الصراري يسبق كونداليزا رايز مبشراً : الشرق الأوسط الكبير فرصة تاريخية
- تم النشر بواسطة علي محمد الصراري

في نبوءة عبر صحيفة الشورى عام 2004
الصراري يسبق كونداليزا رايز مبشراً : الشرق الأوسط الكبير فرصة تاريخية
لأكثر من نصف قرن مضى ظلت الدول الصناعية الكبرى في العالم، المعروفة بمجموعة الثماني تعتقد أنها غير معنية بأية مسئولية من أجل تنمية وتحديث منطقة الشرق الأوسط، وبقدر ما كانت تحرص على انتزاع مصالحها الاقتصادية حتى آخر مليم، ظلت تردد أن تنمية بلدان المنطقة وتحديثها هي مسئولية حكوماتها وشعوبها.
ولطالما ظلت الدوائر السياسية الحاكمة في البلدان الثماني تطالب حكومات بلدان منطقة الشرق الأوسط بأدوار سياسية وعسكرية متعاظمة في إطار التحالف معها إبان سنوات الحرب الباردة، وقدمت هذه المنطقة النصيب الأوفر من الذخيرة الأيديولوجية المستخدمة ضد المعسكر السوفييتي أثناء الحرب الباردة، وكان شبابها، وغالباً المراهقون من فتيتها المادة الأكثر تفجراً في وقائع الجهاد الأفغاني.
وما أن أطلق المجاهدون من العرب الأفغان تكبيرتهم الأخيرة في معركة السيطرة على كابول عام 92م، حتى بدأت الدوائر السياسية الغربية تسحب يدها من يد من دربتهم ونظرت لحربهم المقدسة، ولا تخفي توجسها منهم كخطر وشيك عليها، وعلى مصالحها، وبدأت هذه الدوائر من لحظتها تعد العدة للحرب الكونية القادمة، التي عرفت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م باسم الحرب على الإرهاب.
غير أن منطقة الشرق الأوسط صاحبة المدد العظيم اقتصادياً وعسكرياً وأيديولوجياً خلال الحرب الباردة، خرجت بدون مكاسب، خرجت هي الأخرى مهزومة بما حصدته من نتائج وخيمة، فإلى جانب أنها تحملت العبء الأكبر من التكلفة الاقتصادية للحرب ضد المنظومة السوفييتية، فإنها حصدت أيضاً ركوداً فاجعاً في مجال التنمية وتعطل إمكانيات الديمقراطية السياسية فيها، لمصالح تكريس أنظمة حكم استبدادية بالغة التأزم والرجعية، وبأوضاع اجتماعية وثقافية مغرقة في التخلف والبدائية.
والأشد خطورة من هذا وذلك، أنها خرجت من هذه الحرب وقد تضخمت لديها أعداد الفتيان المعبئين بالأفكار التكفيرية المتطرفة، والمدربين عسكرياً ومعنوياً بالقدر الكافي لمواصلة الحرب التي لا يحسنون أي شيء آخر غيرها، وتحولت أفكارهم الجامدة ونماذج حياتهم المغلقة إلى جزء فعال من الميكانيزمات الحاكمة للحياة الداخلية لمجتمعات بلدان الشرق الأوسط الإسلامية، بما يعرقل تطورها من ناحية، ويحولها إلى إشكالية دموية مع نفسها ومع العالم من حولها من ناحية ثانية.
وظل العالم الغربي وفي صدارته الدول الثماني الصناعية الكبرى، ينظر إلى هذه الإشكالية على أنها مشكلة داخلية تخص بلدان الشرق الأوسط الإسلامية، وهي وحدها المعنية بحلها، معتقداً أنه يستطيع أن يواصل حصد مصالحه الاقتصادية بدون أن يدفع حصته من تكلفة الحرب الباردة، غير أن أحداث 11 سبتمبر 2001م قلبت الحسابات رأساً على عقب، ودحضت أوهام الشعور بالأمان، إذ وجدت الولايات المتحدة على سبيل المثال أن ما نزل بها من خسائر على يد حفنة ضئيلة من الأفغان العرب تفوق بما لا يقاس ما استطاع أن ينزله بها الاتحاد السوفييتي المدجج بالأسلحة النووية من خسائر.
