
خليج البترودولار
خارطــة تناقضـــات يوحدهـــا النفــط
يعتبر موضوع الخلافات الحدودية بين دول مجلس التعاون الخليجي قديماً، فقد برزت في لحظة نشأة هذه الدول، وفرضت نفسها بشدة على مجمل أوجه العلاقة بين المشيخات الخليجية. وبالرغم من محاولات التسوية التي قامت بها عدة أطراف خليجية ودولية لحسم موضوعة الخلافات وترسيم الحدود بصورة نهائية، إلا أن المحاولات تنتهي غالباً إلى الفشل، وأحياناً التفجر كما حصل بين قطر والبحرين والسعودية وقطر والسعودية والإمارات.
وإذا أخذنا دول الخليج العربية، وهي نموذج حي للتكامل والانضواء تحت يافطة مجلس التعاون الخليجي، وعندما نضيف إليها اليمن والعراق، فإننا نجد بين هذه الأقطار الـ8 نزاعات حدودية قديمة ومستجدة، فعندما نأخذ السعودية مثلاً نجد لها خلافات حدودية مع اليمن والإمارات والبحرين وقطر وحتى الكويت، وهي الكيان الذي نشأ بدعم بريطاني على حساب دول أخرى، وكذلك البحرين التي لديها مشكلة حدودية مع قطر، أما الكويت فإن مشاكلها الحدودية مع العراق معروفة، وقد سببت قضية التناحر على بضعة أمتار في محنة للشعب العراقي، ودمرت بلداً بحاله، ورغم ذلك لم تنتهِ الأزمة ولم تحل.
وتبدو الإرادة الجماعية لقادة دول الخليج على إبقاء الخلاف الحدودي حاضراً كجزء من التجاذبات التي تصبح مطلوبة أحياناً للمساومات السياسية والاقتصادية، نلحظ ذلك من تجميد قضية الحدود بين دولتين خليجيتين لجهة تمرير قضية أخرى تكون فيها القضية الحدودية عنصراً تفاوضياً فاعلاً، وقد تصبح مادة للابتزاز السياسي أحياناً.. كما أضاف اكتشاف النفط في المناطق المتنازع عليها، بعداً جديداً للخلاف الحدودي، وجعل من العسير التوصل إلى اتفاقيات مرضية في ظل عدم الحصول على حصص متكافئة في الثروة.
ويعود الخلاف الحدودي بين الإمارات والسعودية ابتداءً إلى الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث جرت مفاوضات غير جادة قطعها اندلاع الحرب العالمية الثانية، ثم تم استئناف المفاوضات بين السعودية وإمارة أبوظبي، وهكذا عمان وقطر، ولكنها لم يتوصل أي من الأطراف إلى نتيجة حاسمة، فجرى تجميدها, وفي 21 أغسطس 1974 تم توقيع اتفاقية حدودية بين الإمارات والسعودية، وكانت الاتفاقية ثمناً لاعتراف سعودي بدولة الإمارات الناشئة آنذاك.
أما الخلاف بين قطر والبحرين، فكاد أن يجر البلدين الصغيرين إلى حرب ضروس نهاية القرن الماضي، عندما بدأ البلدان تحريك أساطيلهما المتمثلة في بضعة قوارب عسكرية، ولولا استجابة الدوحة والمنامة لدعوات التعقل لحدثت الكارثة.
ومن جانب آخر، مازال الخلاف الحدودي بين السعودية واليمن خامداً على الرغم من توقيع البلدين على معاهدة جدة في 2000.
ويعتبر النزاع الحدودي بين السعودية واليمن عام 1934، هو أول نزاع حدودي عربي يتم فيه اللجوء إلى القوة العسكرية، وذلك منذ استيلاء عبدالعزيز بن سعود على مناطق عسير ونجران وجيزان اليمنية، ولكن منذ ذلك الحين كان استخدام القوة العسكرية أمرًا غير وارد في مثل هذه النزاعات، فما كان يحدث غالبًا هو التهديد باستخدام القوة العسكرية، أو التظاهر بأن هناك نية حقيقية في استخدامها، سواء من خلال تحريك القوات العسكرية أو إجراء تعديل في أوضاع القوات المسلحة؛ مما يوحي بأنها تتخذ أوضاعًا هجومية، وذلك كنوع من شن الحرب المعنوية أو ممارسة الردع على الطرف الآخر في النزاع.
