مصرية زوجها محمد البعداني سعودي من ذمار
دنيـــا.. والرصيـــف آخـــرة!

على رصيف في إحدى حارات مدينة حدة بالعاصمة صنعاء، تجثم دنيا عبد الرحيم المتولي، مصرية الجنسية، مع 3 من أطفالها، تحت شجرة اتخذوا منها مظلة تقيهم حر الشمس، إلا أنها لم تستطع منع شفرات البرد الحادة من الوصول إليهم وخدش أجسادهم, بعد أن أقلهم قطار المعاناة التي تروي قصتها دنيا من محطة عروس البحر العربي التي دمر العدوان ملامح جمالها (عدن)، مروراً بالحالمة التي قتل ذات المجرم حلمها (تعز)، وصولاً إلى عاصمة الصمود الأسطوري (صنعاء) التي حدثت فيها الجلبة.
محمد البعداني سالم السعودي اسم واحد لزوج دنيا ووالد أطفالها، عمل طبيباً في أحد مستشفيات مدينة جدة السعودية، والذي عملت فيه أيضاً زوجته طبيبة في قسم النساء والولادة, توفي وهو مسافر في الخارج قبل 5 سنوات، حسب ما تروي زوجته التي قالت إن حالتهم المادية ساءت كثيراً بعد أن أوقفت الحكومة السعودية راتبيهما منذ وفاته.
انتقلت من السعودية إلى مصر، ومن ثم قدمت إلى اليمن، بعد أن التقت بالصحفية يسرى الأكوع التي أقنعتها بالقدوم لأن لديها فرصة عمل لها كما قالت. وأضافت والدة حاشد أنها منذ وصولها إلى اليمن لم تتواصل يسرى معها، فمكثت في محافظة عدن الواقعة تحت سيطرة العدوان ومرتزقته, وأشادت بالرعاية التي قدمها لها أهالي المحافظة, وبعدها انتقلت إلى محافظة تعز المنطقة التي يسيطر عليها دواعش المقاولة (منافقو العدوان) بالتحديد، ومدحتهم كثيراً لما قدموا لها من مساعدات، ومن ثم شدت رحالها صوب مدينة ذمار التي قال حاشد ابنها ذو الـ12 عاماً إنهم دفنوا والده (سالم السعودي) فيها، في الوقت الذي تذبذبت فيه أقوال والدته تارة بأن زوجها سعودي الجنسية توفي في الخارج ودفن هناك, وتارة بأنها تشك في وفاته ولديها أمل كبير في عودته. ويضيف حاشد أن لديه أخاً أكبر اسمه أحمد، عمره 20 عاماً، يعمل لدى أحد مشائخ محافظة ذمار, وأختاً كبرى اسمها تونس، متزوجة هناك، وهذا ما أكدته والدته بعد بوحه به.
استمر حاشد محمد البعداني في التحدث بما لا يعجب والدته التي بدورها تقاطع حديثه بجملة (دعوكم منه فهو لا يعرف شيئاً), سكت ابنها وانصرف إلى دفتره الذي تضم صفحاته رسومات كرتونية، حيث المعاناة تنساب من بين أصابعه التي كانت تقوم بتلوين رسمه لشخصية الرجل العنكبوت.
أما أخته يمامة ذات الـ5 أعوام بوجهها الداكن وعينيها الصغيرتين اللتين تظهر فيهما براءة طفولتها، فلم تتحدث، واكتفت بالابتسامة التي تشق فمها وتمتلئ بالألم, إلا أنها تُسكت بها ضجيج الشارع الذي تسكن على رصيفه.
اتجهت بعدها العائلة من ذمار إلى محافظة صنعاء ملاذ الهاربين من بطش العدوان وهمجية مرتزقته من مختلف المحافظات التي وصلت إليها نيرانه, حيث يشيد النازحون بما تفيض به صنعاء وسكانها من مساعدات مختلفة تقدمها لهم، ومن معاملة حسنة, لكن زوجة محمد البعداني تهاجمها وأهلها، وتتهمهم بسوء المعاملة، وأنهم لم يقدروا وضعها الإنساني الصعب, وعندما وجهنا إليها سؤالاً مضمونه: لماذا لا تعودين إلى إحدى المحافظات التي تلقيت فيها معاملة حسنة؟ أجابت بالصمت المحير!
وحسب ادعائها فقد سُرقت أوراقها الرسمية وجوازات السفر وكذلك بطائقها في محافظة صنعاء، تحديداً في الحي الذي تقطن على أحد أرصفته, والمثير للجدل هو أن ابنتها مكّة (14 عاماً) تدرس في مدرسة 14 أكتوبر، ودخلت المدرسة عن طريق صورة بطاقة والدتها دنيا التي سبق أن نفت بقاء أية وثائق بيدها, كما جاء على لسانها.
مع اختلاف أقوالها وتناقضها، تجلب دنيا الشك في حقيقة حالتها الإنسانية الصعبة, فمثلاً زوجها محمد البعداني من المفترض أن يكون من محافظة إب, وحاشد ابنها يقول أنهم من ذمار، وكذلك يدل كلامهم ولهجتهم على أنهم ولدوا وترعرعوا في اليمن، لأنها لا تدل على لهجة خليجية البتة, على غرار ما تقوله والدتهم بأن لقب زوجها هو سالم السعودي، وأنه من مدينة جدة التي عاشت فيها دنيا وأولادها إلى ما قبل 5 سنوات.
تفاوتت آراء سكان الحي حول أنها حالة إنسانية تستدعي المساعدة, أو أنها محتالة شريرة, فالبعض يقول إنها زارت الحي في شتاء العام الماضي، وكانت لديها أعذار مختلفة عما لديها الآن, وآخرون يقولون بأن لديها ابنتين شابتين تعملان في فندق الشام، وأن وراءها سراً مريباً يجب الكشف عنه.
أما وجهة نظر الآخرين فتدور حول ضرورة مراعاة حالتها الإنسانية وسرعة مساعدتها كونها تشكو من عسر الحال، في الوقت الذي من المفترض أن تخضع لعمليتين جراحيتين في القلب والدماغ, وتعاني أيضاً من ضعف في الرؤية بسبب عدم قيامها بإجراء العمليتين.
لا عجب في اختلاف آراء سكان الحي، فقد شهدت العاصمة في ما مضى حالات إنسانية مريبة وغريبة اتضح بعدها أنها تعمل على شكل عصابات منظمة للاحتيال على الناس، وكذلك سرقة الأطفال والتسول بهم, ولهذا فإن الشك ضروري، خصوصاً في ظل الوضع الراهن الذي وظف فيه العدوان شتى أدواته بأنواعها ووسائلها للنيل من العاصمة صنعاء, وأكبر دليل هو حجم الخلايا التابعة له، والتي كانت تمده بالإحداثيات التي كشفت عنها وزارة الداخلية قبل أسبوعين.
وضع العائلة السيئ وما باح به ابنها يجعل بين الشبهة والإنسانية شعرة.