تزداد يوماً بعد آخر معاناة صامتة بين أروقةِ كلية الطب، يتجرعها الطلاب بصمتٍ ورهبة دون أن ينتبه لذلك أحد، فيواصلون طريق تحقيق النجاح وتجاوز الصعوبات علَّ شيئاً يتغير، فيستمرون بالسيرِ على أرضٍ مزروعةٍ بالشوك.
الرهبة خشية أن يصرخوا بوجه ما يلمسونه من تمادٍ في حقهم كطلابٍ يجب مراعاتهم، كعاملِ الوقت في وضعِ أسئلة الامتحان وأخذ الوقت الكافي، أو وضع الدرجات بطريقة عشوائية، فتذهب جهود المجتهد هباءً، وغيرها من الإشكالات التي تواجههم. 
تلك المعاناة وصل أنينها إلى آذان صحيفة (لا)، التي بدورها تلمّست أوجاعهم، وحاولت أن تضعَ معهم النقاط على الحروف..
20 دقيقة لأصعب الأسئلة
تفاجأ الطلاب أثناء امتحانهم نهايةِ الترم أن الأسئلة وضعت خارج الإطار المحدد، وأنه تم التركيز على أسئلة غير مهمة، حسب الطالب محمد الذي واصل بالقول: هذا الأمر سبب لنا إرباكاً أثناء تأديةِ الامتحان سواء النظري أو العملي، فالنظري تم وضع 20 سؤالاً، والوقت 20 دقيقة، والسؤال عبارة عن حالاتٍ مرضية تحتاج مزيداً من الوقت والتفكير..
ورداً على ذلك أوضح الدكتور خالد الكحلاني حول ما طرحه الطلاب بقوله: بخصوص عدم كفاية الوقت للإجابة على الأسئلة، أعتقد أن هذا غير صحيح، ولا أدري أن هناك امتحاناً يتم فيه إعطاء 20 دقيقه لـ20 سؤالاً، ويضيف: ما أعرفه أن الوقت يكون كافياً وزيادة.. وهناك طلاب يطلبون تسليم الإجابات عند منتصف الوقت.. والبعض قبل ذلك. ولكن طبيعة الأسئلة متعددة الإجابات تكون هكذا.. أحياناً تكون الإجابة صعبة، وأحياناً هناك أكثر من إجابة محتملة.. وإذا لم يكن الطالب أو الطالبة يعرف الإجابة الصحيحة، فإنه عادة يلجأ للتخمين.. الذي قد يصيب وقد يخيب. 
 
أنت وحظكَ
من جانبٍ آخر، امتعض مجموعة من الطلاب أثناء ظهور الدرجات، حيثُ يرون أنه تم وضعها بطريقةٍ عشوائية، حسب شكواهم، وأن التفاوت الكبير بدا واضحاً، فالطالب المجتهد لم يأخذ درجته كاملة، بينما الخامل حصل على الدرجة كاملة، كما قالت الطالبة إشراق التي أضافت: وصارت الدرجات هكذا (ضربة حظ)، حسب تعبيرها..
(لا) بدورها تقصّت عن حقيقة ذلك من الدكتور خالد الكحلاني الذي تجاوب مشكوراً، مؤكداً أنه يتفق مع ما طرحه الطلاب، ويواصل: تقييم الطلاب في الامتحانات العملية يخضع فعلاً للحظ والمزاج، وليس تقييماً موضوعياً، وقد يظلم فيه طالب مجتهد، بينما طالب مهمل ومتواضع المستوى يمنح أكثر من حقه، وهذا شيء مؤسف..   يستدرك الكحلاني: ولكن من جانبٍ آخر أرجو أن يفهم الطلاب أن هناك الكثير منا كأساتذة نحاول أن نكون في صف الطالب الذي نشعر أنه متوتر أو غير مذاكر، ونعطيه أكثر من فرصة لمساعدته على النجاح. 
 
فيتامين (و)
إذا كانت كلية بحجمِ الطب تستخدم الواسطة في بعضِ تعاملاتها، فلنقرأ إذن على التحصيلِ الجامعي السلام، فقد عُرف عنها دائماً أنها تتعامل بشفافيةٍ مطلقة مع طلابها.. ولكن حين اكتشف مجموعة من الطلاب أن زميلهم (س) يداوم لأكثر من شهر متواصل، عندما أخبرهم الدكتور بقسم العملياتِ أن ذلك بمثابة دليل يُعبر عن اجتهاده ومواظبته. ولم يدرِ ذلك الدكتور أن كلماته تلك كانت (مثاراً لدهشتنا أنا وزملائي)، حسب ما قال محمد الذي أضاف: حيث لا يُسمح لنا بالحضورِ عادةً إلا مرة واحدة في الأسبوع بالنسبة لحضور العمليات، ويتم توزيعنا حسب جداول في المستشفيات، ولكن حينها فهمنا وأدركنا أن السر في السماح لزميلنا بالدوام المتواصل كل هذه الفترة، وعدم السماح لنا سوى مرة واحدة فقط في الأسبوع، السر يكمن في فيتامين (و).
بدورها أيضاً تقصّت (لا) عن حقيقة هذا الأمر، وأكد الدكتور الكحلاني أن التدريب في العمليات يتم الالتزام فيه بالجدول، وليس شرطاً أن من يحضرون فترات أكثر يكون ذلك بناءً على واسطة أو محسوبية. (غير أن بعض الطلاب الذين لهم ميول جراحية يطلبون أحياناً الحضور والمشاركة في العمليات، ونوافق كأساتذة على ذلك من باب تشجيعهم ودعمهم، وليس لأي شيء آخر، وإذا وجدت هناك حالات واسطة فأعتقد أن عددها محدود جداً)، حسب الدكتور الكحلاني.

منعطف أخير
تلك صور مختصرة عن معاناةِ أطباءِ المستقبل، وربما ما خفي كان أعظم، فإعادة النظر في بعضِ ما يحدث في أروقةِ كلية الطب أمر مهم للغاية، ويحتاج وقفة جادة من الجميع، نأمل أن تصل الرسالة.