ولم يكن التخلف والأوضاع الداخلية المشينة هي وحدها ما جنته بلدان منطقة الشرق الأوسط الإسلامية من مترتبات دورها في الحرب الباردة، بل وجدت نفسها أيضاً مهانة إلى أقصى درجات الإهانة في استمرار الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية والفلسطينية، وفي وقوع بلد عربي -إسلامي آخر هو العراق، في قبضة الاحتلال الأمريكي المباشر، وعرض النموذج العراقي كاحتلال، المصير الذي يحدق بالمنطقة العربية- الإسلامية كلها.
في أتون هذه التطورات التراجيدية جاءت نتائج القمة الأخيرة للدول الثماني الصناعية الكبرى في العالم، والتي مثلت الوثيقة التي أقرتها حول الإصلاحات في بلدان منطقة الشرق الأوسط الكبير تطوراً نوعياً في مواقفها نحو بلدان المنطقة، فالوثيقة الموقّع عليها في القمة تقر بحق البلدان العربية والإسلامية (الشرق الأوسط الكبير) بالتنمية والديمقراطية والتحديث، وتستند إلى توصيات عملية توصل إليها مجموعة من خيرة المفكرين والمثقفين العرب، الذين شاركوا في إعداد تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر عن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة لعامي 2003-2004م، وفي الوثيقة الصادرة عن قمة الدول الثماني الصناعية الأقوى والأكبر في العالم، تعهدت هذه الدول بتقديم العون المادي والسياسي، ووفق برامج محددة لبلدان المنطقة العربية والإسلامية لدعم مشاريع التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيها، ومساعدتها على تحسين أوضاعها الاقتصادية وتطوير منظوماتها السياسية نحو توسيع قاعدة المشاركة في صناعة القرار السياسي وتنمية الممارسات الديمقراطية نحو إيجاد الحكم الصالح والرشيد، وتطوير أوضاعها الاجتماعية من خلال البرامج الخاصة بتنمية مشاركة المرأة وتمكينها وتقوية دور مؤسسات المجتمع المدني، والعمل من أجل خلق مجتمع المعرفة ونشرها وتوطينها، وأرفقت هذه الوثيقة بخطة مقرة لتنفيذها تحدد المسئوليات والالتزامات الملقاة على عاتق الدول الثماني، إزاء تطوير أوضاع بلدان المنطقة العربية - الإسلامية.
ولأول مرة في تاريخ العلاقات بين بلدان الغرب والبلدان العربية تعترف البلدان الغربية بمسئولياتها نحو تطوير وتحديث المنطقة العربية -الإسلامية، وتربط بين المساعدات التي ترصدها البلدان الثماني الصناعية الكبرى، وبين تنفيذ البلدان العربية لمشروع الإصلاحات الذي غدت شعوبها تحتاجه على نحو مُلحّ، بل وشديد الإلحاح.
وبالنظر إلى ما وصلت إليه الأوضاع في المنطقة العربية من السوء والتردي، غدا من المستحيل تحقيق أية توجهات لتطوير وتحديث البلدان العربية دون مشاركة الأطراف الدولية القوية، وممارستها لما يمكن تسميته بالضغوط الإيجابية لصالح حقوق وقضايا شعوب المنطقة العربية، علاوة على أن هذا الموقف صار يشكل عاملاً حاسماً في الأخذ بيد بلدان المنطقة، ونقلها إلى مرحلة البناء الداخلي بمفاهيم العصر ومقاييسه، وبدون هذا الموقف وهذه المساعدة فإن أمل شعوب المنطقة العربية الإسلامية في التطور يتضاءل وينحدر إلى مستوى أدنى من الصفر.
واستناداً إلى نفس السياق المتصل يمكن أن يستخلص المرء أن الوثيقة الصادر عن قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى والخطة التنفيذية المرافقة لها تمثل فرصة تاريخية أمام شعوب ودول المنطقة العربية - الإسلامية ينبغي استغلالها إلى الحد الأقصى، وما لم يحدث ذلك فإن قدر هذه المنطقة سيظل يطوف بها في أرجاء خرائب التاريخ وأطلاله البالية بدون أفق للحياة أو هامش للأمل.

المصدر علي محمد الصراري