أقلام من رصاص هزمت الأباتشي والـ f16
شهداء.. على مذبح الحقيقة

سيمثل الخميس الـ26 من مارس 2015م، واحداً من أسوأ الأيام في التاريخ العربي المعاصر، حيث شنت السعودية، ومعها تحالف من 10 دول، عدواناً سافراً ضد اليمن، بعمل إرهابي مدان ومستنكر ومجرم في كل الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الأممية والأعراف والأخلاق الإنسانية.
لم يتوقف العدوان السعودي عند استهداف البنية التحيتة والمنشآت الحيوية ومقدرات الشعب اليمني، بل امتد لاستهداف الأحياء السكنية وقتل المواطنين اليمنيين، وتدمير المصانع، والمطارات، والطرقات، والجسور، ومحطات الوقود، ومخيمات النازحين، ومزارع الفلاحين، في عدوان همجي يستهدف اليمن وبنيته التحتية ومنشآته الخدمية ومؤسساته الإعلامية التي تقف ضد العدوان.
تدمير وتعتيم
لم تكد تمر 3 أيام على بدء العدوان السعودي حتى بدأت بوادر استهداف وسائل الإعلام، حيث طالب محللون وكتاب سعوديون باستهداف وسائل الإعلام التي اعتبروها مناهضة للعدوان السعودي.
وانعكست تلك المطالبات بسرعة في موقف رسمي للعدوان أعلنه الناطق باسم تحالف العدوان العميد الركن أحمد العسيري، في مؤتمره الصحفي مساء الأحد 29 مارس 2015م، بالقول إن القنوات التابعة للرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين، ضمن أهداف الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف، في إشارة ضمنية إلى قنوات (اليمن اليوم)، (آزال) و(المسيرة).
وفي انتهاك واضح لحرية الرأي والتعبير ولكل القوانين والمواثيق والعهود الدولية والوطنية, خطط العدوان السعودي منذ البداية لاستهداف وسائل الإعلام اليمنية التي تقف ضد العدوان، وتقوم بنقل الحقائق والمعلومات الخاصة بما يلحقه العدوان من قتل وتدمير وآثار كارثية ضد الشعب اليمني ومقدراته.
ففي الـ20 من أبريل 2015م، شن طيران العدوان السعودي ضربة جوية على جبل (فج عطان)، ما أدى إلى تضرر المقر الرئيس لقناة (اليمن اليوم) الفضائية الواقع بالقرب من المنطقة المستهدفة، واستشهاد 4 من موظفيها، منهم المذيع محمد راجح شمسان، وإصابة أكثر من 10 أشخاص آخرين، بينهم المصور عبدالله الشاكري، وإحداث أضرار كبيرة في مبنى القناة ومحتوياته.
وبعد 10 أيام من استهداف العدوان السعودي لقناة (اليمن اليوم)، شن طيران العدوان في 30 أبريل 2015, غارة جوية استهدف فيها مكتب قناة (المسيرة) الفضائية بمدينة صعدة، وأدى القصف الصاروخي إلى تدمير مبنى القناة وإلحاق أضرار بالغة بالمباني المجاورة له من محلات تجارية ومنازل مواطنين مدنيين.
وجاء قصف قناة (المسيرة) ليؤكد حقيقة استهداف العدوان السعودي لوسائل الإعلام بشكل متعمد، في محاولة لإسكات أصواتها ومنعها من أداء رسالتها الإعلامية في كشف وفضح النتائج الكارثية التي يسببها العدوان السعودي من خلال استهدافه للمدنيين الأبرياء، وتدميره للبنى التحتية والمنشآت الحيوية ومقدرات الشعب اليمني.
واستشهد المصور الصحفي بقناة (المسيرة) الفضائية بلال شرف الدين، أثناء تغطيته للقصف الوحشي في منطقة الجراف في العاصمة، جراء استهداف طيران العدوان منزل أحد المواطنين وراح ضحيته 13 مواطناً، بينهم أطفال ونساء، مساء 16 سبتمبر العام الماضي.
وشن طيران العدوان السعودي الأمريكي، في 29 أغسطس من العام الجاري، غارة على مديرية المتون محافظة الجوف، وأصيب فيها مصور قناة (المسيرة) أحمد حسن حمطان.
