المسعفون.. بين الأنقاض وتحت القصف
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / شايف العين

أبطال في النسق الأول للمواجهة بعيداً عن عدسات الإعلام
المسعفون.. بين الأنقاض وتحت القصف
يحجبهم ستار عن عدسات الإعلام، يواجهون خلفه العدوان السعودي الأمريكي الغاشم بكل قوة وجلد, عملهم هو إجلاء أرواح كادت تُزهق من الأماكن التي يستهدفها طيران العدوان بغاراته، وإنقاذ أجساد ترنحت بفعل تلك الغارات, يدفعون بأرواحهم إلى أماكن القصف لإخراج المواطنين من تحت أكوام الدمار الناتج عن غارات العدوان.
لم تكن وطنية المسعفين في زناد الكلاشنكوف ولا في زر إطلاق الصواريخ الباليستية أو خطوط إمداد المقاتلين في الجبهات, ولم يختاروا أقلام الصحافة وعيون التلفزيون لمواجهة ماكينة الضخ الإعلامية للعدوان, بل كانت وطنيتهم في جعل أجسادهم هدفاً لضربات طائرات العدوان المزدوجة وهم يقومون بإجلاء المصابين.
مع أنهم اختفوا في كتابات الصحفيين وتقارير الإعلاميين، وكذلك أصوات المنشدين للقصيدة الشعبية, إلا أنهم استمروا مهرولين إلى أماكن قصف طيران العدوان، ليسابقوا صواريخ ضرباته المزدوجة في الوصول إلى تلك الأماكن, علّهم يصلون قبلها ليمنعوها من قتل من نجا من ضربتها الأولى. إنهم أفراد الفرق الإسعافية الذين ربما يستغرب الجميع سماع تسميتهم هذه.
تشكيل الفرق الإسعافية وبداية عملها
بدأ عمل الفرق الإسعافية منذ اليوم الأول للعدوان، حيث قامت القيادة الثورية بإصدار أوامر تشكيلها استشعاراً منها لأهمية دورها في مواجهة العدوان, فمن يظهرون في قنوات التلفاز وهم يقومون بإخراج مصابي القصف، ليسوا جميعهم يهرعون بعفوية وعشوائية إلى المواقع التي يقوم طيران العدوان بقصفها, بل إن كثيراً منهم أفراد في فرق منظمة منتشرة في شتى أحياء العاصمة والمحافظات الأخرى، خضعوا لتدريبات عدة حتى صاروا في جهوزية كاملة لنجدة الأرواح التي يريد المعتدون إزهاقها.
فالمشاهد التي تعرضها قنوات التفزيون للمباني التي قصفتها طائرات العدوان السعودي الأمريكي، لا تخلو من وجود أناس يحملون المجارف وأدوات إزالة ركام القصف لإخراج جثث الشهداء وأجساد المصابين التي أراد القدر لها الحياة على أيادي هؤلاء الجنود القادمين من بعيد لإنقاذها من بطش العدوان الهمجي الذي طالما استهدفهم مع علمه أنهم ليسوا أهدافاً عسكرية، وإنما هم أناس أرادوا منع همجية صواريخ العدوان المزدوجة من قتل مزيد من اليمنيين.
وتواجدهم في مواقع قصف الطيران ليس حدثاً يطرأ مع وقوع الجريمة، ويستدعي تواجد أفراد يقومون بإسعاف جرحى القصف الأول، وإخراجهم من المكان المستهدف قبل أن يقتلهم الصاروخ الثاني, وإنما ناتج عن جهود حثيثة ومتعاونة من عدة جهات في السلطات المحلية والأمنية، أدركوا أهمية وجود تشكيل منظم لهؤلاء الأفراد لمواجهة جرائم طيران العدوان، ومنعه من سفك دماء المزيد من الأبرياء.
فبعد أن باشر العدوان باستهداف منازل المواطنين في الأحياء السكنية، شعرت الجهات الإشرافية للجان الشعبية والسلطات المحلية، بضرورة وجود فرق إسعافية تتواجد فور استهداف الطيران لأي أهداف مدنية، وبتعاون جهودهم تم تكليف عاقل كل حارة باختيار مجموعة من شباب حارته لتنفيذ تلك المهمة الوطنية الجليلة، والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن الذي تكالبت عليه قوى العدوان من عرب وعجم.

