مـــآذن تحالـــف العــــدوان فـــي صنعــــاء
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / شايف العين

خذوا حذركم عند كل مسجد
مـــآذن تحالـــف العــــدوان فـــي صنعــــاء
يتردد صدى أصوات المآذن، ظهر كل يوم جمعة، في أرجاء العاصمة، داعية الناس إلى إقامة صلاتها وقبلها سماع خطبتها، فيجرون أرجلهم وسط الحارات في طريقهم لتلبية ندائها على طول شوارع صنعاء الرحبة كأنها البحار، تاركين وراءهم أعمالهم منعزلة وحيدة، لحضور هذه المناسبة الفريدة التي لا تأتي إلا مرة كل أسبوع.. هكذا كان الحال قديماً، غير أنه منذ بداية العدوان انصرف الكثير من المواطنين عن حضورها في مساجد كانوا في ما مضى يؤدونها فيها، لكنها الآن لم تلتفت إليهم وما يجري حولهم، فالخطيب فيها لا يتعرض في خطبته لذكر ما يعانيه الشعب من جرائم حرب تفتك به ارتكبتها وما تزال قوى العدوان بقيادة السعودية، وشنّت على وطنهم حرباً بربرية دون مبرر أو مسوغ لها، وهذا التجاهل نفّرهم عن تلك المساجد، وجعلهم يبحثون عن غيرها ممن تتألم لمصابهم وتبكي على شهيدهم، وتوعي المجتمع بضرورة الانتفاضة ضد أعدائهم، وتؤدي واجبها تجاه الأرض التي تقف عليها على أكمل وجه، ولحسن حظهم فقد وجدوها، ولكن بأعداد قليلة.
تولت جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) مهمة إدارة منابر المساجد في العاصمة، بل في عموم الجمهورية، وإلقاء الخطب فيها منذ زمن بعيد, عدا تلك التابعة للصوفية والإسماعيلية، وكذلك الزيدية، وهي قليلة مقارنة بتلك التي بحوزتها، والتي عمدت إلى استغلالها لكسب ثقة المجتمع باستخدام الأثواب البيضاء واللِّحى السوداء، وأحياناً الحمراء, التي أخفت الكثير عن أبناء المجتمع المتدين, إلى أن أتى العدوان الذي أظهر كل جماعة على حقيقتها, وكل حزب على حقيقته، بل كل شخص, واستخدمتها للتحشيد السياسي والتحريض على جماعات أخرى، واختلاق الأكاذيب التي تندرج تحت غطاء الوهابية, حتى دقّت أجراس ثورة 21 سبتمبر 2014م، بقيادة جماعة أنصار الله، والتي نجحت في خلع الوصاية الوهابية عن البلد، وكذلك فضح أدواتها الدينية والسياسية, وساهمت كثيراً في كبح جماح الإخوان الديني الذي ألحق بفكر المجتمع أضراراً كبيرة.
مساجد تغرد خارج السرب
كثُر حديث الشارع مؤخراً عن مساجد يمنية تغرد خطبها خارج النطاق الجغرافي اليمني, فلم يتحدث خطباؤها فيها عما يجري حولها من قصف تشنه طائرات العدوان على المنازل والمعسكرات والبنى التحتية والمنشآت الخاصة والحكومية، وعلى مساجد مثلها، وكذلك مستشفيات نقلت غارات العدوان نزلاءها من أسرة العافية إلى ثرى الموتى, كأنه لا يوجد شيء من هذا القبيل، لتصبح إحدى وسائل الإعلام التابعة للعدو والمضللة للحقائق أو المتغاضية عن إظهارها.
تقول لـ(لا) الدكتورة حنان حسين، عضو اللجنة الدائمة في حزب المؤتمر الشعبي العام: لابد أن تكون المساجد بمنابرها هي المحرك الفكري لمناهضة العدوان، والساعية للتوفيق بين فئات الشعب، وتوحيد صفها لمواجهته, وكذلك حث المواطنين على ضرورة التراحم في ما بينهم تحت ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تسبب بها حصار العدوان المفروض على أبناء الشعب ظلماً, ليكونوا حصوناً منيعة تقف أمام العدوان دون الالتفات لمغرياته.