وأودى القصف الجوي الذي استهدف العاصمة صنعاء في 9 فبراير الماضي, بحياة منير الحكيمي، المذيع بالتلفزيون اليمني، وزوجته، سعاد حجيرة، الموظفة الإدارية بالتلفزيون، فضلاً عن أبنائهما الثلاثة.
ولم يقف العدوان السعودي على استهداف الإعلاميين المناهضين لعملية إبادته لليمنيين، بل تعداها إلى استهدافه لمراسلي القنوات والإذاعات الخارجية التي تشارك دولها في العدوان, حيث أدت غارة جوية للعدوان على منطقة جارف في صنعاء, إلى إصابة الصحفي اليمني المقداد مجلي بشظايا أثناء بحثه عن شهود على تلك الهجمات الجوية لإعداد تقرير لإذاعة (صوت أمريكا), ليفارق الحياة متأثراً بجراحه قبل وصوله إلى المستشفى.
ووقع تفجير استهدف مبنى وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بالعاصمة صنعاء، مساء 24 يونيو 2015، وأسفر عن مقتل أحد أفراد حراسة المبنى وإصابة اثنين آخرين من الجنود.
كما اختطف الصحفي محمد المقري مراسل قناة (اليمن اليوم)، بعد قيام مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة باقتحام منزله في مدينة المكلا في 25 فبراير الماضي، ولا يزال مصيره مجهولاً حتى اليوم.
ولم يكن استهداف وسائل الإعلام اليمنية التي تناهض العدوان، يقف عند تعمد العدوان السعودي قصف قناتي (اليمن اليوم) و(المسيرة)، بل تعداه إلى قيام العدوان السعودي بحجب مواقع إخبارية يمنية رافضة للعدوان.
وفي محاولة رعناء تهدف إلى تضليل الرأي العام والتعتيم على حرية الكلمة واستهداف وسائل الإعلام اليمنية، قامت السعودية بإسقاط تردد القنوات الفضائية آخرها قناة (المسيرة)، ومحاولة التشويش على الترددات الإذاعية، واستنساخ موقع وكالة الأنباء اليمنية (سبأ).
وأقدمت السلطات السعودية على حجب الصحيفة الإلكترونية (المؤتمر نت) عن المتصفحين داخل أراضي المملكة العربية السعودية.. ويهدف هذا الإجراء البوليسي إلى حجب حقيقة العدوان الذي تمارسه السعودية على اليمن، وهو العدوان الذي يستهدف اليمن أرضاً وإنساناً، ويدمر البنى التحتية والمرافق العامة والخاصة، ويرتكب أبشع الجرائم بحق المدنيين. 
وعلى ذات المنوال، حجبت السلطات السعودية موقع وكالة (خبر) للأنباء، وموقع (المنتصف نت) الإخباري عن المتصفحين والقراء في المملكة. كما أقدمت على حجب محرك البحث اليمني المستقل (صحافة يمن) عن المتصفحين في الأراضي السعودية.
ووسط صمت العالم الذي وفر لهذا التحالف الشيطاني الغطاء والإفلات من العقاب, وزع تحالف العدوان جرائمه على كل قطاعات وفئات المجتمع، مستهدفاً على نحو مباشر وسائل الإعلام، فتعمد إيقافها والتعتيم عليها واستنساخها بهدف حجب الحقيقة وقتلها معنوياً، كما لم يتورع التحالف عن استهداف المؤسسات الإعلامية والإعلاميين بالقتل والتدمير وبالتهديدات المتلفزة والوقحة. ومن لم يقتل من الصحفيين في اليمن على نحو متعمد، قتل وأصيب مع المدنيين في المجازر الدموية التي شنها العدوان تباعاً على اليمن، وأبرزها مجزرة الصالة الكبرى التي أصيب فيها 6 من الإعلاميين، ولا يزال بعضهم عاجزاً عن العلاج في الخارج بسبب الحصار والحظر الجوي الذي يفرضه العدوان بتواطؤ من الأمم المتحدة والقوى المهيمنة في مجلس الأمن الدولي. 
وبلغة الأرقام رصد اتحاد الإعلاميين اليمنيين ووثق جرائم العدوان تجاه الإعلام والمؤسسات الإعلامية في الوطن، وذلك على النحو التالي:
- مقتل أكثر من 30 إعلامياً جراء الغارات والقصف المباشر.
