حجـة.. حيث الغيم يصلي ويُعانقُ الفصول الأربعة
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا

مـــــــــن هنــــــــا.. مــــــــرّتِ الحـــــرب!
حجـة.. حيث الغيم يصلي ويُعانقُ الفصول الأربعة
صامدة بحجم جبالها... كيف لا وهي معلقة الضباب الفاتنة؟ عروس اليمن وشدوه الأنيق.. في ذرى الجبال وآفاق الوديان المطرزة بالنبات الكثيف.. على سفوحها تلتقي الفصول الأربعة..
(حجة).. تلك المحافظة الجميلة التي تتعانق فيها الجبال، وتتصافح الوديان، والبحر والسهل متجاوران.. جبال متوجة بقلاعٍ وحصون، ووديان مزينة بأشجار وينابيع، وبحر ينتهي بجمالٍ وخيال.. هواء نقي في جبالٍ شاهقة.. تاريخ مُطل من حصون وقلاعٍ شامخات.. وقصور أثرية تتميز بفنها المعماري الفريد..
تقع (حجة) إلى الشمال الغربي للعاصمة صنعاء، وتبعد عنها حوالي 123 كيلومتراً، ويشكل سكان المحافظة ما نسبته 7.5% من إجمالي سكان اليمن، وتحتل المرتبة الخامسة بين محافظات الجمهورية من حيث عدد السكان، وتعتبر حجة صاحبة أكبر تقسيم إداري على مستوى الجمهورية اليمنية؛ فهي مترامية الأطراف، وتتكون من 31 مديرية.. ومدينة حجة مركز المحافظة.
سفن عائمة في المحيط
تتميز حجة بخطٍّ ساحليٍّ جميل توجد خلاله مجموعة من الجزر، كأنها سفن عائمات في المحيط.. وتحيط بحجة الأودية من جميع الجهات، كما تمتاز باحتوائها على عددٍ من مواقع المياه الطبيعية الحارة التي يؤمها الناس للاستحمام؛ لكونها تحتوي على عناصر معدنية وكبريتية، للاستشفاء من بعض الأمراض.. كما أن مناطق حجة حافلة بمختلف المعالم الحضارية من قصورٍ وحصون تعود لحقبٍ تاريخية متنوعة في العصرين الإسلامي والقديم، لذلك تعتبر من أجمل محافظات ومدن الجمهورية، وأكثرها جذباً للسياح، خاصة قبل العدوان، حيثُ كانت أكثر المصايف زيارةً... ناهيك عن مقوماتها السياحية من طبيعةٍ جبلية، وقممٍ عائمة بين الضباب، ومدرجات زراعية خضراء، وعادات وتقاليد وموروثات شعبية، وفلكلور مدهش.. كل تلك المقومات تؤهل (حجة) أن تحتل أعلى المراتب بين مناطقِ الجذب السياحي في اليمن..
.. وللتاريخ حكاية
(حجة) بفتح الحاء المهملة الأصل، وضمها مع تشديد الجيم المعجمة.. تنسب إلى (حجة بن أسلم بن عليان بن زيد بن جشم بن حاشد).. وعبر مراحل التاريخ شهدت محافظة حجة أحداثاً وتطورات هامة، وعلى قمم جبالها العالية وسهول وديانها السهلية والساحلية، قامت مراكز حضارية لاتزال آثارها شامخة كالطود في كل من: الظفير، مبين، كحلان عفار، الصلبة، كعيدنة، قفل شمر، المحابشة، الشاهل، ميدي، حرض، مستبأ. كما أنها تميزت بمساحات واسعة تمتد من أعلى الجبال الشاهقة والمنحدرة في اتجاه الوديان والمنخفضات السهلية، والتنوع في طبيعة تضاريسها، إلى جانب خصوبة التربة ووفرة المياه والمناخ الملائم، كلها عوامل ساعدت على استقرار الإنسان في هذه المحافظة منذ وقت مبكر، حيث مارس نشاطه، مخلفاً آثاره المعبرة عن واقع هذا النشاط وإنمائه عبر مراحل تطوره الحضاري..