وتضيف الدكتورة حنان: لطالما تحدثت وكتبت عن أداء هذه المنابر التي يفترض أن تقوم بأداء مهامها على أكمل وجه، وإيصال الرسالة المنوطة بها, لكنها وللأسف أصبحت تغرد خارج السرب, مشيرة إلى أن بعض الواقفين وراء تلك المساجد قاموا بتكفيرها عندما كتبت ذات مرة عنها، وفهم حديثها بشكل مغاير, إلا أن ذلك لم يثنها عن الاستمرار في توجيه الانتقادات البنّاءة كما يستدعيه واجبها.
وتشدد على ضرورة وجود رقابة حقيقية من قبل أجهزة متخصصة في وزارة الأوقاف والإرشاد، على المساجد, ومتابعة ما تلقيه في خطبها، لأنها إما أن تعمل على إنشاء مجتمع صالح ومفيد لوطنه, أو إرهابي يعمل على تدمير وطنه، وأن تتم دراسة سيرة من يؤمون المساجد، لأن جانباً كبيراً من هذا يعود عليهم وعلى الخطباء فيها.. لقد ضجّ القائمون على المساجد من جماعة الإخوان المسلمين، بالصراخ والتحريض عندما طًلب منهم، في رمضان الماضي، إطفاء مكبرات الصوت في صلاة التراويح, وقامت الأرض ولم تقعد بسبب تافه اتخذوا منه حجة، وصنعوا منه اتهاماً بأن الجميع يحاربونهم كونهم على حق, وجعلوا من سفاسف الأمور جرماً كبيراً يرتكب في حقهم, لكنهم لم يصرخوا يوماً على ما يرتكبه العدوان من جرائم طالت كل شيء في الوطن.
منابر للتحريض والتكفير
لم يقتصر العمل التحريضي الوهابي المستهدف لكافة أبناء الشعب، على مساجد أصوات منابرها غير مسموعة للعالم, فقد ظهر مفتي الحرم المكي عبدالعزيز عبدالله آل الشيخ، في أكثر من مناسبة، محرضاً تحالف العدوان على الاستمرار في قتله أبناء الشعب اليمني، من داخل المسجد الحرام، وفي موسم الحج, بل وداعياً بقية المسلمين إلى الوقوف بجانب العدوان, كون اليمنيين خرجوا عن لواء الدين الإسلامي، ليس لسبب، إلا أنهم قرروا خلع الوصاية الخارجية من عليهم, وواجهوا تحالف العالم ضدهم.
وقد كانت قبله مساجد الإصلاحيين في محافظات الجمهورية منابر للتحريض على جماعة أنصار الله، عندما وصلت ثورتها الشعبية الداعية إلى خلع الوصاية السعودية وقطع الأيدي الخارجية الممدودة إلى البلد، محافظة عمران, وقاموا بافتراء الكثير من الأكاذيب على ثوارها الذين لاقى المواطنون منهم عكس ما قالته تلك المنابر عنهم, واتضح لهم زيف ما كان الإخوان في مساجدهم يدّعون.
الكتور أحمد الصيادي (طبيب) يصف دور المساجد بالسلبي، خصوصاً في تلك المناطق التي لم يصلها الجيش واللجان الشعبية, حيث يتم فيها التحريض الإجرامي على الوطن, والحشد للوقوف في صف العدوان. أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة أبطال الجيش واللجان، فبعضها متحفظ ويرفض الحديث عن العدوان القائم، وكأنها غير موجودة في ذات البلد القائم عليه العدوان, والبعض الآخر لا يستطيع الإبقاء على تحفظه، فتظهر علامات تدل على انحيازه للإخوان ومن معهم, هذا بشكل عام مع وجود استثناءات حتى لا يكون هناك ظلم لأحد.
