مسمار أخير في نعش السعودية
- تم النشر بواسطة خاص / لا

الأزمة الاقتصادية وفاتورة العدوان على اليمن
مسمار أخير في نعش السعودية
أكثر ما تعاني منه السعودية اليوم، هو التراجع الكبير الذي يشهده اقتصادها في قطاع الصناعة وفي حركة الأموال، وتعاني العملة السعودية من الانخفاض، فيما يتزايد العجز في الميزانية المالية على نحو متصاعد، مع الانخفاض الكبير الذي طرأ على أسعار النفط، لاسيما أن السعودية تصدر ما يقارب 10 ملايين برميل يومياً، وهبوط سعر البرميل إلى 70% انعكس بصورة مؤثرة على الاقتصاد السعودي الذي يشهد بحسب الخبراء أزمة حادة، ويرى مراقبون أنه مهدد بالانهيار في غضون 5 سنوات.
إجراءات تقشفية
تلوح أزمة اقتصادية في سماء السعودية، تواجهها المملكة بالتقشف، حيث أصدر ملك السعودية، أواخر سبتمبر الفائت، عدداً من الأوامر تقضي بخفض رواتب ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشورى، وخفض مكافآت الموظفين في القطاع الحكومي، ضمن الجهود الرامية لضبط الإنفاق بعد تراجع عائدات النفط.
وتنص الأوامر الملكية الأخيرة على خفض راتب الوزير ومن في مرتبته بنسبة 20%، وخفض مكافأة أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15%، وخفض الإعانة السنوية لأعضاء مجلس الشورى لأغراض السكن والتأثيث بنسبة 15% أيضاً.
وتقضي الأوامر كذلك بخفض عدد من المكافآت والمزايا لجميع العاملين بالقطاع الحكومي من السعوديين وغير السعوديين.
وشملت حزمة القرارات الملكية وقف العلاوة السنوية في العام الهجري 1438هـ، ويطبق ذلك على كل العاملين بالقطاع الحكومي من السعوديين والوافدين، وعلى العاملين بالقطاع العسكري باستثناء الجنود المشاركين في العمليات قرب الحدود الجنوبية وخارج البلاد.
واتخذت السعودية إجراءات تقشفية شملت خفض الدعم عن الطاقة والمياه والكهرباء، نهاية العام الماضي، وأرغمت فواتير حروب النظام السعودي في سوريا واليمن مؤخراً على خصخصة قطاع المياه ومطاحن الغلال، وفرض رسوم إضافية على المغتربين، وتقليص رواتب الموظفين، وتغيير التعامل بالتقويم الميلادي بدلاً عن الهجري لدفع رواتب موظفيها اعتباراً من شهر أكتوبر الجاري، وذلك في محاولة لتعويض العجز المتزايد في ميزانيتها.
ففي أغسطس الماضي، أطلقت 13 وزارة وهيئة حكومية سعودية أول برامج خصخصة بعض خدماتها المختلفة، من خلال إسنادها للقطاع الخاص أو إنشاء شركات تتبع لها للعمل وفق مفهوم القطاع الخاص، فيما سيتم التعامل مع الموظفين في تلك الجهات وفقًا لترتيبات معينة من خلال الإحالة إلى التقاعد أو التحول لجهة حكومية أخرى أو التحول للشركات والمؤسسات المختلفة.
ماكينة جباية
وبعد رفعها لأسعار البنزين بنسبة 50%, وعدت الرياض في بيان موازنة 2016 بخفض زيادة أجور موظفي الدولة، مما يعني عدداً أقل من الوظائف الحكومية الجديدة.
وارتفعت موجة الغلاء في السعودية إلى 80% بفرض الضرائب والرسوم الجديدة بغضون الشهرين الماضيين، نتيجة لسد العجز المالي الذي وصل إلى 112 مليار دولار، خصوصاً أن الاحتياطي المالي نقص من 760 ملياراً إلى 440 ملياراً، وهذه كارثة كبرى.. ولم تكتف الحكومة السعودية بإلغاء الدعم أو تخفيضه على السلع الأساسية، وفرض ضرائب وغرامات، وزيادة الرسوم لتخفيض العجز وتقليص اعتماد ميزانية الدولة على النفط، بل لجأت أيضاً إلى الاقتراض من البنوك الداخلية والخارجية، من خلال إصدار سندات مالية سعودية، والحصول على قروض مالية خارجية، وبلغت محصلة القروض حوالي 150 مليار دولار، حسب بعض التقديرات المالية السعودية والخليجية، ووصل الوضع المالي السعودي إلى مرحلة حرجة، حيث صدر قرار في أغسطس الفائت بعدم تقديم أي علاج لضحايا الحوادث المرورية في المستشفيات السعودية الحكومية، إلا بعد دفع شركات التأمين النفقات المالية مسبقاً.
