شـــــلال بني مــطــر
- تم النشر بواسطة محمد عبده الشجاع

تعد الجهة الغربية والغربية الشمالية للعاصمة صنعاء، مناطق سياحية هامة، خاصة في فصل الصيف، حيث تصبح وجهة مفضلة لكثير من الأسر، تمتد هذه المساحات لتصل إلى محافظة المحويت، بمساحاتها الخضراء والعيون العذبة والشلالات الصغيرة، والمناظر البديعة والقمم التي تلامس السحاب، ومن الجهة الغربية منطقتا صباحة وبني مطر اللتان يمر منهما خط صنعاء ـ الحديدة، الشلال أهم وجهة سياحية مفضلة، ففي أقل من ساعة تكون أمام بحيرة واسعة يحيط بها الزوار من كل مكان، تأخذك دهشة الماء الصافي، وترسم الزوارق خطوطاً بيضاء وهي تجوب البحيرة المتعرجة ذهاباً وإياباً.
صنعاء مركز الكون
لا تبتعد كثيراً، فصنعاء تنتظرك بشغف، مدينة تقدم نفسها قرباناً لكل من يسكنها، لا تأبه بمن تركها وذهب ليمارس هواية الخيانة، جل همها أن تنشر الدفء بين أوساط المريدين، وتتزين بالأمن والسلامة، تنصت لكل من يشكك بأصالتها، تبتسم حتى تظهر نواجذها، يشع البياض من أحزمة البيوت القديمة، تسرج المقاشم قناديل الريحان والزابود، وتبدو السائلة الممتدة من الجنوب إلى الشمال كعملية قلب مفتوح تكللت بالنجاح، ثم يكون السؤال هل يوجد في الدنيا من يشكك بنسبه وأصله الذي جاء منه؟ ذلك ما يفعله الرعاة العربان اليوم وناكرو الجميل.
في صُباحة العدوان ليس غاشماً وحسب
تبدو منطقة صباحة المطلة على العاصمة من جهة الغرب، كأنها شباك مفتوح بحجم السماء، أراضٍ شاسعة، ومنشآت متنوعة تعرضت للتدمير من قبل العدوان، العديد من القرى المتناثرة والأثرية تبدو ملفتة للمسافر باتجاه الحديدة عروس البحر الأحمر، وفيها جبل النبي شعيب أعلى قمة في الجزيرة العربية، معلومة عالقة بالذاكرة منذ مراحل الدراسة الأولى.
منطقتا صباحة وبني مطر منطقتان تعرضتا ومن أول يوم لضربات شديدة من قبل الطيران، استهدفت المعسكرات والطرقات والمصانع الخاصة، وبعض القرى والبيوت، فوق كل ذلك لا يزال الإنسان اليمني يرى أن كل حبة رمل أو حصى وكل شجر أو حجر بمثابة وطن ووجهة سياحية، وأن العدوان مهما استهدف من مبانٍ وهناجر ومصانع ومزارع، فإنه سينتهي به الحال إلى مزبلة التاريخ، وسيبقى اليمن بحراً زاخراً بكل الكنوز، ففي كل زاوية وبقعة آية تدل على الواحد، وتدل على صلابة وجسارة الإنسان اليمني بكل فئاته، تدل على تاريخ لا يمكن أن تمحوه آلة يقودها طيار بليد لا يجيد سوى التدمير.
قوارب السلامة
يعتبر شلال بني مطر أحد أهم شلالات اليمن ببحيرته الواسعة وقوة تدفق مياهه، وخاصة في الصيف، مقارنة بشلالات أخرى، حيث تمتد بحيرته لمسافة طويلة، كما أن عرضها مناسب، حيث تستطيع أكثر من 6 زوارق الحركة بسهولة ويسر، ونقل الأسر والأفراد في نزهة داخل مياهها النقية، وبرسوم رمزية.
العدوان على اليمن أثر كثيراً على السياحة الداخلية، ومع ذلك تجد هناك إصراراً لبعض العوائل على الحضور، حيث ترتفع الضحكات وترتسم علامات الفرح على الوجوه.
الأطفال يجدون متعة غير عادية وهم يشاهدون شلالاً هادراً وبحراً واسعاً ومغلقاً لأول مرة، وقوارب صغيرة تنقلهم في رحلة ممتعة تستقر أسفل الشلال لبعض الوقت، حيث يأخذك الرذاذ المتطاير إلى عالم مختلف، ثم يعود بك الزورق إلى حيث البداية أو إلى البقعة التي تريد.