يقول المواطن علي العياني (30 عاماً): كانت مساجد الوهابية التابعة للإصلاحيين منابر للتحريض وإثارة النزعة الطائفية، ووسائل لبث الكره والحقد ونشر الفرقة بين أبناء الوطن الواحد, وجميعها كانت موجهة ضد جماعة أنصار الله الذين جاؤوا بثورة استأصلت الورم السعودي الوهابي الخبيث الذي كان ينتشر بسرعة في جسم الوطن بأكمله.
أنور القدسي (45 عاماً) يقول: قاطعنا أداء صلاة الجمعة في المسجد الموجود بحارتنا، لأنه منذ بداية العدوان لم يتطرق لذكر ما تقوم به السعودية في اليمن, أو يندد بما يفعله قصف طائراتها بأطفالنا ونسائنا وشيوخنا، وهذا الأمر يستفزنا بشكل كبير, وقد كانت خُطب هذا المسجد في ما مضى تغذي عقول الناس بالتطرف الفكري الذي يشكل نواة الإرهاب.
نالت المساجد المناهضة للفكر الوهابي نصيباً كبيراً من الأعمال الإرهابية التي قتلت العشرات وجرحت المئات, قبل أن تبدأ المملكة الوهابية باستهداف اليمن بأكبر عمل إرهابي شهده التاريخ، استخدمت فيه شتى أسلحتها, ومن أكثر المجازر البشعة التي استهدفت المساجد المناهضة للوهابية, تلك التي شهدها مسجدا بدر والحشوش في العاصمة صنعاء، حيث تم استهدافهما بانتحاريين أثناء صلاة الجمعة, لأن التوعية الثورية الوطنية التي كانا يقومان بها كانت تهدد نجاح المشروع الذي يهدف إلى تدمير الوطن وتمزيقه عبر أيادٍ داخلية كانت تسبح بحمده, ولأنها فشلت قرر القائمون على ذلك المشروع القيام بتنفيذه بمبرر دفاعهم عن شرعية غير موجودة.
وأنّ المساجد لمن يريدون, فلا تحاولوا
كان الأحرى بالمساجد التي غضّت الطرف عما قامت به القوى والأحزاب الوطنية من توقيع اتفاق جمعهم لمواجهة العدوان، أن تتحدث عن أهمية ما قام به الموقعون من خطوة تهدف إلى لم الشمل وجمع الشتات الذي أحدثه الغزاة في أوساط المجتمع, إلا أنه عندما طُرح السؤال على أحد أئمة تلك المساجد عن سبب عدم ذكرهم لهذا الأمر, أجاب بأن المساجد لله وحده ولإقامة الصلاة، وليس للحديث عن مثل هذه الأمور الخارجة عن إطار الدين, مع أنه كان يتحدث قبل بداية العدوان، وفي 2011 بالتحديد، عن ضرورة الالتحاق بالاعتصامات المطالبة بإسقاط النظام, وفي حرب دماج كان يعمل على تحريض الناس ضد جماعة أنصار الله.
يتحدث الإعلامي أيوب إدريس عن دور المساجد وما لها من تأثير كبير على المجتمع، قائلاً: دور المساجد في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي صغير جداً، بل شبه معدوم في تلك التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون، مع التنويه إلى أن أكثرها تحت سيطرتهم، بعد أن أخذوا تلك التي لم تكن تحت سيطرتهم بالقوة من القائمين عليها، إبان سيطرتهم على مقاليد الدولة بعد 2011, ومع ذلك فإنه يجب تفعيل المساجد بشكل يليق بها كمنطلق أول ومدرسة أولى في الإسلام, ويكون هذا بتعيين خطباء وطنيين مناهضين للعدوان، مؤهلين ومعدين على أكمل وجه, كذلك العمل على إقناع بعض الخطباء الذين ما زال فيهم قدر بسيط من الوطنية، بضرورة توعية وتثقيف الناس بعدالة قضيتهم, ومدى بشاعة ما تحيكه دول الظلم والاستكبار، ممثلة في أمريكا والسعودية وحلفائهما، من مؤامرات ضد الوطن, وتعريفهم بحجم خطورة الجماعات التكفيرية الإرهابية، وضرورة مواجهتها والذود عن الوطن.
