الشهيد الإماراتي الوحيد مات غرقاً في جزيرة طنب الكبرى
نوفمبر الاستقلال .. لا مكان للجنوب في الجنوب


مع غروب الـ29 من نوفمبر 1967, غادر الميجر (داي مورغان)، قائد الكتيبة الـ42 كوماندوز التابعة لمشاة البحرية الملكية البريطانية، مدينة عدن، بصحبة السير (همفري تريفيليان)، آخر مندوب سامٍ بريطاني للجنوب, عبر طائرة مروحية أقلتهما الى إحدى السفن البريطانية التي كانت متواجدة في عرض البحر، وقد سبقهما الى هناك الكثير من الجنود البريطانيين وعائلات بعض الموظفين الذين كانوا يعملون في الإدارة البريطانية في عدن, لتنتهي معها قصة احتلال الإمبراطورية الاستعمارية التي غابت عنها الشمس عن جنوب الوطن الغالي، بعد 128 عاماً من الاحتلال البغيض.
في ذلك اليوم، وقبل أن تبحر السفن البريطانية من خليج عدن، لم يدر ببال السير تريفيليان وجنود المملكة العجوز، وهو يرمق مدينة عدن في لحظات الوداع الأخير لأبناء الكابتن (هانس) الذي احتل مدينة عدن عام 1839, أن مملكته ستعود إلى هذه الأرض اليمنية وخاصرتها من جديد، وعبر أدوات وأحداث جديدة. .وفقاً لاتفاق جنيف الذي وقعه المفاوضون اليمنيون من الجبهة القومية وممثلو الحكومة البريطانية، رحل آخر جنود الاستعمار عن جنوب الوطن، ليعلن في اليوم التالي استقلال جنوب اليمن.. ليصبح اليوم الأخير لنوفمبر يوم الحرية والاستقلال الناجز من المستعمر البريطاني الغاصب، حيث تمكن اليمنيون الأحرار، وتمكن الثوار، وبعد نضال شاق وطويل، خاضته الجماهير اليمنية في مقاومة الاستعمار البريطاني، والسلاطين، من تحقيق الاستقلال الوطني.
ومع حلول هذه الذكرى المجيدة، يأتي هذا الحدث والمناسبة العظيمة وعدن وجنوب الوطن في ظل احتلال جديد وعدوان خبيث على عموم الوطن، للعام الثاني على التوالي.
من المؤلم أن نرى بعض أبناء الوطن وهم يقعون في شباك الخديعة الذي نصبه العدوان وأدواته لهم عبر شعارات ومبررات خادعة تعتمد كل الأساليب القذرة الواضحة للعيان، فنجد من يتعاون ومن يبرر للعدوان والغزو والاحتلال رغماً عن أنف الدين والعقل والمنطق والتاريخ والجغرافيا، ورغماً عن موروث النضال ضد الامبريالية الاستعمارية البريطانية الأمريكية والسعودية الرجعية.
فجنوب الوطن يرزح اليوم تحت الاحتلال العسكري الأمريكي الإماراتي السعودي، وأصبحت محافظات الجنوب في ظل الاحتلال منطلقاً لشن العدوان والحصار والتحشيد والتعبئة ضد بقية المحافظات التي تواجه وتتصدى للمشروع الشيطاني السعودي الأمريكي, ومشروعاً خاصاً للعميل البريطاني الفار إلى فنادق الرياض.