كثرت حالات الوفيات من الشباب الذين يذهبون للسباحة، وقد كانت آخر حالة قبل أكثر من شهرين، يحدث ذلك نظراً لقلة الوعي وثقل الماء البارد طوال الصيف.
تقوم القوارب بمهمة الإنقاذ أحياناً، كما تقوم بانتشال أية جثة غرقت، ومع ذلك يؤكد المتواجدون هناك أن حالات الغرق تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة.
نبيل المطري: شاب من أبناء المنطقة وصاحب قارب، سألناه أول صعودنا على ظهر القارب: هل لديكم أدوات للسلامة تفادياً لأية مشكلة؟ رد بابتسامة عريضة: لا يوجد، أنت في مكان كله أمن وسلامة، فلا تقلق أبداً.
تحدث عن غياب تام للدولة في الفترات الأخيرة، وكذلك القطاع الخاص، سألناه: هل يتم استغلال المياه؟ وأين تذهب؟ أجاب بأن كمية كبيرة جداً تتجاوز 90% تذهب دون أي استغلال، باستثناء ما يتم أخذه لمزارع اللوز والبن والقات وبعض أشجار الفاكهة الأخرى المجاورة لمجرى السيل.
النظافة والإنسان اليمني
سألناه عن النظافة، أجاب لا توجد أية توعية في هذا الجانب، كما أن المواطن نفسه لا يعير النظافة أي اهتمام، لتبقى النظافة حالة استثنائية في هذا البلد، وقد شاهدنا مناظر مزعجة، فالكثير يأتي بالأطعمة والمعلبات، وبمجرد ما يكمل الاستخدام يقوم برميها على أطراف البحيرة، هذا غير الذي تأخذه مياه الشلال خارج البحيرة، ولا توجد أي براميل أو أماكن مخصصة للقمامة، ولا حتى إرشادات.
لتظل النظافة عملية تكاملية بين الدولة والمواطن، إذا غاب أحدهما غاب الآخر، والعكس في حالة حضور أحدهما، برغم أنها سلوك حضاري مرتبط ارتباطاً تاماً بالأخلاق والدين، وتعكس صورة قوية عن الشعوب وحياة أي مجتمع سلباً أو إيجاباً.
في طريق العودة
في طريق العودة تشعر بالراحة الكاملة، لقد قمت بمهمة التنفس على أكمل وجه، كانت الرحلة ممتعة رغم أن الطيران فتح حاجز الصوت أكثر من مرة، لكن لا زال صوت الماء هو القادر على بعث الحياة التي لا يمكن التخلي عنها ولو جاؤوا بالعالم كله، وقد جاؤوا به فعلاً.
في طريق العودة أيضاً وأنت على مشارف قمة عصر، تبدو صنعاء أكبر من أن يختزلها العدوان في ضربات طيرانه الطائشة، وسط صمت مطبق من العالم كله، تبدو مدينة عريقة تحرسها يد الله وجباله الشاهقة، تتزين بمبانٍ عملاقة ومنارات باسقة تعكس بأس وقوة وإرادة الإنسان اليمني.
مقترح للحفاظ على الشلال
نقترح تحرك المعنيين في المجلس المحلي للحفاظ على الشلال والمساحات المحيطة به، من خلال الآتي:
ـ فرض رسوم من خلال سندات رسمية تكون على 3 فئات: فئة 500 ريال، فئة 1000 ريال، فئة 2000 ريال، يتم عرضها على كل سيارة تصل الشلال والمواطن بحسب قدرته المالية.
ـ طرق أبواب القطاع الخاص، وتحديداً شركات الاتصالات، لعمل بعض الكراسي اللازمة والمظلات، تحت إشراف المجلس المحلي، بما لا يغير من طبيعة المكان.
ـ وضع براميل خاصة ومناسبة للقمامة في أكثر من مكان، وعمل اللوحات الإرشادية، وتخصيص موظف أو تكليف شخص أو جهة بمتابعة كل ذلك، بما يضمن نظافة المكان حفاظاً على البيئة وعدم انتشار الأوبئة.
ـ عمل لوحات إرشادية تحذيرية لهواة السباحة في محيط البحيرة وعند مدخل الشلال، حيث تكررت حالات الغرق.
ـ وأخيراً يمكن عمل حملات نظافة تطوعية خلال فصل الصيف، كحل بديل من قبل الشباب المهتمين بالعمل التطوعي، وهي دعوة مفتوحة من خلال هذه الصحيفة.
المصدر محمد عبده الشجاع