ويؤكد إدريس أنه من الضروري أن تقوم المساجد بدور التعبئة العامة والتحشيد إلى الجبهات لمواجهة جنود العدوان ومرتزقته، ليحولوا بينهم وبين تحقيق غايتهم في إرجاع اليمن إلى تحت وصايتهم, في حال تكاسل وتقاعس الجميع عن القيام بواجبهم تجاه الوطن.
السواك والبقدونس أهمّ من مواجهة العدوان
لا تخلو خطب الجمعة في مساجد الإخوان من الحديث عن أشياء غير مجدية أو مفيدة وذات نفع في الوضع الراهن الذي يعيشه البلد, وحديثها هذا يفضح مدى وقاحة القائمين عليها وتماديهم في خدمة العدوان على مرأى ومسمع من أبناء المجتمع.
يعتبرغازي المفلحي المساجد من أهم أماكن صناعة الرأي العام وتوجيهه, لأنها تستطيع جمع عدد كبير من الناس من مختلف الفئات, خصوصاً أولئك المحدودي الثقافة الذين يؤمنون ويثقون ويتأثرون بكل ما يقوله الخطيب, وفي هذه الحالة يجب على الخطباء تناول موضوع العدوان والتحدث عن جرائمه في خطبهم, وتعريف الناس بطرق مواجهته والتصدي له, محاولين بهذا توحيد وجهة نظر الرأي العام, وهذا بدلاً عما يقومون بطرحه في تلك الخطب من مواضيع عفا عليها الزمن، كقصص الأولياء كما يصفونهم، وقصص الموت وأفلام الرعب في القبور, وأخرى تافهة كالحديث عن فوائد السواك والبقدونس.
محمد العذري (اسم مستعار) يقول: أكثر المساجد التي أعرفها وأصلي فيها تظهر وبشكل واضح تجاهلها ما يحدث في الوطن من جرائم يرتكبها العدوان, وكأن من يقومون على هذه المساجد هم أمراء سعوديون مشاركون في العدوان, ويقومون بهذا لأسباب نعرفها وأخرى لا نعرفها, إلا أن أهمها والواضح للعيان هو أنهم يريدون ألا يهتم الناس بما يجري حولهم.
لا تأبهوا لما يجري فالحديث عنه فتنة!
يحاول مرتزقة العدوان المتخفون وراء المنابر، من خلال خطبهم، تمرير ثقافة معينة إلى عامة المواطنين، مفادها أن ما يحصل اليوم يجب ألا يهمكم فهو كما يقول أفضلهم (فتنة)، أما أسوأهم فيظهر موقفه الواضح في صف العدوان عند الحديث معه, وما منعه من إظهاره في الخطب التي يلقيها للناس داخل مساجد العاصمة، إلا الخوف مما قد يفعله الوطنيون من المصلين به, وهؤلاء المنافقون لم يجدوا من يردعهم عن نفاقهم، فاستمروا فيه، وأكثروا منه حتى هوّن من فظاعة ما يقوم به العدوان عند الناس، وجعلهم يقللون من شأن جرائمه.
ويبدو أنهم بدأوا ينجحون في تمرير ما يريدونه، لأن المواطن البسيط القادم من الريف إلى العاصمة، يصدق ما يقوله هؤلاء في مساجدهم, لذا يجب على أجهزة وزارة الأوقاف والإرشاد أن تتلافى هذا الأمر، وتسرع في وضع حلول قبل أن تنجح أدوات العدوان التي تظهر لنا يوماً بعد يوم في ما تصبو إليه, ووضع حد لما يجري في مساجد العاصمة صنعاء.
المصدر صحيفة لا / شايف العين