- إصابة 6 إعلاميين في مجزرة الصالة الكبرى.
- إصابة نحو 10 من الإعلاميين في الغارات العدوانية.
- استهداف أكثر من 7 مؤسسات إعلامية وتدمير مبانيها.
- توقف عدد من الوسائل الإعلامية بسبب الحصار وأزمة المشتقات النفطية.
- حجب واستنساخ القنوات الوطنية المناهضة للعدوان والقنوات الصديقة للشعب اليمني. 
- إغلاق عشرات المواقع الإلكترونية المناهضة للعدوان.
- حجب عشرات الصفحات الشخصية لناشطين إعلاميين على شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، بسبب مناهضتهم لتحالف العدوان السعودي الأمريكي على اليمن.
- إغلاق قنوات (اليوتيوب) التابعة لقناة (المسيرة) عدة مرات.
حجب الحقائق
منع دخول الصحفيين إلى اليمن يكشف عن مشاركة الأمم المتحدة نظام آل سعود بقتل اليمنيين.. فعلاوة على الحصار الذي تفرضه قوات التحالف بقيادة السعودية على اليمن براً وبحراً وجواً، تفرض الرياض، أيضاً، حصاراً على الصحفيين الأجانب والمسؤولين العاملين في حقوق الإنسان، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، في كثير من الأحيان، وتمنعهم من الوصول إلى اليمن، لتوثيق جرائم الضربات الجوية، حيث يلجأ بعض الصحفيين الأجانب للتهرب عبر سفن بحرية عن طريق الساحل الإفريقي للوصول إلى اليمن.
ويكشف تقرير مطول، يستقي معلومات وتفاصيل خاصة من كواليس الأمم المتحدة ومجلس الأمن، نشرته صحيفة (بوليتكو) الأمريكية (نهاية يوليو الماضي)، عن حصار آخر تفرضه قوات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، عن طريق منع الصحفيين الأجانب وناشطي حقوق الإنسان من الدخول إلى اليمن، لتوثيق الجرائم التي ترتكبها طائرات التحالف.
وأشار التقرير إلى أن السعودية استطاعت فرض الحصار، عن طريق الجو والبحر، وشن هجمات على جارتها الجنوبية بمساعدة القوات الأمريكية.
وبالعودة إلى ما قبل الحرب التي بدأت في مارس 2015، يقول التقرير: كان اليمن بالفعل أفقر دولة في العالم العربي, وبحلول سبتمبر، قدرت الأمم المتحدة أن اليمن يتلقى 1% فقط من واردات الوقود الذي يحتاجه. اليوم، أكثر من 21 مليون شخص في اليمن في حاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، ويعاني نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.
وأكد التقرير، الذي كتبه الصحفي سامويل أوكسفورد، وهو مراسل شبكة (فايس نيوز)، من داخل أروقة الأمم المتحدة، أن آخر ضحايا الحصار، كان تعثر وصول الصحفيين الأجانب والمسؤولين في حقوق الإنسان العاملين مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، في كثير من الأحيان إلى اليمن.
في مايو 2015، بعد شهرين من التدخل السعودي، ومع سقوط أكثر من 400 شهيد مدني في اليمن، قرر كبار مسؤولي الأمم المتحدة في اليمن عدم السماح لأي من هذه المجموعات على رحلات الأمم المتحدة داخل وخارج البلاد.. في ذلك الوقت، كانت المقاعد على الطرق التجارية التي يديرها طيران (اليمنية) من الصعب أو المستحيل الحصول عليها؛ بسبب الغارات السعودية المكثفة, وبدلاً من ذلك يتم توجيه تلك الرحلات عن طريق المملكة العربية السعودية، حيث يشرف المسؤولون السعوديون على كشوف المسافرين وتفتيشهم في مطار بيشة داخل السعودية.
ويمضي تقرير صحيفة (بوليتكو)، أن الأمم المتحدة حافظت على طائرتها الخاصة بما يكفي لتناسب 27 أو 28 شخصاً. لكن الصحفيين والعاملين في حقوق الإنسان وموظفي المنظمات غير الحكومية محظورون من تلك الرحلات إلى اليمن.