فداء وتضحية
يقول محمد الشامي (اسم مستعار)، أحد مشرفي المربعات في العاصمة، لـ (لا): تم تشكيل الفرق الإسعافية عن طريق تكليف كل عاقل حارة باختيار مجموعة من شباب الحارة المسؤول عنها، ومن ثم نقوم بعمل دورات تدريبية في الإسعافات الأولية لهم، وكذلك تدريبهم على طرق إجلاء جرحى الحروب.
ويضيف الشامي: نجاح المسعفين في أداء مهامهم واضح للجميع، فهناك آلاف الأرواح تم إنقاذها من مناطق القصف قبل وصول صواريخ الغارات الازدواجية التي يشنها طيران العدوان, وهناك الكثير من أفراد هذه الفِرق استشهدوا أثناء قيامهم بإنقاذ المصابين بعد تعمد طياري العدوان استهدافهم فور وصولهم إلى المكان الذي قام بقصفه, والشواهد على ذلك كثيرة.
إن ما حدث للمسعفين الذين هرعوا إلى مكان آخر مجزرة ارتكبها طيران تحالف العدوان في العاصمة بحق المعزين في الصالة الكبرى، دليل واضح على حجم التضحية التي يبذلها هؤلاء في سبيل إنقاذ أبناء جلدتهم الذين يتمادى العدوان في استهدافهم مراراً وتكراراً, فهناك عشرات الشهداء منهم سقطوا في تلك المجزرة، وأوضحت الفيديوهات التي تم التقاطها للحظة وصول الصاروخ الثاني، المشاهد البطولية التي يرسمها هؤلاء الجنود، ويظهرون فيها كيف يقدمون أرواحهم دفاعاً عن أرضهم وعزتهم وكرامتهم, وبرهنت أيضاً أن الطيران يتعمد استهدافهم في كل مجزرة يرتكبها, حيث ما تزال جثث العديد منهم مجهولة حتى اليوم بسبب احتراقها كلياً.
وللتضحيات الكبيرة التي تقدمها هذه الفيالق يتم تصنيفها ضمن الصف الأول المواجه للعدوان، وفي هذا يقول الملازم محمد دحان (اسم مستعار)، مقاتل في جبهة نهم، لـ(لا): دور المسعفين لا يقل أهمية عن دور المقاتلين في الجبهات، بل قد يتفوقون عليهم كونهم يواجهون آلة العدوان القاتلة دون الاختباء وراء أي متاريس، ودون استخدام أي سلاح.
ويؤكد دحان أن ما تقوم به الفرق الإسعافية المصاحبة للجيش واللجان الشعبية، يصعب وصفه، كونها الوحيدة القادرة على منع العدوان من إلحاق خسائر بشرية كبيرة في صفوف المقاتلين الأشاوس في شتى الجبهات, وتمتلك هذه الفرق تكتيكاتها الخاصة التي كسبتها من التدريبات طوال فترة العدوان.
تنظيم عمل المسعفين
تمتلك الفرق الإسعافية غرفة عمليات خاصة بها، وهي على تواصل مع بقية غرف العمليات التابعة لرجال الأمن واللجان الشعبية، بحيث تتحرك تلك الفرق بعد تلقيها معلومات من بقية الأجهزة الأمنية تفيد بمكان القصف ونوعية الهدف الذي استهدفه، ليتم التعامل معه بشكل صحيح, فهناك اختلاف بين المواقع المدنية من منازل ومصانع، وبين المواقع العسكرية, ففي حال استهداف طيران العدوان منازل المواطنين يتحرك مع المسعفين مجموعة من رجال الأمن واللجان الشعبية مهمتهم حماية ممتلكات هذه المنازل من السرقة، هذا ما وضحه أحد العاملين في غرف عمليات أمن أمانة العاصمة.
وبالنسبة لوسائل النقل التابعة لمجاميع المسعفين، فأحياناً يستخدمون سيارات الشرطة واللجان الشعبية، وأحياناً يأتون بسياراتهم الخاصة، وكذلك يتلقون عوناً كبيراً من قبل المواطنين والساكنين جوار المنزل الذي قام الطيران باستهدافه, ويعمل هؤلاء الأفراد طوعياً، ولا يتلقون أي مقابل للعمل الذي يقومون به، مثلهم مثل بقية أفراد اللجان الشعبية الذين بذلوا حياتهم رخيصة مقابل الدفاع عن الوطن، والتحاقهم بصفوف المجاهدين المجابهين للعدوان.