كانت مدينة (حجة) بلاداً حصينة حسب المصطلح الحربي القديم؛ إذ تحيط بها 3 قلاع حصينة تشكل حزاماً أمنياً، وهذه القلاع هي: (قلعة القاهرة) التي تقع وسط المدينة على قمة جبل مرتفع محصن بطبيعته، وهذا الحصن يعود تاريخه إلى القرن الـ11 الميلادي، أثناء فترة حكم الدولة الصليحية، والحصن الآخر، هو حصن (نعمان)، ويقع بمحاذاة حصن (القاهرة) على ربوةٍ مرتفعة، محصن بطبيعته الجغرافية، وأيضاً حصنا (الجاهلي والظفير)، وهذه الحصون كانت تشكل حزاماً أمنياً لمدينة حجة في العهود الماضية..
وقد ذكرت المصادر التاريخية أن هناك مناطق في محافظة حجة تنسب إلى تبابعة حمير، منها منطقة (قفل شمر) الواقعة في بلاد الشرفين، التي وجد بها سوق (الجريب) الذي قال عنه الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب): (والجريب سوقهم الأعظم يتسوقه يوم وعده ما يزيد على 10 آلاف إنسان)، وكذلك سوق (قطابة) الواقع حالياً في (كحلان عفار)، وهو ضمن الأسواق المشهورة، وسوق (الأحد) بالمحابشة، وغيرها من الأسواق الأسبوعية.
على أجنحةِ السفر..
بعد أن غادرنا العاصمة صنعاء، ملوّحين لها بالوداع، على أن نستأنف العودة لرباها بعد رحلةِ الشوق لحجة، تجاوزناها إلى محافظة عمران، حينها لا بد عليك اجتياز لسان إسفلتي طويل حتى مشارف مدينة حجة، لكن مهلاً.. هنا على جانبي الطريق كان لطائراتِ العدوان آثار جرائمه بقصفه للنقاطِ الأمنية ليلة البارحة، الواقعة على طولِ خط عمران ـ حجة.. أكثر من 6 نقاط أمنية استهدفها القصف، وباتت أثراً بعد عين..
أسطورةُ الخذالي..
(الخذالي) جبل شاهق أو هوّة سحيقة، له حكاية أسطورية، يقع في المدخل الجنوبي لمركز مديرية كحلان عفار، وتقطعه الطريق الرئيسية بين حجة وعمران، من منتصفِ الهاوية، وقد نفذت عملية الشق أيام الإمام أحمد، شركة صينية، وسقط نتيجة وعورتها المرتفعة وانحدارها الشديد بعض من العمال الصينيين، لذا أقيم لهم ضريح تذكاري في المدخل الشمالي لمدينة حجة، مازال موجوداً حتى اليوم. والمكان يُعتبر معجزة معمارية كبيرة. حين يمرُّ المسافرون من (الخذالي)، لا بد أن يتوقفوا ليشاهدوا المناظر الخلابة والمنحدرات الخضراء، من ارتفاعه الشاهق، وقد حاول طيران العدوان السعودي استهدافه لأكثر من 3 مرات.
تجاوزنا أسطورة قمة (الخذالي)، واقتربت بنا السيارة بعد سويعاتٍ من مركز المحافظة، وهنا همستِ الحروف... حين لمحت مقلتاي معلقة الضباب الفاتنة، وهمس القلب بصلواته لعاصمة الجمال مدينة (النصر)..