في السياق، كشف مسؤولون بالأمم المتحدة - في اليمن وأوروبا ونيويورك - بالإضافة إلى عدد من عمال الإغاثة, أن سياسة الرفض تنبع من السعوديين أنفسهم، حيث منعت السلطات السعودية دخول عدد من الصحفيين، بمن في ذلك صحفيون من صحيفة (نيويورك تايمز) وقناة (بي بي سي)، في مايو الماضي.
واقترح العديد من العاملين التابعين للأمم المتحدة، وفقاً للصحيفة الأمريكية، أن قرار السعودية منع دخول الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان إلى اليمن لتوثيق الانتهاكات، يبدو أنه ضد جدول بان كي مون، سيما في ما يخص حقوق الإنسان، وأن السعودية هي من تعطي الموافقة أو الرفض لعمال الإغاثة وموظفي الأمم المتحدة من الدخول إلى اليمن.
وبدلاً من ذلك، قام بعض الصحفيين برحلات تكاد تكون خطيرة، عن طريق البحر من الساحل الأفريقي وصولاً إلى اليمن, وأحد الصحفيين الذين قاموا بمثل هذه المغامرة، ماثيو إيكينز، وبتكليف من قناة (رولينج ستون) الإخبارية الأمريكية، تم تهريبه إلى داخل البلاد على سفينة، حيث يعتبر من أوائل الصحفيين الغربيين الذين اخترقوا الحصار المفروض من قبل التحالف السعودي في اليمن، لتوثيق عدد من جرائم الحرب الجوية.
وقال الصحفي، ماثيو إيكينز، إنه قبل رحيله من جيبوتي، أخبره مسؤولو الأمم المتحدة أن السعوديين لا يسمحون للصحفيين الأجانب بالسفر إلى اليمن.
من جانبها، قالت دوناتيلا روفيرا، كبيرة مستشاري استجابة الأزمات في منظمة العفو الدولية، إنه تم إلغاء رحلتها من جيبوتي إلى صنعاء، في أواخر يونيو، وإنها اضطرت إلى السفر من طريق الأردن لتصل في نهاية المطاف إلى اليمن.
ويقتبس التقرير: تعليقاً على ذلك، يقول مسؤول سياسي رفيع في الأمم المتحدة لصحيفة (بوليتكو): (من الواضح أن السعوديين كانوا يدفعون ويبتزون كل من يتجرأ على قول أي شيء، والأمم المتحدة، للأسف، وجدت نفسها محاصرة في تلك البلطجة السعودية).

العدوان.. انعكاسات داخلية خطرة
لم تسمح السلطات السعودية أو الحكومات المتحالفة معها في العدوان على اليمن في ما يُسمى (عاصفة الحزم)، للأصوات المعارضة للحرب بالتعبير عن آرائها في أي من وسائل الإعلام، وجرى قمع تلك الأصوات سواء بردع المعارضة وتفكيك تنظيماتها السلمية وتخويف الأقلية من التعبير عن رأيها كما في السعودية، أو بالمحاكمات والملاحقات القضائية ومنع السفر ونزع الجنسية كما في الكويت والبحرين، أو اختطاف المعارضين واحتجازهم قسرًا في مطارات الدول المشاركة في العدوان على اليمن, ولم تقف السلطات في المنطقة عند هذا الحد، بل حددت دول الخليج علاقتها مع دول الجوار بناء على الموقف من هذه العمليات.
واتخذت أطراف العدوان على اليمن من انتهاكات حقوق الإنسان سبيلاً لتحقيق أهدافها السياسية، ورفعت شعار (الاصطفاف الوطني أثناء الحرب)، وهو شعار خادع يخفي الطبيعة القمعية لتلك السلطات، فوجود المعارضة وحريتها في التعبير عن آرائها هو ضمان لتصحيح القرارات السياسية الخاطئة، فقد سمحت دول مثل اليابان وأمريكا وبريطانيا بخروج مظاهرات معارضة لغزو العراق عام 2003، وخرجت المظاهرات في شوارع لندن، وطوكيو، وسان فرانسيسكو، بينما لم تسمح الدول المشاركة في (تحالف العدوان على اليمن) لأية قوى معارضة للحرب بالتعبير عن موقفها.
وألقت عمليات (تحالف العدوان) بظلالها على دول الخليج، حيث حركت سفارات السعودية في العديد من دول الخليج الدعاوى القضائية ضد المعارضين للحرب، ولاحقت العديد من الكتاب والمفكرين والمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي قضائيًا في عديد من دول الخليج بتهمة (إهانة السعودية) أو (الإساءة إلى السعودية).