مخاطر وصعوبات
يواجه المسعفون مخاطر وصعوبات أثناء أدائهم عملهم الذي اتخذوه واجباً وطنياً، فالضربات المزدوجة التي تنفذها طائرات العدوان السعودي الأمريكي أزهقت الكثير من أرواحهم، كونها تستهدفهم أثناء إنقاذهم للجرحى، وقد أثبتت التحقيقات الدولية ذلك, وآخرها ما حدث للمسعفين في القاعة الكبرى أثناء قيامهم بإخلاء الصالة من المعزين المصابين بالغارة الأولى.
يقول خالد معصار، أحد أفراد الفرق الإسعافية، إن ما يواجهه المسعفون من وحشية طيران العدو السعودي أثناء إخراجهم المصابين من تحت الركام، يشبه ما قام به الإرهابيون قبل العدوان عندما نفذوا عمليات انتحارية في مسجدي بدر والحشوش, حيث كان الاستهداف في موقعين الأول داخل المسجد والثاني خارجه في أوساط المسعفين, وهذا يدل على أن الجرائم السابقة ارتكبها من يرتكب الجرائم الحالية بحق اليمانيين.
وأشار معصار إلى أن الصعوبات التي يواجهها المسعفون تكمن بشكل كبير في جثث الموتى المتفحمة التي لا يجدون معها هويات كي يتعرفوا على أصحابها، وبالتالي لا يستطيعون إخبار أهاليهم، وأغلب هذه الصعوبات تكون في الأماكن العامة التي فيها جثث متفحمة كالمصانع والأسواق، وما حصل مؤخراً في القاعة الكبرى من جريمة فقدوا فيها العشرات من رفاق عملهم، بالإضافة إلى عشرات الشهداء من المعزين الذين لم يتم التعرف على جثثهم حتى اليوم.
ويزيد من صعوباتهم المعاناة التي يلاقيها المصابون بسبب قلة الإمكانات الطبية، حيث باتت مستشفيات الجمهورية عاجزة عن إنقاذ أرواح مئات المصابين الذين يقوم المسعفون بنقلهم إليها, فقد تسبب الحصار الذي تفرضه السعودية بمشاركة أمريكية بإلحاق ضرر كبير بالقطاع الصحي في اليمن, محدثاً شللاً تاماً في معظم المستشفيات والمرافق الصحية.
هناك الكثير من أفراد الفرق الإسعافية فقدوا أرواحهم، وبعضهم فقدوا إما أذرعهم أو أرجلهم، ولكن أبناء الشعب ما زالوا مندفعين للانخراط في هذه الفرق رغم علمهم بالمخاطر المحدقة بهم, فمحمد المطري من أبناء محافظة صنعاء، دفع حياته ثمناً لإنقاذ المصابين بقصف الطيران، إلا أن 3 من إخوته التحقوا بأفراد الفرق الإسعافية، ليبذلوا حياتهم في سبيل إنقاذ الآخرين كما فعل أخوهم.
غياب في الإعلام والزامل الشعبي
بحسب الآراء التي حصلت عليها صحيفة (لا) من بعض المسعفين ومشرفي الفرق الإسعافية الذين امتنعوا عن ذكر أسمائهم لدوافع أمنية، أرجع بعضهم سبب غيابهم في التقارير الإعلامية إلى عدم لهثهم وراء عدسات الإعلام للظهور أمام الملأ، فهم يقومون بأداء واجبهم إرضاءً لضميرهم، وتنفيذاً لما علمتهم إياه المسيرة القرآنية, وكذلك السبب نفسه في غيابهم عن القصيدة الشعبية الملحنة، مع أنهم يملكون في أوساطهم عدداً من الشعراء المبدعين.
أما البعض الآخر فيقول إن الوسائل الإعلامية لا تعيرهم أي اهتمام، ولا يدرون ما السبب وراء ذلك، وثمنوا شاكرين صحيفة (لا) كونها الأولى والسباقة التي التفتت إليهم بعد قرابة العامين منذ بدء عملهم البطولي الذي ترافق مع بدء العدوان على اليمن.
المصدر صحيفة لا / شايف العين