حينها نبتت أشجار الدهشة على لساني، وابتهلتِ الأصابع بغيمة هاطلة من ضبابها الكثيف الذي يكسوها كعمامةٍ بيضاء، تجلل هيبتها الوقورة، فوجدتُ نفسي تردد مع الشاعر العربي سليمان العيسي:
(مدينة القمة الهادئة، والنسمة النقية القريبة جداً
من ملاعب طفولتي
تتلقاني على هذي الذرى
نسمة تحمل بيتي وصِبايا
يا شذا الوادي ويا همس السما
في الأعالي.. أي نهرٍ في الحنايا
وصل الدنيا... تلاقت حجة
وذؤاباتِ الدوالي في رؤايا
* *
حارتي... أرشفها صمتاً هنا
وحنيناً هي في وقع خطايا
في شرودي فوق هذا المنحنى
في حديثي ورفاقي.. في التحايا
نحن يا هذي الربا سرب قطا
طار في الأرض، ومازال شظايا
**
إنني أبحث عنها في دمي
مذ تنفست وفي الجمر يدايا)
وبعد أن ألقينا تحية القوافي الهامسة على مدينة حجة الجميلة، ومررنا بمواقعها الحضارية والتاريخية، كقصر (سعدان) التاريخي و(القصر الجمهوري) بالمدينة حالياً، إضافة إلى قلعة (القاهرة) الواقعة في أعلى ربوةٍ مرتفعة، والتي تم تجديد بنائها في القرن الـ16 الميلادي خلال الحكم العثماني لليمن (1539ـ1555م)، كذلك جامع هجرة (الظهرين) ومسجد وبركة (حورة) التي ارتبط اسمها بالتاريخ الحربي آنذاك.. هنا تلمستُ المكان، وألقيت عليه نظرةً عابرة، وصعدت على أعلى قمةٍ لأحاور الغيم بهمسه الناعم والعذب، الذي حرك في مشاعري شجناً لانهاية له... وهنا أمسكتُ بدفتري لأُقلّب بين أوراقه صفحة كل (مديرية) تمتاز بمميزاتٍ عديدة، بين 31 لؤلؤة..
(ميدي) الباسلة..
من بين سارياتِ الغيم بمدينةِ حجة، ومن برودةِ الجبل إلى دفءِ الساحل الذي أكسبها تنوعاً كبيراً، وميزة خاصة، حيث مررنا بالخط الساحلي الطويل على امتداد 4 مديرياتٍ ساحلية ترتبطُ بالخط الدولي مع (جارةِ السوء) السعودية، هي كالتالي: عبس، حرض، حيران، ميدي.. والأخيرة باتت جبهة ساخنة في مواجهةِ العدوان الذي دمّر كل شيء فيها، وباتت هدفاً مباشراً لأشرسِ أنواع القصف والغارات، براً، وبحراً، وجواً. وقبل الوصولِ إلى شاطئِ (ميدي) الأزرق يمرُّ موكبُ السفر بعبس، وحرض، وحيران، وصولاً للشاطئِ الذي بات إحدى أهم جبهات الصمود الأسطوري.
من الصعوبةِ بمكان المرور بهذه المدن الواقعة تحت (خط النار)، والتي لا يمر يوم دون أن تتلقى قصفاً عنيفاً استهدف كل شيء، منازل المواطنين، مدارس، مطاعم، فنادق، مؤسسات حكومية وخاصة، وباتت مدن أشباح نظراً للنزوحِ الكبير منها، حتى مزارع (المانجو) الشهيرة، والتي تزوّدُ معظم أسواق الجمهورية بفاكهةِ المانجو ذات المذاق المميز، والمعروفة بمزارعِ (الجر)، هي الأخرى لم يستثنها العدوان من صواريخه الحاقدة.
(سويسرا اليمن)
مرة أخرى نصعد قمة الجبل لنستمتع ببانوراما الجبال، لتفتح لنا (الشاهل) ذراعيها.. المدينة التي تغسل عينيها بماء الإبداع، فكل ربوةٍ أنجبت مبدعاً وفناناً يضاف لرصيدها التاريخي، أمثال الشاعرين الكبيرين محمد الشرفي، وحسن الشرفي. وليس ببعيدٍ عن (الشاهل) استضافتنا (المحابشة)، لؤلؤة الشرفين، والتي زارها أحد الكتّاب اللبنانيين في بداياتِ القرن المنصرم، فذيّل زيارته لها بمقالةٍ نشرها بعنوان (سويسرا اليمن)، نظراً لاشتهارها بجبالٍ يكسوها البهاء على مدار السنة، والتي تخرّج من مدرستها العلمية كبّار العلماء والمبدعين إبّان انتشار (كتاتيب العلم) آنذاك. وفي ساحةِ (القطف) استقبلتنا المدينة بالبشاشةِ والترحاب، رغم أوجاع الحرب التي انعكست على نمطِ الحياة هناك، واللجوء إلى البدائل المتاحة لمواصلةِ الصمود في وجه عدوانٍ غاشم، كــ(تناوير الحطب) التي ترى دخانها يتصاعدُ من أرقى البنايات، وذلك تماشياً مع أوضاع الحصار الاقتصادي.
