحيلها
لم تتوقع زميلات سناء البدوي بالمدرسة أن تنبؤها برحيلها سيصبح حقيقة، ذلك ما روته خالتها: كانت دائماً تتوقع أن تموت بقذيفةٍ صاروخية استهدفها العدوان، الذي حقق نبوأتها، وكانت تحدث بذلك (ملوك) ابنتي عبر محادثة في (الواتس آب)، وهي تطلب منها المسامحة لأنها ستموت خلال أيام، وفعلاً ماتت (سناء) التي أحسّت بقدرها في ظل تراشق أطراف الحرب التي دمرت الأخضر واليابس وحصدت أرواح الأبرياء الذين يموتون يومياً بالعشرات في حرب ليست حربهم.
وتضيف خالتها، وهي تشير إلى الدور الرابع في بناية، أن سبب تنبؤ (سناء) بهذا الإحساس، لأن منزلها قريب من معسكر قوات الأمن الخاصة، وبقدرةِ الله نجت كل العائلة من الصاروخ إلا (سناء)، حيث وجدوها تحت الجزء الذي تهدم وسقط عليها وهي تستعد عشية الامتحان، فكان طيران العدوان أسبق إلى زهقِ روحها.

الشهادةُ حُلم..

عندما رأى تمادي العدوان وقصفه لكل ما هو يمني، وحقده الأسود بتدمير كل ما يمت للحياة بصلة، وتدمير البنية التحتية، قرر عبدالواسع أن يلبي نداء الواجب في الحدود، بكلماتها المليئة بالشجن بدأت حديثها أم الشهيد عبدالواسع طالب ـ محافظة حجة الحدودية التي تعرّضت لأشد أنواع القصف براً، وبحراً، وجواً، ولازالت تتلقى المزيد من التدمير الهستيري للعدوان، كل ذلك جعل عبدالواسع يتحمس لنيل حلمه واستشهاده في الحدود، وتضيف: كان حلمه الكبير أن ينال الشهادة هناك في ساحة الشرفاء الحفاة الذين باعوا أرواحهم رخيصة من أجل كرامة وطنهم، حينها  -والكلمات لا زالت لأم الشهيد عبدالواسع - قوّيت قلبي أن ابني البطل لا محالة سيفارقني ويلقى ربه شهيداً، وعندما جاء نبأ استشهاده حمدتُ الله أنه نال حُلمه، رغم وجع فراقه، لكنني أفتخر أنه دافع عن كرامة وطنه، في حين باعه الخونة والمرتزقة بثمنٍ بخس.

 ملائكة الرحمة
لم يتوقع أحد أن قصفهم الهمجي يمتد حتى لمكان لا يوجد فيه سوى (ملائكة الرحمة)، الذين وجدوا لخدمة المرضى والجرحى في أحلك الظروف التي يمر بها الوطن، مشفى عبس الريفي الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود، تعرّض لقصفٍ خلّف مجزرة كبيرة أثارت الرأي العام المحلي والعالمي.
تقول أم الشهيد حسن الزرقة: جاء حسن جريحاً نتيجة قصف بالقرب من جُمرك حرض الحدودي مع الجارة (المؤذية)، الذي طاله قصف عنيف حينها، فنقل لمستشفى (عبس الريفي)، باعتباره أقرب مكان، فلم يمهله العدوان بأن كان أحد شهداء تلك المجزرة التي ارتكبها العدوان السعودي الأمريكي، وتضيف: لكن حتماً سنصمد، ونقدّم أبناءنا حتى آخر رمقٍ في حياتنا، وحتى ينال وطننا عزته وكرامته.