لكن النزاع الحدودي بين العراق والكويت هو الأكثر كارثية، وبعيداً عن الحديث عن حرب 1991 المسماة (تحرير الكويت) وحرب 2003 التي أوقعت العراق تحت الاحتلال، لم ينزع إلى الآن فتيل الأزمة بين الجارين.
الخلافات الحدودية أفرزتها السياسات الاستعمارية البريطانية التي كانت تفرض نظام الحماية على إمارات الخليج، وهي سمة مميزة لجميع الدول العربية التي ابتليت بسياسة فرّق تسد بعد خروج المستعمرين، وما زال هناك العديد من المشكلات العالقة بين دول المجلس.
الدور السلبي لمجلس التعاون الخليجي
جاء قيام مجلس التعاون الخليجي (تحالف فضفاض تسيطر عليه المملكة العربية السعودية) في 25 مايو 1981، وسط أوضاع أمنية وسياسية واقتصادية متوترة شهدتها المنطقة آنذاك، حيث جاء عقب توقيع الاتفاق الذي وقّعه أنور السادات مع الكيان الصهيوني، والذي أدى إلى خروج مصر من جامعة الدول العربية، فضلاً عن اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية في سبتمبر 1981، على خلفية قيام الثورة الإسلامية في إيران، وما أحدثته هذه الحرب من استنزاف للقوى العربية، والتسبب في ارتفاع أسعار النفط وبتدخل خارجي مباشر في شؤون منطقة الخليج ودولها، وابتعاد الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية القضية المركزية للعرب، واشتعال التوتر مع دول الجوار، لاسيما مع إيران.
يجمع دول المجلس أنظمة سياسية مماثلة والنظرة المشتركة الاجتماعية والثقافية, وهي الملكيات الاستبدادية والمشيخات، وتكاد تكون المشاركة السياسية الشعبية محدودة أو معدومة في الحكم ماعدا تجربة الكويت البرلمانية.
في 1984، أنشأ مجلس التعاون الخليجي قوة الدفاع الجماعي، أو ما سميت (درع الجزيرة)، ومقرها السعودية, لكن دول المجلس فشلت في توسيع هذه القوة، وقد تحولت عام 1991 إلى هيئة عسكرية مشتركة. لم تستخدم قوة (درع الجزيرة) في مواجهة الغزو العراقي للكويت في تلك السنة، فقد استعانت دول المجلس بأمريكا وبريطانيا، وتم نشر قوة من الدرع في البحرين في مارس 2011، لتعزيز سلطة حاكم هذه الجزيرة المدعوم من نظام بني سعود.
وعلى الصعيد الاقتصادي، ظهر سوق دول مجلس التعاون الخليجي المشترك إلى حيز الوجود، عام 2008, كانت هناك خطط لتبني عملة موحدة في 2010، إلا أنها بقيت على الرف حتى اليوم, أعلن عن تشكيل اتحاد جمركي في 2003، ولكن لم يحرز تقدماً يذكر منذ ذلك الحين.
وشكّل الأمن هاجساً كبيراً لدول مجلس التعاون الخليجي, وفي كل قمة خليجية تعقد، نجد أن الملفات الأمنية تبرز أمام قادة دول المجلس، ويطغى الملف الأمني على كل الملفات الأخرى الاقتصادية والسياسية.
ومن مراجعة سريعة، لإنفاق دول المجلس على التسلح، يظهر الهاجس الأمني لهذه الدول، فهي تعقد الصفقات وتشتري السلاح بمليارات الدولارات، وهو ما يرضي الولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي التي تضمن بقاء مصانع أسلحتها تعمل على الدوام، وإبقاء دول الخليج تحت إبطها.
كما حالت السياسة العمانية دون المضي إلى ما هو أبعد من ذلك، فسياسة عُمان المتصفة بالحياد والبعد عن مسارات المواجهة والعداء كما هو الحال المنتهج لبعض دول المجلس كالسعودية والإمارات وقطر، وهو ما اتضح جلياً لدى دعوة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في قمة الرياض، عام 2011، إلى انتقال المجلس من التعاون إلى الاتحاد، وضرورة ذلك، حيث قوبلت تلك الدعوة بالرفض العُماني والتهديد بالانسحاب من المجلس في حال المضي نحو هذه الخطوة، التي تعني الذوبان في كيان أكبر تسيطر عليه السعودية، وبرز على السطح أيضاً الخلاف العُماني الإماراتي مع باقي دول المجلس في ما يتعلق بالعملة الموحدة والسياسة المالية للمجلس، ومنذ أن استضافت عُمان القمة الخليجية عام 2008 لم يحضر السلطان قابوس أياً من القمم التالية، في إشارة إلى عدم الرضا العُماني عن اتجاه السياسة الخليجية، ومنها المنحى الخطير اليوم المتمثل بالحرب الشاملة على اليمن، والتي تقودها السعودية والإمارات تحت غطاء التحالف العربي المدعوم من أمريكا.
