صافر.. جنة خاصة في قلب الجحيم العام
- تم النشر بواسطة لا / قسم التحقيقات

نحو مليون ريال راتب وأجور إضافية شهرية للسائق والحمال وتوظيف بزيادة ربط 196 %
في الـ4 من يوليو الفائت، أصدر القائم بأعمال رئيس الوزراء قراراً بتشكيل لجنة لمراجعة الموازنة التشغيلية المؤقتة (أثناء الأزمة) لشركة صافر المتعلقة بعمليات الاستكشاف والإنتاج النفطي للعام 2016.> كانت السلطة الثورية ممثلة في اللجنة الثورية العليا، قد تلقت ـ قبل ذلك ـ بلاغات تفيد بتجاوزات ضخمة في تقدير الموازنة التشغيلية للشركة، لا سيما في ظل جمود نشاطها الإنتاجي، عدا كميات محدودة من النفط المستخرج بهدف استخلاص مادة الغاز المنزلي المصاحب، وإعادة حقن ما سواه من غاز طبيعي في حقوله مرة أخرى.. وهو نشاط الحد الأدنى الممكن الذي نهضت به الشركة منذ اللحظة الأولى للعدوان السعودي الأمريكي على اليمن.
غير أن الموازنة المالية للشركة ـ وفقاً للبلاغات ـ ظلت أكبر بكثير مما يعوزه نشاطها الاضطراري المنخفض، قياساً بحجم الكادر الفعلي المقصود بهذه النفقات، فيما انفردت إدارة الشركة بصنعاء بالنصيب الأوفر منها.
وتبعاً لتلك البلاغات، أصدر القائم بأعمال رئيس الوزراء طلال عقلان، القرار رقم (و/8/1152) بتشكيل لجنة لمراجعة الموازنة التشغيلية للشركة، تألفت من (وزارة المالية، الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وجهاز الأمن القومي). وفي الـ6 من أغسطس الفائت، رفعت اللجنة للقائم بالأعمال تقريرها الذي تضمن جملة تجاوزات مالية وقانونية مسجلة على الشركة.
اعتمد التقرير على مقارنة الموازنة الحالية 2016 بموازنة العام 2013/2014 السابقة لتاريخ شن العدوان، وأكد أن الحالية هي أقل من (متوسط النفقات الفعلية الشهرية لنفس البنود للعامين 13 و2014)، ورأى أن ذلك أمر طبيعي، نظراً لأن الشركة زاولت نشاطها ـ في السابق ـ في ظل ظروف التشغيل العادية، على النقيض لما هي عليه اليوم.. (لذا فإنه لا يمكننا التأكد من مدى واقعية بيانات الموازنة الشهرية للعام 2016..)، بحسب التقرير، ونظراً للمؤشرات التي اتكأ عليها في استخلاص مراجعته، والمتمثلة في أن صرف المرتبات والأجور الشهرية للعديد من الموظفين تفوق الحد الأقصى المحدد في هيكل الأجور المعمول به في الشركة، حيث تعدد فارق الزيادة بين المرتب الأساسي المدفوع قياساً بالحد الأقصى للهيكل، في نموذج لـ8 حالات وظيفية مدروسة، أوردها التقرير، ليصل إلى مبلغ 362.343 ريالاً، لدى حالة تتقاضى 3 ملايين و56 ألفاً و698 ريالاً كراتب أساسي شهري مدفوع، فيما يضع هيكل الأجور حداً أقصى لها مبلغ مليونين و694 ألفاً و355 ريالاً..
ونص التقرير على أنه (لوحظ صرف المرتبات والأجور للموظفين الجدد خلال عامي 15 و2016، بزيادة عن بداية مربوط الدرجة المعينين فيها والمحددة في هيكل الأجور المعمول به في الشركة،...)، حيث تراوحت نسب الزيادة لدى بعض الحالات بين 194 و195%، في مهن (حارس/سائق) يتقاضى شاغلوها فعلياً 364 ألف ريال كراتب شهري، بزيادة فعلية على الحد الأدنى في هيكل الأجور، قدرها أكثر من 124 ألف ريال.. أما الأجور الإضافية فتجاوزت المحدد في لائحة الموارد البشرية المعمول بها في الشركة، والمتمثل في 50% على المرتب الأساسي كحد أقصى، لتصل إلى أضعاف المرتب ذاته، حيث تقاضى (عامل حمَّال) يعمل في مبنى الشركة بصنعاء ـ على سبيل المثال ـ مبلغ 617 ألفاً و354 ريالاً كأجر إضافي لشهر ديسمبر 2015م، ضمن 8 حالات أوردها التقرير كنماذج.