صعدنا قمة (القاهرة) الجبل الذي يطل على مدينة المحابشة، حيثُ لعب دوراً كبيراً على مدى تاريخ الحروب والثورات، ومن قمةِ الجبل تأملنا المكان وخضرته البديعة.. ثم حلّقنا وواصلنا تحليقنا باتجاه مدينة (المفتاح) التي تبتهل على قمة جبل الأحبة، وتزرع حلم اللقاء لغدٍ أجمل..
حلم على صهوة الوقت
ولازلنا عزيزي القارئ، بين قممِ الجبال نحلق.. هنا ابتسمت لنا (مبين) مدينة تسرج حلمها على صهوةِ الوقت، تروي حكاياها بصمت لـ(حصن الجاهلي)، الذي يحرسها من تقلبات الزمان، فاستقبلتنا (كحلان عفار) مدينة تُحلق بأجنحةِ الغيم الدائمة، والتي تحرسها بحنانٍ أسطورة (الخذالي)، ثم استضافتنا (بني قيس) بكأس عسل لذيذ، فلبينا ضيافتها الرائعة بعد أن تذوقناه.. واتجه بنا موكب الرحلة صوب (الشغادرة) مدينة تطل من نافذة التاريخ العريق.. ثم هبطنا قليلاً من برودة الجبال المرتفعة صوب سهول تهامة الدافئة، فاستقبلتنا (عبس) مدينة الدهشة والأرض المعطاءة، ومررنا بمزارع (الجر) الغناء، وتذوقنا من ثمار المانجو اللذيذ، ومرة أخرى صعدنا باتجاه الجبال، حيث (قفل شمر) تختزل الحب في سهل (خطاب)، وتدعونا (نجرة) مدينة الهضاب الخضراء، إلى الاستمتاع بمناظرها الخلابة.. وعلى جبل آخر استضافتنا (كعيدنة) مدينة الفصول الأربعة، وعشنا لحظتها 4 فصول في لحظةٍ واحدة، ثم انطلقنا مذهولين صوب (خيران المحرق)، وهي تكتب أبجديتها على ضفاف الوادي الذي يمنحها من خيراته، واتجهنا إلى (كحلان الشرف) فوجدنا الطيور تصلي بين مروجها الغناء، وتصفحنا كتاب (وشحة) مدينة المخطوطات ومعاقل العلم، ورمقنا بإعجاب طبيعة (بني العوام) المدينة التي يغني العشب على قممها الساحرة، ووجدنا بانتظارنا (كشر) معزوفة الغابات الخضراء، و(مستبأ) تلال تسكن الروح، و(أفلح اليمن) هدية السماء للطبيعة الغناء، و(حيران) المستلقية بدفء التهائم، و(أفلح الشام) مدينة الذهب، و(أسلم) موطن الكوافي الخيزران، و(قارة) مدينة المطر. ثم استرحنا من تجوالنا الطويل في (شرس)، واستضافتنا بكأس البن القُدمي الشهير، ثم عاودنا ترحالنا في مديريات (حجة)، حيث سحر الطبيعة الخلابة، ووجدنا (الجميمة) متوجة بقمم الجبال، و(وضرة) مدينة القلاع، ثم توقف بنا زورق الرحلة في (المغربة)، وعند محطتها الأخيرة وجدنا لافتة بتوقيع الشاعر التهامي أحمد سليمان، وهو يقول:
(حجة هنا الجو مشهور بروعته واعتداله
إن زارها أي زائر يرجع وهي في خياله)
موطن الإبداع
ولحجة وجه حضاري آخر، وجه غيّر مسار الأيام.. إنهم المبدعون، الكنز الحقيقي لارتقاء الأوطان، فكل قرية في حجة أنجبت مبدعاً عظيماً، ذاع صيته في الأرجاء، وكل رابية وقف على صمتها علاّمة وفقيه، وكل بستان أخضر لامست أوراقه أنامل شاعر مرهف الإحساس.. فمن هنا حلقت كلمات: (واطائر أمغرب) و(مطر مطر) و(كاذي شباط) و(ريم أرض الشرف) و(سائق أمجيب) و(أنت جنبي ورنات الوتر) و(مساك بالخير مساك.. وصبحك بالمحبة)... كل تلك الباقة الجميلة لشعراء حجة المرهفي الإحساس الذين وضعوا بصماتهم في الساحتين الثقافية والأدبية الوطنية.