ونحا التطبيع بين إسرائيل ودول مجلس التعاون منحيين مهمين هما: التطبيع الاقتصادي والتطبيع السياسي، ولم تعر هذه الدول أهمية للحقوق الفلسطينية.
ويستند التطبيع الاقتصادي الذي تريده إسرائيل إلى ما لخصه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز، الرئيس الإسرائيلي السابق، بقوله: إن الشرق الأوسط يقوم على تكامل (الخبرة) الإسرائيلية والمياه التركية والعمالة المصرية والمال (والنفط) الخليجي.
ففي الأول من أكتوبر 1995 أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي رسمياً إنهاء المقاطعة الاقتصادية من الدرجتين الثانية والثالثة لإسرائيل، واعتبرته إجراءً يعكس التقدم في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط.
خيوط قذرة.. خارطة تدخلات
لعبت الدول الخليجية دوراً كبيراً في خدمة أهداف القوى الكبرى (الولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي) التي عانت المنطقة من ويلات سياساتها ومخططاتها وأطماعها.
حيث لعبت الحرب الأفغانية منذ مطلع الثمانينيات بعد التدخل الأمريكي ضد الاتحاد السوفيتي، الدور الفعلي لدول الخليج التي أدت دوراً وظيفياً كبيراً عبر تمويل وتسليح وإرسال الجماعات الجهادية السلفية إلى أفغانستان، ومن ثم كان المردود بعد ذلك كارثياً على المنطقة العربية, كما أدت الحرب العراقية - الإيرانية إلى اتساع الهوة في المواقف بين إيران من جهة ودول المجلس من جهة ثانية، وتأجيج الصراع في الخليج بين الجانبين، فضلاً عن العلاقات مع إسرائيل التي أقامتها بعض دول المجلس، على حساب علاقاتها مع الدول العربية ومع إيران.. إلى جانب الحملات الإعلامية التي تبثّها وسائل إعلامها ضد إيران، وتصوير المصالح بالأطماع.. وعلى كل حال، لاتزال مواقف دول المجلس حذرة، وتشعر بالخطر الكبير من وراء الانجرار إلى حرب مع إيران.
ولم تكن الأزمة مع إيران أزمة حدود أو امتلاك جزر، وإنما هي أزمة ساعدت دول الخليج في تأجيجها من خلال الارتهان والارتباط الوثيق بالمصالح الأمريكية والمشروع الأمريكي الغربي - الصهيوني في المنطقة، ولهذا فإن موقف مجلس التعاون الخليجي دائم التأزم مع إيران، ومرتبط دائماً بالمصالح الأمريكية.
بعد تأسيس مجلس التعاون الخليجي في الثمانينيات، لم يظهر أي دور له في الصراع العربي- الإسرائيلي، على الرغم من الدور المؤثر لدول الخليج خلال حرب أكتوبر 1973، حين هددت بقطع النفط عن أوروبا وأمريكا.
لكن هذا الأمر لم يتكرر في ما بعد، فقد غاب دور المجلس خلال مرحلة الثمانينيات، واقتصر على البيانات السياسية بدعم دول المواجهة وكفاح الشعب الفلسطيني، وشكّل الغزو العراقي للكويت عام 1990 نكسة على صعيد الجهود الخليجية في دعم القضية الفلسطينية، فتراجع هذا الدعم، وتجاوبت دول المجلس مع الضغط الأمريكي لدخول عملية السلام في مؤتمر مدريد عام 1991، وكذلك لتطبيع اقتصادي مع العدو الإسرائيلي.
حاول المجلس جعل نفسه همزة وصل بين مفاصل عمليات التغيير العربية الراهنة، عبر سلسلة من المبادرات في المنطقة، وإعطاء الإحساس بأنه النظام الوحيد الذي لا تزال وحداته السياسية تتحكم بمفاصل التغيير في الداخل.
