35 مقبرة خرجت عن الخدمة بسبب امتلائها
حين تغدو المقابر أوعية للمسك


في الوقت الذي تضيق فيه مساحة الحياة في اليمن بفعل الحرب التي تشنها عليه دول العالم الاستكبارية، تتسع مساحة الموت.. فالأراضي التي أطعمها العدوان بعشرات الآلاف من جثامين الموتى، مستمرة في الأكل، ولم تشبع شراهتها بعد، ولسان حالها يقول: هل من مزيد؟ فقد ساد الموت داخل اليمن بعد أن أشعل تحالف العدوان شرارته في مارس 2015م، بحيث يحقق طيرانه السعودي الأمريكي رغبتها في ذلك، ويستمر في إمدادها بجثث الشهداء التي ارتفع شأنها بموتها دون نيل المعتدين من كرامتها على غرار من سقطت بعيشها في عواصم الدول المعتدية، وباعت في مزاداتها كرامتها بثمن بخس.
العدوان أخرج معظمها عن الخدمة
اشتهرت اليمن بكثرة المقابر منذ زمن طويل، حيث تشير معلومات ورد ذكرها في مواقع عدة، إلى أن عددها في صنعاء تجاوز الـ200 مقبرة، وأشهرها حسب روايات المواطنين هي مقبرة خزيمة التي أضحى ذكر اسمها مقروناً بالموت، ونالت شهرتها من مساحتها الكبيرة وكثرة استيعابها للساكنين فيها، إلا أنه تم إعلان إغلاقها مؤخراً بسبب امتلائها بالشهداء جراء العدوان الذي أخرجها عن الخدمة، وغيرها الكثير من المقابر التي أغلقت.
لقد ظهرت مؤخراً عمليات استحداث أراضٍ جديدة تلقف جثث الأرواح التي تزهقها آلة الحرب السعودية الأمريكية، وبات هذا الاستحداث متسارعاً جداً منذ بداية العدوان، فإدارة مقابر العاصمة تعمل بشكل دؤوب لإيجاد مساحة ضمن مخططات أمانة العاصمة تستخدم كمقابر.
يقول يحيى السنّي، مدير مقابر أمانة العاصمة بوزارة الأوقاف والإرشاد، لـ(لا): أغلقنا في السنوات الثلاث الأخيرة 35 مقبرة بسبب امتلائها، تم إغلاق معظمها منذ بداية العدوان، مما جعل بقية مقابر العاصمة تعاني من ازدحام شديد. كما طالبنا المجلس المحلي بأمانة العاصمة بتوفير مساحات لمقابر جديدة.
وأضاف السنّي: يجب على أمانة العاصمة أن تأخذ في الاعتبار عند إنزال مخططاتها، توفير أراضٍ خاصة بالمقابر، كون ثلثي أراضي العاصمة تعود لوزارة الأوقاف.
ويتابع حديثه بالقول: المواطنون لا يقومون بمطالبة تعويض أراضيهم التي دخلت ضمن مخطط التنمية لأمانة العاصمة إذا وجدوا أنها خصصت للمقابر.

مقابر خاصة بشهداء العدوان
لا يتوانى العدوان دائماً في استهداف عوالم تظل شاهدة على جرائمه التي يرتكبها بحق اليمانيين على مدى الأجيال, ومن جهتها السلطات المحلية المناهضة للعدوان قررت أن تمنحه خلوداً لاسمه المطرز بمجازر بشعة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، ولا يُنسى مع مرور الزمن.
عمدت إدارة المقابر بأمانة العاصمة إلى تخصيص مقابر تؤوي جثامين شهداء العدوان، لتكون شاهدة عليه، ومعبرة عن وحشيته التي أبداها تجاه المواطنين الأبرياء في اليمن.
وفي هذا يقول يحيى السني لـ(لا) إنهم في الإدارة وفروا مساحة من الأراضي لـ5 مقابر خاصة بشهداء العدوان السعودي الذين فقدوا أرواحهم سواء نتيجة لقصف منازلهم أو في جبهات الشرف والصمود في سيبل الذود عن الوطن, وتوزعت في كل من مديريات معين وشملان والروضة.
شواهد على الأضرحة 
ليست المقابر الخاصة بالشهداء ولا التقارير التي تم توثيقها من قبل وسائل إعلام محلية ودولية ومنظمات إنسانية, فقط من تشهد على العدوان السعودي الأمريكي بارتكابه مذابح جماعية بحق أهالي اليمن, فاللوحات المكتوبة على شواهد قبور ضحايا العدوان تروي للزمن ما فعله طيرانه بهم.
ففي مقبرة النجيمات بالعاصمة صنعاء قبر واحد لأم وابنها حاولت صواريخ طيران العدوان تفريقهما بعد أن انتزعت روح طه بدر الذبحاني فور استهدافها منزله صباح السبت 12 سبتمبر 2015م، ونقلت والدته لوزة محمد ناصر القريحي على إثرها إلى المستشفى، بعد أن علمت باستشهاد ابنها, حيث أوصت مسعفيها ألا يسمحوا لأحد بإبعادها عن ابنها مهما حصل، وأن يدفنوها في حال وفاتها بجواره، فقد كانت تحتضنه قبل وصول الغارة، وها هي تحتضنه بعد أن قتلتهما الغارة في لحد واحد. هذا ما رواه للصحيفة عامل المقبرة الذي حفر قبر الشهيدين.
وبجانب قبر لوزة وابنها طه، يرقد بسلام 6 شهداء من عائلة واحدة، استهدف العدوان منزلها، بغارة جوية قتلت جميع أفرادها, وكلها مكتوب في شواهد أضرحتها أن العدوان الذي تقوده السعودية كان السبب وراء إقامتها في بيوت العالم الآخر.
وفي الجانب الآخر من المقبرة ذاتها، نجد قبور بعض شهداء أكبر مجزرة ارتكبت في القرن الحادي والعشرين، وهي جريمة المعزين في الصالة الكبرى, والتي وصل صداها إلى العالم بأسره، حيث رأى فيها ما تقترفه السعودية والدول الداعمة لها من جرائم حرب في عدوانها على اليمن, وقبور أخرى كلها كتبت للتاريخ ما فعله المعتدون في اليمن.