كما أن حجة أنجبت كبار الساسة، والعديد من الفقهاء والعلماء والصحفيين والكتّاب، الذين ينحدرون من هذه المحافظة ومن مناطق (الشرفين) التي معظم أبنائها ينتشرون في كل أنحاء الوطن. ومازالت محافظة (حجة) حتى اليوم ترفد الساحة الثقافية بأسماء تنحت وجودها في صميم الإبداع.
حواء في خط المنافسة
لعل أهم ما يؤرق المهتمين بالثروة المائية، هو استنزافها العشوائي في ري (القات) الذي تمّتْ زراعته على حسابِ (البن)، ناهيك عن إهدار الأوقات في جلساته الخاصة بين الرجال والنساء في مجتمع (حجة)، وخاصة القاطنين في مناطق (الشرفين)، كون المساحات المزروعة يسيطر عليها (القات) بشكل كبير، بعد أن كانت أهم المناطق المصدّرة (للأرز) إلى دول الجوار آنذاك؛ ونتيجة تلك المساحات الكبيرة المزروعة باتت منطقة (الشرفين) صاحبة أكبر سوق (للقات) في اليمن، وهو سوق (المخضيرة) الذي يتوسط مديريات الشرفين، ويقع بمديرية المحابشة، ويباع في ذلك السوق أشهر أنواع (القات) كـ(الشامي) الذي يصل سعر (الربطة) الواحدة منه إلى 150 ألف ريال..! وتلك مصطلحات يختص بها مزارعو (القات)، وخاصة (القات الشامي) نسبة إلى مناطق (الشرفين والمحابشة)، كذلك القات (الحرامي) الذائع الصيت، نسبة إلى جبل (حرام) بالشاهل، و(الحجري) نسبة إلى عزلة (حجر) بالمحابشة.. إلخ تلك الأنواع والمصطلحات.
ويشكو المزارعون، في الآونة الأخيرة، من أن أسعار القات تراجعت كثيراً مع الحرب..
حتى (حواء) دخلت خط المنافسة في تلك المناطق، لتنافس (آدم) في (الولعة)، فمعظم الشابات والمراهقات تجدهن منتفخاتِ (الأوداج)، ففي جلسات النساء الخاصة يتعاطين (القات)، ويتفاخرن بأجودِ الأنواع، وكذلك الشباب والشيوخ، وحتى صغار السن، الكل مع (الكيف) وبس..!
الأصالة تتفوق على المعاصرة
تتنوع العادات والتقاليد وأنماط الحياة اليومية بين سكان الجبل والسهل، تنوعاً ملفتاً؛ كون محافظة حجة تتوزع جغرافيتها بين السهل، والجبل، والبحر، فانعكس ذلك التنوع على تميز كل منطقة ومديرية من حيث الملابس التقليدية للرجال والنساء، وكذلك بالنسبة للحلي والمجوهرات وأدوات الزينة و(الجنابي) والكوافي (الخيزران) وأغطية الرأس (كالظلل) (الطاقيات)، المصنوعة من سعف النخيل، بالإضافةِ إلى تنوع الرقصات والإيقاعات المصاحبة لها، وغيرها من العادات الجميلة التي لازالت تواجه مغريات العصر، وتحافظ على أصالتها، كالتكافل الاجتماعي والتعاون بين الأهالي في الأعراس والمناسبات المختلفة، فمثلاً أهل (العُرس) في الولائم لا يطبخون إلا اللحم، وبقية الأكلات يأتي بها الجيران والأقارب جاهزة، يُشعرون صاحب المناسبة أنه ليس وحده، وتلك من المميزات التي قل أن تجدها في منطقةٍ أخرى.