وبين عامي 2014 و2015، منحت الشركة ترقيات وزيادات (لم تتم المصادقة عليها من السلطة المختصة قانوناً، ترتب عليها أثر مالي على حجم الإنفاق فيها بنسب زيادة وصلت لدى بعض المستفيدين إلى 126%، وبأكثر من مليون ريال.
كما تم استحداث بدلات لبعض الموظفين بالمخالفة للبدلات المحددة في لائحة الموارد البشرية للشركة، ودون وجود اعتماد أو مصادقة من قبل السلطة المختصة، ما ترتب عليه زيادة في كلفة الأجور والمرتبات الشهرية.
تغذية بزيادة مليوني دولار لقوة وهمية
في 23 يونيو 2015، قامت الشركة بإجراء تعديل في عقد التغذية مع الشركة المتعهدة (YCI)، يسمح بأن تتم محاسبة هذه الأخيرة بشكل يومي عن 610 موظفين كحد أدنى غير مشروط بأن يكون هذا العدد موجوداً بالفعل في مواقع العمل، على نحو يتعارض ـ وفق التقريرـ مع العقد الأصلي قبل التعديل، والذي يشترط محاسبة المتعهد عن العدد الفعلي الموجود في المواقع.
في الفترة من أبريل 2015 وحتى أبريل 2016، بلغ متوسط عدد العاملين الفعليين 439 عاملاً يومياً، وباحتساب فواتير استحقاق المتعهد خلال تلك الفترة ـ يؤكد التقرير ـ فإن المبالغ التي ستدفع بالزيادة على العقد الأصلي تزيد على مليوني دولار أمريكي؛ أي ما يعادل 500 مليون ريال.
وبينما يبلغ إجمالي عدد العاملين في حقول صافر المختلفة 880 عاملاً وموظفاً، يعملون بنظام التناوب، فإن 403 أفراد شهرياً هم الحاجة الفعلية للمناوبة في ظل الظروف الطبيعية، من إجمالي القوة، ورغم ذلك كانت تجري محاسبة المتعهد عن 610 أفراد، بزيادة خارج إطار الإعاشة والتغذية الشهرية المستحقة فعلاً.
أبعد من ذلك، وفي إطار توزيع مصاريف التغذية على مراكز التكلفة المختلفة لعام 2016، جرى (تحميل مكتب وزارة النفط في محافظة مأرب بمبلغ يزيد على 660 ألف دولار، وبما يمثل نسبة 12% من تكلفة التغذية السنوية)، على الرغم من أنه ليس لمكتب وزارة النفط فرع مأرب، أية سلطة رقابية أو إشرافية على الشركة، كما يؤكد تقرير اللجنة المكلفة بمراجعة موازنتها التشغيلية.
156 فرداً لحراسة مقر الشركة في صنعاء
بمنأى عن حراسة الحقول والمنشآت التابعة للشركة، يتولى 156 فرداً من عدة جهات حراسة مقرها بصنعاء، وبتكلفة شهرية مقدارها 10 ملايين و900 ألف ريال، تنصرف في مواجهة عبء هذا العدد الضخم والمبالغ فيه من الحراس لمقر واحد في نطاق العاصمة صنعاء وحدها..
في حين يجري، بموازاة ذلك، صرف قرابة مليونين و800 ألف ريال شهرياً تحت مسمى (الحراسة) لعدد من الوجاهات القبلية والأمنية في صنعاء ومأرب، وهو إجراء يقول التقرير إنه لم يتمكن من (معرفة مسوِّغٍ قانوني له).
تطبيب خارج نطاق الخدمة
على صعيد متصل، تتحمل الشركة تكاليف التطبيب لـ277 موظفاً من موظفيها المحالين على التقاعد، دون سند من قانون يسوِّغ هذه الكلفة الإضافية في نفقات العلاج الطبي.
وتخصص الشركة مبالغ شهرية لمواجهة تقاعد الموظفين، تتسم بالمغالاة، رغم إسهامها في التأمين الاجتماعي لدى المؤسسة العامة للتأمينات والمعاشات، وتتحمل قسطاً شهرياً بنسبة 9% من إجمالي المرتبات والأجور؛ مع أن لائحة الموارد البشرية لها، وفقاً للمادة 205 منها، تشترط عدم صرف مكافأة نهاية خدمة لموظفين يستحقون معاشاً تقاعدياً بنص أحكام قانون التأمينات الاجتماعية.
إلى ذلك، فإن التقرير يرصد زيادة في بند المرتبات والأجور وما في حكمها بمقدار ما يربو على 307 ملايين ريال، حيث بلغ حجم المدفوع لشهر مايو الفائت ملياراً و250 مليون ريال (5 ملايين دولار أمريكي وفق ورودها في الموازنة المؤقتة للشركة).