وعلى صعيد علاقات السعودية مع دول الجوار، فقد أوقفت السعودية مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني عن طريق فرنسا، وقدرها 3 مليارات دولار أمريكي، وأوقفت ما تبقى من المساعدة المقدرة بمليار دولار أمريكي المخصصة لقوى الأمن الداخلي اللبناني، وذلك نظرًا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع مواقف المملكة، حيث جاء قرار وقف المساعدات ردًا على امتناع بيروت عن إدانة الهجمات التي تعرضت لها سفارة السعودية في إيران من قبل محتجين غاضبين على تنفيذ السعودية حكم الإعدام في رجل الدين الشيعي السعودي نمر باقر النمر، وامتناع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل عن التصويت على بيان لجامعة الدول العربية يدين الهجوم على السفارة، لأن البيان جاء على ذكر حزب الله اللبناني، واتهمه بالإرهاب, كما قطعت السعودية علاقاتها بإيران بعد تلك الحادثة.
كذلك، قررت شركة القمر الصناعي (عربسات) إيقاف التعاقد على خدمة البث التلفزيوني مع وزارة الاتصالات اللبنانية، لتنتقل إلى عمان بالأردن ابتداء من 19 نوفمبر 2015، بسبب اعتراض السعودية التي تملك 36% من أسهمها، على بث قناة (الميادين)، وإذاعتها مواد إعلاميّة معارضة للسعودية ولدول خليجية أخرى، انطلاقًا من مكاتبها الموجودة في بيروت، وفي 4 ديسمبر 2015، أوقفت الشركة بث قناة (المنار) الناطقة باسم حزب الله اللبناني، عن أقمارها الصناعية، وقناة (الميادين)، بدعوى أن القناتين شنَّتا هجمات إعلامية متوالية على السعودية، في ما يتعلق بعاصفة الحزم.

البحرين.. اعتقالات وقمع
شاركت مملكة البحرين في (تحالف العدوان على اليمن)، وجاءت مشاركتها تلبيةً لدعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية، ووصف قائد الحرس الوطني البحريني نجل ملك البحرين العقيد الركن ناصر بن حمد آل خليفة، في قصيدة بعنوان (إلا السعودية)، مشاركة بلاده في (التحالف) بأنها رد ووفاء للسعودية التي تدافع دوماً عن أشقائها العرب والخليجيين، في إشارة إلى أن مشاركة البحرين عبارة عن رد الجميل للسعودية، التي تدخلت بقوات (درع الجزيرة) لقمع الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح في البحرين، العام 2011.
وأمر الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في مارس العام الماضي، بمشاركة سرب مكون من 12 طائرة في عمليات التحالف، والأهم كان إصدار وزارة الداخلية البحرينية، مع بدء العدوان، بيانًا حذّرت فيه من نشر أي (خطاب يخالف التوجه الرسمي حيال ما يجري اليمن)، وتوعدت بأشد الإجراءات بحق (المخالفين).
وبعد ساعات من بيان وزارة الداخلية البحرينية، وبالتحديد الجمعة 27 مارس، تم اعتقال الكاتب الصحفي وعضو جمعية الصحفيين البحرينية والأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي الوحدوي البحريني، فاضل عباس، على خلفية إصدار التجمع الوطني بيانًا أدان فيه الضربات العسكرية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، وحلفاؤها، ضد أهداف يمنية.
كما اعتقلت قوات الأمن المدافع الحقوقي المعروف نبيل رجب، من منزله، في 13 يونيو 2015، على خلفية إعلان رأيه حول مشاركة البحرين في التحالف العربي بقيادة السعودية، والذي يشن عدواناً على اليمن.
وقررت هيئة شؤون الإعلام، في 6 أغسطس 2015، إيقاف صحيفة (الوسط) لمدة يوم واحد، على خلفية عنوان خبر متعلق بقتلى الجيش البحريني في العمليات العسكرية في اليمن. 
وألقت قوات الأمن القبض على المغرد البحريني صاحب حساب (بوخميس)، على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، بدعوى أنه (أساء لشهداء الوطن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي)، في إشارة لتغريدات نشرها (بوخميس)، تناول فيها رفض مشاركة البحرين في العمليات العسكرية في مدينة مأرب اليمنية.