فقد تزعمت بعض أنظمة دول الخليج موجة ثورات الربيع العربي، ولم يكن غريباً أن يكون الصعود الخليجي، إقليمياً، هو المشهد الطاغي على كل المشاهد العربية في ظل هذه الموجة المدمرة.
وبحكم الواقع الجديد تعاملت دول الخليج مع منطق الثورات العربية قطعة قطعة، من خلال خريطة مجزأة تتضمن تقسيماً استراتيجياً واضحاً، وبالذات تجاه الإفرازات اليمنية والسورية والليبية.
على الصعيد الليبي، لم تمتلك دول المجلس أي رصيد إيجابي مع النظام الليبي، وقد ظلت خلافات السعودية مع نظام القذافي قائمة في السنوات الأخيرة، وكان أبرز معالمها الكشف عن مؤامرة النظام الليبي لاغتيال الملك عبد الله بن عبد العزيز، ومن ثم ليس لدى دول المجلس أية مصلحة في بقاء نظام القذافي, لذلك عبّر التحرك الخليجي إزاء أحداث ليبيا منذ اليوم الأول، عن أن دول المجلس قد عزمت التآمر على قتل القذافي مقابل الاحتفاظ بعلاقاتها بالنظام الدولي.
ويتناقض الموقف الخليجي من الأحداث الليبية التي اندلعت في 17 فبراير 2011، حيث سارع إلى المطالبة بالتدخل الدولي تحت حجة حماية الشعب الليبي.
لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل وامتد إلى المشاركة في الحملة العسكرية الغربية بقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، للتدخل في الشؤون الداخلية بليبيا من خلال تمويل هذه الحملة مالياً والمشاركة العسكرية الرمزية (من قبل قطر والإمارات) في شنّ العدوان على ليبيا, ومن ثم رفد ليبيا بالجماعات الإرهابية.
لم يختلف موقف الدول الخليجية من الأزمة السورية عن موقفها من ليبيا، في ظل التعامل مع ما تتعرض له سوريا من مؤامرة خارجية، كانت مواقفها سريعةً في إظهار العداء لسوريا، ومتبنية لمواقف الغرب والولايات المتحدة.
حيث لعبت قطر والسعودية دوراً قذراً لتمويل العدوان على سوريا، وعملتا كل ما بوسعهما لمدّ المسلحين بالأسلحة علناً، ومدهم بكل ما يحتاجونه لاستمرار إجرامهم وتخريبهم، ومساعدة التنظيمات الإرهابية المتطرفة لممارسة أبشع جرائم القتل والترويع والتخريب، فضلاً عن الحملة الإعلامية التي توظفها لتضليل الرأي العام الخليجي والعربي والعالمي، وطمس الحقائق.
وشكّل الموقف الخليجي تجاه الأحداث في سوريا، في محاولة لعزلها وتدميرها نتيجة لمواقفها القومية، لاسيما إزاء دعمها للمقاومة والحقوق العربية الفلسطينية، حتى المبادرات أو المواقف التي تتخذها الجامعة من الوضع في سوريا تقوم بالأساس على موقف دول مجلس التعاون الخليجي، والذي تقوده قطر حالياً بعد تنحي السعودية عن هذا الدور.
كما انتقل موقف قطر والسعودية ضد سوريا إلى شكل علني ووقح بتمويل وتسليح وتصدير الإرهابيين لتحطيم الدولة في سوريا، وتهديد سيادتها وسلامتها الإقليمية، وتهجير شعبها.
وعلى خط الأزمة اليمنية، استمر التأجيج الخليجي بتأدية وظيفته الخبيثة منذ فبراير 2011 وحتى اليوم.
فقد دخلت السعودية على خط الأزمة اليمنية عبر المبادرة الخليجية، لإنهاء الأزمة بين المعارضة (الإخوان المسلمين وأتباعهم) والسلطة، على الرغم من عدم ثقة الطرف الثاني بنوايا هذه المبادرة، ونجحت هذه المبادرة في إزاحة الرئيس علي عبد الله صالح عن الحكم وتولي نائبه، إلا أن الوضع اليمني ازداد سوءاً لدول الخليج وأمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني، بعد نجاح ثورة 21 سبتمبر 2014 في الإطاحة بنظام الوصاية السعودية على اليمن, لتقوم بعدها السعودية بتأدية الدور الدولي المنوط بها من خلال شنها عدواناً عسكرياً سافراً على اليمن، تحت حجة إعادة الشرعية التي تديرها من داخل فنادق الرياض.
المصدر صحيفة لا / طلال سفيان