طيران العدوان يستهدف
بيوت الموتى
تلاحق صواريخ طيران العدوان المواطنين إلى المقابر، حيث يقيمون هناك بعيداً عن الضوضاء الساقطة للعالم الصامت على جرائم بني سعود, فقد قام باستهداف الكثير من المقابر في العاصمة صنعاء، ويظهر السبب في أنه يريد محو الشواهد على جرائمه، لكنه بفعلته هذه يثبتها ويؤصلها.
(فلاحو المقابر) الذين يزرعون أرضها بجثث الشهداء الطاهرة الذين قدموا أرواحهم ثمناً للحرية والعيش بعيداً عن الوصاية الأمريكية الإسرائيلية، والتي لن تنبُت إلا في اليوم الموعود، هؤلاء الفلاحون يجنون من إنشاء القبر الواحد 15 ألف ريال ثمناً يتوزع بين أتعابهم ومواد البناء، ولكنهم يخاطرون بحياتهم، كونهم يسكنون في غرف حراسة تلك المقابر، بعد أن أدخلها العدوان ضمن بنك أهداف طيرانه.
عبدالله الخولاني (21 عاماً) يعمل مع أخيه صدام في إحدى مقابر العاصمة التي استهدفها طيران العدوان مسبقاً، يقول لـ(لا): نعمل في المقبرة منذ فترة طويلة، ومهمتنا هي حراستها من لصوص القبور الذين نسمع أنهم يقومون بنبشها، ونقوم أيضاً بحفر القبور، ولم نتوقع في يوم أننا سنعجز عن حماية المقبرة من صواريخ طيران العدوان، ولم ندرك أن الذي استهدف المنازل والأسواق ومجالس الأفراح وصالات العزاء سيستهدف المقابر أيضاً, فقد عايشنا غارات العدوان حين استهدف المقبرة التي نعمل فيها بأحد صواريخه، ملحقاً ضرراً كبيراً بالقبور والمنازل المجاورة للمقبرة.
وأكمل الخولاني قوله: كنا نود الرحيل من المقبرة بعد أن أدركنا تهديد غارات العدوان، إلا أننا نظرنا إلى قبور شهداء العدوان التي حفرناها بأيدينا، وشعرنا كم سنكون رخيصين لو رحلنا وتركنا مهمة العناية بها لغيرنا, ولهذا لزمنا مكاننا الذي يمدنا بالوطنية والطمأنينة، حيث تحيط بنا قبور من دفعوا أرواحهم في سبيل عيشنا بحرية وكرامة.
من جهتها، تهتم وزارة الأوقاف بمقابر العاصمة، وتعمل في الحفاظ عليها، حيث تقوم الإدارة الخاصة بالمقابر والتابعة للوزارة بالنزول كل يوم خميس للرقابة والتفتيش، فمن مهام هذه الإدارة تسوير المقابر والاهتمام بنظافتها، وإيجاد مساحات جديدة من الأراضي التي تتبعها، وهذا ما أفاد به مدير الإدارة, مضيفاً: ما يتم دفعه من مبلغ ثمناً للقبر لا تحصل منه الوزارة على فلس واحد، بل هو قيمة لأتعاب عمال الحفر، وكذلك مواد البناء من إسمنت وغيرها، وذلك وفق ما تم تحديده من الوزارة نفسها.
***
إذن، فمساحات المقابر ستظل في اتساع مادام العدوان مستمراً في سفك دماء اليمانيين، إلى أن يحين موعد إيقافه، والذي بات قريباً بفعل ما يحرزه أبطال الجيش واللجان الشعبية من انتصارات في مختلف الجبهات في مواجهة العدو الذي أصبح غير واعٍ بما يجري من حوله, فأرواح الشهداء وجثامينهم في المقابر تمد كل مواطن يمني حر بالقوة التي تمكنه من مواجهة العدوان وإلحاق الهزائم المتتالية به.