كما أعلنت السلطات السعودية، نهاية الشهر الفائت، عن منع المغتربين الوافدين إليها من ممارسة العمل في 27 مهنة، في إطار برنامج سعودة المهن والوظائف، في أول خطوة تزامنت مع نذر انهيار اقتصادي ظهرت مؤشراته في سوق البورصة والهبوط المفاجئ في سعر الريال السعودي مقابل العملات الأجنبية.. وأطلق النظام السعودي واحدة من أخطر ماكنات الجباية المالية على الإطلاق بعد الإعلان عن اتجاهه لخصخصة الطرق الإسفلتية وفرض رسوم على المواطنين السعوديين لقاء استخدامهم الطرق التي سيتم إسناد بنائها وتشييدها وترميمها لشركات مقاولات القطاع الخاص المحلي والخارجي, وتزامنت هذه الخطوة مع إعلان وزارة التربية والتعليم فرض رسوم على المواطنين السعوديين لقاء منح الأطفال في المدارس أرقام هوية خاصة.
حزمة جوع قاتلة
تنزايد يوماً بعد يوم حدة المخاطر جراء انهيار شركات سعودية كبرى، بعد تزايد حجم الديون عليها وعجزها عن دفع رواتب الآلاف من موظفيها منذ أشهر، وهي الموجة التي يراها الاقتصاديون مماثلة للأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008م، وتسببت بإعلان آلاف الشركات والمصارف حول العالم إفلاسها.
وتشير مصادر اقتصادية سعودية إلى أن المؤسسات على نحو خاص، والتي لم تتسلم مستحقاتها من الشركات الكبيرة، أصبحت في دائرة الخطر، ومهددة بوقف أنشطتها ومغادرة السوق بعد إعلان إفلاسها بسبب الأوضاع المالية المتردية, حيث يتجاوز حجم الديون على الشركات في السعودية 300 مليار ريال سعودي.
خفض النظام السعودي للإنفاق الحكومي منذ عام 2015, وضع ضغوطاً هائلة على شركات المقاولات المحلية التي تعتمد على العقود الحكومية, حيث وجدت الكثير من الشركات صعوبة كبيرة في دفع أجور العمالة الوافدة، وسرحت عشرات الآلاف من العاملين، تاركة الكثيرين منهم دون نقود لشراء تذاكر سفر للعودة إلى بلدهم أو حتى لشراء طعام.
فعلى سبيل المثال, تواجه شركة (سعودي أوجيه)، ثاني أكبر شركة في السعودية والمملوكة لـ(سعد الحريري)، أزمة مالية حادة جعلتها عاجزة منذ 5 أشهر عن صرف رواتب 56 ألف موظف لديها، بينهم 6500 باكستاني و5000 هندي وفلبيني والمئات من الفرنسيين.
وبحسب توقعات تقارير دولية، فإن مخاطر انهيار وإفلاس الشركات السعودية سيؤثر على النظام الحاكم، ويعرض اقتصاد البلاد لمخاطر لا يمكن التنبؤ بأبعادها، ما يحتم على الأسرة السعودية الحاكمة إجراء مراجعة عاجلة في ما يخص زيادة عجز الموازنة والإنفاق غير المعقول على شراء الأسلحة وخوض الحروب على حساب أولويات اقتصادية ملحة.
عملاق النفط يتهاوى
منذ عام 2014, تراجعت إيرادات السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، جراء انخفاض أسعار النفط بأكثر من 50%، وسجلت المملكة عجزاً في الموازنة قدره 98 مليار دولار، العام الماضي، كما أظهرت البيانات الرسمية في يوليو الماضي، أن المملكة سقطت في هوة الركود للمرة الأولى.
ومنذ أيام قلائل كشفت تقارير صحفية عن استقالة عدد كبير من الموظفين في شركة (أرامكو) النفطية، بينهم مسؤولون بارزون، بسبب الخصوم المفروضة على الرواتب، وفرض التغييرات في البدلات والحوافز، كجزء من إجراءات التقشف التي يفرضها النظام السعودي على مواطنيه منذ أشهر.
كما برزت العديد من المخاوف وسط موظفي (أرامكو) بسبب تخطيط النظام السعودي لبيع حصة تبلغ 5% من (أرامكو) جوهرة التاج الاقتصادي في البلاد.
ما الذي سيبقى للمملكة؟ وكيف سيكون الوضع على جدول اقتصادها وهي تبعثر اليوم لؤلؤتها النفطية - شركة النفط العملاقة المملوكة للدولة (أرامكو)..؟ إذا باعوا الأوزة الذهبية، كيف سيمولون أي شيء؟ إنه جنون السعودية التي ترهن مستقبلها اليوم لكسب الوقت, وهذه حالة واحدة من حالات متعددة ستظهر مستقبلاً، متأثرة بعامل الإجراءات التقشفية التي ستتصاعد في الأشهر المقبلة بحسب مراقبين، ولكبت الأصوات الرافضة، تعمل وسائل الإعلام السعودية المتنوعة على ترويض المواطنين واختلاق ذرائع واهية، تعتبر أن تلك الإجراءات التقشفية شرٌّ لا بد منه.
كذلك، وبعد أن انخفضت الميزانية بنسبة 25%، وتراجعت الميزانية خلال عامين إلى 270 مليار دولار, لجأت السعودية مؤخراً إلى الأسواق العالمية لبيع سندات خزينة لجمع 17.5 مليار دولار لسد العجز في الميزانية، الذي يقدر بحوالي 87 مليار دولار، هذا العام، في إجراء مهدت فيه الطريق لأول عملية بيع للسندات الدولية من نوعها، وتطور غير مسبوق أيضاً في دولة كانت عوائدها النفطية تصل إلى حوالي ملياري دولار يومياً.
ولعل حديث نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي محمد التويجري، عن حتمية الإفلاس إذا لم تتخذ الإجراءات، يصب في هذا الاتجاه, حيث أكد التويجري في مقابلة مع فضائية (إم بي سي) السعودية، أن إعلان إفلاس المملكة سيكون أمراً حتمياً خلال 3 أو 4 سنوات، حال لم يتم اتخاذ إجراءات لترشيد النفقات.

فاتورة العدوان على اليمن
إن الحرب على اليمن مكلفة للسعودية، فقد احتلت السعودية المرتبة الثالثة عالمياً العام الفائت من حيث حجم الميزانية العسكرية، خلف الولايات المتحدة والصين, وتقوم الولايات المتحدة وبريطانيا ببيع كميات هائلة من المؤن العسكرية للسعودية من أجل مواصلة الحرب, فبلد يبلغ عدد سكانه 20 مليون نسمة لا يستطيع أن يستمر إلى ما لا نهاية مع هذه الميزانية العسكرية الضخمة، خاصة في ظل هبوط أسعار النفط مجدداً، والضائقة التي يمر بها الاقتصاد السعودي، وتأثيرها سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطن هناك.
ففي أغسطس الفائت دعا المفتي السعودي عبد العزيز آل شيخ, الشركات الخاصة والمصارف والمؤسسات التجارية والشعب، إلى المشاركة بالمجهود الحربي.. ما يؤكد أن هذه الدعوات تثبت مدى فداحة تكلفة الحرب وحجم التحدي الذي يواجهه النظام السعودي بدفع تكلفة المستنقع المفتوح الأمد الذي أغرق قدميه فيه.
وحتى الساعة لا يستطيع أحد تقديم أرقام دقيقة عن تكلفة العدوان الهمجي التي تقوده السعودية على اليمن، تحت اسم (عاصفة الحزم). ويعود السبب في ذلك إلى رفض القائمين عليها تقديم معلومات يمكن الاعتماد عليها بهذا الخصوص. غير أن التقديرات الأولية المبنية على تكاليف حروب أخرى مشابهة، ترجّح بأن التكلفة فقط وصلت بحلول أواسط أبريل 2015 إلى نحو 30 مليار دولار.
وقد كشف تقرير لمجلة (فورين بوليسي) الأمريكية في سبتمبر 2015, تفاصيل تكلفة العدوان السعودي على اليمن، التي وصلت إلى 725 مليار دولار حتى الشهر السادس من العدوان، والتي أنفقها آل سعود لقتل أطفال ونساء اليمن، وتدمير بناهم التحتية خلال أشهر قليلة، وراح ضحيته آلاف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، دون أن تحقق السعودية و(التحالف العربي) الذي تقوده أي إنجازات عسكرية حقيقيّة، وبات يكلف السعودية مبالغ طائلة سيجعلها تقف على حافة الإفلاس.
حيث قفزت مشتريات السعودية من السلاح المتراكم والمكدس في عنابر الولايات المتحدة الأمريكية خلال العامين 2015 و2016، بنسبة 60%، لتصل إلى حوالي 85 مليار دولار حتى الشهر الماضي, وباعت فرنسا أسلحة للسعودية بقيمة 18 مليار دولار، فيما زودت واشنطن الرياض بأسلحة قيمتها 5.9 مليار دولار، بينما بلغت مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية 4 مليارات دولار في شهر أغسطس الفائت، وذلك تعويضاً لما دمره الجيش واللجان الشعبية اليمنية في جيزان ونجران وعسير.
وتواجه الخزينة السعودية اختناقات كبيرة جراء تورطها بقيادة العدوان على اليمن، والذي ترتب عليه صرف موازنات شهرية تصل إلى حدود المليار ريال سعودي لجيش العملاء الذي غادر اليمن إلى السعودية رفقة الفار المطلوب للعدالة عبد ربه منصور هادي، فضلاً عن جيش المرتزقة المقدر بأكثر من 100 ألف مسلح توفر لهم السعودية رواتب شهرية، ناهيك عن النفقات الهائلة التي تتكبدها الخزينة السعودية للغارات الجوية التي يشنها طيران التحالف على المدن اليمنية يومياً، ومئات الآليات العسكرية والذخائر المتوسطة والثقيلة التي تغرق بها المحافظات اليمنية، أملاً في تحقيق انتصار ميداني عجزت عن تحقيقه على مدى 19 شهراً من عدوانها الهمجي على اليمن.
رعب قانون (جاستا)
تواجه السعودية عدداً من التحديات الداخلية والخارجية، ومنها الحرب في اليمن، حيث انغمست الرياض في صراع عسكري وسياسي معقد مكلف لها سياسياً وأمنياً واقتصادياً، إلى جانب نوع جديد من التحديات، مثّله قانون (العدالة ضد رعاة الإرهاب) (جاستا) الذي أقرّه الكونغرس الأميركي في 9 سبتمبر الماضي، وسمح لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة دول أجنبية مثل السعودية أمام القضاء الأميركي، ومطالبتها بتعويضات عن الأضرار، حيث كان معظم منفذي تلك الهجمات من السعوديين، وهو ما يعيد النقاش على مستوى واسع حول دعم المال السعودي للمنظمات الإرهابية.
لتبقى الأرصدة المالية السعودية الكبيرة المودعة في المصارف الأميركية، والبالغة 2.2 تريليون دولار، خاضعة لخطر التجميد جراء قانون (العدالة ضد داعمي الإرهاب) أو ما عرف اختصاراً باسم قانون (جاستا) الذي يتيح رفع دعاوى قضائية ضد النظام السعودي تتيح تعويضات مالية كبيرة لضحايا هجمات 11 سبتمبر، والتي تصل إلى حوالي تريليوني دولار.
وطبقاً لمحامين أميركيين فإن التعويضات لن تطال فقط القتلى والجرحى الذين سقطوا في الهجمات الإرهابية، بل ستشمل الضحايا الذين تعرضوا لآثار نفسية جراء الهجمات الإرهابية التي استهدفت في 2011 برجي مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون، وكشفت التحقيقات أن 17 من منفذيها كانوا يحملون الجنسية السعودية.
كما تتهم نتائج التحقيقات أمراء من العائلة السعودية الحاكمة بالضلوع في تمويل وتجنيد عدد من الإرهابيين المنفذين لهجمات سبتمبر، ما يضع أمراء العائلة السعودية الحاكمة لأول مرة تحت طائلة الملاحقة القضائية.
المصدر خاص / لا