كما ألقت وزارة الداخلية البحرينية القبض على صاحب حساب (حجي أحمد)، في 7 سبتمبر 2015، بتهمة الإساءة إلى القوات المشاركة في تحالف العدوان، وإذاعة بيانات تلحق الضرر وتثير الفزع بين الناس في زمن الحرب، وقضت المحكمة بالسجن 5 سنوات لصاحب حساب (حجي أحمد)، ومصادرة الهاتف المستخدم، ونشر الخبر في إحدى الصحف المحلية.
واعتقلت السلطات الأمنية، في 28 مارس 2014، المحامي محمد المطوع (نائب الأمين العام للتجمع الوحدوي، ومحامي الدفاع عن الأمين العام للتجمع المعتقل فاضل عباس)، بعد مداهمة منزله في بلدة المصلى. ومن المرجح أن يكون اعتقال المطوع للأسباب ذاتها، حيث ظهر في قناة (اللؤلؤة) مساء الجمعة 27 مارس 2014، وتحدّث عن اعتقال عباس، وأشار إلى انتهاك حرية التعبير بمنع الاعتراض على العدوان السعودي على اليمن، كما تطرّق إلى الوضع الداخلي في اليمن في ظل العدوان، وتم إخلاء سبيله في 2 أبريل 2015.
وأعطت السلطات البحرينية بعدًا طائفيًا للحرب في اليمن والمعارضة للحرب في الداخل، مع الاتهام بأنها أطماع إيرانية في الخليج، وهو ما سمح لها بالتوسع في الحشد الطائفي وفرض مزيد من القمع على المعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد، وكل ما من شأنه التشكيك في سلامة ومشروعية موقف المملكة السياسي والحربي.
وعمدت السلطات في البحرين إلى الخلط بين الدفاع عن حقوق الإنسان والمعارضة السياسية والإرهاب لتجريد المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان من ثقة وتعاطف الجمهور، حتى يسهل ملاحقة وقمع المعارضة وانتهاك حقوق الإنسان.
واستمرت السلطات في استخدام سلاح إسقاط الجنسية وترحيل المعارضين، الأمر الذي دعا مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن تعرب عن قلقها، في 18 مارس 2016، من الموجة التي تهدف إلى انتزاع جنسية المواطن البحريني.
أما على مستوى العلاقات الدولية، فقد أعلنت مملكة البحرين قطع العلاقات مع إيران مطلع العام الجاري. 

الكويت.. محاكمات وتعليق نشاط المعارضة
أجبرت العمليات العسكرية لتحالف العدوان على اليمن تيارات المعارضة في الكويت على تجميد نشاطها، والتوقف عن مطالبها بإصلاحات سياسية وحل مجلس الأمة، فقد أوقفت المعارضة الكويتية نشاطها السياسي بالتزامن مع انطلاق عمليات العدوان، وخلت (ساحة الإرادة) الشهيرة في وسط العاصمة الكويت، من تجمع المعارضة الكويتية مساء كل اثنين، إذ علقت المعارضة نشاطها السياسي بالتزامن مع انطلاق العملية العسكرية في اليمن، والتي يشارك فيها الجيش الكويتي.
وكانت تيارات المعارضة الكويتية، الدينية والعلمانية، اعتادت في الأسابيع الأخيرة، تنظيم تجمع مساء كل اثنين وسط الساحة المقابلة لمبنى مجلس الأمة (البرلمان)، والذي تطالب المعارضة بحله وإسقاط الحكومة ومطالب أخرى بينها مكافحة الفساد.
وكثفت السلطات الكويتية من متابعتها للمعارضين لعمليات تحالف العدوان على اليمن، من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ألقت مباحث أمن الدولة القبض على المحامي (خالد الشطي)، مطلع أبريل 2015، ووجهت له تهم التطاول على سلطات الأمير، وإحباط الروح المعنوية لرجال الجيش، والإساءة إلى المملكة العربية السعودية، وتعريض العلاقات للخطر، على خلفية تغريدات ناقدة للحرب في اليمن، وفي نفس اليوم استدعت مباحث أمن الدولة الأكاديمي صلاح الفضلي، وأحالته النيابة العامة للمحكمة بزعم (القيام بعمل عدائي ضد السعودية، وإضعاف قوات المشاركة في عاصفة الحزم، وإساءة استعمال الهاتف)، على خلفية تغريدات له عبر حسابه الشخصي، تحدث فيها عن عدوان التحالف على اليمن.