(الخيزران) و(الشيلة)
تمتاز حجة على مستوى اليمن بصناعة الكوافي (الخيزران) المصنوعة من ألياف النخيل، وخاصة مديرية (أسلم) التي تُجيد ذلك الفن الفريد.. وقد يبلغ سعر الكوفية الواحدة من 70 إلى 100 ألف ريال.. والتي قد يتباهى بها العريس وبثمنها المرتفع وهي تعتلي رأسه في ليلة عُرسه، حيث إن معظم مناطق (الشرفين) تكون الكوفية (الخيزران) جزءاً من عاداتها وتقاليدها في الأعراس وفي غيرها من المناسبات.. حتى علية القوم والمشائخ ما زالوا يحافظون على ارتدائها.. وكما هي حرفة نادرة، كذلك تدخل في صناعة الكوافي الخيزران مواد دقيقة جداً ومعقدة، وتستورد مادة مهمة تدخل في صناعتها من دولة الهند.. وقد يكون ذلك هو سبب ارتفاع سعرها.
بالإضافة إلى صناعة الكوافي الخيزران، تنتشر في محافظة حجة العديد من الصناعاتِ الحرفية، والمشغولاتِ اليدوية، سواءً في المناطق الجبلية، أو السهلية، حيث تشتهر أيضاً بصناعة (الظلل)، وهي عبارة عن قطعة دائرية الشكل تقي حاملها من حر الشمس، وهناك نوع يخص النساء، تكون صغيرة الحجم، تضعها المرأة فوق رأسها أثناء خروجها من المنزل، وتضعها في مقدمة الرأس فوق زي تقليدي يُسمى (الشيلة)، وتغطي وجهها بتلك القطعة (الشيلة) كحجاب يستره.
ويضاف إلى ذلك صناعة الفخار، وهي صناعة متجذرة. وكذلك تتميز المحافظة بصناعة (العسيب) من شجرة (الطنب)، ويستخدم كغمد للجنبية.. وغيرها من الصناعات التي تتفنن المحافظة بإنتاجها.
حجة.. صباحات الحلم الجميل
إذن.. تلك هي محافظة (حجة) بجمالها وسحر طبيعتها، وتناقضاتها التي أعطتها الاختلاف والتميز.. (حجة) التي تنام على قصائد (الشرفي) و(جحاف)، وتصحو على صوتِ (أيوب) و(فيروز)، وتحوي كل الوافدين إليها من كل أنحاء اليمن، وتناغي الطيور في سماوات الله الواسعة، بأجمل ألحان (الإنشاد) الديني، الذي يعيش قمة ازدهاره على أيدي الشباب المهتمين بهذا الفن الجميل.
(حجة) التي تغتسل صباحاتها بشجن الحلم الجميل، الذي يراودها صوب الغد الأجمل.. وهنا تلوح هذه السطور في آخر الأوراق بقصيدة موقعة بأنامل الشاعر (حسن عبدالله الشرفي) التي قالها وهو بين مروجِ وادي (نخبان)، في سبعينياتِ القرن الـ20، وهو يسمع الرُّبى تتغنى والصبايا تُطل من مدخل الوادي الذي ألهم شاعرنا بالعديد من القصائد الغنائية، وصدح بها الفنانون، كأغنية (ريم نخبان)، وغيرها من الروائع:
(قف هنا تسمع الرُّبى تتغنى
والسواقي تجري فرادى ومثنى
والصبايا تطل من مدخل الوادي
فتصبي قلب الشجي المعنَّى
غاديات كأنها اللؤلؤ المكنونِ
تمشي مشي الحمام الهوينا
تتناغى من كل تلٍّ فيهفو
كل غصنٍ وينتشي كل مجنى
ملتقاها على حواشي غديرٍ
عينه لاتزال كالطل وسنى
وبواكير الزرع في السهل تبدو
مثل نقشِ الحنا براحةِ حسنا)
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا