(لا) كانت هناك
مجزرة الحداء.. مجريات وتداعيات

كان صباح الاثنين 29 أغسطس 2016م، في (زراجة) مركز مديرية الحداء بمحافظة ذمار، والقرى المجاورة لها، بديعاً مشرقاً بسماء صافية، يتخلله نسيم دافئ آتٍ من حقول الذرة التي تنتشر في الأراضي الزراعية على طول الطريق المؤدية إلى العاصمة صنعاء، لكن همجية العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن، حوّلته إلى صباح مأتمي ينشر نسيمه رائحة حريق الجثث المتفحمة، وسماء معكرة يتساقط منها رذاذ البارود العائد للصاروخ الذي أطلقته إحدى طائرات العدوان باتجاه سيارة لبائعي القات (مقاوتة) كانت في طريقها إلى العاصمة، أودى بحياة 5 أشخاص، بينهم طفل، ونقل على إثره 3 آخرون إلى العناية المركزة، جميعهم كانوا على متنها.
العدوان يبدد حلم خطّاب بلقاء العاصمة
في اليوم الذي لم يعلم أن طائرات العدوان السعودي ستغتال طفولته فيه, استيقظ خطاب وسيم السدمي ذو الـ10 أعوام، في السادسة صباحاً، ليرافق أباه في ذهابه إلى صنعاء لبيع القات، وهو ما اعتقده خطاب رحلة سيلتقي فيها بالعاصمة صنعاء, انتظر قدوم من يذهبون مع والده إلى قرية (نونة) المجاورة لمسقط رأسه (زراجة), والتي يبتاعون من مزارعها القات, ومن ثم يتحركون منها إلى صنعاء على سيارة استأجرها والده لتعينه في عمله الذي يعد مصدر رزقه الوحيد لإعالة خطاب وإخوانه الثلاثة, وشوقه الكبير لرؤية العاصمة هو ما دفعه لمرافقة والده.
تحركت السيارة وعلى متنها وسيم السدمي (32 عاماً) وابنه وأخوه و5 آخرون من نفس القرية, وما إن وصلت قرية (الركبين) على بعد كيلومترين من مركز المديرية، في طريقها إلى العاصمة, حتى استهدفتها طائرة العدوان السعودي المحلقة في سماء المديرية من الصباح الباكر, ليستشهد خطاب قبل أن ترى عيناه جمال العاصمة الصامدة في وجه عدوان أعتى طغاة العالم, إلى جانب عمه و3 آخرين، فيما نُقل والده والبقية إلى المستشفى بسبب الجراح والحروق الفظيعة التي لحقت بهم, هذا ما قاله أقارب الضحايا وهم يستحضرون بعد يومين من وقوعها تفاصيل جريمة الاثنين المشؤوم.
ويذكر أن العدوان قام بعدها بقصف الطريق العام الرابط بين مركز المديرية ومدينة معبر بالمحافظة, كما استهدف قبلها بأيام قرى في المديرية، مدعياً أنها معسكرات تدريب للجيش واللجان الشعبية، بينما في واقع الأمر ليست إلا قرى مأهولة بالسكان الرافضين للعدوان الذي تشنه مملكة السوء على وطنهم.
إن ما يؤلم قلوب أهالي الضحايا أكثر من سلب أرواح أحبائهم، هو استمرار المغرر بهم ومن تغلبت عليهم العمالة للعدوان، في تبرير جرائمه التي يرتكبها على مرأى ومسمع منهم, داخل أراضيهم في قراهم ومدنهم التي يسكنونها, ولا يهمهم شعور جيرانهم الذين حصد العدوان أرواح أعزاء عليهم دون ذنب اقترفوه أو جُرم ارتكبوه عدا موقفهم الرافض للعدوان جملة وتفصيلاً.
شاهدون على الجريمة يبررون ارتكابها
لم تكن بشاعة الجريمة التي ارتكبها العدوان بحق بائعي القات كفيلة بتغيير موقف كثير من أهالي قرية الركبين التي وقعت فيها والمنتمين لحزب الإصلاح، كونهم الوحيدين إلى جانب الشهداء والجرحى الذين شعروا بها وقت وقوعها.
وتُعدّ قرية الركبين (بني ظبيان) من القرى التي ينتسب غالبية سكانها إلى حزب الاصلاح المؤيد للعدوان، وهناك من أبناء جلدتهم من يتولون مناصب سياسية وعسكرية في حكومة الرياض، أمثال صالح الظبياني عضو شورى الإصلاح ودكتور في جامعة الإيمان التابعة للفار الزنداني, وكذلك عبدالحميد الظبياني الذي يملك مدارس الشروق، والذي يتولى حالياً زمام الأمور في أحد معسكرات مرتزقة العدوان، والكثير غيرهما من أبناء القرية الذين ذهبوا للقتال في صف العدوان.
يقول عبدالله صالح، من أهالي الضحايا، ويعمل بائع قات في سوق بينون بالعاصمة صنعاء: لم يقم أهل قرية الركبين بإسعاف الضحايا وقت وقوع الجريمة, كما لم يقوموا بمساعدة وسيم السدمي (والد خطاب) سائق السيارة العاجز بسبب الحروق التي لحقت به جراء غاز الصاروخ الملتهب, في إخراج من كانوا يحترقون داخل السيارة. كما أنهم قاموا بإطلاق النار في الهواء لمنع الناس من الاقتراب وإسعاف الضحايا، وهذا حال دون نجاة أغلبهم.
وتداولت وسائل إعلام تابعة ومؤيدة للعدوان, خبر هذه الجريمة بطريقة تفوق بشاعة الجريمة وقبحها, حيث ذكرت أن الطيران استهدف سيارة كانت محملة بالسلاح، وعلى متنها قيادات تابعة للحوثيين والرئيس السابق، والحقيقة التي شاهدها من نقل الخبر وكان مصدراً له، تقول غير هذا, وكذلك الصور التي التقطتها كاميرات هواتف المواطنين بعد وقوع الجريمة مباشرة، والتي أظهرت جثثاً متفحمة وأكياس قات متطايرة حولها, في مشهد تقشعر له الأبدان.
ليست هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها طيران العدوان سيارات المواطنين, فمنذ بدايته في مارس من العام الماضي، عمد العدوان إلى قصف الطرقات والجسور دون مراعاة للسيارات المارة فيها, حيث حصد أرواح المئات من المسافرين على متنها, منهم من هو ذاهب لزيارة أقاربه، أو لحضور عرس صديق له، والآخر متجه لأداء عمله الذي يجني منه الرزق، ومنهم الذاهب صوب قريته لقضاء العطلة فيها.
أكثر من 50 شهيداً وجريحاً على متن سياراتهم في شهر أغسطس
سجّل شهر أغسطس أكثر من  30 حالة وفاة ونحو 27 حالة إصابة نتيجة استهداف طيران العدوان سيارات المسافرين, حيث قصفت طائراته فرزة النقل الجماعي بمفرق شرعب محافظة تعز، راح ضحيتها قرابة 15 شهيداً و13 جريحاً، حسب ما نشرته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ), وكذلك استهدافه قبلها تجمعاً للمسافرين بمديرية الوازعية في نفس المحافظة، مزهقاً أرواح 7 أشخاص.
وورد في موقع الوكالة أن الطيران استهدف خلال الشهر نفسه سيارة أحد المواطنين في مديرية عبس بمحافظة حجة، ما أدى إلى استشهاد أفراد العائلة التي كانت فيها، وعددهم 5, وأيضاً قصف الطريق العام بمحافظة البيضاء، ما أدى إلى إصابة 5 أشخاص كانوا في سيارتهم على الطريق.
كما أفادت أخبار أخرى أن طيران العدوان شنّ في ذات الشهر غارة على سيارة كانت تقل طلاباً أثناء عودتهم من أداء الامتحان بمنطقة بني سويد محافظة صعدة, مخلفة شهيداً و6 جرحى, وكانت آخر جريمة يستهدف فيها العدوان السعودي سيارات المواطنين، تلك التي في مديرية الحداء بمحافظة ذمار، والتي قضت على حياة 5 أشخاص، وألحقت الإصابة بـ3 آخرين.

أهالي المنطقة مستمرون في الصمود والتحدي
زادت بشاعة جرائم العدوان السعودي بحق أبناء مديرية الحداء بمحافظة ذمار، من صمودهم ومواجهتهم له, والوقوف دون تحقيق مشاريعه في منطقتهم, فالعدوان يهدف بقصفه المكثف على المديرية خلال الأيام الماضية، قطع الطرق التي تربطها ببقية المديريات والمحافظات لمنع وصول الإمدادات والتعزيزات في حال حاول مرتزقة العدوان التقدم نحوهم من مأرب, وأيضاً يطمع العدوان من قصفه للمديرية في السيطرة على (جبل هلل) الاستراتيجي، وجعله في يد أتباعه وأذنابه, هذا ما قاله الشيخ أحمد صالح حسان، أحد عقال قرى المديرية.
وأكد الشيخ أحمد حسان أن أبناء المديرية الأحرار، والذين يشكلون غالبيتها العظمى، مستمرون في وقوفهم إلى جانب أبطال الجيش واللجان الشعبية في الدفاع عن الوطن ومقاتلة العدو السعودي ومن معه, ولن يثنيهم عن هذا، الجرائم التي ترتكبها السعودية بحقهم.
استهداف العدوان لمديرية الحداء وقطع الطرق التي تربطها ببقية المحافظات، يندرج تحت محاولة العدوان السعودي ومرتزقته دخول العاصمة, كون المديرية تشكل أحد أطواق العاصمة صنعاء, ومنها الطريق الوحيد الفرعي الذي يربط محافظة ذمار بمحافظة صنعاء, ويستخدمه القادمون إليها من جهة الجنوب، عندما يقوم طيران العدوان بقصف (نقيل يسلح).
مهما تنوعت جرائم آل سعود بحق أبناء الشعب اليمني، إلا أن الانتصارات التي يحققها رجال الرجال في جبهة ما وراء الحدود، والهزيمة تلو الأخرى التي يلحقها بالجيش السعودي ومرتزقته, تُشكل دافعاً قوياً يعين اليمنيين على الصمود والثبات وعدم الركوع للعدو الجبان الذي يحاربهم من عنان السماء ولا يجرؤ على النزول برّاً لمجابهتهم, في حرب لن ينساها التاريخ، وسيظل صدى انتصارات اليمانيين مدوياً فيه إلى الأبد.