لم تكن هذه الذكرى الخاصة بالاستقلال منذ بدء العدوان والاحتلال، بعيدة عن محاولات طمسها من الذاكرة الوطنية, في ظل العدوان السعودي الأمريكي التحالفي المجرم الذي أهلك الحرث والنسل، ودمر البنيان والبنى التحتية والآثار الحضارية اليمنية العظيمة لهذا الشعب المقاوم للعدوان والغزو والاحتلال، والرافض وبشدة لمنطق فرض الاستسلام وقبول الوصاية السعودية الأمريكية البريطانية.. فمع ذكرى الـ30 من نوفمبر (يوم الجلاء)، اتخذت دولة الإمارات التي تشارك بقوة في قتل اليمنيين واحتلال أراضيهم, من نصب حاكميتها على أجزاء كبيرة من جنوب الوطن، مرتكزة بذلك على جيش من الخونة والمرتزقة وسماسرة الموت من اللعب على منحى آخر، وهو ما تسميه (يوم الشهيد الإماراتي) في أرض جنوب اليمن، في إشارة إلى مقتل أول جنودها (عبدالعزيز الكعبي) على أرض اليمن، منتصف أغسطس العام الماضي, وما تلاه من جنود قتلوا في عديد مناطق يمنية..ليطغى على المشهد الاحتفائي ليوم التحرر والاستقلال من الاستعمار البريطاني عن جنوب الوطن، يوم (الشهيد الإماراتي) المحتل والمغتصب لكرامة هذا الوطن, عبر احتفالات شهدتها بعض محافظات الجنوب، حملت شعارات (عدن عاصمتنا.. الاستقلال إرادتنا.. مع التحالف يتحقق حلمنا.. ومن أجل جنوب جديد.. مبادلة الوفاء بالوفاء.. شهداء الإمارات شهداؤنا).
ففي ليلة الاحتفال بعيد الجلاء الـ49 لطرد آخر جندي مستعمر بريطاني في الـ30 من نوفمبر، نشبت بعض الخلافات في إحياء ذكرى الـ30 من نوفمبر، بين مكونات الحراك الجنوبي وقوات الاحتلال السعودية والإماراتية، حول إحياء هذه المناسبة العظيمة, حيث رفضت الإمارات أن يحتفل أبناء الجنوب اليمني بهذه المناسبة العظيمة، وقامت بحملات مداهمة للمنظمين واعتقالهم في ساحتي عدن والمكلا, وفرضت أجندتها الخاصة بإقامة الاحتفال فقط بمناسبة ما تطلق عليه (يوم الشهيد الإماراتي), وذلك لتكريس هذه المناسبة كحدث آخر يهدف للصراع والتناحر بجعلها كابوساً لكل أبناء الجنوب.. لم تعرف الإمارات عبر تاريخها الصغير, سقوط أي من جنودها نظراً لعدم خوضها أية معركة على الأرض.
في الـ30 من نوفمبر عام 1971, قالت هذه المشيخة الخليجية بأنه سقط أول (شهيد) إماراتي، ويدعى سالم سهيل خميس، في معركة طنب الكبرى ضد القوات الإيرانية.. في ذلك اليوم لم تشهد جزيرة طنب الكبرى ومعها الصغرى وأبو موسى، أية معارك, حيث دخلت قوة عسكرية إيرانية ورفعت عليها الأعلام الإيرانية بأوامر من الشاه، وأمام هذا المشهد فر الجندي الإماراتي خميس مرعوباً وغرق في بحر الخليج.
تحاول مراراً جيتوهات الخليج إيجاد أية فرصة من بوابة التكريم، حتى وإن كان باسم (شهداء)، كما حصل مع أحد القطريين في أحداث ليبيا, ولم تنل هذا الشرف الذي تتوهمه نهائياً إلا عبر إرهابيين وظفتهم لقتل الشعوب الإسلامية منذ زمن, أو الشرف الذي قدمه لهم (توشكا) بحصد الكثير من أرواحهم الجبانة في موقع (صافر) بمحافظة مأرب، أكتوبر العام الفائت.
ومهما حاولوا، من عدوان واحتلال وتدمير وطمس وإحلال، ستظل ذكرى 30 نوفمبر خالدة في ذاكرة الأجيال، وسيعلم الذين زوروا التاريخ واعتقدوا أن الأجيال الجديدة لا ذاكرة لها، أن أجيال اليوم والغد هي أكثر ذكاء في استحضار بطولات الآباء والأجداد، والتعلم منها، وأخذ العبرة من لحظاتها المشرقة. 
فذكرى (30 نوفمبر) ليست مناسبة للنشاز الإماراتي، بقدر ما هي ذكرى وطنية لليمنيين، وامتداد متأصل لثورة الـ14 من أكتوبر التي كانت إحدى أهم المحطات النضالية التي خاضها الشعب اليمني شماله وجنوبه شرقه وغربه، ضد الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدر الشعب اليمني لأكثر من 128 عاماً، ذاق فيها ويلات القتل والتنكيل والاستعباد والاستبداد.