كما اعتقلت قوات أمن الدولة كابتن طيار أحمد عاشور، في 16 أبريل 2015، وحققت معه النيابة العامة في مزاعم (الإساءة إلى السعودية)، وتم تداول القضية حتى قضت محكمة الاستئناف، في 13 أبريل الفائت، بحبس عاشور سنتين مع وقف التنفيذ وكفالة 100 دينار (331 دولارًا).
وكان من أهم القضايا التي تداولتها المحاكم الكويتية على خلفية معارضة عمليات تحالف العدوان، قضية النائب عبدالحميد دشتي، فقد قدمت السفارة السعودية في الكويت مذكرة لوزارة الخارجية الكويتية، في 30 أبريل 2015، تطالب فيها بمحاكمة النائب بمجلس الأمة الكويتي عبدالحميد دشتي، فيما قالت إنه (الإساءات المتكررة من جانب عضو مجلس الأمة عبدالحميد دشتي، التي وجهها إلى المملكة في وسائل إعلام)، وذلك على خلفية قيام دشتي بنقد الأعمال العسكرية للتحالف ضد اليمن في حديث تليفزيوني عبر إحدى القنوات الفضائية، معتبرًا أن تلك الحرب (ستدمر كل دول الخليج).
وأصدرت محكمة الجنايات الكويتية، في 27 يوليو الماضي، حكمًا غيابيًا بمعاقبة دشتي، بالسجن 11 سنة و6 أشهر، بزعم الإساءة للسعودية.
ولم تكتفِ دول مجلس التعاون بهذا الحد، بل ذهبت إلى حد سحب الجنسيات وإخراج مواطنين من البلاد وتجنيس آخرين من غير العرب، في محاولة لتغيير ديموغرافي طائفي.
وفي الإمارات, اعتقل الشاب العماني ثامر البلوشي، في سجن الوثبة بإمارة أبوظبي، منذ شهر مارس 2016، بزعم (الاستهزاء بسياسات البلاد)، على خلفية إعلان رأيه أمام أفراد أمن الحدود في الحرب التي تشنها السعودية والإمارات ضمن ما يسمى (التحالف العربي) على اليمن.
وفي الأردن، اعتقلت الأجهزة الأمنية الأردنية الكاتب الصحفي (جمال عبدالنبي أيوب)، في 23 أبريل 2015، بزعم (تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية) (السعودية)، على خلفية نشره مقالة انتقد من خلالها الأعمال العسكرية لتحالف العدوان ضد اليمن.
أما في مصر، فقد قرر رئيس قناة (وسط الدلتا)، محمد هلال، إيقاف المذيعة عبير الفخراني، عن العمل بالقناة، وإحالتها إلى الشؤون القانونية بقطاع القنوات الإقليمية، في 6 أبريل 2015، بزعم أنها (ضد توجه الدولة)، على خلفية عرض الانتقادات التي وجهت إلى عدوان التحالف على اليمن على ضيوف برنامج (صباح المحروسة)، لأخذ آرائهم.

الجريمة والعقاب
يرتفع العنف ضد الصحفيين مع سيادة مناخ الأزمات والحروب.. ويوجه بقاء الاعتداءات المرتكبة ضد الصحفيين من دون عقاب, رسالة سلبية للغاية مفادها أنّ نقل (الحقيقة المربكة) أو (الآراء غير المرغوب فيها) من شأنه أن يضع الأشخاص العاديين في ورطة.
فقبل فترة قصيرة من بدء العدوان السعودي الأمريكي, دخلت حرية الصحافة في اليمن مرحلة الخطر، إثر تكرار محاولات الاغتيال لصحافيين في أكثر من منطقة، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة الاعتداءات والانتهاكات ضد الحريات الإعلامية
وشهد اليمن حالة انفلات أمني سبقت عاصفة العدوان.. فضمن واقع محفوف بالمخاطر يتهدد حياة العامة بكل نواحيها، اغتيل الدكتور أحمد شرف الدين (ممثل مكون أنصار الله في الحوار الوطني وأستاذ القانون في جامعة صنعاء)، أثناء توجهه إلى الفندق الذي تجري فيه أعمال الحوار الوطني، في 21 يناير 2014م، في صنعاء. وهو ثاني ممثل للحركة في الحوار الوطني اليمني يتم اغتياله بهذه الطريقة, بعد النائب البرلماني وممثل أنصار الله في الحوار عبد الكريم جدبان، الذي اغتيل برصاص مجهولين، نهاية نوفمبر 2013م، في صنعاء التي شهدت كذلك اغتيال السياسي اليمني الدكتور محمد عبدالملك المتوكل، في نوفمبر 2014م.