11 مليون ريال شهرياً لأجانب
خارج اليمن
لا تزال الشركة تدفع مرتبات لـ7 أجانب غادروا البلد مع بدء العدوان، تصل إلى ما يربو على 11 مليون ريال، وبنسب متفاوتة مقدارها 100% للبعض، و50% للبعض الآخر.
توسُّع عقاري ومديونية
خارجية وداخلية
وثمة توسع يقول التقرير إنه غير مبرر في عدد العقارات المستأجرة في مقر الشركة بصنعاء، تستمر إدارتها في دفع إيجاراتها، ويؤكد مطلعون ـ بمنأى عن التقرير ـ أنها عقارات باتت خالية من القاطنين عقب مغادرة طواقم الخبراء الأجانب لحظة مباشرة العدوان على اليمن، وكان بوسع الشركة الاستغناء عنها حقناً لنفقاتها الباهظة، علاوة على وفرتها (غير المبررة).
ويحذر التقرير من استمرار تصاعد حجم الديون والالتزامات التي على ذمة الشركة لشركات أجنبية ومحلية، ما قد يفضي بها لتحمل غرامات تأخير كنتيجة لعدم السداد في المواعيد المحددة.
وتبلغ الديون التي على عاتقها للغير ما يزيد على 40 مليون دولار في مايو الفائت، فيما تقدر الديون المستحقة للشركة لدى الغير بما يربو على 236 مليون دولار، منها 234 مليون دولار، لدى (الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال) تماطل إدارة هذه الأخيرة في سدادها أولاً فأولاً لـ(شركة صافر) مقابل حصتها من تكاليف تشغيل منشآت المنبع، بينما لا تبدي وزارة النفط والمعادن ـ حد التقرير ـ أية جدية في إلزام (شركة الغاز المسال) المديونة لـ(ش/صافر) بالوفاء بمبالغ المديونية، كما ولا تنهض بدور في حسم أي خلافات تطرأ نتيجة تفسير بنود الاتفاقيات المبرمة بوصف الوزارة صاحبة الصلاحيات ـ منذ وقت مبكر ـ في التعامل مع اتفاقية (تطوير الغاز الطبيعي).. الأمر الذي يفضي لاستمرار تحمُّل الخزانة العامة للدولة العبء الأكبر في تكاليف التشغيل مع استمرار العمل باتفاقية (توزيع مصاريف تشغيل منشآت المنبع) المجحفة بحق الدولة، إذ تحوز الشركة اليمنية للغاز الطبيعي (YLNG) على ما يربو على 70% من إجمالي الإنتاج اليومي من حقول ومنشآت صافر، بمعدل 176ـ198 ألف برميل نفط يومياً، بموازاة نحو 45ـ67 ألف برميل يومي للدولة، فيما تنوء الشركة المذكورة بـ30% من تكاليف التشغيل، وتتلكأ في دفع حصتها من تكاليف التشغيل والخدمات المقدمة لها رغم نصيبها الأوفر من ريع الإنتاجية.
وبالعودة لحصيلة مراجعة الموازنة التشغيلية الشهرية لشركة صافر ـ موضوع التحري ـ والتي تقدر بـ(7 ملايين و563 ألفاً و430 دولاراً) شهرياً، يذكر التقرير أن القروض الممنوحة لموظفي الشركة تحت مسمى (إسكان، شخصية) وسواها، بلغت حتى نهاية مايو الفائت (22 مليوناً و602 ألف و560 دولاراً)، أخذاً في الاعتبار أن أحد مصادر دخل الشركة في الظروف الراهنة بات بصورة مركزة يعتمد على استرداد الأقساط المستحقة على المقترضين.
إجراءات لا بد منها
يخلص التقرير إلى أن على الشركة مراجعة موازنتها المؤقتة على أسس سليمة وواقعية تراعي ما تمر به البلاد من ظروف صعبة، ومع جمود نشاط الشركة الإنتاجية بفعل العدوان، كما أن عليها ترشيد مصروفاتها وقصرها على النفقات الحتمية، والالتزام بهيكل الأجور ولائحة الموارد البشرية الخاصة بها.
ويعلق التقرير على القائم برئاسة الوزراء توجيه الشركة للقيام بحزمة الإجراءات تلك كأمر لا مناص منه.
يبقى السؤال بعد مضي نحو 3 أشهر من رفع التقرير، هو: هل بات العمل بتوصياته جارياً قيد الواقع؟! أم أن الأمر برمته لا يتعدى كونه قرصة أذن بهدف لفت الانتباه والعتب؟!
المصدر لا / قسم التحقيقات