وجاءت هذه الاعتداءات ضمن قائمة طويلة للترهيب من ضمنها محاولة اغتيال الزميل صلاح الدين الدكاك (عضو لجنة الحوار الوطني وناشر ورئيس تحرير صحيفة] لا[)، وذلك بإقدام عناصر مسلحة على إطلاق وابل من الرصاص على منزله في مدينة تعز، بين يومي 15 و17 مارس 2015م.. بعدها بيوم اغتالت فرق الموت المرتبطة بالعدوان, الصحفي والكاتب عبدالكريم الخيواني (سفير النوايا الحسنة للمجلس الدولي لحقوق الإنسان في اليمن وعضو اللجنة الثورية)، في 18 مارس العام الماضي، في جريمة غادرة وجبانة.
وكذلك استشهد الإعلامي اليمني عبدالرحمن حميد الدين، الذي يعمل في إذاعة صنعاء، متأثراً بإصابته برصاص مسلحين مجهولين في العاصمة، في 16 أغسطس 2014.
وفي دوامة من الدماء.. قُتل أكثر من 800 صحفي في أنحاء مختلفة من العالم، على مدى السنوات الـ10 الماضية، لا لشيء إلا لقيامهم بواجبهم المهني. وبعض تلك الحالات حظي باهتمام دولي، بينما بعضها الآخر لم ينل نفس الاهتمام. ففي العام الماضي وحده، على سبيل المثال، أُعدم ما لا يقل عن 17 من الصحفيين العراقيين. ويعاني الكثير من الصحفيين والإعلاميين في جميع أنحاء العالم من التخويف والتهديد بالقتل والعنف. 
وجاء في تقرير حالة الحريات الإعلامية للعام الماضي الصادر عن شبكة المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي, أن 58 صحفياً قتلوا، منهم 30 قتلهم تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ(داعش)، وأن 70% من الصحفيين الذين قتلوا عمداً تم إعدامهم رمياً بالرصاص من قبل التنظيم بشكل علني. وسجل التقرير نحو 4 آلاف انتهاك تعرض له الإعلاميون في العالم العربي، عام 2015.
ففي الأردن اغتيل الكاتب الأردني ناهض حتر (كاتب وصحفي يساري يحمل درجة الماجستير في الفكر السلفي المعاصر)، أمام قصر العدل في العاصمة عمان، في 25 سبتمبر الماضي، وتعود حيثيات القضية إلى نشر حتر على صفحته في موقع (فيسبوك) رسماً كاريكاتورياً، فيه عبارات رأى فيها البعض أنها تحمل إساءات للذات الإلهية.
وفي هذا الإطار المتفشي بالعنف ضد الصحفيين, اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الـ68 المنعقدة عام 2013، القرار 68/163 الذي أعلن يوم 2 نوفمبر من كل عام بوصفه (اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين). وقد حثّ القرار الدول الأعضاء على تنفيذ تدابير محددة لمكافحة ثقافة الإفلات من العقاب المتفشّية حالياً. وقد جرى اختيار هذا التاريخ إحياء لذكرى اغتيال الصحفيَّين الفرنسيَّين في مالي، في 2 نوفمبر 2013.
ويدين هذا القرار البارز جميع الاعتداءات وأعمال العنف المرتكبة ضد الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، ويحث الدول الأعضاء على بذل قصارى جهودها لمنع أعمال العنف ضد الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، وكفالة المساءلة، وتقديم مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام إلى العدالة، وضمان وصول الضحايا إلى سبل الانصاف المناسبة. ويهيب بالدول أن تشجّع بيئة آمنة ومواتية للصحفيين لكي يقوموا بعملهم باستقلالية ومن دون تدخّل لا موجب له.